أحكام الذبائح المذبوحة بالطرق الحديثة واللحوم المستوردة[١]

قبسات من فوائد الشيخ محمد تقِىّ العثمانِىّ الحنفِىّ حفظه الله

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى أحل للمسلمين أن يأكلوا من لحوم الحيوانات الطيبة وينتفعوا بأجزائها الأخرى ولكن جعل هذا الحل خاضعًا لأحكام شرعها فى الكتاب والسنة وإن هذه الأحكام ترجع إلى التَّنويه بأنَّ الحيوان فِى أصله مثل الإنسان من حيث يوجد فيه الروح والإدراك والحواس التِى تبعث فيه الراحة والألم، ولكنَّ الله سبحانه جعل الإنسان أشرف المخلوقات وسخر له ما فِى الأرض كلَّهُ قال تعالى (هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِى الأَرْضِ جَمِيْعًا) فأباح للإنسان أكل الحيوانات بمحض فضل منه سبحانه وتعالى وجعله الله تعالى خاضعًا لبعض الأحكام التعبدية يُنْبِئُ الامتثال بها عن اعتراف العبد بأن حل الحيوان له نعمة من الله سبحانه وتعالى وفضل منه وأنه لا يستحق الاستمتاع بمثله من الحيوان والالتذاذ بأكله إلا بعد الالتزام بالطرق التِى شرعها الله لإزهاق روح الحيوان.

ومن هنا امتازت الشريعة الإسلامية عن الشرائع الأخرى فى تحديد طرق الذبح ووضع مبادئها وشرع أحكامها. فليست قضية ذبح الحيوان من الأمور العادية التِى يتصرف فيها الإنسان كيفما يشاء حسب حاجته أو مصلحته أو حسبما يتيسر له دون أن يتقيد فى ذلك بأصول وأحكام، وإنما هِى من الأمور التَّعبديَّة التِى يجب على المسلم الالتزام بأحكامها المبيَّنة فى الكتاب والسُّنَّة.

فما ذهب إليه المفتِى محمد عبده وتلميذه الشيخ رشيد رضا من كون ذبح الحيوان من الأمور العادية التِى يجوز أن يتصرف فيها الإنسان بكل حرية[٢]  خطأ صريح وقول مصادم للنصوص الصريحة ولقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذى له ذمة الله ورسوله فلا تُخفروا الله فِى ذمته اهـ وأصرح من ذلك روايةٌ أخرى ولفظها أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها وصلَّوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها[٣] اهـ

وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح الذبيحة فِى هذا الحديث بالصلاة واستقبال القبلة وجعله من ميزات الشريعة الإسلامية التِى يمتاز بها المسلم عن غيره ومن العلامات والشعائر التِى تنبئ عن كون الرجل مسلمًا والتِى يُعْصَمُ بها دمه وماله. وأيَّة شهادة أكبر من شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنَّ ذبح الحيوان بالطريق المشروع من الأمور التعبديَّة ومن شعائر الدِّين التِى تدل على إسلام من يمارسه.

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فى شرح هذا الحديث (وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر فمن أظهر شعار الدين أُجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك)[٤]. ولولا أن ذبح الحيوان خاضع لأحكام خاصَّة لجاز كل حيوان قَتَلَهُ وثَنِىٌّ أو مَجوسِىٌّ أو دَهْرِىٌّ، ولَمَا اقتصر الحِلُّ على ذبيحة مسلم أو كتابِىّ.

ومن الواضح أن الأغذية غير الحيوانية المصنوعة من النباتات وغيرها لا يُشترط فيها أن يكون صانعها مسلمًا أو كتابيًا بل يجوز تناول هذه الأغذية بقطع النظر عن ديانة صانعها فلو كان الذبح من الأمور العادية التِى لا تتقيَّد بأحكام تعبديَّة لجاز أكل لحم الحيوان بقطع النَّظر عن ديانة الذَّابح.

وهذا دليل على أن الأغذية الحيوانية لها وضعٌ خاصٌ فِى الشريعة الإسلامية ولا بد لِحِلِ تناولها أن تكون موافقة لأحكام الذبح المشروعة فى الكتاب والسنة.

ومن هنا أصبحت أحكام الصيد والذبائح من أهم أبواب الفقه الإسلامِىّ وقد بسط الفقهاء هذه الأحكام مستمدة من القرءان الكريم والسنة المطهرة وءاثار الصحابة والتابعين رضِى الله عنهم بحيث لا يخلو كتاب من كتب الفقه إلا وهو مشتمل على كتاب الصيد والذبائح، ولا نريد فى هذا البحث استقصاء هذه الأحكام ولكن الغرض بيان مبادئها الأساسية وتطبيقها على الأوضاع المعاصرة.

وقد قسمنا هذا الموضوع على فصول ءاتية

أولًاالتذكية الشرعية وشروطها.

١- طريق إزهاق الروح.

٢- ذكر اسم الله تعالى عند الذبح.

٣- كون الذابح مسلمًا أو كتابيًا.

ثانيًا حكم ما جهل ذابحه.

ثالثًاطرق الذبح المستخدمة فى المسالخ الحديثة.

رابعًاحكم اللحوم المستوردة.

ونسأل الله التوفيق للسَّداد والصَّواب والهداية إلى ما يحبه ويرضاه.

أولًا التذكية الشرعية وشروطها.

التذكية والذكاة فِى الاصطلاح الشرعِىّ عبارة عن إنهار الدم وفرى الأوداج فى المذبوح والنحر فِى المنحور والعقر فى غير المقدور عليه مقرونًا بنية القصد لله تعالى وذكره عليه[٥]. وبما أن بعض الشروط التِى ذكرت فى هذا التعريف مُخْتَلَفٌ فيها فالأحسن فى تعريف الذكاة أن يقال (إزهاق روح الحيوان بالطريق المشروع الذِى يجعل لحمه حلالًا للمسلم).

أما الشروط التِى ذكرها الفقهاء للذكاة الشرعية فإنها ترجع إلى ثلاثة عناصر الأول طريق إزهاق الروح والثانِى ذكر اسم الله والثالث أهلية الذابح. فلنتكلم على هذه العناصر الثلاثة بشىء من التفصيل والله المستعان.

١- طريقة إزهاق الروح.

إن طريقَ إزهاق الروح الذِى اعتبرته الشريعة الإسلامية كافيًا لحصول الذكاة الشرعية يختلف باختلاف أنواع الحيوان فالحيوان الذِى هو غير مقدور عليه إما لكونه وحشيًا وإما لكونه شاردًا من الحيوانات الأليفة يكفِى فيه أن يُجرح بأية ءالة جارحة تنهر الدم حتى يموت ولا يشترط له أن يُذبح أو يُنحر. وهذا النوع من الذكاة يُسَمَّى ذكاةً اضطراريةُ وهى مشروعة فى حالة الصيد ولسنا بصدد بيان أحكامها فى هذا البحث.

أما الحيوانات المقدور عليها إما لكونها أليفة أو لكونها سيطر عليها الإنسان من الحيوانات الوحشية فالواجب فيها إنهار الدم عن طريق فرِىِ الأوداج. والعمدة فِى ذلك النصوص الآتية

١-عن رافع بن خديج رضى الله عنه فى حديث طويل أن جده سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أفنذبح بالقصب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنهر الدم وذُكر اسم الله فَكُلْ[٦]اهـ وكان السؤال عن الذبحِ والذبحُ قطعُ الأوداج كما فسره عطاء فيما علق عنه البخارِىّ[٧]  فدل مجموع السؤال والجواب على أن الذكاة الشرعية تحصل بقطع الأوداج بما يُسبِّب إنهار الدم.

٢- عن ابن عباس وأبى هريرة رضى الله عنهما قالا نهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان وهى التى تُذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج تترك حتى تموت[٨] اهـ وقال ابن الأثير رحمه الله الشريطة الناقة ونحوها التِى شُرِطَتْ أى أثر فى حلقها أثر يسير كشرطة الحجام من غير قطع الأوداج ولا إجراء الدم وكان هذا من فعل الجاهلية يقطعون شيئًا يسيرًا من حلقها فيكون ذلك تذكيتها عندهم. وإنما أضافها إلى الشيطان كأن الشيطان حملهم على ذلك[٩].

٣- عن عدى بن حاتم الطائِىّ رضى عنه قال قلت يا رسول الله إنْ أحدُنا أصاب صيدًا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقَّة العصا فقال أمرر الدَّم بما شئت واذكر اسم الله عز وجل[١٠]  وأخرجه النسائِىّ ولفظه إنِّى أرسل كلبى فآخذ الصيد فلا أجد ما أذكيه به فأذبحه بالمروة والعصا قال أَنْهِرِ الدَّمَ بما شئتَ واذكر اسم الله عز وجل[١١]اهـ

وعلى أساس هذه الأحاديث وأمثالها اشترط الفقهاء لشرعية الذبح أن تقطع الأوداج. والأوداجُ جمع الوَدَج بفتحتين وهو عرق فى العنق وهما فى الأصل وَدَجَان وهما عرقان متصلان من الرأس إلى السَّحْر والجمع أوداج[١٢] ولكن توسع بعض الفقهاء فى استعمال هذه الكلمة بما يشمل الحلقوم والمرِىء.

 قال الكاسانِىّ رحمه الله تعالى (ثم الأوداج أربعةٌ الحلقوم والمريءُ والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمريء)[١٣] والحلقوم مجرَى النفس والمريءُ مجرَى الطعام والشراب.  ولا خلاف فى أن الأكمل قطع هذه الأربعة جميعًا الحلقوم والمرىءُ والودجين[١٤] ولكن اختلف الفقهاء فيما إذا قطع بعضها دون بعض على أقوال فقال الشافعِىّ رحمه الله يجب قطع الحلقوم والمريء وإن ذلك يكفِى للذكاة ولو لم يقطع من الودجين شيئًا[١٥].  واختلفت الروايات عن مالك والراجح عندهم فيما هو مذكور فى كتبهم أنه يجب قطع الحلقوم والودجين ولا يجب قطع المريء[١٦]. واختلفت الروايات كذلك عن أحمد بن حنبل رحمه الله فعنه رواية موافقة لقول الشافعِىّ ورواية أخرى أنه يجب قطع الودجين مع الحلقوم والمريء فكأنه اشترط قطع الأربعة جميعًا (٦)[١٧] وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله إذا قطع الثلاثة أية ثلاثة كانت وترك واحدًا يحل الحيوان. وقال أبو يوسف لا يحل حتى يقطع الحلقوم والمريء وأحد العرقين. وقال محمد لا يحل حتى يقطع من كلّ واحد من الأربعة أكثره[١٨].

وبالرغم من اختلاف الفقهاء فى هذه التفاصيل الجزئية فإنهم اتفقوا على أن محل الذكاة الاختيارية هو الحلق واللبة ولا بد من قطع أكثر من واحد من هذه الأربعة.

أ- آلة الذبح

واتفق الفقهاء على أنَّه يجب للذكاة الشرعية أن تكون آلة الذبح محددة تَقطع أو تخرق بحدّها لا بثقلها ولا يجب أن تكون سكينًا بل يجوز الذبح بكلّ ما له حدٌّ سواءٌ كان من الحديد أم من الحجر أم الخشب.

ووجوب كون الآلة محددة كلمة إجماع فيما بين الفقهاء المتبوعين غير أنهم اختلفوا فى السِّنِّ والظُّفر فذهب الأئمة الحجازيون إلى عدم جواز الذبح بهما سواء كانا متصلين بالجسم أو منفصلين وذلك لعموم حديث رافع بن خديج رضى الله عنه مرفوعًا ما أَنْهَرَ الدَّم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السنّ والظُّثْرَ اهـ وقد استثنى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم السن والظفر. أما أبو حنيفة رحمه الله فحمل الحديث على السن والظفر إذا كانا قائمين فِى الجسم لأن الموت حينئذ يحصل بالخنق. أما إذا كانا مقلوعين فتحصل منهما الذكاة مع الكراهة[١٩].

ب- إزهاق الروح بغير قطع الأوداج.

أما إزهاق الروح بغير فرْىِ الأوداج فلا تحصل به الذكاة الشرعية فى الحيوان المقدور عليه واتفق على ذلك الفقهاء. وقال الله سبحانه وتعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ). وقال أهل التفسير المنخنقة وهى التى تموت بالخنق إما قصدًا وإما اتفاقًا بأن تتخبل فى وثاقتها فتموت به فهِى حرام. وأما الموقوذة فهِى التِى تضرب بشىء ثقيل غير محدد حتى تموت.  وفى الصحيح أن عدىَّ بن حاتم قال قلت يا رسول الله إنِى أرمى بالمِعْرَاضِ[٢٠] الصيد فأصيب قال إذا رميت بالمعراض فخزق[٢١] فَكُلْهُ وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذٌ فلا تأكلْهُ[٢٢] اهـ  ففرق بين ما أصابه بالسهم أو بالمزراق ونحوه بحده فأحله وما أصاب بعرضه فجعله وقيذًا لم يحله وهذا مجمع عليه عند الفقهاء.

وأما المتردية فهِى التِى تقع من شاهق أو موضع عال فتموت بذلك فلا تحل.

وأما النطيحة فهِى التى ماتت بسبب نطحِ غيرِها لها فهى حرام وإن جرحها القرن وخرج منها الدم ولو من مذبحها.

وما أكل السبع أى ما عدا عليها أسدٌ أو فهدٌ أو نمرٌ أو ذئبٌ أو كلبٌ فأكل بعضها فماتت بذلك فهِى حرامٌ وإن كان قد سال منها الدم ولو من مذبحها فلا تحل بالإجماع وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة أو نحو ذلك فحرم الله ذلك على المؤمنين.

وقوله (إلا ما ذكيتم) عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد سببُ موته فأمكن تدارُكُهُ بذكاة وفيه حياةٌ مستقرةٌ وذلك إنما يعود على قوله (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع) قال على بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله (إلا ما ذكيتم) يقول إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح فكلُوه فهو ذكِىٌّ اهـ

وتبين بهذه الآية الكريمة أن الحيوان إنما يحل إذا وقع إزهاق روحه بالذكاة الشرعية ولا يحل بالخنق أو الوقذ ولا بأن يسيل دمه بأى طريق كان لأن النطيحة ربما يسيل الدم من مذابحها وكذلك ما قتله السبع ولكن صرح القرءان الكريم بحرمتهما فظهر بذلك أن الحيوان لا يحل بمجرد سيلان الدم ولو من مذابحه وإنما يجب أن يسيل الدم بطريق شرعه الله للتذكية.

٢- التسمية عند الذبح.

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجب للذكاة الشرعية أن يذكر الذابح اسم الله تعالى عند الذبح فإن ترك التسمية عمدًا فلا تحل ذبيحته عند أبى حنيفة ومالك وأحمد وجمهور الفقهاء وأما إذا نسيها فالذكاة معتبرة عند الحنفية والمالكية ولا فرق عندهم فى هذا بين الذبيحة والصيد. أما عند الحنابلة فالنسيان معفو عنه فى الذكاة الاختيارية فقط، أما فى الصيد فلا تعتبر الذكاة إذا لم يذكر الصائد اسم الله عند إرسال السهم أو الكلب سواء أتركها عمدًا أم نسيانًا[٢٣].  أما الإمام الشافعِىّ رحمه الله فالمشهور عنه أن التسمية ليست واجبة عنده وإنما هِى سنة[٢٤] فتحل الذبيحة وإن تركها الذابح عمدًا.

وقال الجصاص رحمه الله تعالى إن ترك التسمية ناسيًا لا يمنع صحة الذكاة من قِبَل أن قوله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) خطاب للعامد دون الناسِى ويدل عليه قوله تعالى فى الآية نفسها (وإنه لفسق) وليس ذلك صفة للناسِى، ولأنَّ الناسِى فى حال نسيانه غير مكلف بالتسمية وروى الأوزاعِىّ عن عطاء بن أبِى رباح عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاوز الله عن أمتِى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه اهـ وإذا لم يكن مكلًفا للتسمية فقد أوقع الذكاة على الوجه المأمور به فلا يفسده ترك التسمية وغير جائز إلزامه ذكاة أخرى لفوات ذلك منه وليس ذلك مثل نسيان تكبيرة الصلاة أو نسيان الطهارة ونحوها لأن الذِى يلزمه بعد الذكر هو فرض ءاخر ولا يجوز أن يلزمه فرض آخر فى الذكاة لفوات محلها[٢٥].

٣- شروط فى الذابح.

ومن الشروط المهمة لحصول التذكية الشرعية أن يكون الذابح مسلمًا أو كتابيًا على كونه عاقلًا مميزًا فلا تجوز ذبيحة غير أهل الكتاب من الكفار والمشركين وهذا الشرط قد اتفق عليه الفقهاء لا نعلم بينهم فى ذلك خلافًا حتى حكَى بعض العلماء الإجماع على ذلك[٢٦].

وإن معنى تحريم ذبيحتهم أن الكافر من غير أهل الكتاب وإن ذبح ذبح المسلمين فإنه لا تؤكل ذبيحته قال الجصاص رحمه الله (وقد علمنا أن المشركين وإن سَمَّوا على ذبائحهم لم تؤكل[٢٧]اهـ

ولقد شذَّ بعض المعاصرين فقصر الحرمة على ذبيحة الوثنيين من أهل العرب وأباح ذبيحة سائر الكفار غيرهم سواء أكانوا وثنيين أم ملحدين أم دوريين أم عبدة النار. وهذا قول خاطئٌ لا عهد به فى الكتاب والسنة ولا فى أقوال السلف رحمهم الله تعالى.

والواقع أن الأصل فى الحيوانات الحرمة ولا تحل إلا بما جاءت الشريعة بحله. والدليل على ذلك ما مر من حديث عدىّ بن حاتم رضى الله عنه قلت يا رسول الله إنِى أرسل كلبِى أجد معه كلبًا ءاخر لا أدرى أيهما أخذه فقال لا تأكل فإنَّما سمَّيتَ على كلبك ولم تسمِّ على غيره[٢٨]. فهذا الحديث يدل على أنه متى وقع الشك فى حصول الذكاة الشرعية حرم أكل الحيوان وهو دليل على أن الأصل فى الحيوان الحرمة فإنه لو كان الأصل الإباحة لما حرم الحيوان فى حالة الشك.

ثم إن الله سبحانه قد خص الحل بذبيحة أهل الكتاب حيث قال (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) ولو كان طعام جميع الكفار حلالًا لما خصهم بالذكر. وليس هذا استدلالًا بمفهوم اللقب كما زعمه بعض المعاصرين وإنما هو رجوع فى المسكوت عنه إلى الأصل وهو الحرمة فى الحيوان كما قدمنا.

فالصحيح الذى أجمعت عليه الأمة طوال القرون أنه لا تحل الذبيحة للمسلمين إلا إذا كان الذابح مسلمًا أو من أهل الكتاب والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى ولا يدخل المجوس فيهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عدَّ المجوس من جملة أهل الكتاب وإنما قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب يعنِى فى أخذ الجزية فتبين أنهم ليسوا من أهل الكتاب وإنما يعاملون معاملة أهل الكتاب فى قبول الجزية منهم.

وإن سيدنا عمر بن الخطاب رضِى الله عنه كان مترددًا فى أنه هل تؤخذ منهم الجزية حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف رضِى الله عنه بهذا الحديث فأخذ الجزية من المجوس. روى مالك فِى الموطأ عن محمد بن علِىّ أن عمر بن الخطاب رضِى الله عنه ذكر المجوس فقال ما لك كيف أصنع فى أمرهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب[٢٩].

واستدل الجمهور على اقتصار لقب أهل الكتاب على اليهود والنصارى بقول الله عز وجل (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ).

أ- مسألة ذبائح أهل الكتاب.

أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقد أجمعت الأمة على أن ذبيحتهم حلال وهم من أهل التذكية والدليل عليه قول الله عز وجل (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) والمراد من الطعام فِى هذه الآية الذبائح بإجماع أهل العلم.

وهل يجب لحل ذبيحة أهل الكتاب أن يذبحوا الحيوان بطريقة مشروعة للذبح من فرْىِ الأوداج بآلة محددة؟ وهل يجب أن يذكروا اسم الله تعالى عند الذبح؟

أما المسألة الأولى فالفقهاء على أن ذبيحة الكتابِىّ إنما تحل إذا ذكاها بقطع العروق اللازمة بآلة محددة وهو الحق الثابت بالأدلة الناطقة التى سنذكرها إن شاء الله تعالى وزعم بعض المعاصرين أن ذبيحة الكتابِىّ حلال بأىِّ طريق قتلها لأنه داخلٌ فى عموم قول الله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) وهذه الفتوى الشاذةُ تنابذها الأدلة الشرعية ومنها

١-إن الله سبحانه وتعالى قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) فحرم المنخنقة والموقوذة على الإطلاق فيشمل كل ما مات بالخنق والوقذ فمن يستدل بعموم قوله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)  على كون مخنوقة الكتابِى أو موقوذته حلالًا يلزمه أن يقول بحل الخنزير الذِى ذبحه كتابِىّ لأنه من جملة طعام أهل الكتاب فإن تمسك بالآية المذكورة فى حرمة لحم الخنزير فإن نفس الآية تحرم المنخنقة والموقوذة ولا سبيل إلى التفريق بينهما، فإن خصت الآية المذكورة لحم الخنزير من عموم طعام أهل الكتاب  فإنها خصت المنخنقة والموقوذة أيضًا على قدم سواء بل بالطريق الأولى لأن الخنزير حلالٌ فى دينهم والمنخنقة والموقوذة حرامٌ فى أصل دينهم.

٢-ثم قد تقرر فى أصول الفقه واللغة أنه متى ورد حكم على اسم مشتقِّ فمادةُ اشتقاقه هِى العلة لذلك الحكم مثلًا إذا قلنا أكرموا العلماء فإن حكم الإكرام ورد على العلماء الذى هو اسم مشتق فمادة اشتقاقه وهى العلم علةُ الإكرام وهذا واضح مسلمٌ.

فإذا ورد حكم الحرمة فِى آية المائدة على المنخنقة والموقوذة فإن الخنق والوقذ علة لهذا الحكم، وإن ذلك يدل على أنه متى وجد الخنق أو الوقذ ثبت حكم الحرمة ولا تأثير فى ذلك لديانة الخانق أو الواقذ فيحرم الحيوان بالخنق والوقذ سواء كان الفاعل مسلمًا أم كتابيًا.

٣-غاية ما يثبت من قول الله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) أنهم فى أمر الذبائح فى حكم المسلمين سواء بسواء لا أنهم يفوقون المسلمين حتى يحل منهم ما يحرم من المسلمين ونتيجة القول الشاذّ أن تكون للكفار مزية على المسلمين من حيث إنَّ ما يقتلونه بأىِ طريقٍ حلالٌ طيب وما يقتله المسلم بنفس الطريقة حرام، وهذه النتيجة باطلة بالبداهة.

أفتترك نصوص الكتاب والسنة والأدلة القوية التى مرت بمجرد فتوى شاذة مبنية على زعم أن المخنوقة حلال فى دين النصارى وهو خطأٌ بنصوص كتبهم.

فالحقُّ الصريح أنه لا تحل ذبيحة أهل الكتاب إلا إذا ذبحوا الحيوان بالطريق المشروع من قطع العروق وإسالة الدم ولا يحل الحيوان إذا قتلوه بخنق أو وقذ أو بأى طريق آخر غير مشروع.

وأما المسألة الثانية وهِى هل يجب لحل ذبيحة أهل الكتاب أن يذكروا اسم الله عند الذبح؟ فقد اختلف فيها الفقهاء فمنهم من قال إن التسمية شرط لذبيحة المسلم والكتابِى سواء بسواء. وهو مذهب الحنفية والحنابلة.

ومنهم من قال إنه لا يجب لحلِ ذبيحة الكتابِىّ أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح فتحل الذبيحة إذا سكت عن التسمية. أما إذا ذكر غير الله تعالى مثل اسم المسيح وغيره فلا تحل ذبيحته وهو قول المالكية والشافعية.

ج- ذبائح المادّيّين والدهريين المُتسمَّينَ باسم النصارى.

ثم إن حلة ذبائح أهل الكتاب إنما يشترط لها أن يكون الذابح على دين النصارى واليهود معتقدًا مبادئ دينهم الأساسية وإن كانت تلك المبادئ تخالف الإسلام مثل عقيدة التثليث والكفارة والإيمان بالتوراة والإنجيل المحرفتين لأن الله سبحانه وتعالى سماهم أهل الكتاب بالرغم من كونهم يعتقدون هذه العقائد الباطلة عند نزول القرءان فلا يشترط فى كون الرجل من أهل الكتاب أن يؤمن بالتوحيد الخالص كما هو عقيدة المسلمين ولا أن يؤمن بتحريف التوراة والإنجيل الموجودتين ولا أن يؤمن بنسخ شريعة موسى وشريعة عيسى عليهما الصلاة والسلام بل يكفى لذلك أن يؤمن بالعقائد الأساسية التى يؤمن بها اليهود والنصارى والتى يتميزون بها عن الملل الأخرى.

ولكن لا يكفى لاعتبار المرء من أهل الكتاب مجرد أن يكون اسمه كاسم النصارى ولا أن يعد فى عدادهم عند الإحصاءات الرسمية فحسب بل أن تكون عقائده كعقائدهم.

وقد ظهر فى زماننا ولا سيما فى البلاد الغربية عدد لا يحصى من الناس أسماؤهم كأسماء النصارى وربما يسجلون فى الإحصاءات كنصارى ولكنهم فى الواقع دهريُّون أو ماديُّون لا يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون فضلًا عن العقائد الأخرى بل يستهزؤون بالأديان كلّها وإن مثل هؤلاء من الرجال ليسوا من النصارى فلا يجوز اعتبارهم من أهل الكتاب فلا تحل ذبيحتهم.

ثانيًا حكم ما جُهِل ذابحُهُ.

إذا جُهِل الذابحُ وطريق ذبحه فإن ذلك لا يخلو من أحوالٍ آتيةٍ

١- إذا كان البلد أغلبيةُ سكانها مسلمون فما يوجد فى أسواق ذلك البلد مذبوحًا يحل أكله ولو لم نعرف الذابح بعينه أو لم نعرف هل سمَّى على الذبيحة أم لا. لأن ما وجد فى بلاد الإسلام يحمل على كونه موافقًا للأحكام الشرعية ونحن مأمورون بإحسان الظن بالمسلمين.

٢- أما إذا كان غالب أهل البلد من الكفار غير أهل الكتاب فاللحم المعروض للبيع فى السوق لا يحل للمسلمين حتى يتبين بيقين أو بالظن الغالب أن هذا اللحم بعينه ذبحه مسلم أو كتابِى بالطريق المشروع. وهذا ظاهر جدًا.

٣-وكذلك الحكم إذا كان أهل البلد مختلطين ما بين مسلم ووثنِىّ أو مجوسِىّ لأن ما وقع فيه الشك لا يحل حتى يتبين كونه حلالًا والدليل على ذلك حديث عدى بن حاتم رضى الله عنه الذى مر فيما قبل حيث حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيد الذى شارك فى اصطياده كلاب أخرى.

٤- أما إذا كان غالب أهل البلد من أهل الكتاب فالأصلُ فيه ما سبق من حكم بلاد المسلمين فإنَّ أهل الكتاب حكمهم فى أمر الذبيحة حكم المسلمين لكن إذا عرف باليقين أو بالظن الغالب أن أهل الكتاب فى ذلك البلد لا يذبحون الحيوان بالطريق المشروع فلا يحل أكل اللحم حتى يتبين أن هذا اللحم بعينه حصل بالذكاة المشروعة، وهذا هو الحال فى معظم البلاد الغربية اليوم كما سنذكره إن شاء الله تعالى.


 

ثالثًا طرقُ الذبح الآلية الحديثة.

قد سبب ازدياد العمران وكثرة متطلباتهم الغذائية أن تُستخدم الأجهزة الآلية (الأوتوماتيكية) لذبح الحيوانات أيضًا، وقد أُنشئت لذلك مجازر ومسالخ ضخمة تبلغ منتجاتها آلاف الحيوانات كل يوم فلا بد من معرفة حكمها الشرعِىّ.

وإن استخدام مثل هذه الأجهزة يختلف طريقه بالنسبة إلى نوع الحيوان فطريق الذبح فى الدجاج يختلف عن طريقه فى البقر والغنم.

١- ذبح الدجاج.

أما الطريق الذى يستخدم فى ذبح الدجاج ن الجهاز الواحد وهو كبير جدًا يتكفل جميع مراحل الذبح والإنتاج بحيث يدخل فيها الدجاج من طرفٍ واحدٍ ويخرج لحمه الصافِى مُعلبًا من الطرف الآخر. وجميع المراحل ما بين ذلك من ذبحه ونتف ريشه وإخراج أمعائه وتنظيف لحمه وتقطيعه وتعليبه تتم بواسطة الجهاز الكهربائِىّ وإن هذا الجهاز يحتوِى على قضيب حديدِىّ طويل ينصب فى عرض القاعة ما بين الجدارين وإن هذا القضيب فى أسفله علاقات كثيرة تتجه عراها إلى الأرض، فيؤتَى بمئات من الدجاج فى شواحن كبيرة ثم يعلق كل دجاج برجليه بحيث تعلق رجلاه فى عروة العلاقة وسائر جسمه معلق معكوسًا بمعنى أن حلقومه ومنقاره متجه إلى الأرض وإن هذه العلاقات تسير على القضيب مع الدجاج المعلقة حتى تأتِى إلى منطقة ينصب فيها الماء البارد من فوق فى صورة شلالة صغيرة فتمر بهذه الدجاج من خلال هذا الماء البارد. والمقصود بغمسها فى الماء تنظيفها من الأدران وفى بعض الحالات يحتوِى هذا الماء على تيار كهربائِىّ يخدر الدجاج.

ثم تأتى هذه العلاقات إلى منطقة وُضِعَ فى أسفلها سِكين دوَّار يدور بسرعة شديدة وإن هذا السكين الدوار منصوبٌ فى مكان تصل إليه أعناق الدجاج المعلقة معكوسة فحينما تأتى العلاقة فى هذه المنطقة فإنها تدور حول هذا السكين الدوار بشكل هلالِىٍ فتصل أعناق عديد من الدجاج إلى طرف هذا السكين الدوار دفعة واحدة وتمر عليه فيقطع السكين حلقوم كل واحد منها تلقائيًا ثم تتقدم العلاقات إلى الأمام وقد فرغ الجهاز من قطع حلقوم الدجاجات المعلقة فيها وبعد قليل تمر على منطقة ينصب فيها الماء من فوق مرة أخرى ولكن هذا الماء حار ومقصود المرور عليه نتف ريش الدجاج.

ثم هناك مراحل أخرى من إخراج أمعائه وتصفيته وتقطيعه فى نفس الجهاز ولكن نترك ذكرها لكونها خارجة عن عملية الذبح المقصودة بالبحث هنا، والجدير بالذكر أن هذا الجهاز الكهربائِىّ لا يزال يسير طوال النهار وأحيانًا على مدار الساعة لا يقف إلا فى حالات استثنائية.

وأما الذبح بالسكين الدوّار فإن هذا السكين يشبه الرحى وأطرافه حادة وإن هذا الرحَى لا يزال يدور بسرعة وتمر على أطرافه أعناق الدجاج من جانب الحلقوم فتقطع تلقائيًا والظاهر أنه يقطع عروق الدجاج ولكن قد يحدث أن تتحرك الدجاجة فى العلاقة لسبب من الأسباب فلا ينطبق عنق الدجاج على طرف السكين الدوار فإما أن لا يقطع عنقه بتاتًا أو يقطع جزء قليل منه بحيث يقع الشك فى قطع العروق. وقضية التسمية صعبة جدًّا فى استخدام هذا الطريق.

ويوجد عندنا بديلًا مناسبًا للسكين الدوار وهو يُلبِى حاجة الإنتاج فى نفس الوقت وذلك أن يزال السكين الدوار عن موضعه فى الجهاز ويقوم فى محله أربعة أشخاص مسلمين يتناوبون فى قطع حلقوم الدجاج مع ذكر اسم الله تعالى كلما تمر عليهم العلاقات بالدجاج.

وهذا أمر اقترحته على مذبح كبير فى جزيرة رييونين فعملوا بذلك وقد دلت التجربة على أن ذلك لم ينقص من كمية الإنتاج شيئًا وذلك لأن هؤلاء الأشخاص يقطعون حلقوم الدجاج فى نفس الوقت الذى كان السكين الدوار يقطعه.

وإضافة إلى جزيرة رييونين رأيت نفس الطريق معمولًا به فى مذبح أكبر منه بقرب من مدينة دربن فى جنوب إفريقيا وإنتاجهم اليومِى يبلغ إلى ألوف من الدجاج كل يوم وقد قبلوا هذا الاقتراح من المسلمين ويعملون به دون أية صعوبة.

وكذلك كلمت أصحاب المذبح الذى زرته فى كندا واقترحت عليهم هذا الاقتراح فأبدوا صلاحيتهم للعمل بذلك إذا طلب منهم المسلمون ولكن جمعية المسلمين التى تصدر شهادة بكون ذبائحهم حلالًا لم تقبل ذلك مع الأسف الشديد.

            ٢ - نتائج البحث فى الطريق الآلى لذبح الدجاج.

ويتحصل مما ذكرنا من الطريق الآلى لذبح الدجاج أن هذا الطريق فيه خلل من الناحية الشرعية بوجو

            1- فى بعض المذابح يغطس الدجاج قبل ذبحه فى ماء بارد فيه تيار كهربائي ويخشى منه أن يسبب موت الدجاج قبل ذبحه لأن بعض المتخصصين يرون أن هذا التيار الكهربائِى يحدث توقف القلب فى 90 % من الدجاج والله أعلم.

٢- لا يمكن مع وجود السكين الدوار أن تقع التسمية على كل دجاجة والتسمية عند تشغيل الجهاز أو من قبل شخص واقف عند السكين لا يفِى بالمتطلبات الشرعية.

وبعد النظر فِى أسباب يتبين أن تدارك هذا الخلل ليس بعسير ويمكن استخدام هذا الجهاز الآلى للذبح بعد إجراء بعض التعديلات فى طريق استخدامه وهى ما يلِى

١-عدم استخدام التَّيَّار الكهربائِى فى الماء البارد أو التأكد من أن هذا التيار لا يسبب توقف قلبه.

٢- عدم استخدام السكين الدوار وإقامة أشخاص مسلمين أو من أهل الكتاب يتناوبون فى ذبح الدجاجات التِى تمر أمامهم وذلك بأيديهم ومع تسمية الله تعالى على كل دجاجة, وقد ذكرت طريقه التفصيلي وأن ذلك معمول به فى عدة مذابح كبيرة طلب من أصحابها المسلمون ذلك, ولا يقلل ذلك من كمية الإنتاج.

٣- الذبح الصناعِىّ للأنعام.

أما ذبح الأنعام من البقر والغنم من الحيوانات الكبيرة فطريقه غير طريق الدجاج فلا يقع إزهاق الروح فيها بالسكين الآلِىّ وإنما يقع بأعمال يباشرها إنسان فمن هذه الأعمال الخنق كما هو المتبع فى الطريقة التِى تسمى الطريقة الإنكليزية ويخرق فيها الصدر بين الضلعين وينفخ فيه حتى يختنق الحيوان بضغط هواء المنفاخ على رئتيه ولا يخرج من الحيوان دم. ومن البديهِىّ أن الحيوان فى هذه الصورة داخل فى المنخنقة التى نطق بحرمتها القرءان الكريم وقد حققنا فيما سبق أن الخنق محرم للحم الحيوان سواء أصدر الخنق من مسلم أم من كتابِىّ فلا سبيل إلى حلة الحيوان المخنوق بهذه الصفة.

ولكن فى معظم المذابح اليوم يتم الذبح بأنهار الدم بقطع جانب من العنق أو بقطع الرقبة وبما أن الطرق فى جرح الحيوان متعددة فلا نجزم هل هِى تقطع الأوداج أو تقطع الحيوان من محل ءاخر ولا يحل الحيوان حتى يثبت أنه قطع من حلقه ما يجب أن يقطع شرعًا.

ولكن إذا كان الذابح مسلمًا فإنه يسع له أن يذبح الحيوان بطريقة مشروعة من فرْىِ الأوداج ولكن محل البحث فِى ذبيحة هذه المجازر أنهم يصرون على تدويخ الحيوان أو تخديره قبل أن يشرع الإنسان فى عملية الذبح، وإن هذا التدويخ فى نظرهم واجب لإراحة الحيوان عند الذبح وتخفيف ألمه. ويستعملون عدة آلات لحصر الحيوان تضمن عدم انفلاته وتقديم عنقه إلى الذابح بسهولة.

أما التدويخ فيقع بطرق مختلفة، ولعل من أكثرها استعمالًا هو التدويخ بالمسدس وهذا المسدس غير مسدس الرصاص وإنما تخرج منه عند إطلاقه إبرة أو قضيب معدنِىّ ويضعون المسدس فى وسط جبهة الحيوان فيطلقونه فتخرج هذه الإبرة أو القضيب وتثقب دماغ الحيوان فيفقد الحيوان الوعىَ فورًا وبعد ذلك يذبح.

والطريق الثانِى للتدويخ هو استعمال مطرقة ضخمة يضرب بها الحيوان على جبهته وهى مؤلمة للحيوان ولذلك تركوها فى معظم المجازر واستبدلوا بها طريق استعمال المسدس.

والطريق الثالث استعمال الغاز ويحبس فيها الحيوان فى هواء يحتوى على غاز ثانِى أكسيد الكربون بنسبة معلومة وإن هذا الغاز يؤثر على دماغه فيفقده الوعْىَ ثم يذبح الحيوان باليد.

والطريق الرابع للتدويخ استعمال الصدمة الكهربائية وتوضع فيها آلة كالملقط على صدغَىِ الحيوان ويرسل من خلاله تيار كهربائِىّ ينفذ إلى الدماغ فيفقد الحيوان الوعى بسبب هذه الصدمة الكهربائية.

والحكم الشرعى لهذا التدويخ يحتاج إلى البحث من ناحيتين

الأولى هل استخدام هذا الطريق جائز شرعًا؟

والثانية: هل تكون الذبيحة حلالًا إن ذبحها مسلم أو كتابىٌّ بالطريق المشروع بعد هذا التدويخ؟

أما كون هذه الطرق جائزة شرعًا فيتوقف الحكم فيه على أن هذا الطريق يخفف من ألم الذبح على الحيوان أم لا؟ وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحسان ذبح الحيوان والرفق به فى الحديث المعروف حيث قال إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته[٣٠] اهـ

وكان من المسلم أن الطريق الذى شرعه الإسلام من قطع عروق حلق الحيوان أحسن الطرق لإزهاق روحه وأسهلها على الحيوان، أما التدويخ ففى بعض الحالات يضر بالحيوان ويؤلمه أكثر مما يؤلمه الذبح كالضرب بالمطرقة على جبهته فلا شك فى كون هذا الطريق غير جائز فى الشريعة، أما الطرق الأخرى فلا نجزم بأنها تخفف من ألم الحيوان أو تزيد لأن إطلاق المسدس على الجبهة إنما يحصل به وقذ عنيف والصدمة الكهربائية لا تخلو من ألم وحبس الحيوان فى الغاز يؤدى إلى الضيق التنفسِىّ.

أما حكم الحيوان الذى يذبح بعد هذا التدويخ فيتوقف فيه الحكم على أن هذا التدويخ يسبب الموت أم لا؟ ويدعِى الخبراء اليوم أنه لا يسبب موت الحيوان بل يجعله فاقد الوعى ويعدم إحساسه بالألم، ولكن هذا الادعاء محل نظر أما التدويخ بالمسدس فإنه يحدث وقذًا عنيفًا فى جبهة الحيوان ودماغه ولا يبعد أن يموت به الحيوان فيصير موقوذة.

وقد شاهدت هذا الطريق للتدويخ فى مدينة ديترويت من الولايات المتحدة فرأيت أن القضيب الخارج من المسدس دخل فى دماغ البقرة بقدر طول الإصبع تقريبًا وخرج من دماغه الدم وأنهار الحيوان على الأرض فورًا وانقطعت حركات أعضائه بالكلية كأنه ميت ولكن قال لى صاحب المجزرة الأمريكِىّ إن الحيوان يبقَى بعد إطلاق المسدس حيًا لبضع دقائق ولو لم يذبح فى خلال اثنتى عشرة دقيقة فإنه يموت ولم أستطع أن أتأكد من مدى صحة ما أدعاه ولكن ما رأيته جعلنى أشك فى ادعاء أن هذا التدويخ لا يسبب موت الحيوان ولم يكن هناك ما يبعد احتمال أن يموت بعض الحيوانات على الأقل بهذه الصدمة العنيفة.

وأما الصدمة الكهربائية فقد اعترف بعض الخبراء بأنها توقف حركة القلب فى بعض الحالات وكذلك الغاز إذا تجاوز نسبة معلومة يمكن أن يسبب الموت.

وإن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة فنية عميقة من المتخصصين المسلمين الغيورين على دينهم وبما أن الموضوع خارج عن اختصاصِى فلا يسع لِى أن أبت فيه بشىء وأقترح على المجمع أن يكون لجنة من الخبراء المسلمين ليقدموا تقريرا بعد دراستهم للموضوع ولا شك أن هذه الطرق للتدويخ لو كانت مسببة للموت أو يخشَى منها الموت فلا يجوز استعمالها ولا القول بحلة الحيوان المذبوح بعد التدويخ وما دامت هذه الطرق مشكوكة فالأسلم أن يبتعد عنها ومن المعروف أن اليهود لا يقبلون أى طريق للتدويخ والمسلمون أولى منهم بالابتعاد عن الشبهات والله سبحانه وتعالى أعلم.

رابعًا حكم اللحوم المستوردة.

قد اكتظت الأسواق اليوم باللحوم المستوردة من البلاد الأجنبية من إنكلترا ومن الولايات المتحدة ومن هولندا وأستراليا والبرازيل. وقد ثبت بما سبق من الدلائل فى هذا البحث أن ذبائح أهل الكتاب إنما تحل للمسلمين إذا كانوا يراعون الشروط اللازمة للذكاة الشرعية وكان ذلك هو المعهود منهم حينما أباح القرءان الكريم ذبائحهم.

فأما اليهود فالمعروف عنهم حتى الآن أنهم يحتفظون بأحكام دينهم فى اللحوم وقد استطاعوا أن ينظموا لأنفسهم مجازر خاصة تحت رقابة علمائهم وأحبارهم وقد تميز لحمهم باسم (كوشر) وهو متوفر فى كل مكان يوجد فيه اليهود.

أما النصارى فقد خلعوا ربقة التكليف فى موضوع الذبائح إطلاقًا ولا يلتزمون اليوم بالأحكام التى هى مصرحة حتى اليوم فى كتبهم وحينئذ فلا تحل ذبيحتهم حتى يثبت أنه قد توفر فيها الشروط الشرعية. فاللحوم التى تباع فى أسواق البلاد الغربية والتِى تستورد إلى البلاد الإسلامية وجوه المنع فيها كثيرة

١-لا سبيل إلى معرفة ديانة ذابحه فإن تلك البلاد يوجد فيها وثنيون ومجوسيون ودهريون وماديون بكثرة فلا يحصل اليقين بكون الذابح من أهل الكتاب.

٢- ولو ثبت بالتحقيق أو بحكم غلبة السكان أن ذابحه نصرانِىٌّ فلا يعرف هل هو نصرانى فى الواقع أو هو مادى فى عقيدته وقد سبق أن ذكرنا أن العدد الكثير منهم لا يعتقد بوجود خالق لهذا الكون فليس هو نصرانيًا فى الواقع.

٣- ولو ثبت بالتحقيق أو على سبيل الحكم بالظاهر أنه نصرانِىّ فإن المعروف من النصارى أنهم لا يلتزمون بالطرق المشروعة للذكاة بل منهم من يهلك الدابة بالخنق ومنهم من يقتله بغير فرْىِ الأوداج ومنهم من يستعمل الطرق المشتبهة للتدويخ التى فصلناها.

٤- الثابت يقينًا أن النصارى لا يذكرون اسم الله عند الذبح والقول الراجح المنصور عند جمهور أهل العلم أن التسمية شرط لحل ذبائح أهل الكتاب أيضًا.

وعند وجود هذه الوجوه القوية للمنع لا يجوز لمسلم أن يأكل هذه اللحوم التى تباع فى أسواق البلاد الغربية حتى يتيقن فى لحم معين أنه حصل عن طريق الذكاة الشرعية. وقد ثبت بحديث عدى بن حاتم رضى الله عنه أن الأصل فى لحوم الحيوان المنع حتى يثبت خلافه ولذلك منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصيد الذى خالط فيه كلاب غير كلاب الصائد وكذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فى الصيد إن وجدته غريقًا فى الماء فلا تأكل فإنك لا تدرِى الماءُ قتله أو سهمك[٣١] اهـ  

وبهذا يثبت أنه إذا اجتمع فى حيوان وجوه مبيحة ووجوه محرمة فالترجيح للوجوه المحرمة. وهذا أيضًا يدل على أن الأصل فى اللحوم المنع حتى يثبت يقينًا أنه حلال، وهذا أصل ذكره غير واحد من الفقهاء.

وكذلك الحكم فى اللحوم المستوردة فإنها تتأتى فيها جميع الوجوه الأربعة المذكورة, أما الشهادات المكتوبة على العلب أو على الكرتونات أنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية فقد ثبت بكثير من البيانات أنها شهادات لا يوثق بها.

وقد قامت الهيئة المسماة هيئة كبار العلماء فى المملكة العربية السعودية ببعث مندوبيها إلى المجازر الأجنبية التى تصدر منها اللحوم إلى البلاد الإسلامية وقد بعث هؤلاء المندوبون بتقاريرهم لما شاهدوه فى تلك المجازر وكلها تدل على أن هذه الشهادات لا يوثق بها إطلاقًا ونذكر فيما يلى قرار هذه الهيئة

[تطبيق القواعد الشرعية على الذبائح المستوردة على ضوء ما عرف عنها من المشاهدات ونحوها.

إن مجرد البيان لطريقة الذبح الشرعية دون الحكم بها على واقع اللحوم المستوردة إلى المملكة العربية السعودية من دول أوروبا وأمريكا وغيرها لا يفيد من يتحرَى الحلال فيما يأكل ويجتهد فى اجتناب ما حرم الله عليه من ذلك إلا إذا عرف أحوال التذكية وأحوال المذكين فى تلك الشركات الغربية وغيرها التى تستورد منها اللحوم إلى المملكة وأنى له ذلك فإن السفر إلى تلك البلاد فيه كلفة لبعد الشقة فلا يتيسر إلا للنزر اليسير وأكثر من يسافر إليها يكون سفره لضرورة من علاج ونحوه أو لإشباع رغبة وحب استطلاع ولا يعنى بهذا الأمر ولا يكلف نفسه البحث عنه والوقوف على حقيقته.

ولذا كتبت الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد إلى المسؤولين عن استيراد اللحوم وغيرها من المأكولات تستفسر منها عن الواقع وتوصيها بالعناية بما تستورده من ذلك من الجهة الشرعية محافظة على الدين وعلى سلامة الرعية من تناول ما حرم الله عليهم من الأطعمة وتوفير ما تحتاج إليه الأمة مما أحل الله.

وجاء منهم إجابة مجملة لا تكفِى لإزالة الشك وطمأنينة النفس فكتبت إلى دعاتها فى أوروبا وأمريكا ليطلعوا على كيفية الذبح وديانة الذابحين هناك فأجاب منهم جماعة إجابة فى بعضها إجمال وكتب جماعة من أهل الغيرة فى المجلات عن صفة الذبح والذابحين جزى الله الجميع خيرا ولكن كل ذلك لم يستوعب الشركات التى يستورد منها المسؤولون عن ذلك فى المملكة مع ما فى بعضها من الإجمال ومع ذلك فاللجنة تعرض خلاصة ما جاءها من التقارب وما اطلعت عليه في المجلات على ما تقدم؛ من طريقة الذبح الشرعية وما صدر فى الموضوع من فتاوى كلية ليتبين الحكم على اللحوم المستوردة من تلك البلاد وعلى هذا يمكن أن يقال

أولًا بناء على ما جاء فى كتاب معالى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامِىّ إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء من أنه قد وردت إلى معاليه تقارير تفيد أن بعض الشركات الأسترالية التى تصدر اللحوم للأقطار الإسلامية وخاصة شركة الحلال الصادق والتى يملكها القاديانى حلال الصادق لا تتبع الطريقة الإسلامية فى ذبح الأبقار والأغنام والطيور ويحرم الأكل من ذبائح هذه الشركات وتجب مراعاة ما قررته الرابطة وأوصت به فى كتابها[٣٢].

ثانيًا بناء على ما جاء فى تقرير الأستاذ أحمد بن صالح محايرِى فى طريقة الذبح فى شركة برنسيسا من أن الذابح لا يدرى عنه هل هو مسلم أو كتابِى أو وثنِىّ أو ملحد، ومن الشك فى قطع الوريدين أو أحدهما، ومن أن شهادة المصدق على الشحنة لم تبن على معاينته بنفسه أو بنائبه للذبح ولا على معرفته بالذابح؛ لا يجوز الأكل من هذه الذبائح ويؤكد كون التذكية غير شرعية موافقة مدير الشركة على تعديل طريقة الذبح لتكون شرعية بشرط بيان الكمية اللازمة للجهة المستوردة أولًا[٣٣].

ثالثًا وبناء على ما جاء عنه أيضا فى طريقة ذبح الدجاج والبقر فى شركة ساديا أويسته من أن الذابح مشكوك فى ديانته هل هو كتابى أو وثنِىّ ومن أن الأبقار تصعق بكهرباء فإذا سقطت رفعت من أرجلها بآلة ثم شق جلد رقبتها بسكين ثم قطع الوريد بسكين آخر فينزل الدم بغزار لا يجوز الأكل من هذه الذبائح[٣٤].

رابعًا بناء على ما جاء فى تقرير الشيخ عبد الله الغضية عن الذبح فى لندن من أن الذابحين من الشباب المنحرف الوثنى أو الدهري ومن أن الدجاجة تخرج من الجهاز ميتة منتوفة ورأسها لم يقطع بل لم يظهر فى رقبتها أثر الذبح وإقرار إنجليزى من أهل المذبح بذلك ومن خداع القائمين على المذبح لمن أراد الاطلاع على طريقة الذبح فى المذبح الأوتوماتيكى الذى يذبح فيه للتصدير واطلاعهم على مذبح يذبح فيه قلة من المسلمين للمسلمين بالداخل وذلك مما يبعث فى النفس ريبة فى كيفية الذبح وديانة الذابح لذلك لا يجوز الأكل من هذه الذبائح[٣٥].

خامسًا بناء على ما جاء فى تقرير الأستاذ حافظ عن طريقة الذبح فى بعض الأمكنة المشهورة فى اليونان من أن ذبح الحيوان الكبير يكون بعد سقوطه من ضرب رأسه بمسدس ومن الشك فى كون الذبح حصل بعد موته من المسدس أو قبل موته؛ لا يجوز الأكل منه وهناك طريقة أخرى قال فيها صاحب التقرير: إن الذبح فيها على الطريقة الإسلامية ولم يبين كيفية الذبح ولا ديانة الذابح, كما أنه لم يبين أماكن الذبح ولا شركاته فى اليونان[٣٦].

سادسًا بناء على ما جاء فى تقرير الشيخ الأرناؤوط عن طريقة الذبح فى يوغوسلافيا من أن الذبح فى القرى وفى (سيراجيفو) على الطريقة الشرعية والذابح مسلم؛ يجوز الأكل مما ذبح فيها وبناء على ما جاء فيه عن الذبح فى غيرها من مدن يوغوسلافيا من أن الذابح قد يكون غير مسلم كتابيا أو شيوعيا ظاهرا لا فى حقيقة الأمر لا يجوز الأكل من ذبائح هذه المدن للشك فى أهلية الذابح.

سابعًا بناء على ما جاء فى تقرير الدكتور الطباع عن طريقة الذبح فى ألمانيا الغربية من أن الأبقار تضرب بمسدس فى رؤوسها أولًا ثم لا تذبح إلا بعد أن تصير ميتة لا تؤكل هذه الذبائح[٣٧].

ثامنًا بناء على ما جاء فى المقال الذى نشرته مجلة المجتمع[٣٨] عن طريقة الذبح بالدانمارك من أن الذابح إلى الشيوعيين والوثنيين أقرب منه إلى النصارى ومن أن الشركة هناك ليست عندها معلومات عن طريقة الذبح الإسلامِىّ إلا من جهة الإشاعات حتى يتأتى لها أن تراعى فى ذبحها الطريقة الإسلامية وأن تكتب على الطرود ذبح على الطريقة الإسلامية وإنما تكتب هذه الصيغة الجهة المستوردة ليصدق عليها هناك من لا يؤمن مع امتناعهم من تمكين من يريد معرفة كيفية الذبح فى الشركة المصدرة من الإطلاع على ذلك[٣٩].

وبناء على ما جاء أيضًا عن الأستاذ أحمد صالح محايرى عن محمد الأبيض المغربى الذى يعمل فى تعليب اللحوم بالدانمارك من أنهم يكتبون عليه ذبحت على الطريقة الإسلامية وهذا غير صحيح لأن قتل الحيوان يتم كهربائيًا على كل حال وبناء على هذا وذاك لا يجوز الأكل من تلك الذبائح.

مما تقدم فى بيان كيفية الذبح وديانة الذابحين يتبين أن ما ذكر فى كتب  وزارة التجارة والصناعة إلى الرئاسة لا يقوى على بعث الاطمئنان فى النفس إلى أن الذبائح المستوردة يحل الأكل منها بل يبقى الشك على الأقل يساور النفوس فى موافقة ذبحها للطريقة الإسلامية والأصل المنع وعلى هذا لابد من البحث عن طريق لحل المشكلة.


ويتلخص ذلك فيما يأتِى

ا- الإكثار من تربية الحيوانات والعناية بتنميتها واستيراد ما يحتاج إليه منها إلى المملكة حيا وتيسير أنواع العلف لها وتهيئة المكان المناسب لتربيتها وتذكيتها بالمملكة وبذل المعونة لمن يعنى بذلك من الأهالى شركات أو أفرادًا تشجيعًا له وتسهيل طرق توزيعها فى المملكة. وكذا الحال بالنسبة لإنشاء مصانع الجبن وتعليب اللحوم والزيوت والسمن وسائر الأدهان.

٢- إنشاء مجازر خاصة بالمسلمين فى البلاد التى يراد استيراد اللحوم منها إلى البلاد الإسلامية أو المملكة العربية السعودية ويراعى فى تذكية الحيوانات بها الطريقة الشرعية.

٣- اختيار عمال مسلمين أمناء عارفين بطريقة التذكية الشرعية ليقوموا بتذكية الحيوانات تذكية شرعية فى تلك الشركات بقدر ما تحتاج المملكة إلى استيراده منها.

٤- اختيار من يحصل به الكفاية من المسلمين الأمناء الخبيرين بأحكام التذكية الشرعية وأنواع الأطعمة ليشرف على تذكية الحيوانات وعلى مصانع الجبن وتعليب اللحوم ونحوها فى الشركات التى تصدر ذلك إلى المملكة العربية السعودية.

وإذا كان اليهود حريصين على أن يكون الذبح متفقا مع عقيدتهم ومبادئهم فخصصوا لذلك مجازر لهم وعمالا يذبحون لهم كما يريدون فالمسلمون أحق بذلك منهم وأولى أن يستجاب لهم لكثرة ما يستهلكون من اللحوم ومنتجات المصانع الغربية وشدة حاجة أولئك إلى تصريف ما لديهم من لحوم ومنتجات أخرى. والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم اهـ ]

إن ما نقلناه من تقارير المندوبين لهيئة كبار العلماء وتوصيات اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء يكفى لإثبات أن معظم الشهادات المكتوبة على علب اللحوم المستوردة من كونها مذكاة بالطريقة الشرعية لا يوثق بها إطلاقًا وعلى هذا فلا يجوز أكلها ما لم يثبت بطريق موثوق أنه مذبوح بالطريقة الشرعية.

خلاصة ما توصلنا إليه فى هذا البحث.

١- إن قضية الذبح ليست من القضايا العادية التى لا تتقيد بأحكام مثل طرق الطبخ وإنما هو من الأمور التعبدية التى تخضع لأحكام مشروعة فى الكتاب والسنة بل هو من شعائر الدين وعلاماته التى تميز المسلم من غيره حيث قال النبى صلى الله عليه وسلم من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذى له ذمة الله ورسول اهـ

٢- لا يحل حيوان ولو كان مأكول اللحم إلا بالتذكية الشرعية التى يشترط لها الأمور الآتية

أ- أن يقع إزهاق الروح فى الحيوانات المقدور عليها عن طريق قطع العروق فى الحلق على اختلاف الفقهاء فى تعيين القدر الأقل منها.

ب- أن يكون الذابح على كونه عاقلًا مميزًا من المسلمين أو من اليهود والنصارى.

ج- أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح, فلو تركت التسمية عمدًا فالذبيحة فى حكم الميتة على قول جماهير الفقهاء وهو القول المنصور عندنا وأما من ترك التسمية ناسيًا فإنه معذور تحل ذبيحته.

٣- ذبائح أهل الكتاب أجيزت وكانوا يتقيدون بالقيود الشرعية عند ذبحهم فكانوا يحرمون الميتة والمخنوقة والموقوذة والفريسة كما هو مذكور فى كتبهم المقدسة التى سردت نصوصها فى متن البحث وكانوا لا يذكرون عند الذبح إلا اسم الله تعالى ومن هذه الجهة اعتبرت ذبائحهم بمثابة ذبائح أهل الإسلام وأحلت لهم.

٤-وكذلك أحلت للمسلمين نساء أهل الكتاب من جهة أنهم كانوا يلتزمون فى أمر المناكحات أحكامًا تشابه الأحكام المشروعة فى الإسلام ولذلك يجب لجواز هذا النكاح شرعا أن يقع النكاح حسب الأحكام الشرعية فى الإسلام.

فكما أن قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) مقيد إجماعًا بأن يلتزم الزوجان بالأحكام الشرعية فكذلك قوله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) مقيدٌ بأن يقع الذبح بالتزام الأحكام الشرعية فإن كلا الحكمين مقرون فى نسق واحد.

٥- إن قول ابن العربِى فى حل ما خنقه أحد من أهل الكتاب قول يتعارض مع ما ذكره هو بنفسه من أن أهل الكتاب إنما تحل ذبائحهم إذا التزموا بالأحكام الشرعية فيؤخذ من قوليه المتعارضين ما هو موافق للنصوص الصريحة ولإجماع أهل العلم. ثم إن القول بالخنق مبنى على كون المخنوقة حلالًا فى دين النصارى والثابت من كتبهم خلافه فلا يعتد بهذا القول الشاذ المخالف للإجماع المنعقد قبله.

٦- الراجح عندنا أن التسمية شرط فى حلِ ذبائح أهل الكتاب كما هو شرط فى ذبائح المسلمين فإن قول الله سبحانه وتعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) يعم المسلمين وأهل الكتاب وخاصة بالنظر إلى صيغة المجهول فى قول الله تعالى (لم يذكر).

٧- المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى الذين يؤمنون بعقائدهم الأساسية وإن كانوا يؤمنون بالعقائد الباطلة من التثليث والكفارة وغيرهما أما من لا يؤمن بالله ولا يؤمن بأن ما جاء به سيدنا موسى وسيدنا عيسى حق فهو من الماديّين وليس له حكم أهل الكتاب وإن كان اسمه مسجلًا كنصرانِىّ أو يهودِىّ.

٨-  اللحم الذى جهل ذابحه فى بلاد المسلمين يحمل على كونه ذكى بالطريقة الشرعية ويحل أكله إلا إذا ثبت أن ذابحه لم يذبحه بالطريقة الشرعية, والدليل على ذلك حديث عائشة - رضى الله عنها- فى ذبائح الأعراب.

٩- وما يوجد فى أسواق أهل الكتاب يعتبر من ذبائح أهل الكتاب إلا إذا ثبت كون الذابح من غيرهم.

١٠- إن النصارى اليوم خلعوا ربقة التكليف فى قضية الذبح وتركوا أحكام دينهم فلا يلتزمون بالطرق المشروعة فلا تحل ذبائحهم اليوم إلا إذا ثبت فى لحم بعينه أنه ذكاه نصرانى بالطريق المشروع، فلا يحل اللحم الذى يباع فى أسواقهم ولا يعرف ذابحه.

١١- إن الطرق الآلية للذبح فى الدجاج عليها عدة مأخذ من الناحية الشرعية

١٢- يمكن أن نختار الطريق الآلى للذبح الشرعى بحيث

أ- يُستغنَى عن طريق استعمال التَّيَّار الكهربائِى للتخدير.

ب- يُستعاض السكين الدوار بأشخاص يقومون ويذبحون بالتسمية عند الذبح.

ج- يكون الماء الذِى تمر منه الدجاج بعد الذبح لا يبلغ إلى حد الغليان.

١٣- الطريق الآلِىّ لذبح البقر والغنم عليه مؤاخذتان

 الأولى أن الطرق التِى تستخدم للتخدير من إطلاق المسدس واستخدام الغاز من ثانِى أكسيد الكربون والصدمة الكهربائية لا يؤمن معها من موت الحيوان قبل الذبح فيجب تعديل هذه الطرق إلى ما يقع التأكد من أنها ليست مؤلمة للحيوان ومن أنها لا تسبب موته.

والمؤاخذة الثانية أن الذبح قد لا يقع من إنسان يحل ذبحُهُ عن طريق قطع العروق.  فإذا وجدت الطمأنينة بإبعاد هذين الاحتمالين جاز استخدام الطريق الآلى للذبح.

١٤- أن ما يستورد من اللحوم من البلاد غير المسلمة لا يجوز أكلها وإن كان يوجد عليها التصريح بأنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية فإنه قد ثبت أن هذه الشهادات لا يوثق بها والأصل فى أمر اللحوم المنع أى إلا ما ثبت فِى حقها استيفاؤها للشروط الشرعية.

توصيات

١- أن تُعنَى البلاد الإسلامية بالإكثار من إنتاج الثروة الحيوانية بحيث لا تحتاج إلى استيراد اللحوم من البلاد غير المسلمة.

٢- ولئن احتاجت دولة إلى استيراد اللحوم فلتحاول أن يقتصر الاستيراد من البلاد المسلمة.

٣- وإلى أن تصل البلاد الإسلامية فى إنتاجها إلى هذا المستوى فلتفرض الحكومة على شركات الاستيراد أن تبعث وفودًا من علماء الشريعة والخبراء إلى الشركات المصدرة لتطلب منها التعديل فى طريق الذبح بما يوافق أحكام الشريعة الإسلامية تعيّن فى بلدها رجالًا من ذَوِى الغيرة من المسلمين يراقبون طريق ذبحهم بصفة دائمة بطريق يوثق به ولا يصدرون شهادتهم على التذكية الشرعية إلا بعد الطمأنينة الكاملة على حصولها.

٤- أن تمنع الحكومات الإسلامية الشركات المستوردة من استيراد اللحوم من بلاد غير إسلامية ومن استخدام العبارات المجملة من كون اللحم حلالا إلا بعد إنجاز ما سبق فى الفقرة السابقة من الشروط.

٥- أن تُعقد ندوات يُدعى إليها المسؤولون من الشركات المستوردة للحوم وممثليهم فِى شتَى مناطق الوطن الإسلامِىّ لتُشرح لهم أهمية القضية وطريق التعامل المشروع والتقييد بأحكام الشريعة فِى هذا الصدد.

والله سبحانه وتعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب بحوث فِى قضايا فقهية معاصرة للشيخ محمد تقِىّ العثمانِىّ.

[٢] راجع تفسير المنار.

[٣] أخرجه البخارِىّ فِى صحيحه، باب فضل استقبال القبلة رقم ٣٩١ و٣٩٢ عن أنس بن مالك رضِى الله عنه.

[٤] فتح البارِىّ ١/٤٩٧.

[٥] تفسير القرطبِى ٦/٥١.

[٦] أخرجه البخارى فى الذبائح والصيد باب التسمية على الذبيحة رقم ٥٤٩٨.

[٧] باب النحر والذبح (رقم الباب: ٢٤) من الذبائح والصيد.

[٨] أخرجه أبو داود فى الأضاحي باب المبالغة فى الذبح وسكت عليه. وفى إسناده عمرو بن عبد الله الأسوار يقال له: عمرو بن برق؛ وذكر الحافظ فى التقريب أنه صدوق فيه لين.

[٩] جامع الأصول لابن الأثير: ٤/ ٤٨٢ رقم: ٢٥٧٤.

[١٠] أخرجه أبو داود باب الذبيحة بالمروة وسكت عليه هو والمنذري

[١١] سنن النسائي الأضاحي باب إباحة الذبح بالعود: ٧/ ٢٢٥ رقم ٤٤٠١ وفى إسناده مرى بن قطرى الكوفي؟ ذكره ابن حبان فى الثقات وقال الذهبي: لا يعرف (تهذيب التهذيب: ١٠/ ٩٩).

[١٢] لسان العرب: ٢/ ٣٩٧ تحت المادة.

[١٣] بدائع الصنائع: ٥/ ٤١.

[١٤] المغنى لابن قدامة: ١١/ ٤٥ دار الكتب العلمية بيروت.

[١٥] فتح الباري: ٩/ ٦٤١, والأم: ٢/ ٢٥٩.

[١٦] الذخيرة للقرافي: ٤/ ١٣٣.

[١٧] المغنى لابن قدامة: ١١/ ٤٤ و٤٥.

[١٨] بدائع الصنائع: ٥/ ٤١.

[١٩] راجع رد المحتار: ٥/ ٢٠٨.

[٢٠] المعراض-بكسر الميم-سهم يرمى به بلا ريش ولا نصل يمضى عرضا فيصيب بعرض العود لا بحده. لسان العرب لابن منظور: 9/ 42؛وجاء فى تاج العروس:5/50 هو من العيدان دقيق الطرفين غليظ الوسط كهيئة العود الذى يحلج به القطن فإذا رمى به الرامى ذهب مستويا ويصيب بعرضه دون حده ... وإن قرب منه الصيد أصابه بموضع النصل منه فجرحه ومنه حديث عدى بن حاتم.

[٢١] الخزق: الطعن وخزق السهم: إذا أصاب الرمية ونفذ فيها وأسال الدم راجع اللسان وتاج العروس.

[٢٢] هذا الحديث أخرجه الجماعة فى أبواب مختلفة من طرق شتى.

[٢٣] راجع بدائع الصنائع ٥/٤٦ لمذهب الحنفية، والذخيرة للقرافِى ٤/١٣٤ والصاوِى على الدردير ٢/١٧١ لمذهب المالكية والمغنِى لابن قدامة ١١/٤ لمذهب الحنابلة.

[٢٤] قليوبِى وعميرة ٤/٢٤٥.

[٢٥] أحكام القرآن للجصاص: ٣/ ٧ و ٨ طبع لاهور.

[٢٦] انظر موسوعة الإجماع لسعدى أبو جيب: ٢/ ٩١٢ و ٩٤٨ وسيأتِى الكلام على ذبيحة المجوس.

[٢٧] أحكام القرءان للجصاص ٣/٦.

[٢٨] فصل الخطاب فى إباحة ذبائح أهل الكتاب للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ص ١٩-٢٢

[٢٩] موطأ الإمام مالك كتاب الزكاة جزية أهل الكتاب.

[٣٠] أخرجه مسلم فى الصيد باب الأمر بإحسان الذبح والقتل رقم:١٩٥٥,وأخرجه أيضا الترمذى فى الديات؛ باب النهى عن المثلة, وأبو داود, والنسائي, كما فى جامع الأصول: ٤٨١/٤.

[٣١] صحيح مسلم كتاب الصيد رقم ٩٤٣ وراجع تكملة فتح الملهم: ٤٩٤/٣.

[٣٢] ص ٤٥ من الأعداد.

[٣٣] ص ٤٤ من الأعداد.

[٣٤] ص ٥٠ من الأعداد

[٣٥] ص ٥١-٥٦ من الأعداد

[٣٦] ص ٥٤ من الأعداد.

[٣٧] ٦٣- ٦٧ من الأعداد.

[٣٨] عدد ٤١٤.

[٣٩] ص ٥٠ من الأعداد.