بيان أن إخراج الحروف من مخارجها في الصلاة شرط لصحة الصلاة[١]

قبسات من فوائد خادم علم الحديث
الشيخ عبد الله بن محمد الهررِى
المتوفى سنة ١٤٢٩ هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد فاعلمأنَّ الله تعالى جعل للصلاة أركانًا وشروطًا لا تصحُّ الصّلاةُ بدونها، ومن هذه الأركان الفاتحة، فقد قال عليه الصلاة والسلاملا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب اهـرواه الترمذِىّ وغيرُه، فلا بُدّ لقراءة الفاتحة فِى الصلاة من الإِتيان بالبسملة وهِى قول بسم الله الرَّحمن الرحيم والتشديداتِ وهِى أربعَ عشرةَ شدّةً فمَن ترك واحدة منها لم تصحّ فاتحته كأن قالإياك بتخفيف الياء بدل (إِيَّاكَ) بتشديدها أو قال مالك يوم الدين بتخفيف الدال بدل تشديدها ونحوَ ذلك، ولا بد من الموالاة وذلك بأن لا يفصل بين شىء منها وما بعده فصلاً طويلاً أو قصيرًا بنيّة قطع القراءة، وكذا الترتيبُ أى الإِتيان بها على نظمها المعروف، وإخراجُ الحروف من مخارجها.

وهذا الأمر الأخير لا بدّ من الاعتناء به كِى يُقرأ القرءان على حسب ما أنزلَ، فلا يبدل القارئ الذالَ زايًا فيقرأ (الَّذِينَ) بالزاي بدل الذال، ولا (نَسْتَعِينُ) بالطاء بدل التاء، ولا (الْمُسْتَقِيمَ) بالكاف بدل القاف ولا بحرف بين القاف والكاف، ولا الضاد دالا مفخمة فِى(وَلاَ الضَّالِّينَ)وأَوْلَى الحروفِ عنايةً بإخراجها من مخرجها الصادُ، فإنّ كثيرًا من النّاس يأتون بها بين الصّاد والسين لا هِى صادٌ محضةٌ ولا هِى سينٌ محضةٌ، وهي حرفُ إطباقٍ واستعلاءٍ وهمسٍ وإصماتٍ ورخاوةٍ وصفيرٍ، ويشاركها في الصفير الزاىُ والسينُ، كما نصَّ على ذلك غيرُ واحد من علماء التجويد.

قال شمس الدين بن الجزرِىّ فِى كتابه التمهيد فِى علوم التجويد ما نصّهالثانِى عشر حروف الصفير وهِى ثلاثةالصادُ والزاىُ والسينُ، سُمِّيَتْ بذلك لأنّ الصوت يخرج معها عند النطق بها يُشبه الصفيرَ فالصفيرُ من علامات القوّة، والصادُ أقواها للإِطباق والاستعلاء اللَّذَيْنِ فيها والزاىُ تليها لجهر فيها والسينُ أضعفها لهمس فيهااهـ قال زكريا الأنصارِىّ الشافعِىّوهو أخذ علوم القراءة من شمس الدين بن الجزري فِى شرح الجزرية ما نصّهصفيرُها أى حروف الصفير صادٌ مهملة وزاىٌ وسينٌ مهملةٌ سُمِّيَتْ بذلك لصوت يخرج معها بصفيرٍ يُشْبِهُ صفيرَ الطائر، وفيها لأجلِ صفيرها قوةٌ، وأقواها فِى ذلك الصاد للإِطباق والاستعلاء، وتليها الزاىُ للجهر، ثمّ السيناهـ

وقال ابن الحاجب فِى الشافيةوحروف الصفير ما يُصفَرُ بها وهِىالصادُ والزاىُ والسيناهـوقال النووِىّ فى المجموعنقلاً عن الإِمام أبِى محمد الجوينِىّ عبد الله بن يوسف والد إمام الحرمين ما نصّهولو أخرجَ بعضَ الحروفِ من غيرِ مخرجه بأن يقول نستعين تُشبه التاءُ الدالَ، أو الصادَ لا بصادٍ محضةٍ ولا بسينٍ محضةٍ بل بينهما، فإن كان لا يمكنُه التعلُّمُ صَحَّتْ صلاته، وإن أمكنه وجب التعلُّمُ ويلزمهُ قضاءُ كلّ صلاة في زمنِ التفريط في التعلّم هذا حُكْمُ الفاتحةِاهـ

وقال ابن مالك رحمه الله وهو إمامٌ فِى اللغة والقراءة والنحو فِى تسهيل الفوائد وتكميل المقاصدما نصّهلِهذِهِ الحروفِ فروعٌ تُستحسنُ وهِىالهمزة المسهّلة والغُنّة ومخرجها الخيشوم وألفا الإِمالةِ والتفخيم والشينُ كالجيم والصاد كالزاىِ، وفروعٌ تستقبح وهِىكاف كجيم وبالعكس، وجيم كشين، وصاد كسين، وطاءٌ كتاء، وظاءٌ كثاء، وباءٌ كفاء، وضادٌ ضعيفةاهـ

والله أعلم.


[١]المرجع كتاب صريح البيان فى الردّ على من خالف القرءان للشيخ عبد الله بن محمد الهررِىّ رحمه الله تعالى.