بيان أن نكاح المتعة محرم إلى يوم القيامة[١]

قبسات من فوائد خادم علم الحديث
الشيخ عبد الله بن محمد الهررِى
المتوفى سنة ١٤٢٩ هـ رحمه الله تعالى

قال الله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[٢].

فهذه الآية تفيد أن المتمتع بها ليست واحدة من المذكورة أما أنها ليست بمملوكة فظاهر وأما أنها ليست بزوجة فلأن الزواج له أحكام كالإرث وغيره وهِى منعدمة فيها باتفاق من أهل السنة وغيرهم فلا ميراث فيها ولا طلاق بل الفراق فيها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق، وبهذه الوتيرة أثبت القاضى يحيى بن أكثم كون المتعة بعد تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها زنا.

وأما قوله تعالى (وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) فمعناه مهورهن أى مهور النساء فِى الزواج الشرعِىّ الذِى قال النبِىّ صلى الله عليه وسلم فيهلا نكاح إلا بولِى اهـ فالأجور هنا هِى المهور كما ذكر ذلك أهل التفسير.  قال العلامة اللغوِىّ ابن منظور فى لسان العرب ما نصه وأجر المرأةُمهرهااهـ

فلا يجوز نكاح المتعة وهو أن يقولزوَّجتك ابنتِى يومًا أو شهرًا لما روَى مسلم والبيهقِىّأن علِىّ بن أبِى طالب رضى الله عنه لقِىَ ابن عباس رضِى الله عنهما وبلغه أنه يرخص فى متعة النساء فقال له علِىّإنَّك رجل تائهأما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهَى عن المتعة وعن لحوم الحُمُر الأهلية اهـ

ثم إن النكاح عقد يجوز مطلقًا فلم يصح مؤقتًا كالبيع، ولأنه أى المتعة نكاح لا يتعلق به الطلاق والظهار والإرث وعدة الوفاة فكان باطلاً كسائر الأنكحة الباطلة. قال القرطبِىّ فى تفسيره ما نصه قال ابن العربِىالذِى أجمعت عليه الأمة تحريم نكاح المتعةاهـوقال النسفِىّ فى تفسير قوله تعالى(إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) ما نصه فيه دليل تحريم المتعةاهـ وكذا ذكر الرازِىُّ فى تفسيره.

قال النووِىّ الشافعِى فى روضة الطالبين ما نصه النكاح المؤقت باطل سواء قيَّده بمدة مجهولة أو معلومة وهو نكاح باطلاهـ

وفِى المدونة للإمام مالك أنه سئلأرأيت إن قالأتزوجك شهرًا يبطل النكاح أم يجعل النكاح صحيحًا ويبطل الشرط قال مالكالنكاح باطل يُفسخ وهذه المتعة وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريمهااهـ

وقال السرخسِىّ الحنفِىّ فى المبسوط ما نصه المتعة أن يقول الرجل لامرأتهأتمتع بك كذا من المدة بكذا من البدل وهذا باطل عندنااهـ

وقال ابن قدامة الحنبلِىّ فى المغنِى ما نصهمعنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقولزوجتك ابنتِى شهرًا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحج وشبهه سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة فهذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقالنكاح المتعة حرام اهـ

فبعد هذه النقول من المذاهب الأربعة ونقل الإجماع على تحريم نكاح المتعة يتبين أن هذا النكاح باطل فاسد.  وأخرج الإمام مسلم فِى كتابه الجامع الصحيح صحيح مسلمحديثًا صحيح الإسناد عن النبِىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال يا أيها الناس إنِى كنتُ قد أذنتُ لكم فى الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شىء فليُخَلّ سبيلهُنَّ ولا تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئًا اهـ وكان ذلك بعد فتح مكة كما رواه مسلم أيضًا وكتاب صحيح مسلم مشهور بين العلماء وهو أصح الكتب المصنفة فِى الحديث النبوِىّ بعد كتاب صحيح البخارِىّ.  فإن ادعَى البعض أنه حديث موضوع مختلق ومكذوب فليثبتوا ذلك عبر دراسة سند الحديث إن استطاعوا ولعله خفِىّ عليهم أن فِى علم الحديث النبوِىّ إسنادًا من جرَّاء دراسته ينكشف الحديث المكذوب من غيره فالإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.

والدراسة هذه تؤخذ من كتب الجرح والتعديل التِى تتكلم عن رجال السند فِى الحديث وعن أحوال الرواة وبها يُعلم صحة الحديث أو عدم صحته فمن استطاع أن يثبت عن طريق دراسة السند وأحوال الرواة أن حديث تحريم المتعة مكذوب فليفعل ولن يستطيع.

وقال ابن شهاب أخبرنِى خالد بن المهاجر بن سيف الله أنه بينما هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه فِى المتعة فأمره بها فقال له ابن أبِى عَمرة الأنصارِىّمهلاً قالما هِى لقد فُعِلت فِى عهد إمام المتقين فقال ابن أبِى عمرةإنها كانت رخصة فى أول الإسلام لمن اضطُر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهَى عنها اهـ

وروَى البخارِىّ ومسلم وابن ماجه وغيرهمعن علِىّ بن أبِى طالب رضِى الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحُمُرِ الأهلية اهـ

وروَى ابن ماجه فِى سننه وغيرُه عن ابن عمر أنه قاللما ولِى عمر بن الخطاب خطب الناس فقالإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا فِى المتعة ثلاثًا ثم حرمها والله لا أعلم أحدًا يتمتع وهو مُحصَنٌ إلا رجمتُهُ بالحجارة إلا أن يأتينِى بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلها بعد إذ حرمها اهـ

فلا حجة بعد هذا لمن يقول إن أبا بكر وعمر هما حرما المتعة من تلقاء أنفسهما بل رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها إلى يوم القيامة.  ومما يؤيد ما ذكرناه ما رواه البيهقِى فِى السنن الكبرَىعن الإمام جعفر الصادق رضِى الله عنه أنه قال عن نكاح المتعةذلك الزنا اهـ

وأما كون نكاح المتعة قد أُحل فترة قبل فتح مكة فلأن النساء المؤمنات المسلمات كان عددهن قليلاً وكان الجندِىُّ المسلم إذا خرج للغزو مسافة بعيدة تشق عليه العزوبة فأحل الله لهم أن يستمتعوا من النساء تسهيلاً عليهم ورحمة بهم، ثم نزل الوحى السماوى بتحريمها فِى غزوة خيبر ثم نزل الوحى بإباحتها وذلك فى غزوة الفتح ثم نسخ الله تعالى هذا الحكم بعد ثلاثة أيام من دخولهم مكة إلى يوم القيامة فكان الوحى الذى حرمها عام الفتح هو ءاخر ما نزل فى متعة النساء. ويدل عليه ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حَرَّمَها إنى كنت قد أذنت لكم فى الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة اهـ

وقد كثرت النساء المسلمات بعد فتح مكة وذلك لأن العرب دخلوا فى دين الله بعد الفتح أفواجًا فعمَّ الإسلام جزيرة العرب فلم تكن بعد ذلك ضرورة تدعو إلى متعة النساء. فكان السبب الذى أبيح من أجله متعة النساء أمرينأحدهما المشقة التى كانوا يقاسونها فى الحرب، وقلة النساء المسلمات، فلما زال السببان لم تقتض المصلحة إباحتها.

ثم إن سيدنا عليًّا رضى الله عنه ما عمل المتعة قط لا قبل زواجه بفاطمة رضى الله عنها ولا بعد زواجه بها إلى أن توفاه الله تعالى، وكذا الحسن والحسين وعلى زين العابدين رضى الله عنهم ولا يستطيع أحد أن يثبت ذلك على على أو على أبنائه أنهم عملوا المتعة بعد أن حرمها الرسول صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على ذلك اعتبار الإمام جعفر الصادق رضى الله عنه المتعة هى الزنا بعينه كما قدمنا.

تنبيه.إن عمر بن الخطاب رضِى الله عنه ليس هو من حرم التعة من قِبَلِ نفسه كما تقدم ولو كان هو فعل ذلك لكان قام عليه على بن أبى طالب رضى الله عنه الذى لا يخاف فى الله لومة لائم لأن عليًّا لم يكن من الذين يتركون النطق بالحق خوفًا من الناس بل كان جريئًا لقول الحق، وأيضًا لكان ردَّ عليه غير علِىّ من الصحابة لكن بما أن عليًّا نفسه يعتقد أن المتعة حرام بعد تحريم الله تعالى ما أنكر على عمر، فعمر رضى الله عنه ما حرم المتعة من تلقاء نفسه إنما أشاع فِى خلافته الحرمة التى حرمها رسول الله فى حياته عام الفتح لأن بعض الناس خفِىَ عليهم حرمتها فظلوا يفعلونها فأراد أن يُعلن هذا الأمر الذى خفِى عليهم. 

وقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال نعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن اهـمعناه أنا أتمنى أن يكون أبو الحسن وهو علىٌّ حاضرًا عندى عند كل مسألة معضلة، فعمر كان يشتهى إذا وقع فى الغلط أن ينبهه علىٌّ، فلو كان إظهارُ عمر لحرمةِ المتعةِ باطلاً فما الذى ألجم على بن أبى طالب عن الكلاموما كان علىٌّ يزوِّجُ ابنته لرجل يخالف دين الله تعالى ويحرم ما أحل الله، سبحانك هذا بهتان عظيم.


.والله تعالى أعلم


[١] المرجع كتاب صريح البيان فى الردّ على من خالف القرءان للشيخ عبد الله بن محمد الهررِىّ رحمه الله تعالى.

[٢] سورة المؤمنون.