شرح حديثِ وَيْحَ عَمارٍ تقتلُهُ الفئةُ الباغية[١]

قبساتٌ من فوائدِ العالم الشافعىِّ محمد عبد الرؤوف المناوىِّ
المتوفَّـى سنةَ ١٠٣١هـ رحمه الله تعالى

الحمدُ لله تعالى وصلواتُ الله وسلامه على المصطفى السيدِ محمد بن عبد الله وءَالِهِ وصحبِهِ.

أمَّا بعد فقد ثبتَ فِى حديثِ البخارىِّ وغيرِهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال ويح عمارٍ تقتلُهُ الفئةُ الباغية اهـ وقولهُ عليه السلامُ (ويحَ عمارٍ) بالجرِّ على الإضافةِ وهو ابن ياسر (تقتلُهُ الفئةُ الباغيةُ) قال القاضِى فِى شرح المصابيحِ يريدُ به معاويةَ وقومَهُ اهـ وهذا صريح فِى بغِى طائفة معاوية الذين قتلوا عمارًا فِى وقعة صِفين وأنَّ الحقَّ مع علِىٍّ وهو من الإخبار بالمغيبات (يدعوهم) أى عمار يدعو الفئة وهم أصحاب معاوية الذين قتلوه بوقعة صفين فِى الزمان المستقبل (إلى الجنة) أى إلى سببها وهو طاعة الإمام الحَقِّ (ويدعونَهُ إلى) سبب (النار) وهو عصيانُهُ ومقاتلتُهُ قالوا وقد وقع ذلك فِى يوم صفين دعاهم فيه إلى الإمام الحق ودعوه إلى النار وقتلوه، فهو معجز للمصطفى وعَلَمٌ من أعلامِ نُبوته. وأمَّا قول بعضهم المراد أهل مكة الذين عذبوه أولَ الإسلام فقد تعقبوه بالرَّدِ.

قال القرطبِىّ وهذا الحديث من أثبَتِ الأحاديث وأصحها ولما لم يقدر معاوية على إنكاره قال إنَّما قتله من أخرجه فأجابه علِىٌّ بأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه اهـ قال ابن دحية وهذا من علِىٍّ إلزامٌ مُفحمٌ لا جوابَ عنه وحجةٌ لا اعتراضَ عليها اهـ وقال الإمام عبد القاهر الجرجانِىُّ فِى كتاب الإمامة أجمع فقهاءُ الحجاز والعراق من فريقَىْ الحديثِ والرَأْىِ منهم مالكٌ والشافعِىُّ وأبو حنيفةَ والأوزاعِىُّ والجمهورُ الأعظم من المتكلمين والمسلمينَ أنَّ عليًّا مصيبٌ فِى قتالِهِ لأهل صِفين كما هو مُصيبٌ فِى أهل الجَمَلِ وأن الذين قاتلوه بغاةٌ ظالمونَ له لكن لا يُكَفَّرُونَ ببغيهم اهـ وقال الإمامُ أبو منصور البغدادىُّ فِى كتاب الفرق فِى بيان عقيدة أهل السنة أجمعوا أنَّ عليًّا مُصيبٌ فِى قِتاله أهلَ الجمل طلحةَ والزبيرَ وعائشةَ بالبصرة وأهلَ صفين معاويةَ وعسكرِهِ اهـ

تتمةٌ. فِى الروض الأنف أنَّ رجُلًا قال لعمرَ رضِىَ اللهُ تعالى عنه رأيت الليلةَ كأنَّ الشمسَ والقمرَ يقتتلانِ ومع كُلٍّ نجوم قال عمر مع أيهما كنت قال مع القمر قال كنت مع الآية المَمْحُوة اذهب ولا تعمل لِى عملًا أبًدا فعزلهُ فقتل يوم صفين مع معاوية واسمُهُ حابِسُ بنُ سعد. انتهى كلام المناوِىّ.

والله تعالى أعلم.


[١]المرجع كتابُ فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوىِّ رحمه الله.