نُبذ من كلام الإمامِ العلمِ الولىّ السيد أحمدَ بنِ علىّ الرفاعىّ (٢)[١]

المتوفى سنة ٥٧٨ هـ رحمه الله تعالى 

الحمد لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، وصلوات الله البرّ الرحيم على خاتم المرسلين وحبيب ربّ العالمين سيدِنا محمدٍ وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين وءالِ كلٍّ وصحبه أما بعدُ فالإسناد إلى السيد عزّ الدين الصيّاد فى «الوظائف الأحمدية»[٢] قال سألتُ أخِى السيدِ شمسِ الدينِ محمدٍ رحمة الله عليه عن مسئلةٍ فقال سألتُ والدِى سيدِى السيدِ ممهد الدولة عبد الرحيم عن هذه المسئلة فقال سألتُ خالِى وسيّدِى السيدِ أحمدَ الكبيرِ الرفاعىّ الحسينىّ قَدَّسَ الله سره عن هذه المسئلة وقلتُ له الناس يسألوننى عن عقيدتى فما أقول لهم فقال قدسَ اللهُ تعالى روحَهُ

أىْ عبدَ الرحيمِ اعلمْ أنَّ كل ما عدا الخالقَ فهو مخلوقٌ، والليلُ والنهارُ والضوءُ والظلامُ والسمواتُ السبعُ وما فيها من النجوم والشمس والقمر والأرضُ وما عليها من جبل وبحر وشجر وأنواعُ النبات وأصنافُ الحيوانات والضارُّ منها والنافعُ لم يكن شىءٌ من ذلك إلا بتكوينِ الله. ولم يكن قبل تكوين الله للأشياء أصلٌ ولا مادةٌ. وكذلك الجنةُ والنار والعرش والكرسىّ واللوح والقلم والملائكة والإنس والجن والشياطين لم يكن منها شىءٌ إلا بتكوين الله تعالى. وكذا صفاتُ هذه الأشياء من الحركة والسكون والاجتماع والافتراق والطَّعم والروائح والجهل والعلم والعجز والقدرة والسمع والصمم والبصر والعمى والنطق والبكم والصحة والسقم والحياة والموت كلُّ ذلك من مخلوقات الله تعالى، وكذلك أفعالُ العباد واكتسابُهُم وأمرُهم ونهْيُهم ووعدُهم ووعيدُهم كلُّ ذلك من مخلوقات الله تعالى، خَلَقَ كلَّ شىء، وكلُّ ما لم يكن مخلوقًا وسيُخْلَقُ فهو من مخلوقاتِ اللهِ تعالى لقولِهِ تعالى (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ)[٣].

واللهُ تعالى خلقَ كلَّ شىءٍ لحكمةٍ بالغةٍ علمَها العبادُ أو لم يعلموها لقوله تعالى (لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[٤]. يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد. الطاعاتُ والمعاصى بقضاء الله تعالى وقدره وعبادتُهُ بإرادته ومشيئته فإنَّ الطاعة مقدَّرَةٌ من الله تعالى بقضائه وقدره وكذا المعصيةُ والمعاصى مكوَّنَةٌ مقدَّرَةٌ بقضاء الله تعالى وقدره ومشيئته لكنها ليست برضائه ومحبته ولا بأمره. وما أراد الله أن يكون كان بلا محالةَ طاعةً كان أو معصيةً وهذا معنى قولِنا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فَمَنْ هداه الله تعالى خَلَقَ اللهُ فيه فِعْلَ الاهتداءِ ومَنْ لم يَهْدِهِ لم يَهتدِ وكلُّ ذلك بمشيئة الله تعالى كما قال (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)[٥]

واللهُ تعالى يُعْطِى العبدَ كما يريدُ، كان فيه صلاح العبد أو فساده، وغايةُ صلاحِ العبد ليست بواجبةٍ على الله تعالى بل إن كان فيه صلاحٌ كان منه إحسانًا وتفضُّلاً وإن لم يكن ذلك كان منه عدلاً فله الفضل والحمد. واللهُ تعالى قديمٌ ليس لوجوده ابتداءٌ وباقٍ ليس لبقائه انتهاءٌ حىٌّ لا بروحٍ عالِمٌ لا بقلبٍ وفكرةٍ قادرٌ لا بآلةٍ سميعٌ لا بأُذُنٍ بصيرٌ لا بحدقةٍ متكلمٌ لا بلسانٍ إلهٌ فى الأزلِ، والحياةُ والعلمُ والقدرةُ والسمعُ والبصرُ والكلامُ والخلقُ وهو التكوينُ صفاتٌ وصفاتُهُ قائمةٌ بذاتِهِ.

واللهُ تعالى قديمٌ بصفاته وليس شىءٌ من صفاته محدَثٌ وكلامُهُ ليس من جنسِ الحروفِ والأصواتِ بل الحروفُ والأصواتُ [يَعْنِى المنزلة] عبارةٌ عن كلامِهِ ودلالةٌ عليه[٦]. والقرءانُ كلامُ اللهِ تكلم به البارئُ جلتْ عظمتُهُ قبل خَلْقِ المخلوقين جميعًا وهو مقدَّسٌ ومُنَزَّهٌ عما يقول المبتدعون الظالمون الجاحدون كتابٌ بَيَّنَ اللهُ فيه لعبادِهِ الحلالَ والحرامَ والوعدَ والوعيدَ والضرَّ والنفعَ وهو الفرقان المبين {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ *}[٧].

واللهُ تعالى كان ولا مكانَ ليس بجسمٍ ولا جوهرٍ ولا عرضٍ ولا على مكانٍ ولا فى مكانٍ بل كان جلَّتْ عظمتُهُ ولا زمانَ ولا مكانَ ورفْعُ الأيدِى إليه فى الدنيا إلى السماء تَعَبُّدٌ لا إليه أنه فى السماء بل كالتوجُّهِ إلى الكعبة فى الصلاة فالكعبةُ قِبْلَةُ الصلاةِ والسماءُ قِبلةُ الدعاءِ. واللهُ تعالى ليس بصورةٍ وكلُّ ما تصوَّرَ فى فهمك ووهمك فالله تعالى خالِقُهُ ومُكَوّنُهُ، واللهُ تعالى لا يشبه شيئًا مما خلَقَ ولا يُشبهُ ذاتُهُ ذوات المخلوقين ولا صفاتُهُ صفاتِ المخلوقينَ كما قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[٨].

واللهُ تعالى واحدٌ أحدٌ فردٌ صمدٌ لا شريكَ له ولا وزيرَ له ولا شبيهَ له ولا ضدَّ له ولا نِدَّ له ولا نظيرَ له ولا مثيلَ له ولا أولَ له ولا ءاخرَ له ولا ولَدَ له ولا والدةَ له ولا والدَ له وهو الأولُ والآخرُ والظاهِرُ والباطِنُ وهو بكلّ شىءٍ عليمٌ وعلى كلّ شىءٍ قديرٌ، عالِمٌ بأمورِ خلقِهِ من مبتدئِهِمْ إلى مُنتهاهُمْ وكلُّ مخلوقٍ بخِلْقَتِهِ شاهدٌ على أنه لا إلـه إلا هو الرحمـن الرحيم.

وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسوله وصفيه وحبيبه وأمينه وخِيَرَتُهُ من خَلْقِهِ أرسلَهُ بالهُدى ودينِ الحقّ ليُظهرَهُ على الدّين كله ولو كَرِهَ المشركون، سيدُ المرسلين وإمامُ الثقلين وخاتَمُ النبيينَ صلى الله عليه وسلم وأنَّ الله أرسل قبلَهُ رُسُلَهُ أولُهُمْ ءادمُ وخاتِمُهُمْ سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم وكلهم جاؤوا بالحق وتكلموا بالصدق وبَلَّغُوا الرسالةَ وصَدَقُوا فيما بلَّغُوا عن ربهم عزَّ وجلَّ وكلُّ ما أُنزل عليهم من الكتب والصحف حقٌّ وأن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل ولا نبىَّ بعده، وأنَّ الرسل كلَّهُمْ على حقّ، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل فى ءاخر الزمان ويكون على شريعة سيدنا محمد كواحد من أمته داعيًا إلى دينه وسنته، وأن المعراج حقٌّ أُسْرِىَ بالنبىّ صلى الله عليه وسلم بنفسه وشخصه فى ليلةٍ واحدةٍ من مكةَ إلى البيت المقدس على ظهر البراق ثم عرج إلى السماء ثم دنى من ربه عز وجل دُنُوَّ تكريمٍ[٩] كما ذكره فى الكتاب العزيز لقوله تعالى {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *} [١٠]، وأنَّ الصالحين ومع علوّ منزلتهم وقربِهِمْ من ربهم لا يسقط عنهم شىءٌ من الفرائض الواجباتِ من الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك ومن زعم أنه صار وليًّا وسقط عنه الفرائضُ فقد كفر فإنه لم يسقطْ ذلك عن الأنبياء فكيف يسقطُ عن الأولياء، وأنَّ الولىَّ كَبَقْلَةٍ تحت شجرةِ النبوةِ ولقد قام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى تورمتْ قدماه فقيل له ألم يغفرْ لك اللهُ ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدًا شكورًا[١١].

وإيمانُ العبادةِ هو تصديقٌ بالقلب وهو على طريق الاختيار لا الجبر والتصديقُ للهِ[١٢] فى جميعِ ما أُنزل على أنبيائه عليهم السلام وجميع ما بلغوا عن الله عز وجل ويدخل ذلك كلُّهُ تحت هذه العبارة وهى الإيمانُ بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبما أنزل على رسله، والإيمانُ يزيدُ وينقصُ، والإيمان والإسلام واحدٌ وكلُّ مسلمٍ مؤمنٌ، وأنَّ[١٣] عذابَ القبر حقٌّ وأنَّ منكرًا ونكيرًا حقٌّ وأن سؤالَهُما حقٌّ وأنَّ البعثَ حقٌّ والعرضَ حقٌّ والحسابَ حقٌّ وأنّ الجنةَ ونعيمَها حقٌّ والنارَ وعذابَها حقٌّ وأهلَ الجنة يرون ربَّهم بأعينهم من غير إدراكٍ ولا إحاطة ولا كيفية ولا مقابلة ولا على مكان ولا فى جهة من الجهات الستّ وأنَّ قراءةَ الكتب حقٌّ يُؤْتَى المؤمنُ كتابه بيمينه والكافر بشماله والميزان حقٌّ والصراط حقٌّ وحوض الكوثر حقٌّ والشفاعة للنبىّ صلى الله عليه وسلم حقٌّ وشفاعة المؤمنين حقٌّ ومحبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على العموم حقٌّ وأن أبا بكر رضىَ الله عنه صاحبُ رسول الله وخلافته حقٌّ وبعدَهُ خلافة عمر بن الخطاب حقٌّ وبعدَهُ خلافة عثمان بن عفان حقٌّ وبعده خلافة علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه ورضىَ الله عنه حقٌّ، وأفضلُ الخلق بعد نبينا وسيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم [فى هذه الأمة] أبو بكر الصديقُ رضىَ الله عنه ثم عمر ثم عثمان ثم علىّ رضىَ الله عنهم أجمعين فهذا اعتقادُنا ومذهبُنا ثم قال أىْ عبدَ الرحيمِ اجعلْ هذا اعتقادَكَ واعتقادَ مَنْ تَعَلَّقَ بكم فهذا اعتقادُ الأتقياءِ من السلفِ رحمةُ اللهِ عليهم أجمعينَ.

انتهى بشىءٍ من اختصارٍ. والله أعلم.


[١] المرجع كتاب البراهينُ على صدقِ حادثةِ مدّ اليمينِ للجامعه الشيخ سمير بن سامى القاضى حفظه الله تعالى.

[٢] انظر (ص ١٢-١٩).

[٣] (فاطر /٣).

[٤] (الأنبياء/ ٢٣).

[٥] (النحل/٩٣).

[٦] أى أنّ الكتابَ المنْزَلَ عبارةٌ عن كلام الله الذاتِىّ الذى هو صفتُهُ والذِى لا يُشبهُ كلامَنا.

[٧] (فصّلت/٤٢).

[٨] (الشورى/ ١١).

[٩] أى ليس دُنُوَّ مسافة لأنَّ دنُوَّ المسافة يكون بين جسم وجسم والله ليس جسمًا.

[١٠] (النجم/ ٨).

[١١] رواه البخارىُّ فى باب قيام النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى تَرِمَ قدماه من أبواب التهجد من «الصحيح». ومسلم فى باب إكثار الأعمال والاجتهاد فى العبادة من صفة القيامة والجنة والنار من صحيجه.

[١٢] أى وهو التصديق لله إلى ءاخره.

[١٣] أى واعلم أنَّ عذاب القبر حقّ.