الألبانِىّ شذوذه وأخطاؤه (مبلغ علم الألبانِى)[١]

قبسات من فوائد محدث الديار الهندية
الشيخ حبيب الرحمن الأعظمِى
المتوفى سنة ١٤١٢هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله سبحانه وصلواته وسلامه على أفضل أنبيائه سيدنا محمد وعلى صحبه وءاله.  أما بعد فإن الشيخ ناصر الدين الألبانِى شديد الولوع بتخطئة الحذاق من كبار علماء الإسلام ولا يحابِى فى ذلك أحدًا كائنًا من كان فتراه يُوهِّم البخارىّ ومسلمًا ومن دونهما ويغلِّط ابن عبد البر والذهبى وابن حجر وغيرهم ويكثر من ذلك حتى يظن الجهلة والسُّذَّج من العلماء أن الألبانِىّ نبغ فى هذا العصر نبوغًا يندر مثله.

وهذا الذى ينم عنه ما يتبجح به الألبانِى فى كثير من المواطن ويلفِتُ إليه أنظار قارئيه فتارةً يقول اغتنم هذا التحقيق فإنك لا تجده فى غير هذا الموضع (يعنِى عند غيره من المصنفين) وتارةً يدعِى أنه خصه الله تعالى فى هذا العصر بالوقوف على زيادات الحديث الواردة فى مختلف طرقه المنتشرة فى الكتب المبعثرة وبذلك وصل إلى ما لم يصل إليه غيره من المحققين السابقين ولا اللاحقين.

ولكن من كان يعرف الألبانِىّ ومن له إلمام بتاريخه يعرف أنه لم يتلقَّ العلم من أفواه العلماء وما جثا بين أيديهم للاستفادة، وإنما العلم بالتعلم فما له وللعلم ولم يتعلمْ، وقد بلغنِى أن مبلغ علمه مختصر القدورِى وجُل مهارته فى تصليح الساعات ويعترف بذلك هو ويتبجح به.

ولازم ذلك أنه والله لا يَعرف ما يعرفه ءاحاد الطلبة الذين يشتغلون بدراسة الحديث فِى عامة مدارسنا. ومن أمثلة ذلك

١- أنه يقرأ (تصدَّق بأتوار من الأقط) ويفسره هكذا (أتوار) جمع تور بالمثناة الفوقية إناء من صُفْر (الصحيحة ٢/١٦١) وءاحاد الطلبة يعرفون أن الصواب (بأثوار من الأقط) والأثوار جمع الثَّوْر وهو قطعة من الأقط كما فِى النهاية (١/١٦٣)

٢-ومنها زعمه أن المباركفورِىّ صاحب التحفة حنفِىٌّ كما فِى فهرس (المسح على الجوربين) والواقع أن المباركفورِىّ من مشاهير الشاذَّة المعاندين للأئمة الأربعة وإن كان الألبانِى فِى شك من هذا فليسأل تلميذه الشيخ تقِى الدين المراكشِى الهلالِى.

٣-ومنها ادعاؤه أن ابن زيد الذِى روَى عنه ابن وهب فِى تفسير الطبرِىّ (٥/٣٩٩) هو عمر بن محمد بن زيد من رجال الشيخين.

وهذا من أشنع الأغلاط وأبين الجهل ولم يقع فيه لو أنه حضر دروس العلماء وجلس فِى حلقات العلم فإن صبيان مدارسنا يعلمون أن ابن زيد الذِى يروِى الطبرِىّ عنه فِى تفسيره أو يروِى تفسيرًا من جهته هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

وقد زاد الألبانِى نغمة فِى الطنبور إذ بنَى على زعمه هذا أن رجال إسناد هذه الحديث ثقات كلهم وأن هذا الطريق خير طرق الحديث (الصحيحة ٢/٥، ٢/١٦). والواقع أن عبد الرحمن ضعَّفه أحمد وابن المدينِىّ حكاه عنه البخارِىّ وأبو حاتم وقال النسائِىّ وأبو زرعة ضعيف اهـ وقال أبو حاتم ليس بقوِىّ فى الحديث..... وكان فِى الحديث واهيًا اهـ وقال ابن حبان استحقَّ الترك اهـ وقال ابن سعد كان كثير الحديث ضعيفًا جدًا اهـ وقال ابن خزيمة ليس هو ممن يحتج أهل العلم بحديثة لسوء حفظه اهـ وقال الساجِىّ هو منكر الحديث اهـ وقال الحاكم وأبو نعيم روَى أحاديث موضوعة اهـ وقال ابن الجوزِىّ أجمعوا على ضعفه اهـ وقال الطحاوِىّ حديثه عند أهل العلم بالحديث فى النهاية من الضعف اهـ

فقارنوا بين دعوى هذا الشاذ المتهوِّر أنه خير طرق الحديث وبين مُفاد كلام هؤلاء النقاد من أنه فِى النهاية من الضعف. ولم يقع فِى هذا اإلا لتغلغله فِى الجهل.

٤-ومنها حمله حديث (إذا قلت للناس أنصتوا وهم يتكلمون فقد ألغيت على نفسك) (الصحيحة ٢/١١٧) على التحذير من أن يقطع الرجل على الناس كلامهم بل يُنصِت حتى ينتهِى كلامهم وظن أنه فات السيوطِىّ فِى الجامع الكبير.  والصواب أن هذا الحديث نفس حديث أبِى هريرة المروِى من طريق ابن المسيب فِى الصحيحين ومن طرق أخرى عند مسلم ولفظه (إذا قلت لصاحبك أنصِت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لَغَوْت).

والدليل على ذلك أن الألبانِىّ أخرج الحديث برواية الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر إلخ والإمام أحمد اختصر الحديث وقد رواه عبد الرزاق فِى المصنف بتمامه فقال عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قلت للناس أنصِتوا يوم الجمعة وهو ينطقون والإمام يخطب فقد لغَوْتَ على نفسك (٣/٢٢٣). ورواه أحمد بن يوسف السلمىّ عن عبد الرزاق باللفظ الذِى ذكره الألبانِى إلا أنه قال فقد (لغوت) وزاد فِى ءاخره يعنِى يوم الجمعة (انظر صحيفة همام بن منبه رقم ١٢) ولكن الألبانِىّ ظنه حديثًا ءاخر لجهله وزعم أنه فات السيوطِىّ فقال مبتجحًا (خذه فائدة عزيزة قد لا تجدها فى مكان ءاخر) الصحيحة ٢/١١٨.

٥-ومنها قوله هذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال البخارِىّ غير الكنانِى (الصحيحة رقم ٦٢٣) قاله الألبانِىّ فى إسناد حديث رواه ابن حبان وفيه عاصم بن عمر وهو ضعيف جدًا لكن وقع فى المطبوعة من الموارد (عاصم بن محمد) تحريفًا من أحد النساخ ولم يتنبه له المعلِّمِى ولا عبد الرزاق حمزة ولا الألبانِىّ.

والحديث أخرجه البزار عن الزعفرانِى الذى وراه ابن حبان من جهته بعين إسناد ابن حبان وفيه عاصم بن عمر كما فى مجمع الزوائد وكذا فى زوائد البزار. وعاصم بن عمر قال البخارِى عنه منكر الحديث وقال ابن حبان منكر الحديث جدًا وقال الترمذِى متروك وقال مرة ليس بثقة وقد حاباه بعضهم فخفَّف من ضعفِه والحال أن الذى يقول فيه البخارِىّ منكر الحديث لا تحلُّ الرواية عنه حكاه الألبانِىّ نفسه عن البخارِى فى ضعيفته ٥/١١٨.

وتوثيق ابن حبان لا يعبأ به عند الألبانِىّ فقد ليَّنه مرارًا لا سيما وقد ذكره ابن حبان فى الضعفاء أيضًا فأتساءل أهذه هى القاعدة المتبعة التى قعدها المحدثون. وهذا هو نهجهم فى التصحيح والتضعيف الذى يدعو إلى سلوكه واختياره الألبانِىّ. أم صنيع الألبانِىّ فى تلعبه بالأحاديث يشبه صنيع الولدان يتلاعبون بكرات القدم.

٦-وكذلك لا يعرف الألبانِىّ الفرق بين الطريقين والحديثين ولذا يقول الحديث حسن بهذين الطريقين فأسألك هل حديثا بُريدة وعلىّ حديثان أو هما طريقان لحديث واحد.

٧-ثم الألبانِىّ يُحسِّن حديث شريك مع أنَّ فى إسناده أبا ربيعة وقد قال فيه ابن حجر مقبول وحديثه هذا من أفرادِه (انتظر ترجمته فى التهذيب. وقد حكَى الألبانِىّ فى أبى خالد عن ابن حجر أنه مقبول وفسره بقوله يعنِى ليِّنَ الحديث وقد تفرد بهذه الجملة ولهذا قال هذا سند ضعيف (الصحيحة رقم ٣٧٦) فما الذِى ضعَّف هذا وحسَّن ذلك.

٨-وحسَّن الألبانِىّ حديث سلمة بن أبى الطفيل وهو مجهول قاله ابن خِراض ولم يوثقه إلا ابن حبان (ولا يعتمد على توثيقه الألبانِىُّ) وأما ردُّ ابن حجر قول ابن جراش بأن فِطْرَ بن خليفة أيضًا روى عنه فهو مخدوش بأنَّ فِطرًا لا يروِى عن سلمة بن أبى الطفيل بل عن سلمة بن الطفيل.  ولا يجوز القطع بأنهما واحد وإن سلّمنا لابن حجر قوله فسلمة مستور لم يوثقه إلا ابن حبان وتوثيقه ليَّن عند الألبانِىّ.

٩-وذكر فى حجاب المرأة المسلمة حديثًا عزاه لابن سعد، فى إسناده رِبْعِىُّ بن حِراش عن امرأة عن أخت حذيفة وذكر ذلك الحديث فى ءاداب الزفاف معزوًا للنسائِى وأبى داود وفى إسنادهما ربعي بن حراش عن امرأته. فلم يعرف الألبانِىّ أن المرأة فى أسانيدهم جميعًا هى امرأة ربعي وقد حرَّف ناشرُ ابن سعد فأثبت امرأة مكان امرأته وجهل ذلك الألبانِىّ فقال فى حجاب المرأة ص ٤٦ فى إسناده المرأة التِى لم تُسمَّ وقال فى ءاداب الزفاف فى سنده امرأة رِبعى ص ١٦٠.

١٠-ومن فضائحه وشواهد جهله وتسارعه إلى الحكم على شىء من غير تثبيت وحُبِّه التفوق أنه نَدَّدَ بالمؤلفين فى تراجم رجال الستة أنهم اغفلوا هلالًا مولى عمر بن عبد العزيز فلم يذكروه. ومَرَدُّ هذا التنديد إلى تماديه فى الجهل فإنهم قد ذكروه ولم يُغفلوه. وإنما الألبانِىّ هو الغافل السادر وذلك أنهم ذكروه فى الكنى (ترجمة أبى طعمة) وقد دل مصحح التهذيب فى هامشه على مكان ترجمته نقلًا عن هامش الأصل.

١١-ومن فضائحه أنه حكم على هلال أنه مجهول وتجهيله جهل منه لأن هلالًا روى عنه عمر بن عبد العزيز بن عمر وابنا يزيد بن جابر وعبد الله بن لهيعة فهل يكون مجهولًا من روى عنه أربعة.          وقد وثقه ابن عمار الموصلىّ فليس هو بمستور أيضًا وقال ابن يونس كان يقرئ القرءان بمصر وقال ابن حجر فى التقريب إنه مقبول لم يثبت أنَّ مكحولًا كذَّبه.   

١٢-ثم من فضائحه أيضًا وتسارعه إلى التخطئة والتغليظ قوله أما رواية السبع فلم أرها وقد ذكرها ابن القيم فى كتابه فلعلها محرفة أو سهو من رواية (ثلاث). والحال أن رواية السبع فى عمل اليوم والليلة للنسائى من حديث عمر بن عبد العزيز مرسلًا.

١٣-وكذلك من دلائل جهله قوله (عمران بن حصين عند أحمد، من طرق أخرى عن حماد بن سلمة به دون الزيادة) أقول لما كانت هذه الزيادة من قول يزيد نفسه والذِى رواه أحمد هو من طرق أخرى غير طريق يزيد فأىُّ حاجة إلى التنصيص على أن أحمد رواه به دون الزيادة وإنما مست الحاجة إليه إذا كان أحمد رواه من طريق يزيد.

فقد بيَّنَّا أن الألبانِىّ متبجح وليس عالمًا فإياك أن تعتمد على قوله.

والله أعلم.


[١]المرجع كتاب الألبانِى شذوذه وأخطاؤه لمحدث الديار الهندية الشيخ حبيب الرحمن الأعظمِى.