أهلية النكاح وسن الزواج في الإسلام[١]

قبسات من أنوار عالم فاس
الشيخ الفقية الأصولِىّ محمد بن محمد التاويل
المتوفى سنة ١٤٣٦هـ رحمه الله تعالى

المبدأ العام في الإسلام والقاعدة الكلية في شريعته المعلومة من الدين بالضرورة أن أهلية النكاح لا تتحدد بسن معينة لا يُسمح بالزواج قبلها بل الأمر موكول إلى ظروف الإنسان وإرادته وأنه يجوز التزوج والتزويج في مختلف الأعمار من المهد إلى اللحد والذكر والأنثى في ذلك سواء مع مراعاة شروط معينة في الدخول والتمكين من الوطء تَكَفَّلَ الفقهاء ببسطها. وكلُّ تحديدٍ لسن الزواج ومنع الراغب فيه من عقده هو مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة ومقاصد الشريعة وضدّ المصلحة وعَضْلٌ للمرأة وانتهاكٌ لحقوق الإنسان بمفهومها الإسلامِى.

أولًا أما مخالفته للكتاب فإن القرءان يدل على جواز النكاح في الصغر والكبر تارة بطريق العموم وأخرى بطريق الخصوص من ذلك

١.  قوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[٢] وهو عام في كل امرأة لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة في كل عبد صغير أو كبير لقاعدة أن الجمع المعرف بالألف واللام أو الإضافة للعموم.

٢.  قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)[٣] وهو يدل بمفهومه على جواز نكاح اليتيمات إذا أقسط فيهن ولا يُتْمَ بعد البلوغ كما قال صلى الله عليه وسلم.

٣.  قوله تعالى (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ)[٤] وهو نص في جواز نكاح اليتيمة بشرط القسط ولا يُتْمَ بعد البلوغ.

٤.  قوله تعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)[٥] وهو نص في وجوب اعتداد من لم تبلغ سنّ الحيض بثلاثة أشهر والعدة فرع وجود النكاح ووقوع الطلاق ولا يوجد الفرع دون وجود أصله وبذلك تدل الآية على جواز نكاح الصغيرة قبل بلوغها وهو عامٌّ لا يصح تقييده بسن معينة لقاعدة أن أسماء الموصول للعموم حقيقة وقاعدة أن العام محمول على العموم حتى يوجد ما يخصصه ولا وجود له هنا.

ثانيًا وأما مخالفته للسنة فإن هناك أحاديث كثيرة صريحة في جواز النكاح في الصغر دون تحديد للسن من ذلك

١.  حديث عائشة المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست ودخل بها وهي بنت تسع وهو نص صريح في الموضوع لا يقبل التأويل.

٢.  حديث عائشة رضي الله عنها في سبب نزول ءاية (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)[٦] قالت هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص من صداقها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لها في إكمال الصداق.

٣.  حديث أبي موسى مرفوعًا (تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكنت فقد أذنت وإن أبت لم تكره).

٤.  حديث أبي هريرة بنحو حديث أبي موسى.

٥.  حديث ابن عمر من قصة طويلة وفيه (هِى يتيمة ولا تُزَوَّجُ إلا بإذنها).

٦.  حديث أبي هريرة بلفظ (تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكنت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها).

٧.  حديث ابن عباس مرفوعًا (ليس للولِى مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر وصمتها قرارها).

وهذه الأحاديث نصٌّ في جواز نكاح اليتيمة إذا أذنت وإذا جاز نكاح اليتيمة قبل البلوغ فذات الأب أولَى بذلك.

ثالثًا وأما مخالفته للإجماع فإن الفقهاء أجمعوا على جواز تزويج الصغيرة على خلافٍ بينهم في اشتراط رضاها إلا ابن شبرمة الذي قال لا يزوج الأب ابنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن وهو شذوذ منه ترده الأحاديث السابقة والآيات المتقدمة.

رابعًا وأما مخالفته لمقاصد الشريعة فإن المتتبع لمقاصد الشريعة الإسلامية في النكاح يعلم أن مقاصد النكاح ليست محصورة في الوطء وحياة الجنس بل هناك مقاصد أخرى مشروعة أشار لبعضها الحديث المشهور (تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها ولحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) ولحديث البخاري (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده).

والنكاح في الصغر قد يحقق بعض هذه المقاصد المشروعة المنصوص عليها وغيرها. وقد رُوِىَ أن قدامة بن مظعون تزوجَ صبيةً صغيرةً فقيل له في ذلك فقال ابنة الزبير إن متُّ ورثتني وإن عشت كانت لي زوجة وهو يُبَيِّنُ بوضوح أن مقاصد الناس من النكاح مختلفة فقد يكون القصد شرف المصاهرة أو توريث الزوجة مالًا مع عدم استعجال الدخول وقد أخره الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين حتى تطيق الزوجة الوطء (أي دخوله صلى الله عليه وسلم بعائشة).

خامسًا وأما مخالفته للمصلحة العامة ومصلحة الزوجين بصفة خاصة فإن من مصلحة الذكر والأنثى معًا الارتباط بنكاح شرعِى والمبادرة إليه وقاية لهما من الوقوع في المحظور وحماية للمجتمع من انتشار الفساد السرِىّ والعلنِىّ والحد من ءاثاره السيئة وما يترتب عليه من مشاكل اجتماعية وصحية وإنسانية تتمثل في جرائم وأمراض ولقطاء وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض قالها ثلاثا).  وتحديد سن الزوج ورفعه إلى ثمانية عشر أوعشرين عامًا كما تطالب به بعض الجمعيات يخالف هذه المصالح ويعرض المجتمع إلى سوق للعوانس يبحثن عن الحرام في كل مكان يسعين إليه بكل الطرق والوسائل.  كما يفتح أبواب الرشوة والتلاعب في شهادة الميلاد والتحايل على مصراعيها وهذه كلها مفاسد تترتب على تأخير سن الزواج ومن القواعد الأصولية أنَّ دَرْءَ المفاسدِ مقدم على جلب االمصالح وأن سد الذرائع إلى الحرام واجب.

سادسًا تحديد السن نوع من العَضْلِ الممنوع شرعًا قال تعالى (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)[٧] ثم هو انتهاكٌ لحقوق الإنسان المضمونة له شرعًا بحديث (حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ) يعنِى إذا بلغ الحُلُم وهو غالبًا ما يحصل عند الخامسة عشرة وقبلها في بعض الأحيان. 

وإنه لمن العجب أن يهتم البعض بِشُغْلِ الفتاة ولا ينزعج أحد من أزمة العنوسة في بلدٍ يفوق عدد العوانس فيه ستة ملايين!! فهل حق العمل أحق من حق الزواج. وهل المال أقدس من العرض. أم هناك تواطؤٌ غير معلن على دفع هذا الجيل إلى العنوسة والعزوبة وإغلاق باب الحلال في وجهه وإلجائه إلى الحرام الميسور وتفريخ أبناء الحرام بقصد تخريب المجتمع بكامله.

إن الزواج المبكر يُمَّكِنُ المرأةَ من حقها الطبيعِى والشرعِى في العيش في ظلال بيت يحفظ كرامتها وشرفها ويتيح لها فرصة أمومة رحيمة تداعب فيها طفلها وتبتهج بولادته بدل أن تَخْنُقَهُ أو تُلْقِىَ به في صناديق القمامة وهِى خائفة من متابعة القانون وعذاب الضمير أو تلتحق بطابور (الأمهات العازبات) اللواتي شَوَّهْنَ سمعتهن وسمعة بلادهن وشككن الشباب في عفاف الفتاة المغربية.

سابعًا الزواج المبكر بالإضافة إلى ما فيه من المصالح السابقة فإنه لا يشكل أية خطورة على المرأة كما يشهد لذلك تصريحات عدد من الأطباء المختصين في هذا الموضوع وكما يدل عليه الواقع المعيش فإن أكثر (الأمهات العازبات) هن دون السادسة عشرة من عمرهن وقد ولدن من الحرام وفِى ظروف تتسم بقلة الرعاية في فترة الحمل وعند الوضع ولم يصبن بمكروه ولم يلحقهن أذًى من جراء ذلك. لهذه الأسباب لا أرى موجبًا لتحديد سنّ الزواج بثمانية عشر أو أقل أو أكثر إلا في حال اليتيمة فإنها لا تزوج إلا بعد بلوغها لأنه لا بدّ من رضاها والصغير لا يُعْتَدُّ برضاه وهذا الموافق للفقه المالكي حيث يقول خليل (ثم لا جبر فالبالغ إلا يتيمة خيف فسادها وبلغتْ عشرًا وَشُووِرَ القاضِى)

كما أن حديث (من منع يتيمًا له النكاح فزنا فالإثم بينهما) يحَمّلُ كل من يمنع النكاح قبل بلوغ الثامنة عشرة مسؤوليةً فِى زنا من يزنِى بسبب ذلك المنع القانونِىّ ومشاركةً في الإثم ما دام القانون يطبق فهل نحن مستعدون لتحمل ءاثار ملايين الزناة الذين نتسبب في منعهم من النكاح وهل نقبل أن يتمتعوا بلذاتهم وتتحمل الآثام بسببهم.

وأخيرًا أليس ينبغِى أن نطرح التساؤلات التالية ونفكر في الجواب عنها قبل اتخاذ أىّ قرار فِى الموضوع

-كم عدد العوانس والمطلقات والأرامل في المغرب.

-ما مصيرهن ومن المسؤول عن وضعهن.

-من المستفيد من هذا الوضع.

-كم مليار ينفقه المغرب والمغاربة في وسائل منع الحملز

-كم مليار ينفق في معالجة الأمراض الجنسية.

-كم عدد حالات السيدا ومن المسؤول عنها.

-كم عدد عمليات غسل الرحم التِى تجرِى وكم ينفق عليها.

-كم عملية إجهاض سري تتم بالمغرب. وكم ينفق عليها.

-كم وليد يُلْقَى به في الشارع حيًّا أو ميتًا.

-كم مشاكل سببتها العوانس للمتزوجات مع أزوجهن.

-كم اعتداء تعرضن له بسبب هذه العنوسة.

-ما هو الحل لهذه المشاكل كلها.

أليس الزواج المبكر وتعدد الزوجات يمكن أن يساهما في حلها أو حل أكثرها. وبالعكس ألا يكون منع التعدد ورفع سن الزواج مسؤولًا عن هذه المصائب كليًّا أو جزئيًّا.

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب شذرات الذهب فى ما جد فى قضايا النكاح والطلاق والنسب للشيخ الفقيه الأصولِىّ محمد تاويل رحمه الله تعالى.

[٢] سورة النور ٣٣.

[٣] سورة النساء ٣.

[٤] سورة النساء ١٢٧.

[٥] سورة الطلاق ٤.

[٦] سورة النساء ٣.

[٧] سورة البقرة ٢٣٢.