استئصال العضو من الإنسان الميت وزرعه في جسم مريض مضطر إليه[١]

قبسات من فوائد عالم فاس
الشيخ الفقية الأصولِىّ محمد بن محمد التاويل
المتوفى سنة ١٤٣٦هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله ربّ العالمين وصلوات الله وسلامه على سيدنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

هذه الحالة تتجاذبها أدلة الجواز وأدلة المنع ومن هنا اختلف العلماء فِى جوازها ومَنْعِها فمن ترجحت عنده أدلة المنع منع ذلك مطلقًا لضرورة وغيرها ومن ترجحت عنده أدلة الجواز قال بجواز ذلك إذا اضطر لذلك وكان مجانًا كما يتضح ذلك مما يلِى:

١- فتوَى هيئة كبار العلماء بالسعودية الصادرة بتاريخ ١٦/١/ ١٤٠٢ التِى تقول (اتفقت الآراء فِى هذا المؤتمر على أن نقل الأعضاء من الجسد الميت لزراعتها فِى الجسد الحىّ أمر مسموح به فِى الإسلام).

٢- فتوَى المجلس الإسلامِى الأعلَى بالجزائر الصادرة بتاريخ ٦ ربيع الأول ١٣٩٢ التِى تقول (إذا كان الاستقطاع للعضو بتوصية من صاحبه فهو جائز ولا يمكن أن يكون موضع خلاف).

وقد أسس القائلون بالمنع مذهبهم على ما يلِى

١- حديث (كسر عظم الميت ككسره حيا) وفي رواية (ككسره في الإثم)[٢].

٢- أنه مُثْلَةٌ وهِى محرمة فِى حقّ الحِى والميت لحديث (كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة)[٣].

٣-أنه لا يجوز انتهاك حرمة شخص لفائدة شخص ءاخر حيًا كان أو ميتًا.

وأما القائلون بالجواز فقد بنوا رأيهم على الحجج التالية

١- الضرورات تبيح المحظورات.

٢- ما فيه من مصلحة محققة للمريض بحفظ حياته أو سلامة عضو من أعضائه.

٣- القياس على جواز شقّ جوف الميت لاستخراج ما ابتلعه من مال إذا بلغ نصاب السرقة أو نصاب الزكاة على خلاف بين الفقهاء في تحديد المال الكثير[٤].

٤- القياس على جواز شق بطن الحامل لاستخراج الجنين إذا كان مرجو الحياة[٥].

٥- القياس على القول بجواز أكل الميت عند الضرورة وهو قول الشافعِىّ وبعض المالكية والحنفية.

٦- ممارسة الأطباء المسلمين لعمليات التشريح كالزهراوِى وابن رشد.

٧- إذن عمرو بن العاص للمجاهدين بالمرور بخيولهم فوق جثة أخيه الذِى سقط شهيدًا في ممر المجاهدين وتعذر عليهم انتشال جثته حتى إذا مروا جميعًا جمع أشلاءه ودفنها.

وهِى أدلة لا تخلو من مناقشة ومعارضة بأقوَى منها فلا يصح الاعتماد عليها لانتهاك حرمة الإنسان. أما المصلحة فإنها معارضة بمفسدة انتهاك حرمة الميت التي كفلها له الإسلام فنهَى حتَى عن الجلوس على قبره والمشِى عليه بالنعال وجعل كسر عظمه ككسر عظام الحِىّ فهي مصلحةٌ ملغاةٌ دلّ على إلغائها حديث (كسر عظم الميت ككسره حيًا).

وأما القياس على شقّ جوف الميت لاستخراج ما ابتلعه من مال كثير فإنه عليه ملاحظات

١- أنه قياس على مختلف فيه فإن المشهور في الفقه المالكىّ أنه لا يجوز شقه ومن شروط القياس أن يكون الحكم متفقًا عليه والقياس على مختلف فيه قياس لا يصح.

٢- أنه قياس مع وجود الفارق فإن الميت المبتلع مالًا فِى جوفه مال مملوك لغيره من ورثته أو أجانب، ولا سبيل لرد الحق إلى أصحابه والمال إلى ملاكه إلا بشق جوفه فكان شقه من باب ما لا يتم الواجب المطلق إلا به واجب. والمريض المحتاج إلى عضو الميت لا حق له على هذا الميت بعينه ولا ملك له على عضوه فافترقا.

٣- إن إبقاء المال في جوف الميت يؤدِى إلى ضياعه وقد نهَى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فِى الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم (نهَى عن القيل والقال وكثرة السؤال).

٤- أن الغرض من شقّ جوف الميت لاستخراج ما ابتلعه محقق الحصول مضمون النجاح بخلاف أخذ عضوه لزراعه فِى غيره فإنه نتيجته غير محققة ولا مضمونة وقد تكون راجحة ولا يقاس المشكوك على المحقق.

٥-أن الشق أخف من القطع وأيسر منه ومن شأن القياس إلحاق المساوِى بمساويه ولا يصح إلحاق الأثقل بالأخف فِى حكمه فلا يقاس القذف على السبّ في الاكتفاء بالتعزير مثلًا.

وأما القياس على شقّ بطن المرأة لاستخراج الجنين فإنَّ عليه ملاحظات

١- إنه قياس على مختلف فيه فإن مالكًا وءاخرين يقولن بمنعه احترامًا لحق الأم وتقديمًا له على حق الجنين.

٢- إن الشقّ أخف من القطع ولا يلزم من اغتفار الأمر الخفيف اغتفار الأمر الشديد.

٣- إن فِى الشقّ استنقاذًا محققًا لجنين لولا الشقّ لمات وزراعة عضو الميت ليست مضمونة النجاح.

وأما القياس على أكل الميتة عند القائلين بجوازه فيردُّهُ

١- أنه قياس على مختلف فيه.

٢- أنه قياس في محل النصّ فلا يصح.

٣- أنه قياس مع وجود الفارق فإن أكل الميتة يحقق المقصود منه يقينًا وعاجلًا فإنه بمجرد الأكل يندفع الجوع وتزول الضرورة وأما زراعة العضو فإنه مشكوك فِى تحقيق المقصود منه وهو زوال المرض بل قد يترتب عليه الموت أحيانًا فِى حال فشل العملية.

٤- وأما الاحتجاج بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات فإنه يرده اتفاق الفقهاء على أنه لا يجوز للإنسان قطع عضو من أعضائه أو قطعة من جسمه لإطعام جائع مضطر.

٥- وأخيرًا فإن استئصال العضو من الميت بعد موته لا يفيد قطعًا واستئصاله في ءَاخِرِ جزءٍ من حياته قبل تحقق موته شرعًا فيقتله به جريمة قتل.

وأما الاستدلال بممارسة الأطباء المسلمين القدامَى لعمليات التشريح فإنه لا ينهض دليلًا في الموضوع لأن أولئك الأطباء كان يجرون تجاربهم سرًا وفي الخفاء بعيدًا عن أعين الفقهاء والعلماء ودون موافقتهم بل إن إخفاءهم لعملياتهم قد يكون دليلًا على إجماع العلماء على منع ممارستهم لتشريح جثث الموتى وانكارهم لذلك ولذلك كانوا يخفون فعلتهم حتى لا يتعرضوا للإنكار والتعزير.

وأما الاستئناس بفعل عمرو بن العاص رضِى الله عنه حين أذن للمجاهدين بالمرور فوق جثة أخيه لقتال العدو كما جاء في فتوَى المجلس الإسلامِى الأعلَى بالجزائر فإنه لا يفيد هنا شيئًا ولا يقوم حجة على جواز استئصال عضو من الميت لزرعه فِى حِىّ.

١- لأنه خبر موقوف ولا حجة فِى الموقوف.

٢- لأن الجهاد فرضٌ والتداوِى مباح أو مندوبٌ فلا يصح قياسه عليه وإلحاقه به لاختلاف حكمهما.

٣- لأن المجاهدين لم يجدوا مَمَرًّا ءَاخَرَ يمرون منه إلى عدوهم فمرورهم فوق جثة الشهيد من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب زراعة الأعضاء من خلال المنظور الشرعِىّ للشيخ محمد التاويل رحمه الله تعالى.

[٢] رواه أبو داود من حديث عمران بن الحصين.

[٣] رواه أبو داود باب النهي عن المثلة.

[٤] انظر الشرح الكبير وحاشية الدسوقي١/٤٢٩.

[٥] المصدر السابق.