حال المرأة فى الجاهلية وفى الإسلام[١]

قبسات من فوائد شيخ حماه العالم المجاهد محمد الحامد الحنفِىّ
المتوفَى سنة ١٣٨٩هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى ءاله وصحبه.

قضية لها أهميتها الشرعية والاجتماعية تحُتل مكانًا فِى الأذهان والعقول ويتخذ منها المحاضرون والكاتبون موضوعات بها يحاضرون وفيها يكتبون، تِلْكُمُ القضيةُ هِى قضية المرأة وموقف الإسلام منها وقد أردت أن أعرض لهذا الموضوع بإيجازٍ لأنَّ المقام لا يساعد على الإسهاب مُبَيِّنًا عدل الإسلام ورحمته للمرأة، وبذا تُفَنَدُ مزاعمُ كلِّ مُفترٍ يثير أعاصير الشغبِ وضروبَ الكذب وشتَى المُفتريات على دين ناصعٍ واضح المحجة ظاهر الحجة زاعمًا أنَّ الإسلام قد ظلم المرأة.  وبه يُعلَمُ أيضًا أنَّ الذين يظهرون العطف على المرأة محاولين تحريرها كما يقولون وإطلاقها من القيود العتيقة فى حُسبانهم هم فى الحقيقة ساعون فى هوَى أنفسهم لا فى خير المرأة وليس لهم أَرَبٌ فى صالحها لكنها الشهوات الجامحة والنظرات الطامحة وإشباع النَّهْمَةِ من الرذيلة المستورة كل هذا حملهم على طرق هذا الموضوع من غير بابه الشرعِىّ واتخاذه وسيلة إلى مقصد غير حميد.

إنَّ الإسلام لم يَغِلَّ يدَ المرأة ولم يقيدها إلا بقيود أدبية ترفع مكانَها وتزيد فى سُموها، إنَّ الإسلام أخذ بيد المرأة وأنقذها من الظلم الذِى كانت رازحة تحت ثقله فى الجاهلية قبل البعثة النبوية. نعم لما بعث الله تعالى سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم أخذ بيدها وحررها تحريرًا صحيحًا معقولًا وأعطاها حقَّها كاملًا غير منقوص وجعلها قرينة الرجل فى التكاليف والأحكام كُلِّها إلا ما تقتضيه طبيعتها من الانفراد ببعض الميز والخصائص وهو فى كل هذا يراعِى تكريمها واحترامها والعطف عليها. وكان عليه الصلاة والسلام يقول (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلِى).  وكان يقوم بمهنة أهله بنفسه الشريفة وكان يُؤنِسُ أزواجه ويَسْمُرُ معهُنَّ وسابق السيدة عائشة فسبقته ثم سابقها فسبقها وقال (هذه بتلك) وهذا تَنَزُّلٌ كريم منه عليه الصلاة والسلام وعِشرَةٌ حسنةٌ جميلة تُعَلِّمُ الأزواج كيف يكون الاختلاط الروحانِىّ بين الزوجين وكيف تُبنَى حياة العائلة على دعائم متينة من العاطفة والرابطة القوية الوثيقة. وفى الحديث الشريف (إنَّما النساء عندكم عَوَانٌ لا يَمْلِكْنَ لأنفسهنَّ شيئًا أخذتموهُنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله فاتقوا الله فى النساء واستوصوا بهن خيرًا ألا هل بلغت اللهم اشهد).

كانت المرأة قبل الإسلام تُسْتَرَقُّ وهِى حُرة فَتُشْتَرَى وتُباع كأنَّها بهيمة أو أىّ شىء ءَاخَرَ من الأمتعة فجاء الإسلام يحظر هذا الظلم البشع والحجر على هذا العسف والجور ويقرر أن استعباد الأحرار وبيعهم جريمة وأيَّةُ جريمة. جريمة يكون الله تبارك وتعالى خصمًا لفاعلها ولا يقبل له عملًا.  روى البخارِىُّ وابن ماجه وغيرهما عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال (قال الله تعالى ثلاثةٌ أنا خَصُمُهم يوم القيامة ومن كنت خَصْمُهُ خصمتُهُ رجلٌ أعطَى بِى ثم غدر ورجلٌ باع حُرًّا وأكل ثمنَهُ ورجلٌ استأجَرَ أجيرًا فاستوفَى ولم يُوَفِّهِ أجره) وروَى أبو داود وابن ماجه عنه عليه الصلاة والسلام أنَّه قال (ثلاثة لا تقبل منهم صلاةٌ من تقدم قومًا وهم له كارهون ورجلٌ أتَى الصلاةَ دِبَارًا أى بعد فوتها ورجلٌ اعْتَبَدَ مُحَررًا).

كان بعض أهل الجاهلية لا يرون القِصاص من الرجل إذا قتل المرأةَ ويعفونه عن الدِّيَة أيضًا وكان كثير منهم يرون الحقَّ للأب فى قتل ابنته بل فى وَأْدِها أى دفنها حيَّةً فجاء الإسلام يجهر بقول الله تعالى (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)[٢] إلى قوله تعالى (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)[٣] جاء الإسلام يُنادِى بقول الله تعالى (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)[٤].

وروَى ابنُ ماجه عنه عليه الصلاة والسلام أنَّه قال (ما من مُسلِمٍ له بنتان فيحِّنُ إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة). وروَى الترمذِىّ عن أبِى سعيد الخدرِىّ رضى الله تعالى عنه أنَّه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخواتٍ أو بنتانِ أو أُختانِ فأحسَنَ صُحْبَتَهُنَّ واتقَى الله فيهِنَّ فله الجنة) وفى رواية أبِى داود (فأدَبَهُنَّ وأحسَنَ إليهِنَّ وزوجهن فله الجنة).

وكانوا أيضًا يجبرون بناتهم على التزوج ممن يكرهْنَ فجاء الإسلام مثبتًا لهن كمال الحُرِيَّة فلا تجبر البالغة على الزواج بل الأمر منوطٌ بها وبمحض رغبتها وإرادتها. أخرج النسائِى عن أمِّ المؤمنين عائشة رضِى الله تعالى عنها أن فتاةً دخلت عليها فقالت إنَّ أبِى زوجنِى من ابن أخيه يرفع بِى خسيسته وأنا كارهة قالت اجلسِى حتى يأتِى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبِى ولكن أردت أن أُعْلِمَ النساء أنْ ليس للآباء من الأمر شىء.

ومن النصوص القرءانية فى الرحمة للنساء وحفظ حقوقِهِنَّ قوله تعالى (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا)[٥] نزلت هذه الآية فى الرجل تكون فى حِجْرِهِ يتيمةٌ ولها مال فإن كانت جميلةً رغب فى نكاحها وأكل مالها ولم يؤتها ما يؤتى النساء من المهر، فأمر بتوفيتها حقها كأمثالها من النساء وإلا فلينكح غيرها، وهذا هو الذِى تلاه الله تعالى عليهم بقوله الكريم (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)[٦] أى أقربُ من أن لا تجوروا، وإن كانت دَمِيْمَةً رغب عن نكاحها ومنعها الزواج لئلا يشاركه أحدٌ فى مالها الذِى يأمل أن يؤول إليه إن كان هو وارثها بعد وفاتها ويكره وجود زوج لها فى حياتها إذا كان هو شريكها فى المال فنهاهم الله تعالى عن هذا الظلم والعَضْلِ عن النكاح فإن أمره تعالى متجه دائمًا إلى العدل والإحسان وتوفية الحقوق كاملة.  وقد أمرهم فى هذه الآية الكريمة بدفع ما قسمه الله تعالى لهنَّ وللوِلْدَانِ الصغار من الميراث وكانوا لا يُوَّرِثُونَ إلا الذكور الكبار الذين يشهدون القتال فيمنعون الحوزة ويحوزون الغنيمة ولا إرث عندهم للنساء ولا الصغار. وأمرهم أيضًا بالإقساط إلى اليتامَى وهو معاملتهم بالعدل فى الميراث والمال وأنت ترَى فى الآية زيادة وقع الاستفتاء فيه إذ هو فى نكاح يتامَى النساء فزيدوا الأمر بالإحسان إلى الولدان والعدل فى اليتامَى وهذا من محاسن الفتوَى.        

هذه هِى الحرية بمعناها الصحيح يجعلها الإسلام للمرأة ملاحظًا أنَّها إنسانٌ مفكر ونفس محترمة لها تفكيرها الشخصِىّ ولها إرادتها الخاصة فأين هذا النظر الصحيح إلى المرأة فى الإسلام من نظر الأديان الخاطئة إليها فقد اختلف رجالها فى أن المرأة هل هِى إنسان ذو نفس وروح باقية كالرجل وهل يسوغ تلقينها الدين وهل تجوز عبادتها وهل تدخل الجنة فى الآخرة ثم تقرر فى أحد المجامع لديهم أنَّها حيوان نجس لا روح له ولا خلود ولكن يجب عليها العبادة والخدمة وأن يُكَمَّ فمُها كالبعير والكلب العقور لمنعها من الضحك والكلام لأنَّها أحبولة الشيطان.  وكان بعض الفرنجة يَعُدُّونَ المرأة من الحيوان الأعجم أو من الشيطان وهِى أحقر من أن تكون من نوع الإنسان فجاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[٧]  وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[٨]

كان بعضهم يرَى أنَّه لا يصح أن يكون للمرأة دينٌ وبناء على هذا فقد حظروا عليها قراءة كتبه رسميًّا. وإذا بالإسلام يجعل النساء شقائق الرجال فى الأحكام والتكاليف ويُسمِى الفريقين مؤمنين ومؤمنات ومسلمين ومسلمات وقانتين وقانتات وإذا بأمّ المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضِى الله تعالى عنها أول من يؤمن برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وتكون فى مقدمة الناصرين له والمعاونين على تأدية رسالة ربِّه تبارك وتعالى.  وقد بلغ من احترام الإسلام للمرأة أنَّه بعد جمع القرءان فى مصحف واحد وضع عند أمّ المؤمنين السيدة حفصة رضى الله تعالى عنها ثم لما كُتِبَتْ نسخٌ أُخرَى من القرءان لترسل إلى الآفاق فى عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضِى الله تعالى عنه كان اعتمادهم على تلك النسخة التى عند السيدة حفصة فأين هذا من منع أولئك المرأة من التَّدَيُّنِ ومن قراءة كتب الدين أين زعمهم أنَّ المرأة لا تدخل الجنة مع الرجال فى الآخرة من الصدق فى قول الله تعالى (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)[٩] وقوله عزّ وجل (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)[١٠] وقوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[١١].

أين زعمهم أنَّ المرأة لا حق لها فى التدين من إثبات الله تعالى الرشاد للمؤمنات الصالحات اللاتِى يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر فضلًا عن العمل الصالح العائد لذواتهن وهذا تجدونه صريحًا فى قول الله عزّ وجلّ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[١٢].

وقال ابن كثير فى تفسيره قال الحافظ أبو يعلَى حدثنا أبو خُثَيْمَة حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبِى عن ابن إسحاق حدثنِى محمد بن عبد الرحمن عن خالد بن سعيد الشعبِىّ عن مسروق قال ركب عمر بن الخطاب رضِى الله عنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أيُّها الناس ما إكثاركم فى صُدُقِ النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصَدُّقات يعنِى المهور فيما بينهم أربعمائة فما دون ذلك ولو كان الإكثار فى ذلك تقوًى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها فلأعرفَنَّ ما زاد رجل فى صداق امرأة على أربعمائة درهم يهدد بهذا قال ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا فى مهر النساء على أربعمائة درهم قال نعم فقالت أما سمعت ما أنزل الله فى القرءان قال وأىّ ذلك فقالت أما سمعت الله يقول (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[١٣] قال فقال اللهم غَفْرًا كل الناس أفقه من عمر ثم رجع فركب المنبر فقال أيها الناس إنِّى كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء فى صدقاتهِنَّ على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطِىَ من ماله ما أحبَّ قال أبو يعلَى وأظنه قال فمن طابت نفسه فليفعل. إسناده جيد قوِىّ اهـ

وهذا يدل بوضوح على أن سلطة الحاكم لا تمتد شرعًا إلى تحديد أكثر المهر أما أقله فمحدد بقول النبِىّ عليه الصلاة والسلام (أقل المهر عشرة دراهم) وفى عدم جواز تحديد الأكثر حماية قوية للنساء ورحمة لهنَّ وفتح لباب تكريمهن بما يحب أزواجهن دون أى مانع أو عائق لكن على الناس أن يعقلوا مدركين أن التزام تغلية المهور سبب لتقليل الزواج الذِى به الصيانة والحصانة فتشيع الفاحشة ويفشو المنكر.

كانوا فى الجاهلية يَحْرمون المرأة من حقّ الميراث ومن التصرف كما يشأن فى أملاكهِنَّ وكان هذا سائدًا إلى عهد قريب فبدد الإسلام هذه الغياهب ومحق هذا الحيف فأجاز لهُنَّ التصرف كما يشأن فى أموالهن ضمن الدائرة المشروعة وجعل لهُنَّ حقًا فى الميراث (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)[١٤] قال عمر رضى الله تعالى عنه (والله كنا فى الجاهلية ما نعد النساء حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم).

وروَى الشيخان والترمذِىّ عن جابر قال جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أُحدٍ شهيدًا وإنَّ عمهما أخذ مالَهما فلم يدع لهما مالًا ولا يُنْكَحان إلا ولهما مالٌ قال يقضِى الله فى ذلك فنزلت ءاية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال (أعط ابنتِى سعد الثلثين وأعط أمَّهُما الثُمُنَ وما بقِىَ فهو لك).

كان النساء يُورَثْنَ ويورث نكاحُهُنَّ كما يورث المال كأنهن يزعمون أنها ملك المُوَّرِث بما دفع إليها من المهر فأبطل الله تعالى هذا الظلم بقوله الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا)[١٥]  روَى ابن جرير عن ابن عباس رضِى الله تعالى عنهما فى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[١٦]  قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤوا زوجوها وإن شاؤوا لم يزوجوها وهم أحقّ بها من أهلها فنزلت هذه الآية فى ذلك. وأخرج أيضًا عن السُدِىّ قال أما قوله (لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) فإن الرجل فى الجاهلية كان يموت أبوه أو أخوه أو ابنه فإذا مات وترك امرأته فإن سبق وارث الميت فألقى عليها ثوبه فهو أحقّ بها أن ينكحها بمهر صاحبه أو ينكحها فيأخذ مهرها وإن سبقته فذهبت إلى أهلها فهم أحقّ بنفسها وكان أحدهم إذا كره امرأته حبسها وضيق عليها وعضلها كِى تفتدِى منه فنهَى الله عن هذا إلا إذا أتت بفاحشة مبينة مِنْ زِنًى قامت عليه البينة الشرعية أربعة شهود عدل فإن جزائها كان الإمساك فى البيت ثم أنزل الله حكمه فى الزنَى رجمًا للمحصن وجلدًا لغيره. وقيل إنَّ الفاحشة المراد بها هنا النشوز ويجوز أن تعمه وغيره وهو أولى. 

أخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله تعالى (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)[١٧] يقول لا تقهروهنَّ لتذهبوا ببعض ما ءاتيتموهن يعنِى الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضربها لتفتدِى.

ويرَى بعضهم أنَّ النهِىَ لأولياء الميت الذين ورثوا زوجته بزعمهم ومنعوها الزواج ليرثوها بعد موتها وكانوا يسيئون عِشْرَةَ نسائهم ويسمعونهُنَّ غليظ القول ويلحقون بهن الضرر فأمر الله تعالى بحسن العِشرةِ بقوله (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[١٨] قال الزجاج هو النصفة فى المبيت والنفقة والإجمال فى القول وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيُّها الناس إنَّ النساء عوان أى أسيرات أخذتموهنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن حقّ ولهن عليكم حقّ ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا ولا يعصينكم فى معروف وإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف) والخير الكثير أن يُحببهن إليكم ويعطفكم عليهن ويكُنَّ لكم وَفِيَّات رضيَّات ويتحفكم منهن بذرية صالحة اهـ

هذه نماذج أيها الإخوان من الشريعة الإسلامية تريكم مبلغَ احترامِ الإسلامِ للمرأة وحياطته إياها وتوفيتها حقها وصَدَقَ اللهُ ورسولُهُ وكَذَبَ الأفاكون الذين يذرون الرماد فى العيون ويقلبون الحقائق ليهدموا المعانِىَ الإسلامية فى نفوس السذج والبسطاء، خسئوا فإن الإسلام أَمْتَنُ من أن تناله أيديهم بالتهديد والله يهدِى من يشاء إلى صراط مستقيم.

والله تعالى أعلم وأحكم.


[١] المرجع كتاب مجموعة رسائل العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى.

[٢] سورة الأنعام ءاية ١٣٧.

[٣] سورة الأنعام ءاية ١٤٠.

[٤] سورة التكوير ءاية ٨-٩.

[٥] سورة النساء ءاية ١٢٧.

[٦] سورة النساء ءاية ٣.

[٧] سورة الحجرات ءاية ١٣.

[٨] سورة النساء ءاية ١.

[٩] سورة النساء ءاية ١٢٣-١٢٤.

[١٠] سورة ءال عمران ءاية ١٩٥.

[١١] سورة النحل ءاية ٩٧.

[١٢] سورة النحل ءاية ٧١-٧٢.

[١٣] سورة النساء ءاية ٢٠-٢١.

[١٤] سورة النساء ءاية ٧.

[١٥] سورة النساء ءاية ١٩.

[١٦] سورة النساء ءاية ١٩.

[١٧] سورة النساء ءاية ١٩.

[١٨] سورة النساء ءاية ١٩.