السماوات سبع والأرض سبع والملائكة أجسام نورانية ذوو أرواح [١]

قبسات من فوائد الشيخ محمد بن يوسف الكافى المغربِىّ

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وءاله وصحبه وسلم وبعد فقد قال بعض المتعالِـمِين كون الأرضين سبعًا كالسماوات فهو أمر نَجهلُهُ ولا نفهَمُهُ وهو كما يظهر لنا وَهَمٌ من المتقدمين ولذلك لم يرد فيه مطلقًا أن الأرضين سبع مع أنه ذكر أن السماوات سبع مرارًا عديدة فى كل مرة يذكر معها الأرض بالإفراد اهـ

فيقال له لا حَقَّ معك فيما ذكرتَ بل كفرتَ لتكذيبك الرسول صلى الله عليه وسلم فى تصريحه بالعدد حسبما يأتى وما ألجأ هذا المدعى فِى العلم أن يخوض فى بحر القرءان الزاخر وماذا عليه لو اقتدى بقول من قال

إذا لم تستطع شيئًا فدعه     وجاوزه إلى ما تستطيع

 

هاك البيان الشافى لتفهم طوية هذا الكاتب ثمرة الشيخ محمد عبده قال أبو السعود فى تفسير قوله تعالى (ومن الأرض مثلهن) أى خلق الأرض مثلهن فى العدد وقرئ مثلُهن بالرفع على أنه مبتدأ ومن الأرض خبره. حدثنا ابن عبد الأعلى قال حدثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال بينما النبى صلى الله عليه وسلم جالس مرة مع أصحابه إذ مرت سحابة فقال النبى صلى الله عليه وسلم أتدرون ما هذا هذه العنان السحاب هذه روايا الأرض يسوقها الله تعالى إلى قوم لا يعبدونه قال أتدرون ما هذه السماء قالوا الله ورسوله أعلم قال هذه السماء موج مكفوف وسقف محفوظ قال أتدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فوق ذلك سماء أخرى حتى عدد سبع سماوات قال أتدرون كم بينهما قالوا الله ورسوله أعلم قال بنمها خمسمائة سنة ثم قال أتدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فوق ذلك العرش قال أتدرون ما بينهما قالوا الله ورسوله أعلم قال بينهما خمسمائة سنة ثم قال أتدرون ما تحت هذه الأرض قالوا الله ورسوله أعلم قال تحت ذلك أرض قال أتدرون كم بينهما قالوا الله ورسوله أعلم قال بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عدد سبع أراضين اهـ باختصار.

 

قال نعم ورد فيه قوله تعالى الله (الذى خلق سمع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن) وهى الآية الوحيدة التى فهموا منها أن الأرضين سبع وهى كما لا يخفى لا تفيد ذلك مطلقًا.

أقول مستعينًا بالله تعالى إن هذه الجرىءَ على كلام الله تعالى تكلم أولًا على نَفْىِ تعدد الأرض بعقله ثم علم بهذه الآية الشريفة وكان قبل جاهلًا بها وجاهلًا بأنها نصٌّ فِى العدد فلم يؤمن بها وحاول تفسيرها بعقله إلحادًا فى ءايات الله ليثبت ما ادعاه أولًا وأنَّى له ذلك مع تصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدد وتصريح الصحابة والتابعين بذلك وما أحوج هذا المسكين إلى الولوج فيما لا يستطيع الخروج منه فقوله وهى الآية الوحيدة إلخ يقال نعم هى الآية الوحيدة وهى نصّ لا تحتاج للتأويل لِتَعَضُّدِها بالآحاديث الدالة على التعدد نصًا فالقائل بالعدد له مستندٌ والقائلُ بِنَفْىِ العددِ لا مستندَ له إلا الوهم المبنىُّ على وهمِ أهلِ الطبيعة وشَتَّان بن المستندين.

ثم قال فليس فى القرءان الشريف أدنى دليل على أن الأرض سبع كما يزعمون اهـ والجواب أنك قد عَلِمْتَ الحُكم فى ذلك. واعلم أيضًا أن هذا الشخص وأمثاله لا تقنعهم الآيات ولا الأحاديث ولا الآثار المروية عن السلف الصالح وإنما يقنعهم قول غير المسلمين وهو الذى ترتاح إليه نفوسهم فانظر ممن هم.

ثم هَذَى فِى جانب العرشِ بما سولت له نفسه وقرينه فقالَ إن الله تعالى وكل به قوى مخصوصة لا نعلم كُنْهَها ولا حقيقتها وهذه القوى تمنعه من جميع الجهات أن يسير بالمجاميع فى الفضاء وهذه القوى المجهولة لنا تسمى حملة العرش وهى أشياء روحانية لا يمكننا أن ندرك ماهيتها كما أننا لا ندرك ماهية المغناطيس أو الكهرباء أو سائر القوى الجاذبة ومن ادعى إدراك هذه الأشياء فليخبرنى أى شىء ينبعث من الجسم الجاذب إلى المجذوب فيجذبه وما كُنْهُ هذا الشىء وكيف نتصوره قال الله تعالى (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به) وقال أيضًا (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) أى ثمانية أصناف من هذه القوى الروحانية أو ثمانى قوى وهى المسماة بالملائكة (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم) اهـ

أقول وبالله تعالى أستعين فى الرد على هذا الفاسق المارق إنه جاهل بأحكام الدين حيث يخلط النور بالظلام والكفر بالإسلام يستدل بكلام رب العالمين على إثبات قول الملحدين يذكر لفظ المجاميع ويكررها وهذا المعنى الذى يريده منها لم يكن معلومًا عند أهل الدين ولا مرادًا لله تعالى فى كلامه الذِى أنزله على رسوله بلسان عربى مبين وقال له فيه (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم) والنبىُّ صلى الله عليه وسلم لم يقلْ للناس إن السماوات هى الكواكب السيارة وإن السبع السيارة مع الأرض تسمى مجموعة ولم يقلْ لهم أيضًا أن هناك مجموعات أخر ولم يقلْ لهم أيضًا أن حملة العرش وباقى الملائكة قوى كقولة المغناطيس والكهرباء بل بَيَّنَ لهم أن السماوات سبعٌ ما بين كل سماء وسماء خمسُمائة سنة وإن سمكَ كل سماء خمسمائة سنة وأن سماء الدنيا مزينة بالكواكب وأن جميع السماوات عامرة بالملائكة منهم القائم ومنهم الراكع ومنهم الساجد ومن المعلوم أن من يوصف بالركوع والسجود والطاعة والعبادة لا يكون قُوًى كَقُوَى المغناطيس بل أجسام نورانية مجبولة على طاعة ربهم (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) فبيَّنَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم للناس بيانًا غير الذى بينه هذا الفاجر فى السماوات والملائكة فيلزم هذا لفاجرَ أنه عَلِمَ من القرءان ما لم يعلمه النبىُّ صلى الله عليه وسلم معاذ الله أن يكون عالمًا بما ذُكِرَ والنبىُّ صلى الله عليه وسلم غيرُ عالم بما أُنْزِلَ عليه لِيُبَيِّنَهُ للناس بل هو الجاهل بل الكافر بلا تردد نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا وأن لا يجعل مصيبتنا فى ديننا.

ثم إنَّ ما ادعاه فى جانب حملة العرش هو نتيجة مذاكرة له مع الشيخ رشيد رضا كما صَرَّحَ بها هو فى ذلك المحل وما ذكره فى وصف حملة العرش وبقية الملائكة من أنهم قوى معنوية كالقوة المجودة فى المغناطيس وما رتبه على ذلك فى حيز المنع بل الملائكة بأجمعهم أجسام نورانية لطيفة قائمة بنفسها قادرة على التشكل كما تقدم وما فى المغناطيس من الخصوصيات ليس من هذا القبيل قطعًا بل هو معنى أوجده الله تعالى فى ذلك الشىء خصوصية شتان بين الأجسام والمعانى فالجسم من لوازمه القيام بنفسه والتحيز والمعنى من لوازمه القيام بغيره ولا تحيز له إلا تبعًا للجسم فلو كانت الملائكةُ قُوًى كقوة المغناطيس فمن أَتَى بالوَحْىِ والقرءانِ للنبىِّ صلى الله عليه وسلم إلا أن ينكر أن القرءان أنزل من عند الله تعالى.

         وقد أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقىّ فى شعب الإيمان عن هارون بن رباب رضى الله عنه قال حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوتٍ رخيمٍ يقول أربعةٌ منهم سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك وأربعة يقولون سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك اهـ إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أنهم أجسام ناطقة لا أنهم معانٍ صامتةٌ.

وهذا هو الحق ولا تَغْتَرَّ بمن يقول فى ءايات الله بغير علم.

والله أعلم.

 


[١] المرجع كتاب المسائل الكافية فى بيان وجوب صدق خبر رب البرية للشيخ محمد بن يوسف الكافىّ.