تفنيد دعوى ابن القيّم أن شيخه هو الذِى بيّن تزوير اليهود بينما الذِى فعل ذلك هو الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادِىّ[١]

قبساتٌ من فوائد شيخ علماء مكة محمد العربِى بن التبانِىّ المالكِىّ
المتوفى سنة ١٣٩٠ هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم وبعد فقد قال ابن القيم فى فصل هديه صلى الله تعالى عليه وسلم فى عقد الذمة فى ذكر يهود خيبر ما نصه

(ولما كان فِى بعض الدول التِى خفيت فيها السنة وأعلامها أظهر طائفة منهم كتابًا قد عتقوه وَزَوَّرُوهُ وفيه أنَّ النبِىَّ صلى الله عليه وسلم أسقط عن يهود خيبر الجزية وفيه شهادة علِىّ بن أبِى طالب وسعد بن معاذ وجماعة من الصحابة رضِى الله عنهم فراج ذلك على من جهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه وسيره وتوهموا بل ظنوا صحته فجروا على حكم هذا الكتاب المزور حتى أُلقِىَ إلى شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وطلب منه أن يعين على تنفيذه والعمل عليه فبصق عليه واستدل على كذبه بعشرة أوجه( اهـ

أقول هذا المؤلف متقوِّل على الأشاعرة نابز لهم بالجهمية وبالمعطلة متصيد لمفاخرهم وفوائدهم متشبع بها ناكر لجميلهم وحيث كان الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن ثابت الخطيب البغدادِىُّ المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة من الأشاعرة فقد سرق منه هذه القصة سرقةً مكشوفة للألباء رائجة عند الأغبياء ونبسها إلى شيخه الحرانِىّ. وأمارات السرقة لهذه القصة المسروقة من الخطيب البغدادِىّ الممنوحة للشيخ الحرانِىّ ظاهرة لكل لبيب من قوله ولما كان فى بعض الدول التى خفيت فيها السنة إلى ءَاخِرِ هرائه ولِمَ لِمْ يُسَمِّ هذه الدولة التى خفيت فيها السنة إن كان صادقًا ولِمَ لَمْ يعين الوقتَ الذِى بين فيه شيخه الحرانِى تزوير هذا الكتاب إن كان صادقًا.

والحافظ البغدادِىّ هو الذى فض عذرة كتاب اليهود المزور. ومن ثم لما أظهر بعض اليهود كتابًا وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادة الصحابة رضِى الله عنهم، وذكروا إن خط علِىّ رضِى الله عنه فيه، وحمل الكتاب في سنة سبع وأربعين وأربعمائة إلى رئيس الرؤساء أبِى القاسم على وزير القائم عرضه على الحافظ الحجة أبي بكر الخطيب فتأمله ثم قال هذا مزور فقيل له من أين لك هذا قال فيه شهادة معاوية وهو إنما أسلم عام الفتح وفتح خيبر كان فِى سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ وهو قد مات يوم بني قريظة قبل فتح خيبر بسنتين، فاستحسن ذلك منه واعتمده وأمضاه ولم يجز اليهود على ما فِى الكتاب لظهور تزويره اهـ

وفى الرافعِىّ سئل ابن سريج عما يَدَّعُونه يعنِى اليهود خبير أن عليًا كتب لهم كتابًا بإسقاطها فقال لم ينقل ذلك عن أحد من المسلمين اهـ ولَمَّا حقق لهم الخطيب ما تقدم صنف رئيس الرؤساء المشار إليه فى إبطاله جزءًا وكتب عليه الأئمة أبو الطيب الطبرِىُّ وأبو نصر بن الصباغ ومحمد بن محمد البيضاوِىّ ومحمد بن علِىّ الدامغانِىُّ وغيرهم انتهى كلام السخاوِىّ بنصه.

وأقول إن الحروف العربية محترمة شرعًا والبصاق مستقذر باتفاق الناس فلنفرض أن هذا الكتاب المزور فضحه وبينه المُشَيَّخُ على الإسلام لا الحافظ البغدادِىُّ فهل يباح له أيها العقلاء البصاق عليه وإذا كان فيه اسم من أسماء الله تعالى فهل يكون البصاق عليه فى هذه الحالة إلا ردةً والعياذ بالله تعالى؟!!!

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب التعقيب المفيد على هدِى الزرعِىِّ الشديد للشيخ محمد العربِى التبانِى رحمه الله تعالى.