المكث عند القبر[١]

قبسات من فوائد الشيخ محمود محمد يوسف
من علماء الشافعية فى الحبشة حفظه الله تعالى.

سؤال ما معنى قول الشيخ ابن عثيمين في كتابه شرح الرياض ج٣ ص١١٤ في قصة قول عمرو قال إنَّ أمرَ أهله أن يقيموا عنده إذا دفنوه يعني حول قبره قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها قال الشيخ فهذا اجتهادٌ من عمروٍ ولكن اجتهاد لا نرضى به لأن هدى النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هدى غيره ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقف أو يجلس عند القبر بعد الدفن قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها ولم يأمر أصحابه بذلك فقال وغاية ما هنالك أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقفوا على القبر ويستغفروا لصاحبه ويسألوا له التثبيت فقط هذا هو السنة ثم ينصرف الناس.

الجواب:

الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه.

إن هذا الحديث رواه مسلم فى صحيحه وأورده الشيخ محيى الدين النووِىّ فى رياض الصالحين محتجًّا به وهذا الشيخ وأمثاله إذا وافق فعل الصحابة هواه اتخذه حجة كالقرآن والحديث وإذا خالف هواه عَيَّبَهُ كما هنا وإن كان له أصل في الشرع.

الثاني هذه المسألة لا يقال فيها بالرأي لأنه لا يدخلها الاجتهاد ولهذا فإن عَمْرًا لم يَقُلْ هذه المقالة من قبل نفسه بل لكونها شائعة فى ذلك الوقت والدليل على ذلك حَدِيثٌ صَدَّقَهُ الشيخ حيث قال وغاية ما هنالك أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقفوا على القبر ويستغفروا لصاحبه وأن يسألوا له التثبيت فقط فهذا هو السنة اهـ وهكذا أثبت الحجة على نفسه وهو ما يدل على أن عمرًا على الصواب والمعترض عليه جاهل ولا يدري كيفية الاستدلال أو متعام عن الحق.

والحديث عامٌّ من جهة الساعة وحتى الشيخ لم يعين قدر ما يمكث في الدعاء بل اكتفى بقوله وغاية ما هنالك أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقفوا على القبر ويستغفروا لصاحبه وأن يسألوا له التثبيت فقط فهذا هو السنة اهـ

قلت وهذا ما أمر به عمرو بن العاص وهو متبع لهدى محمد صلى الله عليه وسلم والمعترض عليه جاهل أو متعام عن الحق إلا إن قلنا اعترض على قوله قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها وهذا أيضًا جزء من معنى الحديث لأن الحديث لم يحدد قدر ما يُمْكَثُ عند القبر وعمرٌو أراد استنزال الرحمة بالصدقة وهو وارد وأراد جلب زيادة الاستغفار له من الأكلة وهو مأمورُ السنة فلم يأمر أهله إلا بما جاء به الحديث.

الثالث إن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكروا على عمرو ما فعله ولا انكره من رواه من أئمة المسلمين وهم عدول رضي الله عنهم ورضوا عنه لا يمكن الطعن فى إجماعهم وأنهم اتخذوا هديًا غير هدى النبي صلى الله عليه وسلم كما طعن هذا الشيخُ فيهم حيث قال لأن هَدْىَ النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هَدْىِ غيره وحاشاهم بل هم متبعون لهدى النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ ذلك ابن عثيمين أو أنكر.

والحاصل أنه على العاقل أن يختار ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكره أحدٌ منهم لقوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني. والله أعلم.


 [١] المرجع كتاب ردّ محمود يوسف على ابن عثيمين للشيخ محمود يوسف.