مخالفة الشيخ يوسف القرضاوِى للعقيدة الإسلامية (١)[١]

قبساتٌ من فوائد الشيخ سيد إرشاد البنغالِىّ الحنفِىّ
حفظه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد فإن الشيخ يوسف القرضاوِىّ نال شهرة واسعة بسبب القنوات التلفزيونية الفضائية وإرادة بعض الجهات أن يشتهر اسمه ويشيع ذكره ولكنه فى خلال ما نشر من كتب وذكر من مقالات حصل منه مخالفات كثيرة للشرع فى أصول العقائد فأردتُ أن أبيّن بعض هذه المخالفات قيامًا بالنصيحة وتحذيرًا للغافل.

المقالة الأولى قال فى كتاب العبادة فى الإسلام فى الصحيفة الثانية والستين منه من الطبعة الحادية عشرة ما نصه (الله وحده لا فى جَوْهَرِهِ وحسب بل فى الغاية إليه أيضًا) اهـ

قلتُ لا يجوز تسمية الله جوهرًا ولا عرضًا كما نص عليه علماء الدين قاطبة قال الإمام أبو حنيفة عن الله تعالى (ولا نصفه إلا بما وصف به نفسه) اهـ والله لم يُسمِّ نفسه جوهرًا ولا وصف نفسه بالجوهر إذ الجوهر فى اللغة هو الأصل والله ليس أصلًا لغيره ولا فرعًا عن غيره لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وفى الاصطلاح الجوهر هو الجزء الذى تناهَى فى الصغر والله متعالٍ عن ذلك.  فإن عرف القرضاوِىّ معنى الجوهر ومع ذلك أطلقه على الله فتلك مصيبةٌ وإن لم يعرف وأطلقه على الله فتلك أيضًا مصيبةٌ إذ كيف يتجرأ أن يسمِىَ الله باسم لم يُنزل الله به من سلطان فمثله يحتاج أن يتعلم قبل أن يتكلم، فتسمية القرضاوِىِّ للهِ جوهرًا تكذيبٌ لقوله تعالى (ليس كمثله شىء) وموافقةٌ للنصارى فى عباراتهم وإلى الله المشتكى.

المقالة الثانية يقول فى نفس الكتاب السابق فى الصحيفة الثانية والأربعين بعد المائة (إن التبرك بآثار الصالحين وبقبورهم بعد مماتهم هما أوسع أبواب الإشراك بالله) اهـ

أقول قد ثبت فى الصحيح توزيع رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره على الناس عندما حلقه ليتبركوا به وثبت فى صحيح مسلم وسنن الترمذِىّ ومسند أحمد وغيرها من كتب الحديث تبرك الصحابة بآثار النبىّ صلى الله عليه وسلم فى حياته وبعد موته ولا زال المسلمون بعدهم إلى يومنا هذا على ذلك. وقد كان ثابت البنانِىّ يتبرك بقبيل يد أنس لأنها مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو ثابت فى مسند أبى يعلَى. وفى سنن البيهقِىّ أن بعض الصحابة قصد قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم طلبًا للبركة بالسُّقيا. وقال الإمام المجتهدُ الورع أحمد بن حنبل عن صفوان بن سليم (تنزل الرحمة بذكره) وقال أيضًا (لا بأس بمس القبر النبوِىّ والمنبر للتبرك) وتبرّك الإمام الشافعِىُّ بقميص الإمام أحمد الذِى يلِى جسده.

فعلى زعم القرضاوِىِّ شَرَعَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الشِّرْكَ وسنَّ لنا أصحابُهُ ذلك وتبعهم سلف الأمة عليه وحاشا بل هم القدوةُ وخيرُ قرون الأمة ومن جعل النبِىّ عليه الصلاة والسلام وأصحابه وتابعيهم مشركين فعليه من الله ما يستحق.

المقالة الثالثة ينقل القرضاوِىُّ فى الصحيفة الحادية والثلاثين بعد المِائَتَيْنِ من كتابه السابق قولَ بعضهم إنَّ وحدة الذات المحيطةَ بكل شىء التى تخلق جميع الذوات وتكتب لها البقاء هِى التِى تصدر عنها الوحدة الضَّرُورية لجميع البشر ويُقِرُّ ذلك.

أقول المسلمون يعتقدون أن الله فاعل بالاختيار لا بالطبع والضرورة كما يقول فلاسفة اليونان والعبارة المنقولة عن كتاب القرضاوِىّ فيها موافقة صريحة لعقيدة الفلاسفة إذ يزعم أن هناك وحدةٌ ضروريةٌ بين جميع البشر فإن عنى الوحدة فى العقيدة والطريقة والنهج فهو الكَذِب المكابر للعيان وإن عنَى الوحدة فى الشكل والتقويم فإن وحدانية الله لا تقتضِى بالضرورة أن يكون البشر متشابهين إذ لو شاء الله لجعلهم على تقاويم مختلفة فإنه يفعل ما يشاء وهو على شىء قديرٌ أقرَّ القرضاوِىُّ بذلك أم أبَى.

المقالة الرابعة يزعم فى العدد الثالث عشر من رسالة التقريب أن الخلاف بين أهل السنة والإباضية الخوارج والمعتزلة القائلين بخلق القرءان وغيرهم من أهل البدع ليس خلافًا فى الأساس.

قلت فإذًا لِمَ سَمَّى الرسولُ صلى الله عليه وسلم الخوارجَ كلاب النار وقال إن فى قتلهم ثوابًا لمن قتلهم؟ ولمَ قال إنهم يمرقون من الدين؟ ولم كَفَّرَ الإمام أحمد المعتزلة القائلين بمسألتهم المشهورة فى القرءان؟ ولمَ كفرهم الشافعِىّ تصريحًا؟ ولمَ كفَّرهم مالكٌ وكفّر غيرهم من أهل الأهواء ممن بلغ بنِحْلته حد الكفر؟ ولم كفّرهم الأوزاعِىّ وأبو يوسف وأبو حنيفة وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من السلف والخلف!!؟

فإن كان مثل هذا الخلاف ليس خلافًا فى الأساس فما الذى يعتبره "الدكتور" إذًا خلافًا خطيرًا وعميقًا؟؟ لعله الخلاف حول مقدار الربا الذى يأخذه من البنك الذى يساهم فيه!! والله أعلم.

المقالة الخامسة يقول القرضاوِىّ فى العدد الرابع عشر من رسالة التقريب بين المذاهب فى الصحيفة الثانية بعد المائة (إن من شك أو جهل قدرة الله تعالى على ما ظنه محالًا لا يكفر) اهـ واحتج بزعمه بحديث الرجل الذى قال لئن قدر علىَّ ربِى ليعذبنِىّ عذابًا ما عذبه أحدًا من خلقه إلخ.

أقول قد جهل القرضاوِىُّ أنَّ قول الرجل (لئن قَدَرَ علِىَّ ربِى) معناه لئن ضيّق وليس معناه الشكّ فى قدرة الله، على أن القرضاوِىّ تابعٌ فى ذلك لعضو حزب الإخوان صاحب كتاب دعاة لا قضاة.  وكان الأجدر بالقرضاوِىّ أن ينظر فى شروح أهل العلم لهذا الحديث لا فى كتب الصحفيين وأشباههم قبل أن يتكلم فى معناه ولو فعل لرأى أن الحافظ الفقيه المفسر ابن الجوزِىّ الحنبلِىّ قال فى شرحه المشهور على البخارِىّ وفى غيره من كتبه (إن الشك فى قدرة الله على كل شىء كفر إجماعًا) اهـ ونقله عنه الحافظ ابن حجر فى شرحه المشهور على البخارِىّ وأقره وقد بسط النووِىّ القول فى شرح هذا الحديث وتأويله فى شرحه على صحيح مسلم فليراجَعْ.  ولكنَّ القراضاوِىَّ عن كلِّ ذلك فى عَمًى لأجل نصرة فكرته بتساوِى أهل الحق وأهل الباطل فى أصول الاعتقاد فالله المستعان على أمثاله.

يتبع فى المقالة التالية.


[١] المرجع كتاب تنبيه المسلمين من ضلالات يوسف القرضاوِىّ للشيخ سيد إرشاد البنغالِىّ.