عناية الإسلام بنظام الحياة الزوجية[١]

قَبَساتٌ من فوائد عالم مكة وشيخها
السيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ
المتوفى سنة ١٣٩١هـ رحمه الله تعالى

أيها السادة إن مما يساعد على هدم الأسر الإسلامية وتفكيك عُرى العوائل وإضعاف وحدة الأمة وإيغار الصدور وهتك المستور مثل الطلاق على غير ما يرضِى الله تعالى فإنه من أشد الأضرار في مجتمع الحياة كم جرَّ مصائب وفرق أسرًا وضيع الوِداد بين العشائر وفصل بين زوجين جعل الله بينهما مودة ورحمة وذهب بأطفالهما في أودية الحَيرة والضياع وذلك حين فقدوا حياط الأُبوة وحنان الأمومة فلئن كانت الداهية أكثر ما تكون ألمًا للنفوس إذا أتت على غرّ، فالطلاق يزيد عليها، لأنه يبدل الهناء بالشقاء والائتلاف بالاختلاف. ولقد أجاز الشارع الطلاقَ ولكنه قال أبغض الحلال عند الله الطلاق وإذا تُيِقِنَ الطلاق طريقًا للخلاص من النزاع فقد جعل الله صلاح ذلك الطلاق بيد الزوج لأن الرجل أقدر على ضبط نفسه من المرأة وأكثر إدراكًا وهو الذي أنفق الصداق من ماله وتحمل أعباء الزوجية قال تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ).

وقد نفَّرَ الله الأزواجَ من الطلاق إذا أحس أحدهما بكراهة أهله وأَمَرَهُمْ بذكر المحاسن ليكون ذلك شفيعًا لبقاء العشرة فقال تعالى «فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا».

فإذا أحس الزوج بسوء خلق المرأة وكراهيته لعشرتها فليذكر خدمتها لبيته ورعايتها لأطفاله فيتوقع منها الخير وليذكر عواقب الطلاق من فرقة ومتعة ونفقة ودفع مؤخَرِ صداق وضيعة أطفال وعداوة أصهار إلى غير ذلك من المضار التِى لا يشعر بمصائبها الزوج إلا بعد الطلاق وكيف قد ينتحل بعد ذلك إذا أحسَّ بها أضعف الأسباب ليتلاعب بالطلاق فيؤديه ذلك إلى انتهاك المحارم وارتكاب العظائم.

وقد رتب الله تعالى في كتابه الطلاق فقال (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) فجعل الطلقة الأولى رجعية تأديبًا للزوجة لتذوق ألم الفراق وتقدر خسارة الحياة الزوجية وضيعة الأطفال وإغلاق الدار وهدم العصمة. ثم جعل الطلقة الثانية رجعية أيضًا إيقاظًا للزوجة الغافلة وتنبيهًا لأهلها ليأخذوا على يديها ويقوموا بنصحها وتربيتها فتستقيم على طريقة صالحة للعشرة وفي هاتين الطلقتين الأوليين اختبارٌ من الشارع للزوج فيزن نفسه هل يصبر على فراقها، فإذا لم يُشْعِرُ الطلاقُ الرجعِىُّ بتهذيب الأخلاق وتحصيل السعادة الزوجية جاء دور الفرقة البائنة المشار إليها بقوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) فينظر الزوج امرأةً أخرى لائقةً وتنظر المرأة المطلقة زوجًا ءاخر لائقًا قال تعالى (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا).

فانظر رحمك الله أيها الأخ الكريم إلى هذا الشرع الإسلامِى البديع الحكيم في ترتيب وقوع الطلاق رجعيًا وبائنًا مراعاةً للمصالح وتنفيذًا لسنة الآداب التدريجية ومحافظة على كيان الأسر الإسلامية لئلا يضيع أطفالها بين أمّ هدم العناد حياتها وأضاع الشيطان طاعتها لزوجها حتى فقدت سعادة مستقبلها وحِفظَ أطفالها وبين أب لا يفكر في العواقب يندفع في طلاقه طوعًا لغضبه فيرسل الطلاق من فيه ثلاثًا بائنًا بدعيًّا من غير تفكير ولا تَرَوٍّ فَيُحَرِّمُها على نفسه ويُحِلُّها لغيره وربما ذهب لبعض الجهلاء فيكتب له الطلاق  محرمًا ومحللًا فيجر عليه مصائب ومشاكل ولا يحذره من ارتكاب بدعة وهدم عصمة وكسر خاطر وإقلاق دار وضيعة أطفال، فليَتَّقِ الله هؤلاء الكتاب وليقولوا فولًا سديدًا.

أما بعد وقوع الطلاق وعندما يندم الزوجان يسعى الزوج والأقارب والجيران والأحباب يلتمسون الحيل ويسلكون المخارج ويسألون العلماء وقد ينكر الزوج المطلق ألفاظه ويغير نيته ويدعِى أنه لم يكن فِى شعوره وحسه تدليسًا وغشًا لنفسه وأصهاره ولفضيلة القاضِى والمفتِى،  وكل هذا لا يخلصه من عذاب الله وغضبه فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وختامًا نصيحتِى للأزواج أن يجتهدوا في حُسنِ العِشرَةِ ويحذروا الوقوع في الورطة فإن المرأة ضعيفة وهي ناقصة عقلٍ ودين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «استوصوا بالنساء خيرًا».

ونصيحتي للزوجات أن يتقين الله عزَّ وجلَّ ويقمن بواجبات الأزواج.

(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)

ولا يُحَمِلْنَ الزوج فوق طاقته أو يغضبنه حتى يقع في فتنة الطلاق. نسأل الله تعالى أن يرزقنا التمسك بالسنن وأن يمُّنَ علينا بإتباع الخلق الحسن وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.


[١]المرجع كتاب نفحات الإسلام من محاضرات البلد الحرام للسيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ رحمه الله تعالى.