الانتفاع بعمل الغير[١]

قبسات من فوائد الشيخ محمد هشام المجذوب

الرفاعِى الحسنِى المتوفى سنة ١٤٣٧ هـ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم وبعد فقد قال الله تعالى { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } ظاهر هذه الآية أن الإنسان لا ينتفع بعمل غيره لكن هذا الظاهر يجب أن يفهم على ضوء الآيات والأحاديث فالمسلم ينتفع من دعاء غيره مطلقًا، قال الله تعالى {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } وقال حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه مع نبينا الصلاة والسلام { رَبّنَا اِغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْم يَقُوم الْحِسَاب } وقال حكاية عن سيدنا نوح عليه مع نبينا الصلاة والسلام {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }.

وثبت فى الصحيح الحج عن الميت وعن المريض الذى لا يمكنه السفر إلى الحج ولا يرجى شفاؤه فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع وقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركت أبى شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوِى على الراحلة فهل يقضِى عنه أن أحج عنه قال نعم[٢].

وعن بريدة رضي الله عنه قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمِى ماتت ولم تحج أفأحج عنها قال نعم حُجِى عنها. وفى صحيح البخارِىّ ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه[٣] اهـ

وصلاة الجنازة على الميت ينتفع بها الميت.   وفى حديث الذكر فى الصحيح وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ[٤] اهـ

و أحاديثُ كثيرة صحيحة تفيد أن المسلم ينتفع بعمل غيره فمن زعم أن الإنسان لا انتفاع له إلا بعمله هو أبطلنا كلامه من وجوه كثيرة

أحدها أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع بعمل الغير وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعوا أحدنا لأخيه بظهر الغيب وأن الملك يقول له (ولك بمثل) فعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك (ولك بمثل) اهـ رواه مسلم فى صحيحه.

وحملة العرش ومن حوله من الملائكة يدعون للمؤمنين قال الله عز وجل {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وقول الله تعالى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا} تُقيّد وتُخصِّصُ ءاية الشورى {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ } لأن فِى الأرض المؤمنين والكافرين.

ثانيها أن النبىّ صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف فى الحساب ثم لأهل الجنة فى دخولها .

ثالثها لأهل الكبائر فِى الخروج من النار[٥] وهذا انتفاع بسعْىِ الغير.

رابعها أن الملائكة يدعون ويستغفرون لمن فِى الأرض[٦] وذلك منفعة بعمل الغير.

خامسها أن الله تعالى يخرج من النار[٧] من لم يعمل خيرا قط بمحض رحمته وهذا انتفاع بغير عملهم.

سادسها أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل ءابائهم وذلك انتفاع بمحض عمل الغير .

سابعها قال تعالى فى قصة الغلامين اليتيمين { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}.

ثامنها أن الميت ينتفع بالصدقة عنه[٨] وبالعتق بنص السنة والإجماع وهو من عمل الغير.

تاسعها أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير.

عاشرها أن الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره بنص السنة[٩] وهو انتفاع بعمل الغير.

حادى عشرها المدين قد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة وقضى دين الآخر علِىّ بن أبى طالب وانتفع بصلاة النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو من عمل الغير.

ثانى عشرها أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لمن صلى وحده ألا رجلًا يتصدق على هذا فيصلي معه[١٠] اهـ فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير.

ثالث عشرها أن الإنسان تبرأ ذمته من ديون الخلق إذا قضاها قاض عنه وذلك انتفاع بعمل الغير.

رابع عشرها أن من عليه تبعات و مظالم إذا حُلِّلَ منها سقطت عنه وهذا انتفاع بعمل الغير.

خامس عشرها أن الجار الصالح ينفع فِى المحيا والممات كما جاء فى الأثر وهذا انتفاع بعمل الغير.

سادس عشرها أن جليس أهل الذكر يُرْحَمُ بهم وهو لم يكن منهم ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له والأعمال بالنيات قد انتفع بعمل غيره.

سابع عشرها الصلاة على الميت والدعاء له فى الصلاة انتفاع للميت بصلاة الحىّ وهو عمل غيره.

ثامن عشرها أن الجمعة تحصل باجتماع الأعداد وكذلك الجماعة بكثرة العدد وهو انتفاع للبعض بالبعض.

تاسع عشرها أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } وقال تعالى {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} وقال تعالى { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } فقد رفع الله تعالى العذاب عن بعض الناس بسبب بعض وذلك انتفاع بعمل الغير.

عشروها أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن يمونه الرجل فإنه ينتفع بذلك من يخرج عنه ولا سعىَ له فيها.

حادى عشريها أن الزكاة تجب في مال الصبِى و المجنون ويثاب على ذلك ولا سعىَ له.

ومن تأمل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى فكيف يجوز أن نتأول الآية الكريمة على خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

وهذا كافٍ فى إثبات المراد.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

 


[١] المرجع كتاب القول الفصل لحسم مسائل الخلاف للشيخ محمد هاشم المجذوب رحمه الله تعالى.

[٢] رواه البخارى فى كتاب الحج.

[٣] أخرجه البخارى فى صحيحه فى كتاب الصوم ومسلم فى كتاب الصوم.

[٤] أخرجه مسلم فى صحيحه فى كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب فضل مجالس الذكر.

[٥] عن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعتِى لأهل الكبائر من أمتِى رواه الترمذي فى سننه فى كتاب صفة القيامة والرقائق.

[٦] قال تعالى{ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ} الشورى آية ٥.

[٧] أى من المؤمنين كما فى حديث الشفاعة الذى ورد فيه (فيقول الله عز وجل { شَفَعَتِ المَلاَئِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ المُؤْمِنُونَ ولم يبق إلا أَرْحَمُ الرَّاحمين } فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط) الحديث فى صحيح مسلم.

[٨] عن عائشة رضى الله عنها أن رجلًا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمِى افتلتت نفسها ولم توص و أظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها قال نعم. رواه مسلم فى باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه.

[٩] عن ابن عباس رضى الله عنهما قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك رواه البخارى فى باب قضاء الصيام عن الميت.

[١٠] رواه أحمد فى مسنده عن أبى سعيد.