من ذبح لغير الله[١]

قبسات من فوائد الشيخ محمود محمد يوسف
من علماء الشافعية فى الحبشة حفظه الله تعالى

سؤال إن الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه شرح رياض الصالحين ج٤ ص١٥٩ عند تفسير الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله من ذبح لغير الله قال أي مثل ما يفعل بعض الناس لملوكهم أو رؤسائهم وعلمائهم إذا أقبل ذبحوا له ذبيحة بوجهه إكرامًا له وتعظيمًا وقال هذا شركٌ أكبر مخرج من الملة وهذا مع كونه شركا حرم الله على فاعله الجنة ومأواه النار.

الجواب:

الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وسلم. إن هذا القول مخالف لقواعد الشرع من عدة أوجه

الأول أن الملوك والرؤساء وعلماء الأمة أضياف من أضياف المسلمين والشيخ أقر بذلك في نفس الصحيفة وفي شرح هذا الحديث حيث قال وإن كان الذبح من إكرام ضيف أن تذبح له إكراما لقدومه فهذا مما يؤمر به اهـ ص159 وهكذا كذب نفسه في تلك الصحيفة نفسها ظنا منه الفرق بين الملوك والأضياف.  وأوضحه هنا بظنه بقوله لأجل إكرام القدوم وليس لإكرام الضيف ونسي أن الملوك والعلماء والرؤساء داخلون في عموم قوله من إكرام الضيف ولا أدري كيف سلب الضيافة عن الملوك والرؤساءوالعلماء وهو عجيب. والإكرام حق للضيف وليس للقدوم ويؤيد ذلك قوله تعالى في سورة الذاريات (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)[٢]أي مكرمون عند الله وعند إبراهيم وفي آية أخرى قال تعالى (سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)[٣] وقال مجاهد سماهم مكرمين لخدمة إبراهيم إياهم بنفسه وقال ابن عباس سماهم مكرمين لأنهم غير مذعورين وقد جاء في الأثر أن علي بن عياض قال لعبد الوهاب عنده هريسة ما رأيك فيها قال عبد الوهاب ما أحسنَ رأيي فيها قال امض بنا فدخلا الدار فنادى الغلام فإذا هو غائب قال عبد الوهاب فما راعني إلا به ومعه القمقمة والطست وعلى عاتقه المنديل فقال عبد الوهاب إنا لله وإنا إليه راجعون لو علمت يا أبا الحسن أن الأمر هكذا قال هون عليك فإنك عندنا مكرم والمكرم إنما يُخْدَمُ بالنفس وقال انظر إلى قوله تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) [٤].

ولو سألنا الشيخ هل كان النبي صلى الله عليه وسلم عالمًا ورئيسًا  وهل كان أبو بكر وعمر عالمين ورئيسين فالظن أنه يجيب بأنهم أفضل العلماء والرؤساء بين البشر شرقًا وغربًا جنوبًا وشمالًا فقد استضافهم أبو الهيثم بن التيهان كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال لهما ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا الجوع يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما قوما فقاما معه الحديث وفيه إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ثم قال الحمد لله ما أحد اليوم أكرم إضيافا مني الحديث وفيه وأخذ المدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك والحَلوب فذبح لهم فأكلوا من الشاة الحديث رواه مسلم. فانظر كيف قال فى الحديث فذبح لهم أى إكرامًا لهم ولم يرمه بكفر ولا شرك ولا معصية.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله من ذبح لغير الله أي من ذكر غير اسم الله على ذبيحته وهو تفسير قوله تعالى (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ) [٥]وأما ما ذبح باسم الله تعالى فهو حلال سواء ذبح لإكرام الملوك والرؤساء والعلماء أو للتجارة أو غير ذلك فمن فرق بين هذا و ذاك بعد ما ذكر اسم الله عليه فعليه بالدليل ولا دليل لذلك والله أعلم.

وقد قال الشيخ في تفسير قوله صلى الله عليه وسلممن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه متفق عليه وإكرام الضيف يختلف بحسب أحوال الضيف فمن الناس من هو من أشراف القوم ووجهاء القوم فيكرم بما يليق به ومنهم من هو دون ذلك وقال فالمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الإكرام فيشمل كل الإكرام اهـ ما قاله العثيمين ج٧ ص ١١٦ وهذا يكذب ما قاله في الجزء الثامن كما سبق آنفا.

ومن المصيبة تكفير ابن العثيمين للمسلمين إذا ذبحوا للقادم الذبيحة فى وجهه إكرامًا له وهذا وإن كان لا يُستغرب من مثله ممن نشأ على المذهب المعروف الذي يكفر أصحابه والأمة كلها لمخالفتها لهم فإنه مع ذلك محجوج بأنه يُلقِى الكلام على عواهنه بلا دليل على قوله من الكتاب والسنة إلا من كلام شيوخه وإننا نتحداه أن يأتِىَ من الكتاب أو السنة بدليل فيه أن من ذبح إكرامًا لضيف رئيسًا كان أو مرءوسًا فإنه كافر كما زعم ولن يستطيع.

والله أعلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم.


[١]المرجع كتاب ردّ محمود يوسف على ابن عثيمين للشيخ محمود يوسف.

سورة الذاريات/ آية ٢٤[٢]

[٣] سورة  الأنبياء/ آية 26

سورة الذاريات/ آية ٢٤[٤]

[٥] سورة البقرة/ آية ١٧٣