محق التقول فى مسألة التوسل (٢)[١]
(بيان تفاصيل الآثار المروية فى التوسل)


قبساتٌ من فوائد وكيل مشيخة الإسلام محمد زاهد الكوثرِى
المتوفى سنة ١٣٧١هـ رحمه الله تعالى


الفصل الثانِى

الحمد لله وصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين أما بعد فأتحدث الآن بإذن الله تعالى عن الأحاديث والآثار المروية فِى هذا الباب تفصيلًا لما أجملناه فِى الفصل الأول هناك بعد الإشارة إلى الآيات فِى ذلك.

فأقول سبق أن تلونا قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) احتجاجًا به على أن التوسل بالذوات والأعمال مطلوب شرعًا لشمول ابتغاء الوسيلة لهذا وذاك لا بمجرد الرأى فقط ولا بالعموم اللغوِىّ فحسب بل بما رواه ابن عبد البر فى الاستيعاب عن عمر رضِى الله عنه أنه قال بعد أن استسقى بالعباس رضِى الله عنه وسقوا هذا والله الوسيلة إلى الله عز وجل والمكان منه اهـ وزد على ذلك قول عمر أيضًا فى أنساب الزبير بن بكار على ما فِى فتح البارِى (واتخذوه  يعنِى العباس وسيلة إلى الله) اهـ ولا يتصور أن يكون هذا بمعنَى اطلبوا الدعاء منه لأن عمر طلب منه الدعاء وتقدم هو للدعاء  وبعد طلب أمير المؤمنين منه وتقدمه للدعاء إجابة لطلب عمر لا يكون قول عمر هذا إلا بمعنى (توسلوا به إلى الله) كما فعل عمر نفسه، لكن الهوَى يُعمِى ويصم.

وفى فتح البارِى (وليس فى قول عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقِىَ لهم إذ يحتمل أن يكونوا فى الحالتين طلبوا السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه وسلم. وقال ابن رشد أراد بالترجمة باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء الاستدلالَ بالطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرَى أن يقدموه للسؤال) اهـ

وكلام الحافظين يقضِى على وهم من يهم قائلًا أن التوسل به صلى الله عليه وسلم هو طلب الدعاء منه، وأين التوسل من الدعاء. نعم قد يدعو المتوَسَلُ به للمتوسِل ولكن ليس هذا مدلولًا لغويًا ولا شرعيًا للتوسل.

ويُستأنس فى التوسل به صلى الله عليه وسلم بما ذكره البغوِىّ وغيره من أهل التفسير بالرواية فى قوله تعالى (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) من أن اليهود كانوا إذا حزبهم أمر وداهمهم عدوٌ يقولون (اللهم انصرنا عليهم بالنبِى المبعوث فى ءاخر الزمان الذِى نجد صفته فى التوراة فكانوا ينصرون) اهـ واستقصاء الروايات فى ذلك فى الدر المنثور.

وتخصيص قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) بما قبل الموت تخصيص بدون حجة عن هوًى، وتركُ المطلق على إطلاقة مما اتفق عليه أهل الحق، والتقييدُ لا يكون إلا بحجةٍ ولا حجةَ هنا تُقَيِّدُ الآيةَ بل فقهاء المذاهب حتى الحنابلة على شمول الآية لما بعد الموت. والأنبياءُ أحياء فِى قبوره.

وقد ذكرنا صيغة التوسل به صلى الله عليه وسلم عند الحنابلة وقت زيارة قبره نقلًا عن كتاب التذكرة لأبِى الوفاء بن عقيل من قدماء الحنابلة فِى أواخر تكملتنا للرد على نونية ابن القيم وفيها التوسل وتلاوة تلك الآية.

ولنعد إلى الكلام فى بعض الأحاديث والأثار الواردة في التوسل تفصيلًا لما أجملناه فيما سبق.

فمنها ما أخرجه البخارِىّ فى الاستسقاء حيث قال فى صحيحه حدثنِى الحسن بن محمد قال حدثنا محمد الأنصارِىّ قال حدثنِى أبِى عبد الله بن المثنَى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن انس أن عمر بن الخطاب رضِى الله عنه كان إذا قحطوا استسقوا بالعباس بن عبد المطلب فقال (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسقنا قال فيسقون) اهـ وفيه التوسل بالذات وادعاء أن هناك مضافًا محذوفًا أى بدعاء عَمِّ نبينا تقوّل محض بدون أى حجة كما أن فرض العدول لوفاة النبِىّ صلى الله عليه و سلم  إلى العباس تقويلٌ لعمر ما لم يخطر له على بال، بل فيه جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل بل التوسل بلفظ (عمّ نبينا) توسل بقرابة العباس منه عليه الصلاة والسلام وبمنزلته لديه فيكون هذا التوسل توسلًا به صلى الله عليه وسلم أيضًا.

ولفظ (كنا) غير خاص بعهد النبِىّ صلى الله عليه وسلم بل يشمله وما بعده إلى عام الرمادة والتقييد تقييد بدون مُقَيِّدٍ.

وكان ابن عمر رضِى الله عنهما يتمثل بشعر أبِى طالب

وأبيض يستسقَى الغمام بوجهه

كما فى البخارِىّ بل وروَى استنشاد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر كما فِى فتح البارِى.  

وفى شعر حسان رضى الله عنه

فسقَى الغمام بغرة العباس

كما فِى الاستيعاب وفى كل ذلك طلب السقيا من الله بذات العباس وجاهه عند الله تعالى.

ومنها ما أخرجه البيهقِىّ وبطريقه أخرجه التقِىّ السبكِىّ فى شفاء السقام وغيره من حديث مالك الدار فِى استسقاء بلال بن الحارث المزنِىّ رضى الله عنه فى عهد عمر بالنبِىّ صلى الله عليه وسلم، ومالكُ الدارِ بالإضافة هو مالك بن عياض مولى عمر وكان خازنَهُ وقد ولاه وكلة عيال عمر ثم ولاه عثمان رضِى الله عنه القَسْمَ فَسُمِىَ مالكَ الدار كما فى طبقات ابن سعد والإصابة.  وفى معارف ابن قتيبة ومن موالِى عمر بن الخطاب مالك الدار وكان عمر ولاه دارًا وكان يقسم بين الناس فيها شيئًا اهـ

ونص الحديث (أصاب الناس قحط فى زمان عمر بن الخطاب رضِى عنه فجاء رجل إلى قبر النبِىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فِى المنام فقال ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون) الحديث. ومحل الاستشهاد طلب الاستسقاء منه صلى الله عليه وسلم فِى البرزخ ودعاؤه لربه وعلمه بسؤال من يسأل ولم ينكر صنيعه هذا أحد من الصحابة وقد أخرج هذا الحديث البخارِىّ فى تاريخه بطريق أبِى صالح ذكوان مختصرًا.  

وأخرجه ابن أبِى خيثمة من هذا الوجه مطولًا كما فِى الإصابة وأخرجه أيضًا ابن أبِى شيبة بإسناد صحيح كما نصَّ عليه ابن حجر فى الفتح (٢ – ٣٣٨) من رواية أبى صالح السمان عن مالك الدار وذكر ابن حجر أن الذِى رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزنِىّ أحد الصحابة كما روَى سيف فى الفتوح اهـ

وهذا نصٌّ على عمل الصحابة فى الاستسقاء به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته حيث لم ينكر عليه أحد منهم مع بلوغ الخبر إليهم وما يرفع إلى أمير المؤمنين يذيع ويشيع فهذا يقطع ألسنة المتقولين.

ومنها حديث عثمان بن حنيف رضِى الله عنه فى دعاء عن النبِىّ صلى الله عليه وسلم وفيه (اللهم إنّى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبِىّ الرحمة يا محمد إنِّى توجهت بك إلى ربِىّ فى حاجتِى) الحديثَ. وفيه التوسل بذات النبِىّ صلى الله عليه وسلم وبجاهه ونداءٌ له فِى غيبته. وهذا أيضًا مما يقطع ألسنة المتقولين.

وهذا الحديث أخرجه البخارِىّ فى تاريخه الكبير والترمذِىّ فى أواخر الدعوات من جامعه وابن ماجه فى صلاة الحاجة من سننه وفيه نصٌّ على صحته والنسائِىّ فى عمل اليوم والليلة وأبو نعيم فِى معرفة الصحابة والبيهقِىّ فى دلائل النبوة وغيرهم على اختلاف يسير في غير موضعِ الاستشهاد، وصححه جماعة من الحفاظ يقارب عددهم خمسة عشر حافظًا فمنهم سوى المتأخرين الترمذِىّ وابن حبان والحاكم والطبرانِى وأبو نعيم والبيهقِىّ والمنذرِىّ. وسند الترمذِىّ حدثنا محمود بن غيلان نا عثمان بن عمر نا شعبة عن أبِى جعفر عن عُمارة بالضم ابن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف ثم ساق الحديث وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبِى جعفر وهو الخُطمِىّ اهـ

وللحديث عند الطبرانِىّ طرق أخرى وغيره تنص فى صلب السند على أنه الخطمِىّ الثقة باتفاق. وسند الطبرانِى فى الحديث مسوق فى شفاء للتقىّ السبكِىّ.  ورجال سند الترمذِىّ كلهم ثقات وإنما سماه غريبًا لانفراد عثمان بن عمر عن شعبة وانفراد أبِى جعفر عن عمارة وهما ثقتان باتفاق وكم من حديث صحيح ينفرد به أحد الرواة كحديث (إنما الأعمال بالنيات) وسماه حسنًا لتعدد طرقه بعد أبِى جعفر وعثمان بن عمر.  وتسميتُهُ صحيحًا باعتبار تكامل أوصاف الصحة في رواته.

ومنها حديث عثمان بن حنيف أيضًا فِى تعليم دعاء صلاة الحاجة المذكور لرجل كانت له حاجة عند عثمان بن عفان رضِى الله عنه فدعا به فقضيت حاجته.  وموضع الاستشهاد أنَّ الصحابِىّ المذكور فهم من حديث دعاء الحاجة أنه لا يختص بزمنه صلى الله عليه وسلم وهذا توسل به ونداء بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وعملٌ مُتَوَارَثٌ بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وقد أخرج هذا الحديث الطبرانِىُّ فى الكبير وصَحَّحَهُ بعد سوقه من طرق كما ذكره أبو الحسن الهيثمِىُّ فى مجمع الزوائد وَأَقَرَّهُ عليه كما أقر المنذرِىُّ قبله فى الترغيب والترهيب وقبله أبو الحسن المقدسِىُّ وأخرجه أيضًا أبو نعيم فِى المعرفة والبيهقِىُّ من طريقين وإسنادهما صحيح أيضًا.

ومنها حديث فاطمة بنت أسد رضِى الله عنها وفيه من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم (بحق نبيك والأنبياء من قبلِى) وصححه ابن حبان والحاكم وأخرجه الطبرانِىّ فى الكبير  والأوسط بسند فيه روح بن صلاح وَثَّقَهُ ابن حبا ن والحاكم وبقية رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمِىّ فى المجمع.  وفيه توسل بذوات الأنبياء الذين انتقلوا إلى دار الآخرة.

ومنها حديث عمر رضِى الله عنه عن النبِىّ صلى الله عليه وسلم (لما اقترف ءَادَمُ الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد ألا غفرت لِى) أخرجه الحاكم فى المستدرك وقال هذا حديث صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم اهـ وساق سنده التقِىُّ السبكِىُّ فى شفاء السقام وأخرجه الطبرانِىّ فى الأوسط والصغير وفِى سندهما بعضُ مَن لا يعرفُهُ الهيثمِىُّ. وأما عبد الرحمن بن زيد فقد ضعفه مالك وتبعه ءاخَرُون إلا أنه لم يتهم بالكذب بل بالوهم. ومثله يُنتقَى بعض أحاديثه. وهذا هو الذى فعله الحاكم حيث رأى أن الخبر مما قَبلَهُ مالكٌ فيما روَى ابن حميد عنه حيث قال لأبِى جعفر المنصور (وهو وسيلتك ووسيلة أبيك ءادم عليه السلام) وبعد أن أقر الإمام مالك رضِى الله عنه بصحة الخبر واحتج به زالت تهمة الوهم وقلة الضبط عن عبد الرحمن فإنما يقتدِى من رماه بذلك بمالك فعبد الرحمن بن زيد ليس ممن يرد خبره مطلقًا. وهذا هو الإمام الشافعِىّ يستدل فى دين الله ببعض أحاديثه فِى الأم وفى مسنده فلا لوم على الحاكم فى عَدِّهِ هذا الحديث صحيحًا بل هو الصحيح إلا عند من يضيق صدره عند سماع فضائل المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وأما قول مالك لأبِى جعفر المذكور فهو ما أخرجه القاضِى عياض فى الشفاء بتعريف حقوق المصطفى بسند جيد وابن حميد فى السند هو محمد بن حميد الرازِىّ فى الراجح على خلافِ ما ظنه التقِىّ السكبِىّ لكن الرازِىّ هذا ليس حاله كما يريد أن يصوره الشمسُ بن عبد الهادِى حيث حشر قولَ جميعِ مَن تكلم فيه وأهملَ كلامَ مَنْ أثنى عليه.  وابن عبد الهادِى أحد الثلاثة الذين اتصلوا بابن تيمية وهم شبابٌ فانخدعوا به وزاغوا، يَذْكُرُ الجرح ويَغْفُلُ عن التعديل فى الأدلة التى تُساق ضد شذوذ شيخه.

ومحمد بن حميد هذا روَى عنه أبو داود والترمذِىّ وابن ماجه وأحمد بن حنبل ويحى بن معين.  قال ابن أبِى خيثمة سئل عنه أبى معين فقال ثقة لا بأس به رازِىّ كيّس اهـ وقال أحمد لا يزال بالرِىّ علم مادام محمد بن حميد اهـ وممن أثنَى عليه الصاغانِىّ والذهلِىّ.  وقال الخليلِىُّ فى الإرشاد كان حافظًا عالًما بهذا الشأن رضيه أحمد ويَحْيى وقال البخارِىّ فيه نظر اهـ وليس مثله يُتَّهَمُ فى هذا الخبر وقد مات سنة 248 عن سن عالية اهـ ويعقوب بن اسحاق لا بأس به كما ذكره الخطيب في تاريخه اهـ وأبو الحسن عبد الله بن محمد بن المنتاب من أجلّ أصحاب إسماعيل القاضِى ولاه المقتدر قضاء المدينة المنورة حوالِى سنة ثلاثمائة ولم يكن غير الثقات الأفذاذ من أهل العلم لِيُوَلَّى قضاءَ المدينة المنورة فى ذلك العهد. واسم المنتاب يهم فيه كثير. وصاحبُهُ محمد بن أحمد بن الفرج وثقه السمعانِىّ فى الأنساب عند ذكر الجزائرٍىّ وأقره ابن الأثير فى اللباب. وأبو الحسن الفهرِىُّ من الثقات الأثبات مترجم فى العبر للذهبِىّ.  وابن دلهاث من ثقاة شيوخ ابن عبد البر مترجم فى صلة ابن بشكوال وهِى مطبوعة بمدريد.

ومنها حديث أبى سعيد الخدرِىّ رضِى الله عنه فى سنن ابن ماجه فى باب المشِى إلى الصلاة (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إنِّى أسألك بحق السائلين عليك) الحديثَ. قال الشهاب البوصيرِىّ فى مصباح الزجاجة فى زوائد ابن ماجه هذا إسناد مسلسل بالضعفاء. عطية هو العوفِىّ وفضيل بن مرزوق والفضل بن الموفق هو ابن خال ابن عيينة، كلهم ضعفاء لكن رواه ابن خزيمة فى صحيحه من طريق فضيل بن مرزوق فهو صحيح عنده. والفضل بن الموفق قال أبو حاتم صالح ضعيف الحديث ولم يضعفه سواه وَجَرْحُهُ غير مفسر بل وثقه السنِىّ.

وذكره رزين، ورواه أحمد بن منيع فى مسنده ثنا يزيد ثنا فضيل بن مرزوق فذكره بإسناده ومتنه. وقال علاء الدين مغلطاى فى الأعلام شرح سنن ابن ماجه (ذكره أبو نعيم الفضل وهو ابن دكين فى كتاب الصلاة عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبِى سعيد الخدرِىّ موقوفًا) اهـ ولم ينفرد عطية عن الخدرِىّ بل تابعه أبو الصديق عنه فى رواية عبد الحكم بن ذكوان. وهو ثقة عند ابن حبان وإن أعله أبو الفرج فى علله وأخرج ابن السنِىّ فى عمل اليوم والليلة بسند فيه الوازع عن بلال وليس فيه عطيه ولا مرزوق ولا ابن الموفق (اللهم بحق السائلين عليك) وهذه الرواية تظهر أنه لم ينفرد عطية ولا ابن مرزوق ولا ابن الموفق بالنظر إلى هذه الطرق على فرض ضعف الثلاثة مع أن يزيد بن هارون شيخ أحمد بن منيع شارك ابن الموفق فى روايته عن ابن مرزوق وكذا الفضل بن دكين وابن فضيل وسليمان بن حبان وغيرهم.

وعطية جُرِحَ بالتشيع لكن حَسَّنَ له الترمذِىُّ عدة أحاديث وعن ابن معين أنه صالح وعن ابن سعد ثقة إن شاء الله، وعن ابن عدِىّ له أحاديث صالحة.  وبعد التصريح بالخدرِىّ لا يبقَى إحتمال التدليس ولا سيما مع المتابعة وابن مرزوق تَرَجَّحَ توثيقه عند مسلم فَرَوَى عنه فِى صحيحه.

على أن الحديث مروِىّ بطريق بلال رضِى الله عنه فلا تنزل درجة الحديث مهما نزلت عن درجة الاحتجاج به بل يدور أمره بين الصحة والحسن لكثرة المتابعات الشواهد كما أشرنا إليها.

وقد حسن هذا الحديث الحافظان العراقِى فى تخريج أحاديث الإحياء وابن حجر فى أمالِى الأذكار. وفِى الحديث التوسل بعامة المسلمين وخاصتهم وإدخال الباء فِى أحد مفعولِى السؤال إنما هو فِى السؤال الإستعلامِىّ كقوله تعالى (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) و(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) وأما السؤال الإستعطائِىّ فلا تدخل الباء فيه أصلًا إلا على المتوسَّلِ به فدونك الأدعيةَ المأثورة فتصوُّرُ إدخالِها هنا فِى المفعول الثانى إخراج للكلام عن سننه بهوًى وصيحةُ باطل تمجها الأسماع.

وليس معنى الحق الإجابة، بل ما يستحقه السائلون المتضرعون فضلًا من الله سبحانه. فيكون عَدُّ (بحق السائلين) سؤالًا لهذا الداعِى هذيانًا محضًا ولا سيما عند ملاحظة ما عطف عليه فى الحديث.

وأما زعم أنه ليس فى سياق الحديث ما يصلح أن يكون سؤالًا غير ذلك فمما يثير الضحك الشديد والهزء المديد فأين ذهب من هذا الزاعم (أن تعيذنِى من النار) وكم يُكَرَّرُ الفعل للتوكيد فالسؤال فى الفعل الآخر هو السؤال فى الفعلين المتقدمين بل لو لم تكن تلك الأفعال من باب التوكيد لدخلتْ فى باب التنازع فيكون هذا القيد معتبرًا فى الجميع على كل تقدير.

وأما من يحاول رد التوسل بتصور دخوله فِى الحلف بغير الله فإنما حاول الرد على المصطفى صلوات الله عليه لأنه هو الذِى علم صيغ التوسل وفيها التوسل بالأشخاص وأين التوسل من الحلف.

انتهى. والله أعلم.


[١] المرجع كتاب محق التقول فِى مسألة التوسل لوكيل مشيخة الإسلام محمد زاهد الكوثرِى رحمه الله.