الأمن من مكر الله واليأس من رحمة الله[١]

قبسات من فوائد الشيخ محمد بن يوسف الكافى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءَالِهِ وصَحْبِهِ وسلم وبعد فينبغِى للعاقل أن لا يأمن من مكر الله تعالى ولا يقنط ولا ييأس من رحمته ويشهد لذلك ما فى كتاب النصائح لابن ظفر قال دخلت ثغرًا من ثغور الأندلس فألفيتُ به شابًا متفقهًا من أهل قرطبة فآنسنِى بحديثه وذاكرنِى طرفًا من العلم ثم إنِى دعوتُ فقلت يا من قال (واسألوا الله من فضله) فقال ألا أحدثك عن هذه الآية بعجبٍ قلت بلى فَحَدَّثَنِى عن بعض سلفه أنه قال قدم علينا من طليطلة راهبان كانا عظيمَىِ القدر بها وكانا يعرفان اللسانَ العربِىَّ فأظهرا الإسلام وتعلما القرءان والفقه فظنَّ الناس بهما الظنون قال فضممتُهُمَا إلِىَّ وقمت بأمرهما وتجسست عليهما فإذا هما على بصيرة مِن أمرهما وكانا شيخين فقلما لبثَ أحدُهما حتى تُوُفِّـىَ وأقام الآخر أعوامًا ثم مرض فقلت له يومًا ما سبب إسلامكما فَكَرِهَ مسألتِى فرفقت به فقال إن أسيرًا من أهل القرءان كان يخدم كنيسة نحن فِى صومعة منها فاختصصنا به لخدمتنا وطالت صحبته لنا حتى فقهنا اللسانَ العربِىَّ وحفظنا ءايات كثيرة من القرءان لكثرة تلاوته له فقرأ يومًا (واسألوا الله من فضله) فقلت لصاحبِى وكان أشدَّ منِى رأيًا وأحسن فهمًا أما تسمع دعاوى هذه الآية فزجرنِى ثم إنَّ الأسير قرأ يومًا (وقال ربكم ادعونِى أستجب لكم) فقلت لصاحبِى هذه أشد من تلك فقال ما أحسب الأمر إلا على ما يقولون وما بَشَّرَ عيسى إلا بصاحبهم قال واتفق يومًا أنِى غصصت بلقمة والأسير قائم علينا يسقينا الخمر على طعامنا فأخذتُ الكأس منه فلم أنتفعْ بها فقلت فِى نفسِى يا ربِّ إن محمدًا قال عنك إنك قلت (واسألوا الله من فضله) وإنك قلت (ادعونِى أستجب لكم) فإن كان صادقًا فاسقنِى فإذا صخرة يتفجر منها الماء فبادرتُ فشربت منه فلما قضيتُ حاجتِى انقطع وورائِى ذلك الأسير فشكَّ فِى الإسلام ورغبتُ أنا فيه وأَطْلَعْتُ صاحبِى على أمرِى فأسلمنا معًا وغدا علينا الأسير يرغب فِى أن نُعَمِّدَهُ وننصره فانتهرناه وصرفناه عن خدمتنا ثم إنه فارق دينه وتنصر فَحِرْنَا فِى أمرنا ولم نهتدِ لوجه الخلاص فقال صاحبِى وكان أشد منِى رأيًا لِمَ لا ندعو بتلك الدعوة فدعونا بها فِى التماس الفرج ونمنا القائلة فأُريت فِى المنام أن ثلاثة أشخاص نورانية دخلوا معبدنا فأشاروا إلى صورٍ فيه فانمحت وأتوا بكرسِىّ فنصبوه ثم أتَى جماعة مثلهم فِى النور والبهجة وبينهم رجل ما رأيت أحسن خلقًا منه فجلس على الكرسِىّ فقمت إليه فقلت له أنت السيد المسيح فقال لا بل أنا أخوه أحمد أسلِمْ فأسلمتُ ثم قلتُ يا رسول الله كيف لنا بالخروج إلى بلاد أمتك فقال لشخصٍ قائم بين يديه اذهب إلى ملكهم وقل له يحملهما مكرمين إلى حيثُ أحَبَّا مِن بلاد المسلمين وأن يحضر الأسير فلانًا ويعرض عليه العودَ إلى دِينِهِ فإن فعل يُخَلِّى سبيلَهُ وإن لم يفعل فليقتلْهُ قال فاستيقظتُ من منامِى وأيقظتُ صاحبِى وأخبرته بما رأيت وقلتُ له ما الحيلة فقال قد فَرَّجَ الله أما ترى الصُّوَرَ ممحوة فنظرت فوجدتها ممحوة فازددت يقينًا ثم قال لِى صاحبِى قم بنا إلى الَملِكِ فأتيناه فجرَى فِى تعظيمنا على عادته وأنكر قصدنا له فقال له صاحبِى افعلْ ما أُمرت به فِى أمرنا وفِى أمر فلان الأسير فانتقع لونه وأُرعد ثم دعا بالأسير وقال له أنت مسلم أو نصرانِى فقال بل نصرانِى فقال له ارجع إلى دينك فلا حاجة لنا فيمن لا يحفظ دينه فقال لا أرجع إليه أبدًا فاخترط الملك سيفه وقتله بيده ثم قال لنا سِرًا إن الذِى جاء إلىَّ واليكما شيطان ولكن ما الذِى تريدان قلنا الخروج إلى بلاد المسلمين قال أنا أفعل ما تريدان لكن أظهرا أنكما تريدان بيت المقدس فقلنا له نفعل فجهزنا وأخرجنا مكرمين انتهى.

 


[١] المرجع كتاب المسائل الكافية فى بيان وجوب صدق خبر رب البرية للشيخ محمد بن يوسف الكافىّ.