اقتران المسلمة بغير المسلم باطل وحرام[١]

قبسات من فوائد شيخ حماه العالم المجاهد محمد الحامد الحنفِىّ
المتوفَى سنة ١٣٨٩هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى ءاله وصحبه وبعد فإن تشريعات الله الحكيمة تبنِى الأسرة بناء متينًا سليمًا من المنغصات، وخالصةً من الكدورات، ومهما روعيت هذه التشريعات كانت الحياة الهانئة وكان العيش الرغد وكان المنزل الجنة الصغرى فِى الدنيا قبل جنة الآخرة الكبرى.

أما إذا أهملت فالشقاء والتعاسة والکربات يركب بعضها بعضًا تشتعل نيرانها صباح مساء فلا يكون هناك تذوق لنعمة العائلة بمعناها الصحيح المليء بالعاطفة الغامرة التِى هِى من ءايات الله ربنا فِى خلقه قال تعالى (ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فِى ذلك الآيات لقوم يتفكرون)[٢].  ولسنا الآن فِى ذكر الأسس التِى تبنِى عليها الحياة الزوجية تفصيلًا فهذا له مقامه وقد كتب فيه الكاتبون فأجادوا وأفادوا وكشفوا عن وجوه الحكمة البارزة والمستترة فِى إرشادات ربنا الرحيم بخلقه وهو العليم الحكيم. ولكن الذِى أعرض له الآن هو أن قومًا يُعملون معاولَ الهدم فِى كيان العائلة وبنيانها الشرعِىّ الاسلامِىّ داعين إلى أن لا يكون هناك تَقَيُّدٌ بقيود الدين فِى بناء الأسرة بل إنهم على العكس من هذا يريدون أن يكون السير بالعاطفة والهوى وإن كانا خاطئين من غير إصاخة منهم ولا استماع لأحكام الشريعة لأن الإيمان قد رحل عن قلوبهم ودخلها الدَخَلُ وملأها الدَغَلُ وحكمها الفساد وليس لنا مع هؤلاء قول إلا أن يعودوا إلى الاسلام وعندئذ نملِى عليهم أحكام الله ليتقبلوها تقبُّل المؤمنين .

إن القول فِى هذه الكلمة متجه إلى القلوب المؤمنة بالله ورسوله تحذيرًا لهم مما يحلو لبعض الكاتبين أن يدعوا الناس إليه من تزويج المسلمة بغير المسلم زاعمين افتراءً وزورًا صوابَ ما يدعون إليه وأنه لا يَنبْو عن شريعة الله وقد يزخرفون كلمهم بما لا يجعله جديرًا بالقبول لدى صحيح العقول لكن الدليل الحق لا يسير فِى اتجاههم هذا والحجة القوية تطرق هذه الفكرة على أم رأسها فتدمغها ما دام الأمر مرجعه أولًا وآخرًا إلى الدين فإليكم أيها الناس ممن يدين بالإسلام نصَّ الدين فِى هذا الأمر الحيوِىّ الذِى يلامس المرء فِى أخص خاصته فِى زوجته فِى زوجها وهِى لباس له وهو لباس لها وقد قال تعالى فِى سورة الممتحنة الشريفة (يا أيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وءاتوهم ما أنفقوا ولاجناح عليكم أن تنكحوهن إذا ءاتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم)  وما من كلام بعد حكم الله الحكيم العليم اللهم إذا كان إيمان بالله وتصديق برسالته (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) والسر فِى هذا النهِى الحكيم - مع أن ربنا تبارك وتعالى أباح لنا نكاح الكتابيات اليهوديات والنصرانیات دون غيرهن- السر فِى هذا هو تسليم الأسرة من الخصام العنيف الذِى يفضِى الى شر لا حدود له. ذلك أنه لو أبيح اقتران غير المسلم بالمسلمة لتعرضت هذه للخطر الأكيد فِى دينها من حيث قوة الرجل وسلطانه عليها وهِى الضعيفة قوة ونفسًا وعقلًا فيخاف عليها منه أن يعبث بيقينها فتبدل الكفر بالايمان وتضل سواء السبيل ولا خسارة تعدل هذه الخسارة التِى تورث العذاب الخالد الأبدِىّ فِى نار جهنم. على أن إيتاءه إياها المهر يحببه إليها لأن النفوس جبلت على حبِّ من أحسن إليها وقد يحملها حبها له على اعتناق دينه فتهلك. يضاف إلى هذا أن الأولاد لأبيهم فينشأون على غير الاسلام ولا تكون تعليمات الله تعالى عاملة على مثل هذا وممهدة له سبيلًا.

على أن الاسلام عزيز يأبَى على أهله أن يكونوا أذلة ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين والزوج له على زوجته درجة وولاية لكن هذا فِى المسلمين بعضهم مع بعض أما أن يكون فِى غير المسلم على المسلم فلا. وقد حسم الله الجدال بالباطل فِى هذا الشأن بقوله الكريم (ولن يجعل الله لِلكافرين على المؤمنين سبيلا) أىْ بالولاية فلا يلِى على المسلم إلا المسلم وهذا حكم قطعِىّ فِى الاسلام حتى إن المسلمة التِى أبوها غير مسلم يلِى تزويجها من مسلم القاضِى الشرعِىُّ لا أبوها .

ثم ألستَ معِى أيها القارىء المنصف فِى أنه لو أصرت المرأة المسلمة - فيما لو أبيح اقترانها بغير المسلم – على احتفاظها بدينها ألست معِى فِى أنه لن يكون بينها وبين قرينها وفاق مطلقًا من حيث إنهما لا يلتقيان فِى تعظيم سيدنا محمد رسول الله عليه وعلى ءاله وصحبه وذريته الصلاة والسلام من حيث إنها تعتقد صدقه وصحة رسالته وتحبه أشد حب وهو يخالفها فيه ويتهمه بالكذب وحاشاه عليه وعلى ءاله الصلاة والسلام.

وكيف تواتیه فِى مطلب أو تهنأ معه فِى عيش وقد طعنها فِى أقدس مقدساتها؟! وكم تحمل من أجل هذا فِى نفسها من ءالام وحرق وحسرات قد تتصل بخصام وصدام ومن المحتمل والحالة هذه أن يجاوز النزاع سور البيت إلى أهلها فيتفاقم الشر ويحزب الأمر جل الله الحكيم فِى شرعه ولن يأذن سبحانه بازدواج يفضِى إلى عداء مستحكم وفتنة شديدة واسعة النطاق.

لكن المسلم إذا تزوج كتابية يهودية أو نصرانية فإنّه يلتقِى معها فِى تعظيم الرسولين الكريمين السيدين موسی وعيسى على نبينا وعليها أفضل الصلاة والسلام.  إننا معشر المسلمين نؤمن بهما نبيين عظيمين ومن جحد بهما أو احتقرهما فقد برئ من الاسلام، لذلك لا ترى منازعاتٍ ولا تحدث خصوماتٍ ويكون سيره معهما سليمًا والوفاق مواتيًا.

وبعد فإنّ إثارة هذا الموضوع فِى هذا الوقت بالذات بعثٌ للشر من مَكْمَنِهِ وإيقاظ للفتنة من مرقدها لأنَّ المسلمين لن يسكتوا على هذا العبث بالنكاح الشرعِىّ ونظامه السماوِىّ المقدس من حيث إنه إفساد لخصائصهم البيتية وأحوالهم الشخصية وهِى أدق إحساسة من كل ما سواها من الشؤون العلمية وهم إذا دفعوا عن مقدساتهم دفعًا معقولًا وشريفًا بما ينطق به کتاب ربهم فما من تبعة تلحقهم لا عند الله ولا فِى معقول الناس بل إن التبعات إنما تلحق الفاتحين لأبواب الشر والمثيرين لأعاصير الشغب وصدق الله تعالى فِى قوله الكريم (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فِى الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم) ومن الحق أن نقول إن العبث بمقدسات المسلمين العقيدية والعملية ظلم لهم وبَغْىٌ فِى الأرض بغير الحق .

والله تعالى أعلم.

 


[١] المرجع كتاب مجموعة رسائل العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى.

[٢]. الروم (٢١).