مختصر رسالة تتعلق بجواز العمل بالقول القديم[١]
للإمام الشافعى رضى الله عنه فى صحة
الجمعة بأربعة إلخ

قبساتٌ من فوائد السيد أبِى بكر بن السيد
محمد شطا رحمه الله
وقد قرظها مفتِى الشافعية بمكة محمد سعيد بن محمد بابصيل

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حمدًا لمن نشر لعلماء هذه الأمة المحمدية ألوية الكرامة. وجعلهم هداة يقتبس من أنوارهم سبيل النجاة إلى يوم القيامة. وصلاة وسلاما على من أرسله الله رحمة للعالمين. وآله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

(أما بعد) فيقول خادم طلبة العلم بالمسجد الحرام كثير الذنوب والآثام الراجى من ربه الفتوح وكشف الغطا أبو بكر بن المرحوم محمد شطا.

قد سألنى بعض الإخوان أصلح الله لى وله الحال والشان عن أهل قرية لم يبلغوا أربعين هل يجوز لهم العمل بالقول القديم للإمام الشافعى رضى الله عنه بصحة الجمعة بأربعة أو بالقول القديم الآخر له أيضًا ففى صحة الجمعة باثنى عشر وهل الأولى تقليد القديم أو المخالف وإذا قلتم الأولى تقليد القديم فكيف هذا مع تصريح أئمتنا بأنه إذا كان فى المسئلة قولان جديد وقديم فالعمل بالجديد ولا يُعمل بالقديم وإذا قلتم بصحة تقليد القول القديم فهل يشترط فى العدد المذكون شروط الأربعين من الحرية والاستيطان وغير ذلك أو لا وهل للوافد عليهم أن يصلى الجمعة معهم من غير تقليد أو لا يصلى إلا به أفتونا ولكم الأجر والثواب

فأحببت أن ألخص فى هذا المسطور ما يتضمن الجواب عن السؤال المذكور بحسب ما وقفت عليه من كلام العلماء الأعلام والجهابذة الفخام جعله الله خالصًا لوجهه الكريم موجبًا للفوز لديه بجنات النعيم.

(اعلم) رحمك الله تعالى أن الجمعة فرض عين عند اجتماع شرائطها ومنها استكمال العدد وهو أربعون فى القول الجديد لإمامنا الشافعى رضى الله عنه المفتى به وله قولان قديمان أيضًا أحدهما تنعقد بأربعة وثانيهما باثْنَىْ عشر ويجوز لأهل قرية لم يستكملوا الأربعين العمل بهما تقليدًا لهما ولا انكار عليهم فى ذلك خصوصًا اذا أعادوها ظهرًا احتياطًا لأن هذين القولين نصرهما أصحاب الإمام ورجحوهما قال الحافظ السيوطى اختلف العلماء فى العدد الذى تنعقد به الجمعة على أربعة عشر قولًا بعد اجماعهم على أنه لا بد من عدد فبعض أصحاب الإمام رجح قوله القديم أن أقلهم أربعة وبعضهم رجح قوله الثانى القديم أيضًا أن أقلهم أربعة وبعضهم رجح قوله الثانى القديم أيضا أن أقلهم اثنا عشر اهـ

ثم إن تقليد القول القديم أولى من تقليد المخالف لأنه يحتاج أن يراعى مذهب المقلَّد بفتح اللام فى الوضوء والغسل وبقية الشروط وهذا يعسر على غير العارف فالتمسك بأقوال الإمام الضعيفة أولى من الخروج إلى المذاهب الأُخَرِ. ولايعارض العملَ بالقديم تصريحُهُم بأنه إذا وجد فى المسئلة قولان قديم وجديد فالعمل بالجديد ولا يجوز العمل بالقديم لأن محله ما لم يرجحه بعض أصحابه لظهور دليله وإلا جاز تقليده، بل قال ابن عبد السلام لما سئل هل يجوز الأخذ بالقول القديم الذى رجع عنه الإمام المقَّلد بفتح اللام أم لا إن ذلك جائز اهـ وقد رجح هذين القولين جهابذةٌ أعلامٌ من أصحاب هذا الإمام كما علمت فهو راجح من جهة ترجيح الأصحاب له وإن كان مرجوحًا من جهة نسبته للإمام كما قال النووى فى المجموع افتاءُ الأصحاب بالقديم فى بعض المسائل محمول على أن اجتهادهم أداهم إليه لظهور دليله ولا يلزم منه نسبتُهُ للإمام.

ويُشترط فى المجمعين على القولين الشروط المذكورة فى الأربعين من الحرية والاستيطان وغير ذلك ويجوز للوافد عليهم أن يُصَلّىَ الجمعة معهم إذا قلد وأما إذا لم يقلد فلا يصح لأنهم دون الأربعين وقد وقفتُ على صورة سؤال فى عينِ هذه القضية رُفع للسيد سليمان بن يحيى الأهدل رحمه خالق البرية فأجاب بجوابٍ شافٍ وافٍ بالمرام قاطع للشكوك والأوهام (وصورة السؤال) هل يجوز العمل بالقول القديم فى صحة الجمعة بأربعة أم لا (وصورة الجواب) نعم يجوز العمل به فى ذلك وقد سئل العلامة جمال الدين محمد بن تقى الدين الحبيشى عن المسئلة المذكورة فأجاب بقوله إذا كان بعض الأربعين أميًّا لم نتعقد بهم الجمعة ولا إثم على القارئ فى ترك الجمعة حينئذ وإذا كان القارئون دون الأربعين فقلدوا من يقول بصحة إقامة الجمعة بأربعةٍ أو اثْنَىْ عشر مثلًا بشروطه وصلَّوُا الجمعة فجمعتهم صحيحة والحال وما ذكروا إذا صلوا الجمعة بالتقليد المذكور ثم أعادوا الظهر كان حسنًا بل مندوبًا على ما يؤخذ من كلام القاضى ومن تبعه. وللإمام أبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعى رحمه الله قولان قديمان أحدهما أقلهم أربعة حكاه عنه صاحب التلخيص وحكاه فى شرح المهذب واختاره من أصحابه المزنىُّ كما نقله عنه الأذرعى فى القوت وكفى به سلفًا فى ترجيحه فإنه من كبار أصحاب الشافعى ورواةِ كتبه الجديدة وقد رجحه أيضًا أبو بكر بن المنذر كما نقله النووىُّ فى شرح المهذب وقال به من الأئمة أبو حنيفة والثورى والليث وحُكِىَ عن الأوزاعى وأبى ثور ومحمد بن الحسن الشيبانى صاحب الإمام أبى حنيفة وقال الحافظ السيوطى وهو اختيارى اهـ الثانى أقلُّهُم اثنا عشر. والحاصل أنه يسوغ التقليد للقديم فى ذلك فإنه قولٌ للإمام نصره بعض أصحابه ورجحه. وقولهم ما ضعفه المجتهد من أقواله لا يقلد فيه محله فى تقليده من حيث إنه قوله أما تقليده من حيث إن بعض أصحابه رجَّحَهُ فيجوز لأنه من هذه الحيثية وجهٌ راجحٌ وإن كان من تلك الحيثية قولًا مرجوحًا قال الجمال الحبيشى فإذا عُلِّمَ العامىُّ أن يقلد بقلبه من يقول من أصحاب الشافعى بإقامتها بأربعة أو باثْنَىْ عشر فلا بأس بذلك إذ لا عسر فيه وإنما العسر حيث قلد مذهبًا ءاخر كمذهب أبى حنيفة ومالك لأنه يحتاج أن يراعِىَ مذهب المقلَّد بفتح اللام فى الوضوء والغسل والطهارة عن النجاسة وفيما يوجبه فى الصلاة وفى الخطبة وإلا كانت صلاته باطلة وهذا تعسر الإحاطة به خصوصًا على العامىّ المُقَلِّدِ للشافعى ولذلك كان الأسهل له تقليد من يقول بذلك من أصحاب الشافعى ترجيحًا للقول القديم والله سبحانه وتعالى أعلم. قاله بفمه الفقير إلى الله تعالى ومغفرته وستره سليمان بن يحيى بن عمر بن عبد القادر الأهدل غفر الله له ولوالديه ومشايخه اهـ

 

(وسئل) البُلقينى رحمه الله عن أهل قرية لا يبلغ عددهم أربعين هل يصلون الجمعة أو الظهر (فأجاب) يصلون الظهر على مذهب الإمام الشافعى وقد أجاز جمعٌ من العلماء أن يصلوا الجمعة وهو قوىٌّ فإذا قلدوا جميعُهُم من قال هذه المقالة فإنهم يصلون الجمعة وإن احتاطوا فصلَّوُا الجمعة ثم الظهر كان حسنًا اهـ (وسئل) السيد العلامة عبد الرحمن بلفقيه العلوى عما إذا كان بعض الأربعين غير مستور العورة مع وجود السترة كما هو عادة أعراب وعوام حضرموت وجندها (فأجاب) بقوله إذا صلى عاريًا مع وجود السترة فصلاته باطلة ولا تنعقد له الجمعة إذا كان من الأربعين ولا تنعقد إلا بأربعين عند الشافعى. وفى القديم عند الشافعى وعند أبى حنيفة أنها تنعقد بأربعة ورجحه جماعة ومن عمل به فلا ينكر عليه خصوصًا إذا أعاد الظهر احتياطًا والله أعلم.

وقد وقفت أيضا على جواب سؤال رفع للسيد سليمان المذكور آنفا أبسط مما مر ولفظ السؤال أصلح الله السادات العلماء ونفع بهم هل تصح الجمعة بعدد أقل من الأربعين وإن كانوا فى البلد وهل له حد أم لا فإن قلتم بالصحة بذلك العدد فهل يحتاجون إلى تقليد من يقول بالصحة بذلك العدد أم لا وإن كان له أى التقليد شروط فكيف يكون حال العامة وهل يعيد القوم الظهر احتياطًا وإذا أعادوها فهل يعيدوها جماعة او منفردين وهل يأثم أهل البلد الجميع أو يأثم من لم يحضر الجمعة وهل للوافد إلى تلك البلد أن يصلىَ معهم الجمعة أم لا وهل يصلون لأول الوقت أم يؤخرون إلى قدر ما يسع الصلاة والظهر افتونا أثابكم الله (فأجاب) رحمه الله الحمد لله المذهبُ أنه لا يصح بأقل من أربعين مستوفين للشروط التى ذكروها فى كتب الفقه وهذا هو قول الإمام الشافعى الجديد وله قولان قديمان أحدهما أن أقلهم أربعة فإنه تصح الجمعة بأربعة وهو أرجح دليلًا من القول بأربعين فعليك به بلا تقليد للغير ولا إعادة إذ وسع الله عليك بقول إمامك. ودليلُ هذا القول ما أخرجه الدارقطنى عن أم عبد الله الدوسية قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلا أربعة، والثانى اثنا عشر فى رواية عن ربيعة حكاه عنه المتولى والماوردى عن الزهرى واختار هذا القول النووى فى شرح المهذب وشرح مسلم لقوته.

وأما أقوال العلماء المجتهدين فى عدد الجمعة فقد قال الإمام السيوطى فى كتابه ضوء الشمعة أنهم اختلفوا فى العدد الذى تنعقد به الجمعة على أربعة عشر قولا بعد إجماعهم على أنه لا بد من العدد.

إذا تقرر هذا فلنراجع إلى قول السائل نعم يجوز للمذكورين التقليد والأولى أن يقلدوا القائل بانعقادها باثنى عشر فإذا قلدوا وصلَّوْها فجمعتهم صحيحة وإذا أعادوا الظهر جماعة فهو أحسن وإن لم يعيدوها ظهرا صحت جمعتهم ولا إثم عليهم ولهم أن يصلوها بالتقليد المذكور أول الوقت وكذلك الوافد عليهم إذا قلد قال التقى السبكى رحمه الله إذا قلد من يقول من أصحاب الشافعى رحمهم الله بإقامتها باثنى عشر كفاه وإنما يعسر استيفاء شروط التقليد حيث قلد الشافعى مذهبا من المذاهب غير مذهب الشافعى كأن قلد أبا حنيفة أو مالكا فإنه فى هذا التقليد يحتاج أن يراعى مذهب المقلد فى الوضوء والطهارة والغسل من النجاسة وفى سائر شروط الصلاة واركانها ومثل ذلك يعسر على غير العارف. إذا تقرر ذلك فأقول الحاصل أن للشافعى رحمه الله فى العدد الذى تنعقد به الجمعة أربعة أقوال قول معتمد وهو الجديد وهو كونه أربعين بالشروط المذكورة وثلاثة أقوال فى المذهب القديم ضعيفة أحدها أربعة أحدهم الإمام والثانى ثلاثة أحدهم الإمام والثالث اثنا عشر أحدهم الإمام وعلى كل الأقوال تشترط فيهم الشروط المذكورة فى الأربعين، إذا علم ذلك فعلى العاقل الطالب ما عند الله تعالى أن لا يترك الجمعة ما تأتّى فعلها على واحد من هذه الأقوال، ولكن إذا لم تعلم الجمعة أنها متوفرة فيها الشروط على القول الأول وهو القول الجديد فيسن له إعادة الظهر بعدها احتياطًا ولا يتركها فيصلى الظهر لأنه يفوته خير كثير اهـ وفيما ذكر من النصوص كفاية والله يتولى الجميع بالتوفيق والهداية وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وصلى الله على سيدنا محمد النبى الرؤف الرحيم وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين.

 


[١]  أصل هذه الرسالة نسخة مطبوعة فى حياة المؤلف رحمه الله تعالى.