مقدمات لفهم مسائل التوسل والتبرك والاستعانة (١)[١]

قبساتٌ من فوائدِ الشيخِ العالِم حمد الله الداجوِىِّ الحنفِىِّ الباكستانِىّ
حفظه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى هدانا إلى الصراط المستقيم وجلعنا متبعين لسالكي الدين القويم.  والصلاة والسلام على مَن هو وسيلتنا فِى الدارين الذى دفع الله به لاء الكفر والشرك والإلحاد فى الدين وعلى ءاله وأصحابه الذين هم نجوم الهداية واليقين وأولياء الله الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون ومن تبعهم إلى يوم الدين.

أما بعد فهذه نُكَتٌ جعلها الشيخ حمد الله الداجوِى مسكنًا الحنفِى مذهبًا القادرِىّ مَشْرَبًا فِى مقدمةِ كتابه البصائر لمنكرِى التوسل بأهل المقابر.

النكتة الأولى فِى بيان حقيقة الموت بأنه فناء محض وعدم بحت أم انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء ومن دار الغرور إلى دار السرور.

فاعلم وفقك الله تعالى للعقائد الصحيحة أن الموت فيه اختلاف كما قال الإمام الغزالِىّ رحمة الله عليه فِى كتابه المسمى بإحياء العلوم[٢] اعلم أن للناس فِى حقيقة الموت ظنونًا كاذبة كاذبة قد اخطأوا فيها فظن بعضهم أن الموت هو العدم وأنه لا حشر ولا نشر ولا عاقبة للخير والشر وأن موت الإنسان كموت الحيوانات وجفاف النبات وهذا رأىُ الملحدين وكُلِّ مَنْ لا يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر وظن قوم أنه ينعدم بالموت ولا يتألم بضار ولا يتنعم بثواب ما دام في القبر إلى أن يعاد في وقت الحشر. وقال ءاخرون إن الروح باقية لا تنعدم بالموت وإنما المثاب والمعاقب هِى الأرواح دون الأجساد وإن الأجساد لا تبعث ولا تحشر أصلًا. وكل هذه ظنونٌ فاسدةٌ ومائلة عن الحق بل الذي تشهد له طرق الاعتبار وتنطق به الآياتُ والأخبار أن الموت معناه تَغَيُّرُ حالٍ فقط وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد إما معذبة وإما منعمة ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها فإن الأعضاء آلات الروح تستعملها حتى إنها لتبطش باليد وتسمع بالأذن وتبصر بالعين وتعلم حقيقة الأشياء بالقلب والروح تعلم الأشياء بنفسها من غير آلة ولذلك قد يتألم بنفسه بأنواع الحزن والغم والكمد ويتنعم بأنواع الفرح والسرور وكل ذلك لا يتعلق بالأعضاء فكل ما هو وصف للروح بنفسها فيبقى معها بعد مفارقة الجسد وما هو لها بواسطة الأعضاء فيتعطل بموت الجسد إلى أن تعاد الروح إلى الجسد ولا يبعد أن تعاد الروح إلى الجسد اهـ

ثم قال الغزالِىّ وهِى أى الروح باقية نعم تغير حاله من جهتين إحداهما أنه سُلب منه عينُهُ وأذنه ولسانه ويده ورجله وجميع أعضائه وسلب منه أهله وولده وأقاربه وسائر معارفه وسلب منه خيله ودوابه وغلمانه ودوره وعقاره وسائر أملاكه ولا فرق بين أن تسلب هذه الأشياء من الإنسان وبين أن يسلب الإنسان من هذه الأشياء فإن المؤلم هو الفراق والفراق يحصل تارة بأن ينهب مال الرجل وتارة بأن يسبى الرجل عن الملك والمال والألم فِى الحالتين واحد.

وإنما معنى الموت سلب الإنسان عن أمواله بإزعاجه إلى عالمٍ ءاخَرَ لا يناسب هذا العالم فإن كان له فِى الدنيا شىء يأنس به ويستريح إليه ويعتد بوجوده فيعظم تحسره عليه بعد الموت ويصعب شقاؤه فِى مفارقته بل يلتفت قلبه إلى واحدٍ واحدٍ مِن ماله وجاهه وعقاره حتى إلى قميص كان يلبسه مثلًا اهـ إلى أن قال فهذا أحد وجهِى المخالفة بين حال الموت والحياة.

والثانِى أنه ينكشف له بالموت ما لم يكن مكشوفاً له في الحياة كما قد ينكشف للمتيقظ ما لم يكن مكشوفاً له في النوم (والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) اهـ

 ثم قال الغزالِىّ نعم لا يمكن كشف الغطاء عن كُنْهِ حقيقة الموت ما لم يعرف الحياة إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة ومعرفة الحياة بمعرفة حقيقة الروح ولم يُؤْذَنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك ولا أن يزيد على (قل الروح من أمر ربي) الآية اهـ

ثم قال الغزالِىّ فِى الأخير ويدل على أن الموت ليس عبارة عن انعدام الروح وانعدام إدراكها ءاياتٌ وأخبارٌ كثيرةٌ قال تعالى (ولا تَحْسَبَنَّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتًا)، ولما قتل صناديد قريش يوم بدر ناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (يا فلان يا فلان يا فلان قد وجدتُ ما وعدنِى ربِى حقًا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا) فقيل يا رسول الله أتناديهم وهم أموات فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إنهم لأسمع لهذا الكلام منكم إلا أنهم لا يقدرون على الجواب. فهذا نصٌّ فِى روح الشقِىّ وبقاء إدراكها ومعرفتها والآية نص فِى أرواح في الشهداء و الميت لا يخلو عن سعادة و شقاوة.  وقال صلى الله عليه وسلم القبر (لا تفضحوا موتاكم بسئيات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور) اهـ وقال أبو سعيد الخدرِىّ رضِى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الميت يعرف من يغسله ومن يحمله ومن يدليه فِى قبره) وغير ذلك من الروايات اهـ

وأيضًا ذكر العلامة السيوطِىّ رحمة الله عليه فِى باب فضل الموت قال العلماء الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقة وحيلولة بينهما وتبدل حال وإنتقال من دار إلى دار والظاهر أن المراد بانقطاع التعلقِ التعلقُ المتعارف لا مطلقًا بالنظر إلى العام لما سنذكره عن علِىّ القارِى أن للروح تعلق بالبدن فِى المؤمن فلا يرد ما يرد.

وأخرج أبو الشيخ في تفسيره وأبو نعيم عن بلال بن سعد أنه قال في وعظه (يا أهل الخلود يا أهل البقاء إنكم لم تخلقوا للفناء وإنما خُلِقْتُمْ للخلود والأبد وإنكم تُنقلون من دار إلى دار) وأخرج الطبرانِىّ فِى الكبير والحاكم فِى المستدرك وابن المبارك فِى الزهد والبيهقِىّ فِى شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تحفة المؤمن) أى التقِىّ الكامل (الموت). وأخرج الطبرانِىّ فِى الكبير والحاكم فِى المستدرك عن عمر بن عبد العزيز أنه قال (إنما خلقتم للأبد والبقاء ولكنكم تنقلون من دار إلى دار) اهـ ورُوِى عن مجاهد أن الرجل يُبَشَّر بصلاح ولده فِى قبره اهـ

فهذه الروايات كلها تدل على أن الموت ليس بعدم محض وفناء بحت والفناء إنما هو عن دار الفناء والخلود والبقاء فِى دار الخلود والبقاء.

النكتة أخرى ليس المراد بانقطاع تعلق الروح عن البدن انقطاعًا كليًا بالنظر إلى كل الأفراد بل فِى الجملة. ويدلُّ على ما ذكرنا ما ذكره علِىّ القارِى فِى المرقاة بخلاف روح المؤمن فإنها تسير فِى ملكوت السموات والأرض وتسرح فِى الجنة حيث تشاء وتأوِى إلى قناديل تحت العرش ولها تعلقٌ أيضًا بجسده بحيث يقرأ ويصلِى إلى أن قال فلا يشكل شىء منها بالآيات.

وأيضًا قال علِىّ القارِى فِى شرحه للفقه الأكبر إن تعلقات الروح بالجسد خمسة أنواع وذكر منها التعلق بالبدن حال البرزخ وسيأتِى تفصيله فِى المقاصد الآتية بل ذكر ابن القيم فِى كتاب الروح أقسام التعلق أيضًا.

نكتةٌ أخرى فِى تفصيل تفاوت الحياة البرزخية فنقول الحياة البرزخية القوية حياةُ الأنبياء حتى لا يجوز نكاح أزواجه المطهرات بآحاد الأمة وهذا أثرُ الحياة القوية وكونهنَّ أمهات المؤمنين وجهٌ ءاخَرُ لحرمة نكاحهن ولا تنافِىَ بين الوجهين فإن الحكم الواحد يثبتُ بدلائل شتى صرح بالوجه الأول فِى المظهرِىِّ وورد فِى حديث الإسراء (مررتُ بموسى فإذا هو يصلِى فِى قبره) والصلاة إنما تكون بالجسد كما ذكره أيضًا خليل أحمد فِى عقائد علماء ديوبند.

ثم حياة الشهداء على الترتيب حتى ورد تلاوة القرآن من القبر كما فِى حديث أخرجه الترمذِىّ ولذا يقولون بلسان القال

بيت

مرا زنده پندار چون خويشتن              بجان آمدم گر توآئى بتن

كما ذكره علِىّ التهانوِىّ فِى كتابه المسمى ببزم جمشيد فِى واقعة الشاه عبد الرحيم والد الشاه ولِى الله رحمها الله تعالى والواقعة طويلة فانتظر لعلها تأتيك.

وقد ورد فِى شأن الأنبياء عليهم السلام إن الله حرّم على الأرض أجساد الأنبياء أن تأكلها اهـ وورد (صلوا علِىّ فإن صلواتكم تبلغنِى حيث كنتم إلى غير ذلك من الروايات كما فِى المشكاة وغيره.

نكتة أخرى إن الموت صفة وجودية أو عدمية. قال تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ)  فالموت على ما ذهب إليه الكثير من أهل السنة صفةٌ وجودية تُضَادُّ الحياة، واستُدِلَ على وجوديته بتعلق الخلق به وهو لا يتعلق بالعدمي لأزلية الإعدام. وهذا هو الظاهر. وذهب بعض أهل السنة إلى أنه أمر عدمِىٌّ هو عدم الحياة عما هي من شأنه. وأجيب عن الاستدلال بالآية إلى أن الخلق  بمعنى التقدير وهو يتعلق بالعدمِىّ كما يتعلق بالوجودِى أو أن الكلام على تقدير مضاف أى خلق أسباب الموت أو أن المراد بخلق المَوْتَ وَالحياةَ خلق زمان ومدة معينة لهما لا يعلمها إلا الله تعالى فإيجادهما عبارة عن إيجاد زمانهما مجازًا، ولا يخفى الحال في هذه الاحتمالات.

والحق أن الحياة والموت بمعناهما الحقيقي والموت على ما سمعت والحياة صفة وجودية بلا خلاف.

نكتة أخرَى فِى بيان الكرامة

اعلم أنَّ مُطْلَقَ الكرامةِ بمعنى الشرف على غير ذَوِى العقول عام لكل بَنِى ءَادَمَ كما قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءادَمَ) فهذه كرامةُ الآدمية. وأما الكرامة المصطلحة فهو ظهور أمر خارق للعادة على يد مدعِى الإسلام غير مدعِى النبوة المُعْرِضِ عن اللذات المنهمك فِى الطاعات اهـ فالأمر الخارق للعادة ما صدر من مدعِى النبوة أو غيره والأول لا يخلو إما صدر منه قبل النبوة أو بعدها، الأول إرهاصٌ ويُسَمَّى معجزة تغليبًا وتشبيهًا والثانِى المعجزة.

والثانِى لا يخلو أما صدر من المؤمن المعرض عن اللذات المستغرق فِى الطاعات أو لا، الأول الكرامة والثانِى لا يخلو إما أن يكون موافقًا لدعواه أو لا والأول استدراج والثانِى إهانةٌ كما دعا مسيلمة الكذاب لأحدٍ أن تصير عينه العوراء صحيحة فصارت الصحيحةُ عوراءَ وقسم ءَاَخُر يُسمى معونة وهو نحو أن يَدْعُوَ المؤمنونَ عمومًا لكشف الكربات فيكشف الله الكربات.

وإذا علمتَ هذا فاعلم أنَّ كرامة الأولياء حق كما فِى شرح العقائد خلافًا للمعتزلة ومن يحذو حذوهم

وفِى شرح المواقف المقصد التاسع فِى كرامات الأولياء وأنها جائزة عندنا اهـ

أما جوازها فظاهر على أصولنا وهِى إن وجود الممكنات مستند إلى قدرة الله تعالى الشاملة لجميعها فلا يمتنع شىء منها على قدرته ولا يجب فِى أفعاله تعالى غَرَضٌ. ولا شك أنَّ الكرامة أمر ممكن إذ لا يلزم من فرض وقوعه محال لذاته أما وقوعها فلقصة مريم حيث حبلت بلا ذَكَرٍ ووجد الرزق عندها بلا سبب وتساقط عليها الرطب من النخلة اليابسة، وقصة ءَاصَف وهِى إحضاره عرش بلقيس من مسافة بعيدة فِى طرقة عين،  وقصة أصحاب الكهف وهِى أن الله تعالى أبقاهم ثلاثمائمة سنة وأزيد نيامًا أحياء بلا ءَافَةٍ ولم يكونوا أنبياءَ إجماعًا.

نكتةٌ أخرى فِى الكرامة بعد الممات بمعنى أنَّ من كان صاحب كرامة وولاية فِى الدنيا هل تبقى كرامته بعد الموت أو تنقطع بالموت. فمذهب أهل الحق أنه تبقى الكرامة بعد الموت كما أنَّ النبوة لا تنقطع بالموت وكما أنَّ إيمان المؤمن لا ينقطع بالموت وذلك لأنه عقد الإمام أبو داود فى سننه بابا بعنوان باب ما يُرى من النور عند قبر الشهيد وذكر فى ذيله حديث عائشة رضى الله عنها كنا نتحدث أنه لايزال نور عند قبر النجاشىّ وهذا ليس إلا الكرامة بعد الموت فإنَّ ظهور النور عند قبر مسلم بلا سبب ظاهر أمر خارق للعادة وما هذه إلا الكرامة.

وقال تعالى (والنازعات أمرًا) رُوِىَ عن السَّدِّىّ أنها النفوس اهـ ونقله الألوسِىُّ فِى تفسيره ووسَّع فِى ذكر أثر النفوس الفاضلة بعد موتها.

فقد ظهر من هذه العبارات أن للأولياء بعد الوفاة مددًا روحانِيًا وهذا ليس إلا الكرامة بعد الموت. 

والمفسر البغدادِىّ معتمد مُنْكِرِى التوسل فى زماننا ولعلهم ما اطلعوا على هذا الموضع من تفسيره وإلا لما أظهروا مدحه ولجرحوه عليه كما هو دَيْدَنُهم فإنهم لا يتركون من إساءة الأدب لا عالمًا ولا شيخًا ولا مرشدًا ولا مفسرًا إذا خالفوا عقيدتهم، اللهم إنا نعوذ بك من إساءة الأدب فإن سيئ الأدب محروم من فيض الخير على ما قال مولانا الرومِىّ.

وذكر في التفسير المظهرِىّ أنه وقد تواتر عن كثير من الأولياء أنهم يَنصرون أولياءهم ويُدمرون أعداءهم اهـ  والظاهر أن النسبة فى قول المفسر مجازية كما فِى أنبت الربيع البقل وشفَى الطبيب المريض واعتقادُ الموحد يجعل دليلًا على ذلك على ما ذكر فى كتب البلاغة.

وروح المؤمن قد تسرح فِى الجنة وتأوِى إلى قناديل تحت العرش وقد تتعلق بجسدها بقوة بحيث يقرأ ويصلِّى.  قاله فِى شرح المشكاة.

وأيضًا ذكر فِى المشكاة فى باب فضائل القرءان تلاوة شهيدٍ سورة الملك وسَماعَ صحابِىٍّ ضرب هناك خباءه وذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتقريره عليه الصلاة والسلام هذا دليلٌ بَيِّنٌ على الكرامة بعد الموت وعلى تعلق الروح بحيث تقرأ اهـ

وأيضًا ذكر محمد أشرف على التهانوِىُّ الهندِىُّ فى بزم جمشيد أنّ والد الشاه ولِى الله الدهلوىّ كان يجىء إلى مزار قطب الدين بختيار كاكِى رحمه الله المتوفى سنة ٦٣٤هـ فخطر فِى قلبه يومًا هل يحصل له علم بزيارتِى إياه فسمع من القبر شعرًا معناه هكذا (احسبنِى حيًا مثل نفسك إن كنت جئت بجسدك فأنا جئتك بالروح) ثم ذكر فى ذلك قصة طويلة اهـ

فهذه كلها دلائل كرامات الأولياء بعد الوفاة ولهذا المطلب دلائل كثيرة إلا أنا اكتفينا بهذا القدر فإن القليل أنموذجُ الكثير والغَرْفَةً تُنْبِئُ عن البحر الكبير والعاقل تكفيه الاشارة والحال أنه ذُكِرَ ههنا أقوال المفسرين والمحدثين الذين هم من الحنفية فإن الآلوسِىّ البغدادِىَّ وكذا صاحب المظهرِىّ وعلىٌّ القارِى وعلِىّ التهانوِى من أكابر الديوبنديين وكلهم من الحنفية.  فقد ثبت من كلام الأوائل والأواخر الكرامة بعد الممات.

نكتة أخرى فى تحقيق الإيمان والكفر.

اعلم أن معرفة الكفر يتوقف على معرفة الإيمان لأن الكفر عدم الإيمان عما من شأنه أن يكون مؤمنًا فالتقابل بينهما تقابل العدم والملكة ولا شك أن معرفة الإعدام تتوقف على معرفة الملكات.

فنقول الإيمان فى اللغة مأخوذ من الأمن كأنه ءَامَنَ المُؤمِنُ المُؤمَنَ به عن التكذيب والمخالفة.  وفِى الاصطلاح عبارة عن التصديق بجميع ما جاء به النبِىُّ صلى الله عليه وسلم وعلم كونه من ضروريات الدين إجمالًا فيما عُلم إجمالًا وتفصيلًا فيما عُلم تفصيلًا. وإذا عرفتَ هذا فاعلم أن الكفر عبارة عن التكذيب الذى هو ضد التصديق والشرك أخص من الكفر والشرك أنواعٌ شركٌ فِى الذات بأن يعتقد أحدٌ ذاتًا واجبًا مثل ذات الواجب وشرك فى الصفات مثلُ أنْ يعتقدَ أحد شركة الغير للواجب تعالى فِى الصفات المختصة به تعالى من العلم المحيط وغيره وشركٌ فِى العبادة بأن يعبد أحد غير الله تعالى عبادة بدنية أو مالية أو مركبة.

وأما الشرك فِى الاستعانة بأن يطلب أحد العون من الغير فإن كان يعتقد أن ذلك الغير مستقل وخالق للعون فهو شرك فِى الصفات وإلا فهو ليس بشرك قال تعالى إخبارًا عن سيدنا يوسف عليه السلام (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ) الآيةَ وقال فى المدارك فى تفسير  قوله تعالى (اذكرنِى عند ربك) الآية صفنى عند الملك بصفتِى وقص عليه قصتى لعله يرحمنى ويخلصنِى من هذه الورطة اهـ وعُلِمَ منه أيضًا أن الاستعانة بالمخلوق فى دفع الضرر أو جلب النفع جائز.

فانتقِش هذه النكات على صحيفة خاطرك لتكون على بصيرة فِى المقاصد الآتية وتكون وسيلة لدرك المقاصد الآتية فإنما المسائل بالوسائل والدعاوى بالدلائل وشرف الإنسان بالشمائل لا بالحلى والحلل.

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب البصائر لمنكرِى التوسل بأهل المقابر للشيخ حمد الله الداجوِى حفظه الله تعالى.

[٢] إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالِىّ ج٤، ص ٣٣٢.