العناية البالغة بحفظ الحديث [١]

قَبَساتٌ من فوائدِ مُحَدِّثِ الديارِ الهِنْدِيَّة
الشيخ حبيبُ الرحمن بن محمد صابر الأعظمِىّ
المتوفَى سنة ١٤١٢هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه أما بعد فكنا قد رددنا على دعوى جفتائىّ عدم تقييد الحديث فى عصر النبىّ صلى الله عليه وسلم وكذا فى عصر الصحابة والتابعين وبعد إبطال دعواه الأولى هذه وتفنيدها والرد عليها ردًا قاطعًا لم تكن بنا حاجة إلى مناقشة هذه دعواه الثانية أن الحديث إنما كان يعتمد إلى مدة قرنين على الرواية فقط فمن الممكن أن يكون قد دبّ إليه الخُلف والتصحيف خلال تلك الفترة، لأن الثانية إنما تقوم على الأولى وقد ثبت فساد الأولى وبطلانها فما بقِى من شكٍّ فى فساد الثانية وبطلانها وعلى الرغم من ذلك فإنِى أناقشه على سبيل التطوع فأقول

إنه قد ثبت فيما سبق بالدلائل والبراهين أنَّ الاعتماد على مجرد الرواية لم يكن فى عصر من العصور بل على العكس من ذلك فإن سلسلة الكتابة قد بدأت فى العصر النبوِىّ واستمرت وتتابعت. ولو فرضنا أنه لم يكن هناك سلسلة الكتابة فإن العناية البالغة بحفظ الحديث وَوَعْيِهِ والحيطةَ والحذرَ التَّامَّيْنِ فى روايته التِى لم تزل منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جميع العصور المتأخرة لاتدع لأحد مندوحة أن يَدَّعِىَ أن يكون قد دبّ التصحيف إلى الحديث لمجرد اعتماده على الرواية.

وكان من العناية بالحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العصر النبوِىّ أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتدارسون الحديث ويتذاكرونه كما قال أنس رضى الله عنه كنا قعودًا مع نبِىّ الله صلى الله عليه وسلم فعسى أن يكون قال ستين رجلًا فيحدثنا الحديث ثم يدخل لحاجته فنزاجعه بيننا هذا ثم هذا فنقوم كأنما زرع فى قلوبنا[٢].

وَيَبْدُو من قول معاوية أن الصحابة كانوا يتذاكرون قعودًا فى المسجد بعد الصلاة المكتوبة فى عصر النبِىّ صلى الله عليه وسلم فكانوا بتذاكرون كتاب الله وسنة نبيه.

وعن أبى سعيد الخدرِىّ أنه قال أن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم إذا جلسوا كان حديثهم يعنِى الفقه إلا أن يقرأ رجل سورة أو يأمر رجلًا بقراءة سورة[٣].

وإلى جانب المذاكرة والمدارسة كان لهم اهتمام كبير بحفظ الحديث على حِدَةٍ والذِى لم يكن يستطيع الحفظ بعد الجهد والعناء كان يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء حفظه ويستطلعه العلاج كما عُرِفَ من روايات أبى هريرة وأنس رضى الله عنهما.

وقد مرَّ بكم أيضًا حديث أبى هريرة إنِى كنت أعيه بقلبِى مع أن عبد الله بن عَمْرٍو كان بكتب بيده ويَعِيهِ اهـ وقد جاء قول عبد الله بن عباس رضى الله عنهما كنا نحفظ الحديث اهـ[٤]

وليس بنا حاجة إلى إطالة الكلام بذكر أمثال تلك الأخبار وناهيك بوصية النبىِّ صلى الله عليه وسلم التى أوصى بها أصحابه فليبلغ الشاهد الغائب.[٥]

وأيضًا فإنه صلى الله عليه وسلم دعا بالنضرة لمن سمع مقالته فوعاها وأداها كما سمع فقال نضّر الله عبدًا سمع مقالتِى فحفظها ووعاها وأداها كما سمع اهـ

والذى درس سِيَرَ الصحابة وأخبارهم ما خَفِىَ عليه أنهم لم يكونوا ليألوا جهدًا فى امتثال أمره صلى الله عليه وسلم وإدخال أنفسهم فيمن دعا له بذلك. 

وهذا الاهتمامُ بحفظ الحديث قد استمرّ فى عهد الصحابة أيضًا وكان أصحاب النبِى صلى الله عليه وسلم يؤكدون على تلاميذهم أمرَ الحفظ والوَعْىِ وربما دَلُّوهم على علاجها.

         ١- فكان ابن عباس يقول تذاكروا هذا الحديث لا ينفلت منكم اهـ

         ٢- وكان يقول رددوا الحديث واستذكروا فإنه إن لم تذكروه ذهب اهـ

         ٣- وكان يُوصِى تلاميذه بالرواية والتحديث فِى كل يوم فكان يقول ولا يقولَنَّ أحدكم حدَّثتُ أمس فلا أحدّث اليوم بل حدث أمس ولتحدث اليوم ولتحدث غدًا اهـ

         ٤- وقال أبو سعيد الخدرِىّ تذاكروا الحديث فإن الحديث يُهيج الحديث اهـ

وكان من شدته فى هذا الأمر أنه كان لا يأذن لتلاميذه بالكتابة وكان يقول لهم لن نُكْتبكم ولن نجعله قرآنًا ولكن احفظوا عنا كما حفظنا نحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ

         ٥- وقال علِىٌّ رضى الله عنه تذاكروا الحديث فإنكم إلا تفعلوا يندرس اهـ

٦- وكان عبد الله بن مسعود يوصِى تلاميذه قائلًا تذاكروا الحديث فإن ذكر الحديث حياته اهـ

٧- وقال علِىّ أيضًا تذاكروا الحديث وتزاوروا فإنكم إن لم تفعلوا يندرس اهـ

وقد امتثل تلاميذ الصحابة هذه الأوامر والتوجيات التِى أوصاهم بها أساتذتهم أشد الامتثال ولم يشغلهم عن مذاكرة الحديث شاغلٌ كما رُوِىَ

١- عن عطاء أنه قال كنا نأتِى جابر بن عبد الله فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا فكان أبو الزبير أحفظنا لحديثه اهـ

٢-وقال ابن بريدة صلينا صلاة المكتوبة ثم قَصَّ القاصُّ فلما فرغ قعدنا نتذاكر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ

٣- وتذاكر ابن شهاب ليلة بعد العشاء حديثًا وهو جالس متوضئًا قال فما زال ذلك مجلسه حتى أصبح اهـ

٤- وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه لأصحابه هل تَجَالَسُونَ قالوا ليس نترك ذلك قال فهل تتزاورون قالوا نعم يا أبا عبد الرحمن إن الرجل فينا ليفقد أخاه فيمشى فى طلبه إلى أقصى الكوفة حتى يلقاه قال فإنكم لن تزالوا بخير ما فعلتم ذلك اهـ

وخلف الصحابةَ جيلُ التابعين فانتجهوا مناهجَ أسلافهم فِى توجيهِ تلاميذهم وإرشادهم لمذاكرة الحديث وحِفْظِهِ فذكر الدارمِىُّ عن عبدِ الرحمن بن أبى ليلَى والزهرِىِّ وعلقمةَ مثلَ التوجيات التى رُويت عن أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم ءانفًا.

وكان من النتائج المباركة لهذه التوجيهات المؤكدة أن الحارث ين يزيد العُكلِىَّ وابن شُبرمة والقعقاع بن يزيد ومغيرة إذا صَلَّوُا العشاء الآخرة جلسوا فى الفقه فلم يفرق بينهم إلا أذان الصبح.

وقال يونس كنا نأتِى الحسن فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا بيننا اهـ

وكان إسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكتاب يحدثهم يتحفّظ بذلك اهـ

لقد رأيتم هذه العناية الزائدة وذلك الاهتمام البالغ للصحابة والتابعين وتابعيهم بحفظ الحديث ووعيه وعليكم بعد ذلك أن تراعوا حقيقة تاريخية أخرى وهِى ما أكرمهم الله به من ذاكرة قوية مدهشة وحافظة مثيرة للحيرة غير عادية منقطعة النظير فإن هجس بعد ذلك كله فى نفس امرئ أن الحديث قد تعرَّض للتصحيف والتحريف لاعتماده على الرواية فليس ذلك إلا انتهاكًا للإنصاف والعدل أو هو إعراض عن الحقائق التاريخية وَتَوهُّمٌ محضٌ.

 

ذاكرة الصحابة والتابعين الفائقة

ما ذكرتُهُ من قوة ذاكرة الصحابة والتابعين المدهشة لم أكن ذكرته عن حسن الظن والاعتقاد وإنما ذكرته فِى ضوء التاريخ مع أمانة وديانة تَامَّتَيْنِ ويتجلَى ذلك لقراء كتب الرجال ودارسِى السير والتراجم كالشمس فى رابعة النهار. أما الذى لم تسنح له الفرصة لقراءة الكتب ودراسة السير فسيعرف ذلك ويطمئن خاطره بالأخبار التى نذكرها فيما يلِى.

١- ذكر المؤرخ الحافظ الذهبِىُّ فى تذكرة الحفاظ قول أبى هريرة رضى الله تعالى عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا تسألنِى من هذه الغنائم فقلت أسألك أن تعلمنِى مما علّمك الله فنزع نمرة على ظهرِى فبسطها بينِى وبينه كأنِى انظر إلى القمل تدبّ عليها فحدّثنِى حتى إذا استوعبتُ حديثَهُ قال اجمعها فَصُرَّها إليك قال فأصبحت لا أسقط حرفًا مما حدثنِى اهـ

٢- وقتادة كان من أعظم التابعين نباهةً وأحسنهم سمعة فى التفسير وحفظ الحديث قال فيه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كان قتادة أحفظ أهل البصرة لا يسمع شيئًا إلا حفظه قُرئت عليه صحيفةُ جابرٍ مرة فحفظها وقال قتادةُ نفسُهُ ما قلت لمحدث قط أَعِدْ علَىَّ وما سمعت أذناىَ قَطُّ شيئًا إلا وعاه قلبِى.

٣- والشعبِىُّ من كبار التابعين وأَجِلَّائِهِم وكان من جلالة قدره أن مَرَّ به ابن عمر وهو يحدث بالمغازِى فقال شهدت القوم ولهذا أحفظ لها وأعلم بها منِى اهـ

ويقول الشعبِىُّ عن نفسه ما كتبت سوداء فى بيضاء إلى يَوْمِى هذا ولا حدثنِى رجلٌ بحديث قط إلا حفظته ولا أحببت أن يعيده علِىَّ اهـ

وقال أيضًا ما أروِى شيئًا أقل من الشعر ولو شئت لأنشدتكم شهرًا لا أعيد اهـ

٤- وكان من حفظ أبى صالح السمان أن قال الأعمش سمعت من أبى صالح ألف حديث اهـ

٥- وقال مكحول عن نفسه ما استودعتُ صدرِى شيئًا إلا وجدته حين أريد اهـ

٦- وقال الزهرِىّ ما استودعت قلبى علمًا فنسيته اهـ

٧ـ- وعن سعيد أن هشام بن عبد الملك سأل الزهرِىَّ أن يُمْلِىَ على بعض ولده شيئًا فأملى عليه أربعَ مِائَةِ حديثٍ وخرجَ الزهرِىُّ فقال أين أنتم يا أصحاب الحديث فحدّثهم بتلك الأربع مائة ثم لقِى هشامًا بعد شهر أو نحوه فقال للزهرِىّ إن ذلك الكتاب ضاع فدعا بكتاب فأملاها عليه ثم قابل بالكتاب الأول فما غادر حرفًا واحدًا اهـ

ومِنْ حِفْظِ الزهرِىّ أن ابن أخيه قال إنه حفظ القرءان فى ثمانين ليلة وقال الزهرِىّ نفسه ما استعدتُ علمًا وما شككتُ فى حديث إلا حديثًا واحدًا فسألت صاحبِى فإذا هو كما حفظتُ اهـ

أما طبقات أتباع التابعين فتوفَّرَتْ لديهم تلك القوة التى نراها عند الصحابة والتابعين كما يظهر من بعضَ النماذج.

١- قال مغيرة الضبِّىُّ ما وقع فى سمامعِى شىء فنسيته اهـ

٢- وقال أبو حاتم الرازِىّ كان عمرو بن الحارث أحفظ الناس فى زمانه لم يكن له نظير فى الحفظ وقال ابن وهب ما رأيت أحفظ منه اهـ

٣- وقال معمر سمعت من قتادة ولِى أربعة عشرة سنة فما سمعته إذ ذاك كأنه مكتوب فى صدرِى اهـ

٤- وكان من وفرة ما حفظه شعبة أن أبا داود الطيالسِىَّ قال سمعت من شعبة سبعة ءالاف وسمع غندر سبعة ءالاف حديث اهـ

٥- ولم يكن لحماد بن سلمة كتاب إلا كتاب فيس بن سعد وكان مع ذلك سمع عنه يحيى بن ضريس عشرة ءالاف حديث وقال عمرو ابن عاصم كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألف حديث اهـ

٦- وقال سفيان الثورِى ما استودعت قلبِى شيئًا قط فخاننِى اهـ وقال يحيى القطان ما رأيت أحفظ منه اهـ

٧- وقال إسرائيل كنت أحفظ حديث أبى إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن اهـ

٨- وقال محمد بن سعد إن وهيب بن خالد كان يملِى من حفظه اهـ ومع ذلك فإن روايته كثيرة.

٩- وكان عند هشيم عشرون ألف حديث اهـ وقال ابن مهدِى كان هشيم أحفظ للحديث من الثورِىّ اهـ وقد تقدم ذكر الثورِىّ.

١٠- وقال داود بن عمرو الضبِىّ كان إسماعيل وهو ابن عياش يحدّثنا من حفظه ما رأيت معه كتابًا قط وكان يحفظ ثلاثين ألف حديث اهـ

١١- وكان حديث ابن عيينة نحوًا من سبعة ءالاف ولم يكن له كتب اهـ

١٢- وعتب والدُ عبد الله بن المبارك على عبد الله مرة فقال إنِى لئن وجدت كتبك حرقتها فقال وما علِىّ هو فى صدرِى اهـ وقال علِىّ بن الحسن بن شقيق قمت مع ابن المبارك ليلة باردة ليخرج إلى المسجد فذاكرنِى عند الباب بحديثٍ وذاكرته فما زال يذاكرنِى حتى جاء المؤذن فأذن للفجر اهـ

١٣- وقال يحيى بن اليمان بن يونس فلو كان واوًا ما قدروا أن يدخلوه علِىّ اهـ وكان يحيى بن اليمان يحفظ فى المجلس خمس مائة حديث.

١٤- وكان أبو معاوية مكفوف البصر وكان من حفظه أن قال علىُّ بن المدينِى كتبت عن أبى معاوية عن الأعمش ألفًا وخمس مائة حديث اهـ وقال جرير كما نخرج من عند الأعمش فلا يكون أحفظ منا لحديثه من أبى معاوية اهـ وقال أبو معاوية نفسه البُصَرَاءُ كانوا علِىّ عيالًا عند الأعمش لقد رأيتهم يجيؤون كلّهم إلى بابِى فَأُمْلِى عليهم ما سمعوا من الأعمش اهـ

١٥- وكان مروان بن معاوية يحفظ حديثه كله اهـ

١٦- وقال يحيى بن معين جميع ما حدّث به حفص بن غياث ببغداد وبالكوفة فمن حفظه لم يخرج كتابًا كتبوا عنه ثلاثة ءالاف أو أربعة ءالاف حديث من حفظه اهـ

١٧- وقال ابن مهدِى قال لى سفيانُ جئنِى بمن أذاكره فجئته بيحيى القطان فذاكره فلما خرد قال يا عبد الرحمن قلت لك جئنى بإنسان جئتنِى بشيطان اهـ يعنى اندهش سفيان من حفظه.

١٨- وكان الوليد بن مسلم أحفظ للحديث الطويل وأحاديث الملاحم وكان يحفظ الأبواب اهـ

١٩- قال أحمد بن صالح حدّث ابن وهب بمائة ألف حديث اهـ

٢٠- قال الإمام أحمد بن حنبل ما رأت عينِى مثل وكيع قط اهـ وقال أبو حاتم وكيع أحفظ من ابن المبارك اهـ وقال أبو داود ما رُئِى لوكيع كتاب قط اهـ

٢١- قال وكيع عن المحاربِى ما كان أحفظه للطوال اهـ

٢٢- قال يزيد بن هارون عن نفسه أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بالإسناد ولا فخر اهـ وقال مرة وأحفظ عشرين ألفًا فمن شاء فليدخل فيها حرفًا اهـ وقال زياد بن أيوب ما رأيت ليزيد بن هارون كتابًا قط اهـ

٢٣- قال زياد بن أيوب ما رأيت لابن عُلَيَّة كتابًا قط اهـ وقال أبو داود ما أحد إلا وقد أخطأ إلا ابن عُلَيَّة اهـ

٢٤- قال القواريرِىُّ أملى علىَّ ابن مهدِى عشرين ألف حديث حفظًا وقال الذهلِى ما رأيت فى يد عبد الرحمن بن مهدِى كتابًا قط اهـ

٢٥- وكان حديث محمد بن عبيد الطنافسِى أربعة ءالاف يحفظها اهـ

٢٦- وكتبوا عن أبى داود الطيالسِىّ من حفظه أربعين ألف حديث اهـ

٢٧- وكان عند أبى أحمد الزبيرِىّ كتاب ضخم من حديث سفيان الثورِىّ فقال لا أبالِى أن يسرق منِى كتاب سفيان إنِى أحفظه كله اهـ

٢٨- وكان أبو عاصم يحفظ نحو ألف حديث ولم يحدث قط إلا من حفظه اهـ

٢٩- وكان علِى بن الحسن بن شقيق جامعًا يعدُّ من أحفظهم لكتب عبد الله أى ابن المبارك اهـ

٣٠- وقال أبو حاتم فى سلميان بن حرب وقد ظهر من حديثه نحو عشرة ءالاف حديث وما رأيت فى يده كتابًا قط اهـ

٣١- وقال حرب الكرمانِى فى سعيد بن منصور المتوفى سنة ٢٢٧هـ أملى علينا نحوًا من عشرة ءالاف حديث من حفظه اهـ

٣٢- وقال أبو زرعة لعبد الله بن أحمد بن حنبل كان أبوك يعنِى أحمد يحفظ ألف ألف حديث اهـ

٣٣- قال أبو داود الخفّاف أملى علينا إسحاق هو ابن راهويه من حفظه أحد عشر ألف حديث ثم قرأها علينا فما زاد حرفًا ولا نقص حرفًا اهـ

٣٤- وصف حاشد بن إسماعيل حفظ الإمام البخارِىُّ فقال كان البخارِىّ يختلف معنا إلى السماع وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيامًا فكنا نقول له فقال إنما قد أكثرتما علِىّ فاعرضا علىّ ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشرة ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نُحْكِمُ كتبنا من حفظه ثم قال أترون أنى أختلف هدرًا وأضيع أيامِى اهـ

وقال البخارِىّ نفسه أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتِى ألف حديث غير صحيح اهـ

وقد اشتهرت الواقعة التالية للإمام البخارِىّ وهى أنه وفد بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد ءاخر وإسناد هذا المتن لمتن ءاخر ودفعوها إلى عشرة أنفس لكل رجل عشرة أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخارِىّ وأخذوا عليه الموعد للمجلس فحضروا وحضرة جماعة من الغرباء من أهل خرسان وغيرهم ومن البغداديين فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخارِىّ لا أعرفه فما زال يلقى عليه واحدًا بعد واحد حتى فرغ والبخارِىّ يقول لا أعرفه وكان العلماء ممن حضروا المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فَهْم ومَنْ كان لم يَدْرِ القصةَ يَقْضِى على البخارِىّ بالعجز والتقصير وقلة الحفظ.

ثم انتدب رجل من العشرة أيضًا فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال لا أعرفه فسأله ءاخر فقال لا أعرفه فم يزل يلقِى عليه واحدًا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخارِىُّ يقول لا أعرفه.

ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة والبخارِىّ لا يزيدهم على لا أعرفه.

فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول فقال أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا وحديثك الثانِى كذا وصوابه كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فردّ كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقرَّ الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل اهـ

٣٥- وكان من قوة ذاكرة الإمام الترمذِىّ أنه قال كنت فى طريق مكة وكنت قد كتبت جزأين من أحاديث شيخ فمرّ بنا ذلك الشيخ فسألت عنه فقالوا فلان فرحت إليه وأنا أظن أن الجزأين معِى وإنما حملت فى محملِى جزأين بياض فلما ظفرت سألته السماع فأجاب وأخذ يقرأ من حفظه ثم لمح فرأى البياض فى يدِى فقال أما تستحِيي منِى فقصصت عليه القصة وقلت له إنِى أحفظه كلَّه فقال اقرأ فقرأته عليه على الولاء فقال هل استظهرت قبل أن تجىء إلىّ قلت لا ثم قلت حدثنِى بغيره فقرأ علِىَّ أربعين حديثًا من غرائب حديثه ثم قال هات فقرأتها عليه من أولها إلى ءَاخِرِها فقال ما رأيت مثلك اهـ

٣٦- وعن أبى زرعة أن رجلًا استفتاه أنه حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث فقال تمسك بامرأتك اهـ

٣٧- قال أبو الليث عبد الله بن شريح الشيبانِى البخارِىّ حفظت عشرة ءالاف حديث من غير تكرير اهـ

٣٨- قيل ذهبت كتب ابن أبى عاصم بالبصرة فى فتنة الزَّنْج فأعاد من حفظه خمسين ألف حديث اهـ

٣٩- قال الخطيب حدث صالح جزرة دهرًا من حفظه ولم يكن استصحب معه كتابًا اهـ

أرى أنه قد أثقلكم سرد هذه النقول وشقَّ عليكم قراءة هذه الوقائع فأكتفِى بهذا القدر من الأمثلة وإلا فإن هذا الموضوع يستحق أن يؤلف فيه كتاب كبير مستقل.

والله تعالى أعلم.

 

 


[١] المرجع كتاب نصرة الحديث للشيخ حبيب الرحمن الأعظمِىّ رحمه الله تعالى.

[٢] مجمع الزوائد ١، ١٦١.

[٣] المستدرك للحاكم ذ، ٨٤.

[٤] صحيح مسلم ١، ١٠ وسنن ابن ماجه.

[٥] صحيح البخارِى ١، ١٦.