لا عبرة بقول الحاسب والمنجم لتحديد ابتداء رمضان وانتهائه (٢) [١]

قبسات من فوائد الفقيه ابن عابدين محمد أمين بن عمر الدمشقِىّ الحنفِىّ
المتوفى سنة ١٢٥٢هـ رحمه الله تعالى

مَطْلَبٌ. لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقِّتِينَ فِى الصَّوْمِ، قَوْلُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقَّتَيْنِ أَى فِى وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى النَّاسِ بَلْ فِى الْمِعْرَاجِ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُنَجِّمِ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِ نَفْسِه اهـ وَفِى النَّهْرِ فَلَا يَلْزَمُ بِقَوْلِ الْمُؤَقِّتِينَ أَنَّهُ أَى الْهِلَالَ يَكُونُ فِى السَّمَاءِ لَيْلَةَ كَذَا وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا فِى الصَّحِيحِ كَمَا فِى الْإِيضَاحِ اهـ

وَلِلْإِمَامِ السُّبْكِىّ الشَّافِعِىّ تَأْلِيفٌ مَالَ فِيهِ إلَى اعْتِمَادِ قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِىّ اهـ وَمِثْلُهُ فِى شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ.

مَطْلَبٌ. مَا قَالَهُ السُّبْكِىُّ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ الْحِسَابِ مَرْدُودٌ.

قُلْت مَا قَالَهُ السُّبْكِىُّ رَدَّهُ مُتَأَخِّرُو أَهْلِ مَذْهَبِهِ مِنْهُمْ ابْنُ حَجَرٍ وَالرَّمْلِىُّ فِى شَرْحَىْ الْمِنْهَاجِ وَفِى فَتَاوَى الشِّهَابِ الرَّمْلِىّ الْكَبِيرِ الشَّافِعِىّ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ السُّبْكِىّ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ وَقَالَ الْحِسَابُ بِعَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عُمِلَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْحِسَابِ لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِىٌّ وَالشَّهَادَةُ ظَنِّيَّةٌ وَأَطَالَ فِى ذَلِكَ فَهَلْ يُعْمَلُ بِمَا قَالَهُ أَمْ لَا وَفِيمَا إذَا رُئِىَ الْهِلَالُ نَهَارًا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ فَهَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْهِلَالَ إذَا كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا يَغِيبُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ نَاقِصًا يَغِيبُ لَيْلَةً أَوْ غَابَ الْهِلَالُ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلّى الْعِشَاءَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ الثَّالِثَةَ، هَلْ يُعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ أَمْ لَا.

فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ فِى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ نَزَّلَهَا الشَّارِعُ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ وَمَا قَالَهُ السُّبْكِىُّ مَرْدُودٌ رَدَّهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَيْسَ فِى الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ مُخَالَفَةٌ لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْهُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَمِدْ الْحِسَابَ بَلْ أَلْغَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِقَوْلِهِ (نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا) وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْحِسَابُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِى الصَّلَاةِ انْتَهَى.

وَالِاحْتِمَالَاتُ الَّتِى ذَكَرَهَا السُّبْكِىُّ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ إلَخْ لَا أَثَرَ لَهَا شَرْعًا لِإِمْكَانِ وُجُودِهَا فِى غَيْرِهَا مِنْ الشَّهَادَاتِ اهـ

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب ردّ المحتار على الدر المختار للفقيه ابن عابدين الحنفِىّ رحمه الله تعالى.