التعريف بالحشوية والأشاعرة[١]

قبسات من فوائد المدرس فى كلية أصول الدين فى جامعة الأزهر
الشيخ يوسف عبد الرزاق الشافعِىّ الأزهرِىّ المصرِىّ
المولود سنة ١٣٢٥ هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله ربِّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى ءاله وسلم وبعد فإن الحشوية طائفة رذيلة جهال ينتسبون إلى أحمد بن حنبل وهو مبرأ منهم وسبب نسبتهم إليه أنه قام فى دفع المعتزلة وثبت فى المحنة رضِى الله تعالى عنه ونُقِلَتْ عنه كُلَيْمَاتٌ لم يفهمها هؤلاء الجهال الأغمار فاعتقدوا هذا الاعتقاد السىء وصار المتأخر منهم يتبع المتقدم إلا من عصمه الله.

وسبب تسميتهم حشوية أن طائفة منهم حضروا مجلس الحسن البصرِىّ بالبصرة وتكلموا بالسقط عنده فقال ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة أى جانبها فتسامع الناس بذلك وسموهم الحشَوية بفتح الشين ويصح إسكانها لقولهم بالتجسيم لأن الجسم محشوٌ فالحشوية هم الذين حادوا عن التنزيه وتقَوَّلوا على الله تعالى بأفهامهم المعوجة وأوهامهم المرذولة الممجوجة.

وهم مهما تظاهروا باتباع السلف إنما يتابعون السلف الطالح دون السلف الصالح. ولا سبيل إلى استنكار ما كان عليه السلف الصالح من إجراء ما ورد فى الكتاب والسنة المشهورة فى صفات الله سبحانه وتعالى على اللسان مع القول بتنزيه الله سبحانه وتعالى تنزيهًا عامًا بموجب قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) بدون خوض فى المعنى ولا زيادة فى الوارد ولا إبدال ما ورد بما لم يرد وفى ذلك تأويلٌ إجمالِىٌّ بصرف الوارد فى ذات الله سبحانه وتعالى عن سِماتِ الحدوث من غير تعيين المراد، وهم لم يخالفوا فى أصلِ التنزيهِ الخلَفَ الذين يُعَيِّنُونَ معنًى موافقًا بما يرشدهم إليه استعمالاتُ العرب وأدلةُ المقامِ وقرائنُ الأحوالِ، على أن الخلف يُفَوِّضُونَ عِلْمَ ما لم يظهر لهم وجهُهُ كفلق الصبح إلى الله سبحانه وتعالى.

فالخلاف بين الفريقين هيّنٌ يسيرٌ وكلاهُمَا مُنَزّهٌ.

وإنما السبيل على الذين يحملون تلك الألفاظ على المعانِى المتعارفة بينهم عند إطلاقها على الخلق ويَستبدلون بها ألفاظًا يظنونها مرادفة لها، ويستدلون بالمفاريد والمناكير والشواذ والموضوعات من الروايات، ويزيدون فى الكتاب والسنة أشياءَ من عند أنفسهم، ويجعلون الفعل الوارد صفةً إلى نحو ذلك فهؤلاء يُلْزَمُونَ بمقتضَى كلامهم وهم الحشوية.

فمن قال إنه تعالى استقر بذاته على العرش وينزل بذاته من العرش ويُقْعِدُ الرسولَ معه على العرش فى جنبه وإنَّ كلامه القائم بذاته صوتٌ وإنَّ نزولَهُ بالحركة والنُّقْلَةِ وبالذات وإنَّ له ثقلًا يثقلُ على حملة العرش وإنَّ له جهةً وحَدًّا ومكانًا وغايةً وإن الحوادث تقوم به وأنه يماس العرش أو أحدًا من خلقه. فلا نشك ألبتة فى زَيْغِهِ وخروجِهِ وبُعْدِهِ عن معرفةِ ما يجوز فى حقّ الله سبحانه وتعالى وهذا مكشوفٌ جدًا بين لا سترة فيه. ولا يُمْكِنُ سترُ مثل هذه المَخَازِى والفضائح بدعوَى السلفية، والذين يَدِينونَ بها هم الذين نستنكرُ عقائدهم ونستسخفُ أحلامهم ونَذْكُرُهُمْ بأنهم نوابتُ الحشويةِ وبقايا المشبهة المجسمة.

        

وأما الفرقة الأشعرية فهم العدل الوسط بين المعتزلة والحشوية لا ابتعدوا عن النقل كما فعل المعتزلة ولا عن العقل كعادة الحشوية، ورِثُوا خيرَ مَنْ تقدمهم وهجروا باطلَ كل فرقةٍ حافظوا على ما كان عليه النبِىُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ ومَلَأوا العالَمَ علمًا. ولا يوجد من يوازن الأشعرِىّ بين المتكلمين بالنظر لما قام به من العمل العظيم ولما تم على يديه من الانقلاب العظيم الذِى أحيا به مذهبًا وأمات به مذهبًا كانت له الصولةُ والسطوةُ والسيادةُ.  وأتباعُهُ هم الغالبون من الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة وسائر الناس.

وأما المعتزلةُ فكانت لهم دولةٌ فى أوائل المائة الثالثة ساعدهم بعض الخلفاء ثم انخذلوا وكفى الله شَرَّهُم.

والله تعالى أعلم.


[١]المرجع حاشية كتاب إشارات المرام من عبارات الإمام أبى حنيفة النعمان فى أصول الدين للشيخ يوسف عبد الرزاق.