الأرض هل هى ساكنة أو متحركة (١) [١]

قبسات من فوائد الشيخ محمد بن يوسف الكافى

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وءاله وصحبه وسلم وبعد فإنّ عقيدة المسلمين الذين لم تشرب قلوبهم حب أهل الكفر أنَّ الأرض ساكنة وثابتة لا تتحرك ومرساة بالجبال كإرساء البيت بالأوتاد وكإرساء السفن فى مرساها لربطها بالحبال فى الأوتاد أو إنزال المخاطيف الهائلة من الحديد فتنزل فى الأرض فتكون لها كالأوتاد للبيت أو يجعل فيها الأجرام الثقيلة لتثقل بها حتى لا تميد فى مرساها أى لا تتحرك يمينًا ولا شمالًا ولا أمامًا ولا خلفًا وهذا هو الذى أراده الله تعالى بإرساء الأرض بالجبال بحيث لا تتحرك أصلًا أى لا حركةً منتظمةً ولا غيرَ منتظمة.

قال الله تعالى ممتنا على عباده (وجعلنا فى الأرضِ رواسِىَ أن تميدَ بهم) ومعلوم أن القرآن نزل بلسان العرب وأن من أخرج مفرداته وجمله عما يقتضيه لسانهم فقد ألحد فى ءايات ربه تعالى.

وفى مختار الصحاح ماد تحرك ومادت الأغصان تمايلت وماد الرجل تحرك وفى القاموس ماد يميد ميدًا وميدانًا تحرك وزاغ وزكا، والسراب اضطرب، والرجل تبختر اهـ

وفى المختار ماج البحر من باب قال اضطربت أمواجه. فى القاموس الموج اضطراب أمواج البحر. فى القاموس واضطرب تحرك وماج. فى المختار رسا الشىء ثبت وبابه عدا ومرسى أيضًا بفتح الميم ورست السفينة وقفت فى الأبحار وبابه عدا وسما اهـ قلتُ قال الأزهرى فى نَجَرَ الأنْجَرُ مرساة السفينة وهو اسم عراقى وقوله تعالى (بسمِ الله مجراها ومرسيها) سبق فى جرى والمرساة التى ترسى بها السفن تسميه الفرس لَنْكَرَ والرَّواسِى من الجبال الثوابت الرواسخ واحدتها راسية فى القاموس رسا رَسْوًا ورُسُوًا ثبت كأرسى والسفينة وقفت على الأنجر وأرسَيْتُهُ. وقال والمرساة أنجر السفينة وقال وألقت السحاب مراسيها استقرت وقال وقدورٍ راسية لا تبرح مكانها لعظمها اهـ

وقال تعالى (ألم نجعل الأرض مهادًا والجبال أوتادًا) فى القاموس الوَتِدُ مأرز فى الأرض أو الحائط من الخشب وقال وأوتاد الأرض جبالها اهـ

فالسفينة إما جارية وإما راسية ولا واسطة بين الحالتين لها وأخرج ابن جرير عن الضحّاك فى تفسير قوله تعالى (وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسيها) الآية قال كان إذا أراد أن ترسى قال بسم الله فأرست وإذا أراد أن تجرى قال بسم الله فجرت اهـ وفى الدر المنثور فى تفسير قوله تعالى (يوم تمور السماء مورًا) أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله تعالى (يوم تمور السماء مورًا) قال تحرك. وأخرج ابن أبى جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله (يوم تمور السماء مورًا) قال تدور دورًا اهـ وفى الدر المنثور على قوله تعالى (وألقى فى الأرض رواسى) أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال إن الله لما خلق الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هذه بمقر أحد على ظهرها فأصبحت صبحًا وفيها رواسيها فلم يدروا من أين خلقت اهـ محل الحاجة. وفيه أيضًا وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله تعالى فى سورة لقمان (وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم) قال حتى لا تميد بكم كانوا على الأرض تمور بهم لا يستقر بها فأصبحوا صبحًا وقد جعل الله الجبال وهى الرواسى أوتادًا فى الأرض اهـ فى تفسير ابن عباس رضى الله عنهما فى سورة والنازعات (والجبال أرسيها) أوتدها وفيه أيضًا فى سورة النبإ (والجبال أوتادًا) لها لكى لا تميد بهم وفيه أيضًا فى سورة النحل على قوله تعالى (وألقى فى الأرض وراسى) الجبال الثوابت (أن تميد) لكى لا تميد (بكم) الأرض اهـ والعرب لا تفهم من الأوتاد إلا ثبوت ما ربط بها ولا من الإرساء إلا ثبوت المرسى بها.

قال أبو السعود على قوله تعالى (وجعل فيها رواسى) أى جبالًا ثوابت فى أحيازها من الرسو وهو ثبات الأجسام الثقيلة اهـ وقال فى قوله تعالى (وألقى فى الأرض رواسى) أى جبالًا ثوابت (أن تميد بكم) كراهة أن تميد بكم وتضطرب أو لئلا تميد بكم فإن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة الطبع وكان من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالأفلاك أو تتحرك بأدنى سبب مُحَرِّكٍ فلما خُلقت الجبال تفاوتت حافاتها وتوجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد وقيل لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هى بمقر أحد على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال اهـ

قال الإمام الرازى على قوله تعالى (وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم) أى جبالًا راسية أن تميد بكم أى كراهة أن تميد بكم وقيل المعنى أن لا تميد بكم واعلم أن الأرض ثباتها بسبب ثقلها وإلا كانت تزول عن موضعها بسبب الماء والرياح ولو خلقها مثل الرمل لما كانت تثبت الزراعة كما ترى الأرض الرملية ينتقل الرمل الذى فيها من موضع إلى موضع ثم قال تعالى (وبث فيها من كل دابة) أى فلكون الأرض فيها مصلحة حركة الدواب فأسكنا الأرض وحركنا الدواب ولو كانت الأرض متزلزلة وبعض الأرض لا يناسب بعض الحيوانات لكانت الدابة التى لا تعيش فى موضع تقع فى ذلك الموضع فيكون فيه هلاك الدواب أما إذا كانت الأرض ساكنة والحيوانات متحركة تتحرك فى المواضع التى تناسبها وترعى فيها وتعيش فيها فلا اهـ وقال رحمه الله تعالى فى سورة الأنبياء المسئلة الثانية الرواسى الجبال والراسى هو الداخل فى الأرض المسألة الثالثة قال ابن عباس رضى الله عنهما إن الأرض بسطت على الماء فكانت تتكفأ بأهلها كما تتكفأ السفينة لأنها بسطت على الماء فأرساها الله بالجبال الثقال اهـ

قال مفتى الثقلين فى سورة النبأ (وجعل الجبال أوتادا) لها أرساها بها كما يرسَى البيت بالأوتاد اهـ وقال فى سورة والنازعات والجبال منصوب بمضمر يفسره أرسيها أى أثبتها وأثبت بها الأرض أن تميد بأهلها وهذا تحقيق للحق وتنبيه على أن الرسو المنسوب إليها فى مواضع كثيرة من التنزيل بالتعبير عنها بالرواسى ليس من مقتضيات ذواتها بل هو بإرسائه عز وجل ولولاه ما ثبتت فى أنفسها فضلًا عن إثباتها الأرض اهـ

قال الإمام البيضاوى فى سورة الرعد (وهو الذى مد الأرض) بسطها طولًا وعرضًا تثبت فيها الأقدام وينقلب عليها الحيوان (وجعل فيها رواسى) جبالًا ثوابت من رسا الشىء إذا ثبت جمع راسية وقال فى سورة النحل (وألقى فى الأرض رواسى) جبالًا رواسِىَ (أن تميد بكم) كراهة أن تميد بكم وتضطرب وذلك لأن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع وكان من حقها أن تتحرك بأدنى سبب للتحريك فلما خلقت الجبال على وجهها تفاوتت جوانبها وتوجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد التى تمنعها عن الحركة وقيل لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هى بمقر أحد على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال اهـ فمن قال واعتقد أنها متحركة وسائرة بانتظام تقليدًا لداروين ولمن كان على مذهبه وتاركًا لعقيدة المسلمين واستمر مصممًا على ذلك بعد أن سمع الآيات وفهمها على وجهها يكفر لتكذيبه الله تعالى فى خبره (والجبال أرسيها) (والجبال أوتادا). انتهى الله وتعالى أعلم.

 


[١] المرجع كتاب المسائل الكافية فى بيان وجوب صدق خبر رب البرية للشيخ محمد بن يوسف الكافىّ.