اختلاف الناس في الصفات المتشابهات[١]

قَبساتٌ من أنوار الفقيه الأصولِىّ المسند
الشيخ محمد إدريس الكاندهلوِىّ
المتوفى سنة ٣٢٤٢هـ رحمه الله تعالى

اختلف الناس فِى أخبار الصفات المتشابهات على ثلاث مراتب

إحداها امرارُها على ما جاءت من غير تفسير وتأويل مُفوِّضًا معناه إلى الله تعالى مع تنزيهه عما يدل عليه ظاهر اللفظ مما لا يليق بجلاله من سائرِ صفاتِ الحدوثِ وسماته وهذا مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين أبِى حنيفة ومالك والشافعِى وأحمد بن حنبل وغيرهم كما قال أبو الحسن الأشعرِى فِى الإبانة إنها صفات تليق بجلاله وكماله ثابتة وراء العقل مع اعتقادهم عدم التجسيم والتشبيه لئلا يضاد النقل والعقل وتسمى صفات سمعية.

والمرتبة الثانية التأويل وهو مذهب أكثر المتكلمين بحملها على مجازات معقولة ثابتة بالدلائل لأنها لما امتنعَ حملها على معانيها الحقيقية الظاهرة الموهمة للتجسيم والتشبيه والمكان والجهة تعينَ التأويل والحمل على المجاز قال العلامة البياضِىّ والبحثُ عن تأويل المتشابهات على وجهٍ يليق بذات الله تعالى وصفاته بشرط أن لا يخرج عن مقتضَى اللفظِ لغةً ولا يُقطع القول بكونه مراد الله هو طريقُ المحققين من أصحابنا كذا في إشارات المرام ص١٩٩.

وإنما عمدوا إلى التأويل وصرفه عن الظاهر المتبادر لئلا يحتج به المبتدعة على مذاهبهم الفاسدة وءارائهم الكاسدة فكان تأويلهم لدفع حجج الخصوم فيما استدلوا عليه من الزيغ والاعتقاد لا ليعتقدوا أن ذلك التأويل هو المراد لله تعالى قطعًا.

والمرتبة الثالثة القول فيها بمقتضَى الحِسِّ وأنها من جنس صفات المخلوقين وهم المشبهة والمجسمة ومنهم الحشويَّة والكرامية يقولون بحمل ءايات الصفات وأخبارها على ظواهرها وذهبوا إلى إثبات الجوارح الجسمانية والتحيّز والانتقال والانفعالات النفسانية في حقّه تعالى شأنه وأنه على صورة نور من الأنوار أو إنسان شابّ مختص بما فوق العرش ملاق له أو مباين له على اختلاف بينهم في تفاصيله انظر ص ١٨٩ من إرشارات المرام فهؤلاء جَمَدوا على ظاهر ما ورد من الاستواء والنزول والمجِىء والإتيان والوجه واليد والساقّ والقدم والجنب ونحوها وأنكروا التأويل رأسًا فحملهم ذلك على التجسيم والتشبيه وحملوا الألفاظ الواردة على المعانِى المتعارفة بينهم عند اطلاقها على الخلق وظنوا أن الوجه واليد والعين والقدم ونحوها من قَبيل الجوارح والأعضاء وأجزاء الذات تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. قال ابن الجوزي إن هؤلاء قوم ليس لهم حظ من علوم المعقولات التي يُعرف بها ما يجوز على الله تعالى أو ما يستحيل فإن علم المعقولات يَصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه فإذا عدموها تصرفوا في النقل بمقتضَى الحِسِّ انتهى ص ٥٨.

ثم إن هؤلاء لم ينتبهوا على أن استعمال اللفظ في شأن الحق سبحانه وتعالى بالمعنى المراد عند استعماله في الخلق تشبيهٌ صريح وتمثيلٌ قبيحٌ ومع هذا يظنونه توحيدًا فَتَعَيَّنَ حمله على معنى سوى الظاهر عند الحِسّ وهو التأويل فإن المعنى الظاهر الحسّ الذي هو من لوازم الأجسام غير مراد الله ورسوله قطعًا وهؤلاء وإن كان يقع في كلامهم أن الوجه واليد صفات لكن سياق كلامهم وسباقه يناديان أنهم أرادوا بها أجزاء الذات لا الصفات القائمة بالله سبحانه وتعالى.  فإنهم حيث يقولون إن الله يقبض السموات والأرض باليدين اللتين هما اليدان (كما في الأجوبة المصرية لابن تيمية) فماذا يجدي بعد هذا التصريح القول بأنها صفات والله الهادِى إلى سواء الطريق.

وبضدّ هؤلاء المعطلة وَهِمَ الجهمية الذين ينكرون الصفات الإلهية. والجهميةُ فرقة ينسبون إلى جهم بن صفون وهم ينفون الصفات حتى نُسبوا إلى التعطيل وثبت عن الإمام أبِى حنيفة أنه قال بالغ جهم في نَفْىِ التشبيهِ حتى قال إن الله ليس بشىء اهـ وزعم أن علم الله حادث وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شىءٌ أو حَىٌّ أو عالم أو مريد حتى قال لا اصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره قال وأصفه بأنه خالق محيِى ومميت لأن هذه الأوصاف خاصة به وزعم أن كلام الله حادث فلم يسم الله متكلمًا وزعم أن العبد مجبور محض وإنما ينسب الفعل إلى العبد مجازًا انظر ص ٢٩٠ ج١٣ من كتاب التوحيد من فتح البارِى.

        

بيان مسلك أهل الحق

وإذا علمت ووعيتَ هذا فاعلم أن مسلك أهل الحق بين دَم التعطيل وفَرْثِ التشبيهِ والتمثيلِ لبنٌ خالص سائغ للشاربين سلكوا مسلك التأويل الإجمالِىَّ والتفصيلِىَّ محافظةً على نصوص التنزيه والتقديس فقد دلت الآيات والأحاديث دلالة واضحة على أن الله سبحانه منزه عن مشابهة المخلوقات ومبرأٌ من المادة والماديات والجسم والجسمانيات وأهل الحق وهم أهل السنة والجماعة جمعوا بين الكتاب والسنة وءاثار سلف الأمة والبراهين العقلية، كيف والصحابة والتابعين وسائر أئمة الدين كلهم قد أجمعوا على تنزيه الله سبحانه عن مشابهة المخلوقات في ذاته وصفاته وأفعاله كما قال تعالى (أفمن يخلق كمن لا يخلق) (ليس كثله شىء) (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد) فيه نَفْىُ الجسمية والبعضية (ولم يكن له كفوًا أحد) فيه نَفْىُ النظير والشركة ومن ضرورة ذلك صرف الألفاظ المستعملة في الخلق الموهمة للتجسيم والتشبيه كالوجه والعين واليد والقدم والساق والاستواء على العرش والكون في السماء وغير ذلك من معانيها المتعارفة بينهم إلى معان تليق نسبتها إلى الله عز وجلّ على مقتضَى قوله تعالى (ليس كمثله) وقوله تعالى (فلا تضربوا لله الأمثال) فاضطر السلف والخلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره، ولا يَخْفَى بإن صرف اللفظ عن ظاهره هو حقيقة التأويل، وإنما اختلفوا في كيفية صرفه عن ظاهره فاختار السلف مسلك التفويض مع التنزيه والتقدير فتفويض علمها إلى الله تعالى عما يوهم ظواهرها تأويلٌ أيضًا ولكنه تأويل إجمالِىٌّ واختار الخلف صرفها عن ظواهرها بحملها على محامل قريبة المآخذ تليق بها من جهة الشرع والعقل ولسان العرب تقتضِى تنزيه الربّ جل جلاله عما يوهم ظاهرها وهو مذهب جمهور المتكلمين وهو تأويل تفصيلِىٌّ. ومعنى التأويل التفصيلِى هو تعيين تلك المعانِى المتسامية اللآئقة بشأنه تعالى تفصيلًا بقرائن  قائمة عقلًا ونقلًا ولغةً، والخلفُ لم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح معاذ الله أن يظن بهم ذلك وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك لكثرة المجسمة والجهمية وغيرهما من فرق الضلال واستيلائهم على عقول العامة فقصدوا بذلك ردعهم وإبطال قولهم، ومِنْ ثَمَّتَ اعتذر كثير منهم وقالوا لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمنهم لم نخض في تأويل شَىْءٍ من ذلك، ولقد جاء عن مالك والأوزاعِىّ وسفيان وغيرهم أنهم أوّلوا الآيات والأحاديث تأويلًا تفصيليًا كما أوّل سفيان الثورِىُّ الاستواء على العرش بقصد أمره ونظيرُهُ (ثم استوى إلى السماء) ومنهم من حمل حديث النزول على الإقبال، فمثل هذه الأقوال دليل على أن مثل هذه الآيات والأحاديث الواردة في الصفات مصروفة عن الظواهر وإلا لما احتاجوا إلى مثل هذه التأويلات والصرف عن الظاهر،  وهذا هو حقيقة التأويل.

والحاصل أن السلف والخلف متفقان على التأويل وأنَّ الخلاف بينهم لفظِىٌّ لاجماعهم على صرف اللفظ عن ظاهره ولكن تأويل السلف إجمالِىٌّ لتفويضهم إلى الله تعالى في المعنى المراد من اللفظ مع الإيمان بحقيقتها على ما يليق بشأنه تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد في حقّه تعالى مع اعتقاد تنزيه الله سبحانه عن سمات الحدوث وهذا تأويل إجمالِىٌّ يصرف ظاهر ما ورد في ذات الله سبحانه عن سمات الحدوث من غير تعيين المراد مع اعتقاد التنزيه على مقتضَى قوله تعالى (ليس كمثله شىء) ويكلون تعيين المراد إلى علمه سبحانه وتعالى.

وأما تأويل الخلف فهو تأويل تفصيلِىٌّ حيث يُعَيِّنُون معنًى موافقًا للتنزيه بما يرشد إليه استعمالات العرب وأدلة المقام وقرائن الأحوال مثل إرجاع اليد إلى القدرة والنعمة فهو تأويل تفصيلِىٌ ومثل قولهم المراد بالفوقية القهر والغلبة والمراد بالاستواء الارتفاع والاعتلاء والمراد بالنزول نزول لطفه ورحمته وحاشا أن يكون المرادُ استواءَ ذاتٍ أو نزولَ ذاتٍ أو فوقيةَ جهةٍ ومكانٍ وبالجملة تعيين المعاني المناسبة بمعونة القرائن تأويلٌ تفصيلِى وليس بين السلف والخلف خلاف يقعون في نَفْىِ التشبيه والتمثيل والتجسيم وتوسط الشيخ ابن دقيق العيد فقال إن كان التأويل من المجاز البَيّنِ الشائعِ فالحقُّ سلوكه من غير توقف أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه وإن استوى الأمران فلا خلاف في جوازه وعدمه مسئلة فقهية اجتهادية والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين اهـ وهذا كلام نفيس جدًا وهذا الذي ذكرناه في هذا المقام مأخوذ من استحالة المعية بالذات للشيخ الخضر الشنقيطِى ودفع شبهة التشبيه لابن الجوزِى والسيف الصقيل للتقِى السبكي وحاشيته والله سبحانه وتعالى أعلم.

فائدة مهمة اختلف أهل العلم في هذا الصرف أى صرف النصوص عن الظواهر وعدم الخوض في بيان المعنى المراد هل يسمى تأويلًا أو لا يسمى ذلك تأويلًا حتى يُعَيَّنَ المعنى المراد منه فبعضهم يسميه تأويلًا وبعضهم لا فإنهم رأوا أن مجرد صرف الكلام عن الظاهر وتفويض المعنى المراد إلى قائله لا يسمى تأويلًا إذ لابد في التأويل من بيان المقصود من الكلام وإن كان خلاف الظاهر والأمر في ذلك هيّن فإن الصرف عن الظاهر متفقٌ عليه سواء سمى ذلك تأويلًا أم لا انظر ص٩٥ من فرقان القرءان مقدمة كتاب الأسماء والصفات للإمام البيهقِى وحينئذ يظهر لك الفرق بين السلف الصالحين وبين هؤلاء الحشوية المتسلفة[٢] فإن هؤلاء الحشوية يحملون النصوص على ظواهرها ومعانيها المتعارفة فيما بينهم والسلف متفقون على صرف النصوص عن الظواهر ولكن لا يُعَيِّنُونَ المراد بل يفوضون إلى الله سبحان ويقولون الله أعلم بمراده من ذلك.

كلام نفيس للامام الرازِى في أساس التقديس

لايخفَى على أهل العلم أن الإمام فخر الدين الرازِى قدس الله سره سيف مسلول من الله عزّ وجل على المجسمة والحشوية كما يشهد بذلك تفسيره الكبير وسائر كتبه في علم الكلام وقد ألّف الإمام كتابًا خاصًا فِى الردّ على المجسمة سماه أساس التقديس وأورد فيه الدلائل الدالة على أنه سبحانه منزه عن الجسمية والمكان والجهة وهو كتاب نفيس حقيق أن يكتب بماء الذهب قدم فيه مقدمة لتأويل المتشابهات من الأخبار والآيات يجب على كل عالم ومتعلم فهمها وحفظها فَنُهديها لأهل العلم فقال

أما المقدمة فهي في بيان أن جميع فرق الإسلام مقرُّون بأنه لابدّ من التأويل في بعض ظواهر القرءان والأخبار أما في القرءان فبينته من غير وجهٍ

الأول هو أنه ورد في القرآن ذكر الوجه وذكرالعين وذكر الجنب الواحد وذكر الساق الواحدة فلو أخذنا بالظاهر  يلزمنا إثبات شخص له وجه واحد وعلى ذلك الوجه أعين كثيرة وله جنب واحد وعليه أيد كثيرة وله ساق واحدة ولا نرى في الدنيا شخصاً أقبح صورة من هذه الصورة المتخيلة ولا أعتقد أن عاقلًا يرضى بأن يصف ربه بهذه الصفة.

الثاني إنه ورد في القرآن أنه  (نور السموات والأرض)وأن كل عاقل يعلم بالبديهية أن إله العالم ليس هو هذا الشىء المنبسط على الجدران والحيطان فلا بد لكل واحد منا من أن يفسر قوله تعالى (الله نور السموات والأرض) بأنه منور السموات والأرض أو بأنه هادٍ لأهل السموات والأرض أو بأنه مصلح السموات والأرض وكل ذلك تأويلٌ.

الثالث قال الله تعالى (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) ومعلوم أن الحديد ما نزل جرمه من السماء إلى الأرض وقال (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) ومعلوم أن الأنعام ما نزلت من السماء إلى الأرض.

الرابع قوله تعالى (وهو معكم أينما كنتم) وقوله تعالى (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقوله تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) وكل عاقل يعلم أن المراد منه القرب بالعلم والقدرة الإلهية.

الخامس قوله تعالى (واسجد واقترب) فإن هذا القرب ليس إلا بالطاعة والعبودية فأما القرب بالجهة فمعلوم بالضرورة أنه لا يحصل بسبب السجود.

السادس قوله تعالى (فأينما تولوا فثم وجه الله) وقال تعالى (ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون).

السابع قال تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا)  ولا شك أنه لا بد فيه من التأويل.    

الثامن قوله تعالى (فأتى الله بنيانهم من القواعد) ولا بد فيه من التأويل.

التاسع قال تعالى لموسى وهارون (إنني معكما أسمع وأرى) وهذه المعية ليست إلا بالحفظ والعلم والرحمة.

فهذه وأمثالها من الأمور التي لا بد لكل عاقل من الاعتراف بحملها على التأويل وبالله التوفيق

العاشر[٣] قوله تعالى (ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله) فلا بد من التأويل بأن المراد به التفريط فِى حق الله وما يجب له ولا يجوز حمله على الجارحة عند أحد لأن التفريط لا يقع إلا في حقه وجانب أمره ونهيه وفي جنب عبادته وطاعته فتلك عشرة كاملة.

أما الأخبار  فهذا النوع فيه كثرة      

فالأول قوله عليه السلام حكاية عن الله سبحانه و تعالى (مرضت فلم تعدنِى استطعمتك فما أطعمتنِى استسقيتك فما سقيتنِى) ولا يشك عاقل أن المراد منه التمثيل فقط.

الثاني قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه (من أتانِى يمشِى أتيته هرولة) ولا يشك عاقل فِى أن المراد منه التمثيل والتصوير .

الثالث نقل الشيخ الغزالِى رحمه الله عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه أقر بالتأويل في ثلاثة أحاديث أحدها قوله عليه السلام (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) وثانيها قوله عليه السلام (إنِى لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن) وثالثها قوله عليه السلام حكاية عن الله عز وجل (أنا جليس من ذكرنِى).

الرابع حُكِىَ أن المعتزلة تمسكوا في خلق القرءان بما رُوِى عنه عليه السلام أنه تأتى سورة البقرة وآل عمران كذا وكذا يوم القيامةكأنهما غمامتان فأجاب أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وقال يعنِى ثواب قارئيهما وهذا تصريح بالتأويل .

الخامس قولهعليه السلام (إن الرحم يتعلق بحقوتِى الرحمن فيقول سبحانه وتعالىأصل من وصلك) وهذا لا بد له من التأويل .

السادس قال عليه السلام (إن المسجد لينزوِى من النخامة كما تنزوِى الجلدة من النار) ولا بد فيه من التأويل.

السابع قال عليه السلام (قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) وهذا لا بد فيه من التأويل لأنا نعلم بالضرورة أنه ليس في صدورنا إصبعان بينهما قلوبنا.

الثامن قوله عليه السلام حكاية عن الله تعالى «أنا عند المنكسرة قلوبهم» وليست هذه العندية إلا الرحمة وأيضًا قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى في صفة الأولياء (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به) ومن المعلوم بالضرورة  أن القوة الباصرة التي بها يرى الأشياء ليست هي الله سبحانهو تعالى.

التاسع قال عليه السلام حكاية عن الله سبحانه وتعالى (الكبرياء ردائِى والعظمة إزارِى) والعاقل لا يثبت لله تعالى إزارًا ورداءً.

فثبت بكل ما ذكرنا أن المصير إلى التأويل أمر لا بد منه لكل عاقل وعند هذا قال المتكلمون لما ثبت بالدليل أنه سبحانه وتعالى منزه عن الجهة والجسمية وجبَ علينا أن نضع لهذه الألفاظ الواردة في القرءان والأخبار محملًا صحيحًا لئلا يصير ذلك سببًا للطعن فيها . كذا في أساس التقديس للرازي من ص٧٩ إلى ص٨٣.

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب التعليق الصبيح على مشكاة المصابيح  للشيخ محمد إدريس الكاندهلوِى.

[٢] أى الذين يَدَّعون الانتساب إلى السلف زورًا. أبو لبابة.

[٣] هذا العاشر إلى قوله فتلك عشرة كاملة زيادة من المؤلف على كلام الرازي لتكميل العدة ثم الباقي الآتي هو كلام الرازي.