حكمة الرقّ وصحته شرعًا[١]

قبسات من فوائد الشيخ محمد أبو اليُسر بن محمد عابدين
المتوفى سنة ١٤٠١ هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصبحه وسلم وبعد فاعلم أنَّ الرقَّ كان ثابتًا وموجودًا لدى الأمم السابقة والأجيال الماضية من متديِّنةٍ وَوَثَنِيَّةٍ ولكن الأمم الماضية كانت تتعدّى فيه الحدودَ وتخرج به عن جادَّةِ الصواب المَنشود وتتغالَى بظلم الرَّقيق خِلافًا للشرائع السماوية التِى كانت تُبيحُهُ على أعدل طريقٍ بما يكون فيه الخير والصلاح للمجتمع البشرِىّ الإنسانِىّ.

وإنِّى أسردُ الحكم الظاهرة بما نعرف عنه فِى شريعتنا لأنَّ شروطه وأركانَهُ وحقيقتَهُ فِى الأديان السابقة لا دليل قطعِىّ عليها ولأنَّنا لا نبنِى كلامنا على أوهام المُؤرخين وأقاصيصهم التِى لا ثقة بها أمَّا الشريعة الإسلامية فأحكامها معروفةٌ متواترة مدونةٌ لم يعترها أىُّ تبديل من عصر مُبْتَدِئِها صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).        

لذلك ربط الله سبحانه الرقّ بقيود وشروط متى استجمعت فِى شخص ما صدق عليه وصف الرِّق على حسب درجاته وأنواعه التِى ستقرؤها وعليه فالرِّق من ضروريات الطبقات البشرية التِى قال الله فيها (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) وهذه الدرجات لا يمكن لعاقل أن يُنكر ضرورة وجودها بين البشر حتى لا يكون الناس كلُّهم بسورة واحدة كما قدمنا.

وكم رأينا أمةً فِى عصر القرن العشرين استعبدت غيرها وهِى التِى منعت الرِّقَّ بدعواها الفارغة.  

الحكمة الثانية

تعميم مبادِئ الأقوام المُسْتَوْلِيَةِ والمسترِقَّةِ لغيرها ونشر لغتها وأخلاقها وعادتها بين الأمم المُستَرقَّة والمغلوبة لتكون قدوة لغيرها فإنَّ الرقَّ وإن كان عبارة عن عبودية الرقيق لسيدِهِ لكن الشريعة الإسلامية أصابت هدفًا ءاخر بما ندبت إليه من تحرير الرقيق بطرق عديدة كأنها لم تُبق رقيقًا لطالِبِ الأَجْرِ والزُّلْفَى عند الله سبحانه. وعليه فإنَّ الرقيق بعد أن يعتاد عوائد المسلمين ويتخلَّق بأخلاقهم ويتعلم لغتهم غالبًا ويشهد ضبط الأحوال التِى يراها بتلك المدرسة الأخلاقية يؤثر فيه ما رأى من المحاسن التِى لا توجد فى أمة أخرى فيكون بلا شكَّ يكون داعية خيرٍ لهؤلاء القوم الذين هذَّبوه وأحسنوا صحبته وعَلِمَ بمجالسهم ما لم يكن يعلم.

على أنَّ من كان يرَى محاسن الدين الإسلامِىّ وما عليه من المبادئ الصالحة وما فطر عليه المسلمون الأقدمون من أصول دينهم القويم التِى منها إسداءُ كلِّ خيرٍ لمن استرقّوه فلا شكَّ أنه يُؤْثِرُ العيشَ والعبودية لهم على الحرية التِى كان فيها كما حصل مع سيدنا زيد بن حارثة رضِى الله عنه وكثيرين غيره حملت التواريخ أخبارهم.

الحكمة الثالثة

هِى زيادة رُقىِّ العلم والتوغُّل فيه ونشره ونشر الصنائع ونقل رُقىِّ سائر الأقوام إلى أُمة العرب فقد كانت العلوم فِى السابق لا تُنال إلا بالأسفار الطويلة وأن تضرب أكباد الإبل أيامًا وشهورًا ولم يكن إلا النزر اليسير الذِى يسمح لولده أن يرحل لتلقِى العلوم لعسر المواصلات وتنائِى البلدان وكثرةِ الأخطار فِى الطُّرقات إلى الهند والصين والمغرب وأقاصِى الدنيا.  لكن كانوا جميعًا يسمحون لأرقائهم باجتياز هذه المفاوز واقتحام مشاقها ويصبرون على بعدهم وفراقهم فضلًا عن أنّ منهم من كان يسترقُّ وهو متقن لفن أو صنعة ولذا كنت ترى العرب بعد الفتح الإسلامِىّ سواء فِى الدولة الأموية الشامية أو الأندلسية أو الدولة العباسية البغدادية أو غيرها تزدهر بلادهم ويأتون بعجائب الإبداع ويسبقون الأمم فِى اكتشافاتهم وبديع صناعاتهم وعلوِّ حَضارتهم ومَدَنِيَّتِهم وفاقوا الدنيا علمًا ومدنية وبرزوا فِى العلوم على تعدد فروعها إذ كان الرجل يُرسل غلمانه كلَّ واحد لجهة يقتبس ما تصبو إليه نفسه من كلِّ فنٍّ عجيب وبعد عودته يتركه سيده حرَّ العمل طليق اليد يشتغل بما يتخصص فيه ويضع عليه خراجًا مقطوعًا يؤديه إلى سيده كلَّ يوم حسبما يطيقه مما يتفقان عليه من مكاسبه.  فكان منهم الطبيب والكيماوِىّ والحَجَامُ والمهندس والكَحَّال والغازِى والقائد.  بل كلُّ مملوك يريد أن يتخصص بما لا يدركه غيره وهكذا حصل التنافس برهة من الزمن لهؤلاء الفاتحين بواسطة أرقائهم الذين لم تؤثر فيهم رحمة الشوق على عدم مفارقة مماليكهم.  وكلما رأى السيدُ تفوق عبده غيره يجتهد فِى أن يجعل عبده أرقى وأعلم من عبد غيره طمعًا فِى زيادة خراجه المرتَّب عليه.

فانظر يا رعاك الله إلى هذه الحكمة غير المقصودة التِى تمكَّن بفضلها المسلمون أن يكونوا أرقَى الأمم وأسعدها من سابقة ولاحقة بصورة تجعلهم يجمعون علوم جميع الأقطار ويفوقون عليها مما لم يكن لأحد من سائر أهل السابقين الذين أساؤوا استعمال الرقيق وجعلوه بمنزلة الحيوان والسِّلع.  وإذا طالعت التواريخ فسترى أسماء العلماء والنابغين ممن مسَّهم الرقُّ من عهد الصحابة فمن بعدهم حتى تعلم أن الموالِىَ أصحاب فضائل عظيمة فات الكثيرين إدراكها فى العصر المتأخر حتى حرمهم الله نعمتها وما جحدت أمة نعمة إلا سلبها الله منها.

الحكمة الرابعة

سرعة النجدة لملاقاة الأعداء ولا شك أن المسلمين كانوا يملكون من الأرقاء عددًا عظيمًا وفيرًا لكل منهم عمل يقوم به يستثمرهم المولَى ويعد ذلك ثروة له.

وكان إذا دَهَمَ القومَ حربٌ أو غارةٌ مفاجئة كان كلُّ مولى يُرسل من عندهُ من العبيد لنجدة الجيش فكان بأقل من يوم يجتمع مع الأمير مِن العدد ما لا يُستهان به وليس لأحد منهم عائق يعوقه عما يندبه إليه سيده.

ونظرة سريعة فى تاريخ دولة المماليك مثلًا تدلُّ على مدى هذه الفائدة ومقدار أثرها.

ومن المُسلَّم أن الأمة التِى لا جيش لها هِى من أضعف الأمم ولو كان الرقيق فاشيًا ولكان الجيش مؤلفًا من أناس تدفعهم الأمة بسائق اختيارها وتحثهم على الجرأة والمفاداة بينما نرى الآن كل امرئ يود السِّلم ويدمَى قلبه إذا سمع بريح الحرب وقاية لولده أو نفسه لا سيما إذا خاف أن يذهب ضحية خيانة أمير أو جهالة وزير.

الحكمة الخامسة

هِى تسنُّم المولَى الرقيق أعلى درجات الدنيا من العزِّ والجاه والمكانة ليتَّضح لذِى عينين أنَّ من جدَّ وجد ومن كَسُل فَقَد.

وقد روِىَ عن الزهرِىّ أنه قال قدمتُ على عبد الملك بن مروان قال من أين قدمتَ يا زهرِىّ قلت من مكة قال فمن خَلَّفْتَ فيها يسود أهلها قال قلتُ عطاء بن أبِى رباح قال فمن العرب أم من الموالِى قلتُ من الموالِى قال بم سادهم قلت بالدِّيانة والرواية قال إن أهل الديانة والرواية ينبغِى أن يسودوا الناس، قال فمن يسود أهل اليمن قلتُ طاوس بن كيسان قال فمن العرب أم من الموالِى قلتُ من الموالِى قال فبم سادهم قلت بما ساد به عطاء قال من كان كذلك ينبغِى أن يسود الناس، قال فمن يسود أهل مصر قلتُ يزيد بن أبِى حبيب قال فمن العرب أم من الموالِى قلتُ من الموالِى فقال كما في الأوّلين ثم قال فمن يسود أهل الشام قلتُ مكحول الدمشقِى قال من العرب أم من الموالِى قلت من الموالِى عبدٌ نوبِىٌّ أعتقته امرأة من هُذيل فقال كما قال ثم قال فمن يسود أهل الجزيرة قلت ميمون بنُ مِهْرَان قال فمن العرب أم من الموالِى قلتُ من الموالِى فقال كما قال ثم قال فمن يسودُ أهل حَرَمِنا قلتُ الضحاك بنُ مُزاحم فقال من العرب أم من الموالِى قلتُ من الموالِى فقال كما قال ثم قال فمن يسودُ أهل البصرة قلتُ الحسنُ بن أبِى الحسن قال من العرب أم من الموالِى قلتُ من الموالِى قال ويلك فمن يسود أهل الكوفة قلت إبراهيم النخعِى قال من العرب أم من الموالِى قلتُ من العرب قال ويلك يا زهرِىّ فرَّجت عنّى والله ليسودنَّ الموالِى على الأكابر حتى يخطب لها على المنابر وإنَّ العرب تحتها قال قلت يا أمير المؤمنين إنما هو أمر الله ودينه فمن حفظه ساد ومن ضيّعه سقط اهـ

الحكمة السادسة

تكثير سواد المسلمين بالتناسل والتوالد كما هو ملاحظ فى حكمة تعدد الزوجات ذلك أن العرب الفاتحين بانتشار عدلهم بين الأنام بفضل الإسلام الذى اعتنقوه كان يُباح لهم امتلاك الأرقاء بلا عدد محدود فكان يكون لكلِّ مسلم من المرقوقات اللواتِى وصلن إليه بشتى الأسباب من إرث أو هبة أو شراء أو أسيرات ما يحصل منهن جيش بالتوالد ويكفِى للفئة المؤلفة من عشرة ءالاف أن تحلَّ محلَّ أهلِ أى بلد بزمنٍ قليل بكثرة التناسل والتوالد من الزوجات والرقيقات وهذا كان السبب فِى انتشار جنس العرب فِى الدنيا وفِى كل مكان بصورة مدنية ودّية بينما غير الإسلام من الأديان يُحَرِّمُ كثرة اقتناء النساء فتراهم بنقصان بدل الزيادة وكم رأينا من الأمم الظالمة التِى استولت على بلادنا السورية من هذه النتجية ما أظهرت حكمة دين الإسلام فقد استولى علينا الإفرنسيون فكان يقل عددهم بتوالِى السنين بدلَ أن يزيد، يُحرِّمُون تعدد الزوجات ويُحرِّمون الاسترقاق فكان يوجد منهم من يهجر زوجته ومن تكون زوجته أو هو عقيمًا فإذا أتوا عشرة يرجعون خمسة والدين الإسلامِىّ منع إعطاء نساءه لغيرهم، فترى الأجنبِىّ يأتِى بلادنا حاكمًا بعدد وفير فيعود ناقصًا بينما المسلمون كانوا بتعدد الزوجات وفُشوِّ الرقيق وإباحة تزوجهم من غيرهم بهذه الأسباب الثلاثة كانوا إذا استولوا على صقعٍ أو أُمة يحلُّون محلَّ أهلها بأقل زمن ويفشو نسلهم ودينهم ولغتهم وعوائدهم بألطف سبب وأسهله بدون مدفع ولا بندقية ولا طيارة ولا ظلم ولا إرهاق وهذا ما نقصده ونفصِّله بالحكمة السابعة.

الحكمة السابعة

هِى تعميم اللغة والعوائد وهذا ملزوم لكلِّ ما تقدَّم من تطبُّع العبد بأخلاق سيده فكثرة العبيد والإماء وأسباب تحررهم المتعددة تجعل منهم أمة عظيمة متحدةً بأخلاقها بعوائدها بلغتها فكأنَّ الرِّقَّ أصبحَ مدرسة يدرس بها الرقيق أحوال سيده من صغره ثم يتطبَّع بها ولا يبقَى عند السيد إلا من يريد البقاء منهم بكثرة أسباب التحرير الطوعية والجبرية وهذا بعض ما ذكرناه فِى الحكمة الثانية.

الحكمة الثامنة

إغناء المعوزين الفقراء من الأسياد بنقل كثير من ثروات من يشترى منهم عبيدهم إليهم       وكثيرًا ما كان أحدُ الفقراء مالكًا لأمة جميلة يبيعها لأحد الأغنياء فيبذل لسيدها فِى ثمنها ما يجعله غنيًا وكثير منهن من تكون أديبة لبيبة تصلح لخدمة الملوك ومُنادَمَتِهم فيرغبون فيها ويُغنون سيدها بفاحش الثمن وكثير منهن من تُحْسِنُ الغناء فيسلينَ أسيادهُنَّ بما يُذهبُ هُمُومَهُم وتحظى عنده فوق الزوجة ويقصُصنَ على أسيادهِنَّ ما صادفنه فِى تنقلات المُلّاك فالمملوكة تُبارِى المرأة الغربية التِى يُضرب بحنكتها المثل فى سياحاتها وإباحة تجولها فى كل قطر ونادٍ بل لا مناسبة بينهما إذ المملوكة أسيرة العفاف لسيدها لا يتجرَّأُ على مساسها بسوء فهِى أحوال عديدة كل مدة بمكان ببلدة وكل يوم بقطر مع رجل يحميها ويغار عليها غيرة الأزواج أو أشدَّ فى حين أن المرأة الغربية أميرة نفسها وهواها وحدِّث عن ميول النساء والرجال باختلاطِهِنَّ بدون رادع ولا مؤدب ولا وازع وكم من بون بين الحالين وفرق بين المَسلكين واللهُ مالك الجميع.

الحكمة التاسعة

هِى مشاركة المرأة الرجل فى سائر أعماله بعدم ما يمنع ذلك من الحجاب الذِى خلعته نساء هذا الزمن حتى تقوم بسائر ما يقوم به الرجل من الأعمال الخفيفة البدائية كالطبابة والقبالة والتعليم إذا تعلمنَ فيعلمنَهُ للحرائر وهذا سرٌ عظيم قد يدرأ شُبَهًا كثيرة عن الرجل إذا اضطر لتكشف ذوي الاختصاص من العلماء على النساء لأن تكشُّف الجنس على الجنس أسهل من غيره حتى كان العرب حرصاء على هذا الأمر يقتنون طبيبات من النساء كما يعلم من طالع التواريخ والتراجم حقًّا.

الحكمة العاشرة

التنويع بين النساء حسب ميول الرجال فى اختيارهم الممنوع أى الحرائر أو المبذول أى الإماء وهذا من خصائص هذا الدين.

وقد سمعنا عن ثقات بل رأينا فِى هذا الزمن الفاسد من يرغب أن تخرج امرأته مُتهتِّكةً خالعةَ نقاب الحشمة مبديةً ساقها وفخذها يمشِى وإيّاها جنبًا لجنب لا يردعه دينٌ ولا يصدُّه حياء حتى فاقت بعض نساء الإسلام نساء الغرب فى التهتُّك المُشين بستار الرقِىّ والعلم.

وما العمل وجناح الإسلام كسير وعدوه منه وفيه فأىُّ سهم يتقيه فأنصف أيها القارئ ولا تغالط فسنقدم وإيَّاك على عالم الخفيات الذى أكمل هذا الدين على أتم الحالات قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) والله أعلم.

هذا والدين الإسلامِىّ لم يأت لإبادة الأقوام وقيامه مقامها وقتلها ظلمًا وتشريدًا كما فعلت أوربة بوحوشها الضارية حينما صدرتهم لمقاطعة أمريكة فهاجر من ضاق عليه العيش فِى أوربة لمزاحمة أهل أمريكة الأصليين وإبادتهم ثم استعباد من لم يقتلوهم وتبديل دينهم وكما هو الحال حتى اليوم فِى أمريكة الجنوبية وفِى جنوب أفريقية من إبادة أهلها بحجَّة اللون الأسود فقط وإن حوَّلوهم لدين النصرانية بالتبشير فإنَّ الدين عند الغربيين ما هو إلا أداة ارتباط بينهم فقط لا أداة إصلاح ومدنية ولو كانت عندهم أداة إصلاح ومدنية لما بقوا إلى عصر القرن العشرين إلى سنة ١٩٦٧ يقتلون برودسيا وأمريكة الجنوبية ذوي اللون الأسود من البشر المتدينين بدينهم ليحلوا محلهم أو يجعلوهم عبيدًا وخولًا لهم وحيوانات يذبحونها ويأكلون لحومها كأشرسِ أنواع الوحوش الضارية بما لا يسمع بمثله فِى عصور التاريخ الدنيوية.

فأصل الرقيق عند المسلمين هو مُهاجمة الأمم الظالمة كى تكفَّ عن ظلمها وتتبع الدين الحق والعدل الصحيح فإذا اتبعته خُلِطَتْ بالمسلمين لها ما لهم وعليها ما عليهم وحماها أبطال الإسلام من كل عدوان ظالم.

أمّا من لم يرضَ بهذه المبادِئ قتلوه إراحةً للبشر من شرِّه أو أخذوه أسيرًا حتى يعلموه الأخلاق والأحكام ثم صرفوه بأنواع التحرير إلى إعمار الدنيا كغيره. هذا أصل أسباب الرق عند المسلمين لا سببَ غيره أصلًا.

ولا فضل عند المسلمين لحرٍّ على رقيق أو عكسه إلا بتقوى الله تعالى وهكذا ترى جرائد العالم ومجلاتها وكتابها وأدباها طفحوا من التنديد بأعمال أمم الاستعمار بما يُعاملون به البشر من قساوة ووحشية ثم يؤسسون جمعيات الرفق بالحيوان وهم أقسَى وأوحش من الحيوانات الكاسرة الضارية على بني جنسهم

كم معشرٍ سَلِمُوا لم يؤذهم سَبُعٌ          وما نرى أحدًا لم يؤذِهِ بَشَرُ

حتى إنَّ المجوس الذِىن يعبدون النار ينددون بوحشية بعض الأمم ممن يعدُّون أنفسهم أرقَى الأمم ويذيقون من خالفهم الويلات.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب القول الوثيق فِى أمر الرقيق للشيخ محمد أبو اليسر عابدين رحمه الله تعالى المطبوع سنة ١٩٩٦ر وقد قرظه عند صدوره الشيخ كريم راجح شيخ قاء سورة فى وقته.