الإحسان إلى الخدم[١]

قَبَساتٌ من فوائد عالم مكة وشيخها
السيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ
المتوفى سنة ١٣٩١هـ رحمه الله تعالى

عن المعرور بن سويد قال رأيت أبا ذر الغِفارِىّ رضِىَ الله عنه وعليه حُلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال إنِى سَابَبْتُ رجلًا فشكانِى إلى النبِىّ صلى الله عليه وسلم فقال النبِى صلى الله عليه وسلم (أَعَيَّرْتَهُ بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية ثم قال إن إخوانكم خَوَلُكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمْهُ مما يأكلُ وليلبسْهُ مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم) رواه البخاري ومسلم.

المعرور بن سويد لقِى أبا ذر بالرَّبَذَة موضع بالبادية بينه وبين المدينة ثلاث مراحل وعليه حلة وعلى خادمه مثلها فسأله كيف يلبس خادمه مثل ما يلبس وذلك غير معهود فأجابه ببيان السبب وأنه حصل بينه وبين شخص سباب ومشاتمة وأنه عيَّره بأمه وعابه به وقال له يا ابن الأعجمية أو يا ابن السوداء أو ما شاكل ذلك من الكلمات فشكاه إلى النبِى صلى الله عليه وسلم فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم أعيرته بأمه. منكرًا عليه ذلك  إذ الأم لا دخل لها في الخصام ولا تزر وازرة وزر أخرى وقال له إنك امرؤ فيك جاهلية أى خصلة من خصالها التِى قضَى عليها الإسلام أن تعتدِى في الخصام فتجاوز الخصم إلى أبيه وأمه وما لهما من ذنب إليك ثم أوصاه هذه الوصية القيمة التِى رفعت من شأن الخدم فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخدم والمماليك المسلمين إخوان في الدين وتثبت حقوقهم في الإنسانية وكان الظاهر أن يقول خَوَلُكم إخوانكم، ولكن قدم ما أَصْلُهُ التأخيرُ اهتمامًا بالأخوة وأنه لا ينبغِى أن تنسيها الخدمة وهل الخدمة إلا إعانة فكيف نجعلها سبب تحقير وإهانة.

إن الأخوة وحدها داعية التبجيل والإكرام فكيف إذا انضمت إليها الخدمة والمعونة والمساعدة. إن كنت تحسب أنك تطعم الخادم وتسقيه وتكسوه وتؤويه أو تنقذه أجرًا على خدمته فلا تنسَ أنه يقوم لك بأمور أنت مضطر إليها في حياتك وكثيرًا ما تعجز عن معالجتها والقيام بها فهو يكمل نقصك ويوفر عليك وقتك ويحقق غرضك، وَتَصَوَّرِ الوقتِ الذي تفقد فيه الخادم كيف تعتل أمورك ويقف دولابك ويختل النظام وتتعسر الحاجات، فالذِى يكفيك شئونك ويحقق مصالحك جدير بمعونتك خليق برعايتك فهؤلاء الخدم الاخوان جعلهم الله تحت يدك ومكنك منهم بالملك أو الأَجر وصاروا مسخرين لك طواعية واختيارًا، فالمطلوب منك الاعتناء بهم والإحسان إليهم فتطعمهم من جنس ما تُطْعَم فلا تعِدَّ لهم طعامًا ولا عيشًا دون عيشك وكيف تشترِى طعامًا يطهوه الخادم ويعده وعينه إليه ناظرة ويده فيه عاملة فتأكله كله ولا تبقِى له بعضه أما تخشى سُمَّ عينيه. فإن كان طبيخك لحمًا وأرزًا وخضارًا وحلوى فأبْقِ له من كُلٍّ ولا تحرمه من بعض، وخل عنك الكبر  والتعاظم فلولا هذا الخادم ما طعمت الشهِى ولا شربت الهَنِىء وكذلك تلبسهم مما تلبس وإن لم يكن مثيله من كل الوجوه فإن المدار على المواساة لا المساواة وفي حديث أبِى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه وَلِىَ علاجه) رواه البخاري.

فالغرض أن تكون نفوسهم قانعة وبحالهم راضية وقد نبأنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا نكلفهم من الأعمال ما يهد من قوتهم ويستفرغ جهدهم ولا يطيقونه بل التكليف بالمستطاع الذِى يطيقه الخادم فإن كلفناهم بخلاف ذلك فعلينا أن نعنيهم بنفوسنا أو بخدم إلى خدمنا والحديث إعانة للعمال وأخذ بيد الخدم والغلمان ورفع لمستواهم وتنبيه لهم إلى حقوقهم قبل ساداتهم وإرشاد لأرباب البيوت أن يقفوا منهم موقف العدالة ولا يتناسوا رابطة الأخوة ولا تبادل المنافع وفيه النهِى عن السِباب للخدم وعدم التعرض لآبائهم وأمهاتهم بما يسوؤهم أو يحط من قدرهم. وبعد فهذه عدالة الإسلام وهذا موقفُهُ من نحو الأرقاء والخدم وهذا حرصه على مصلحة العمال فهل بعد هذا رُقِىُّ دينٍ فِى إكرامِ المماليك والخدم.


] المرجع كتاب نفحات الإسلام من محاضرات البلد الحرام للسيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ رحمه الله تعالى.