من أعلام الفكر الإسلامِىّ الإمام أبو الحسن الأشعرِىّ[١]

قبسات من فوائد الشيخ معوض عوض إبراهيم الأزهرِىّ حفظه الله

الإمام أبو الحسن الأشعرِىّ هو أحد أعمدة الإسلام الذين عاشوا للعقيدة، يذُبُّون عنها الأفكار المنحرفة عن صحيح الدين ودعا الناس إلى أن يكونوا مع الإسلام قَلْبًا وقالِبًا، والإسلام الذِى هو عقيدة وعبادة وسلوك أحوج ما يكون إلى من يذُودُون عن حياضه ويرُدُّون عنه قالةَ السوء.  والإمام أبو الحسن الأشعرِىّ قلَّ أن نجد له فى تاريخ البشرية مثالًا فلا ريب ولا عجب أن يتبنَى الأزهر الشريف طريقته ووسطيته التِى تبعها السواد الأعظم من الأمة المحمدية، ولَمَّا استقر الأمر لصلاح الدين الأيوبِىّ بمصر أمر ببناء العديد من المدارس العلمية التِى أراد من خلالها إحياء عقيدة أهل السنة والجماعة مرة أخرى بعد أن حاول الفاطميون طمسها، فتمَّ تدريس العقيدة مرة مذهب الإمام أبى الحسن الأشعرِىّ وتمَّ تدريس الفقه على مذاهب الأئمة المتبوعين رضِى الله عنهم كالإمام أبِى حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعِىّ والإمام أحمد وقد ذكر الإمام السيوطِىّ رحمه الله مدَى عناية صلاح الدين الأيوبِىّ بنشر عقيدة الإمام أبِى الحسن الأشعرِىّ رضى الله عنه قائلًا كان السلطان صلاح الدين الأيوبِىّ رحمه الله كما وصفه أصحاب التراجم شافعى المذهب أشعرِىّ الاعتقاد وقد كان له اعتناء خاص بنشر عقيدة الإمام الأشعرِىّ رحمه الله وقد أمر السلطان صلاح الدين الأيوبِىّ المؤذنين فى وقت التسبيح أن يعلنوا بذكر العقيدة الأشعرية فوظَّف المؤذنين على ذكرها كل ليلة.  وقد كان السلطان صلاح الدين رضى الله عنه حافظًا للقرءان وحافظًا لكتاب التنبيه فى الفقه الشافعِىّ وحافظًا لديوان الحماسة. وكان دينًا ورعًا غازيًا مجاهدًا تقيًّا.  ولما كان للسلطان صلاح الدين رضى الله عنه هذا الاهتمام بعقيدة الإمام الأشعرِىّ ألّف الشيخ النحوِىّ محمد بن هبة هذه الرسالة وأسماها حدائق الفصول وجواهر الأصول وأهداها للسلطان فأقبل عليها وأمر بتعليمها حتى للصبيان فى الكُتاب وصارت تسمَّى فيما بعد بالعقيدة الصلاحية نسبة إلى السلطان صلاح الدين الأيوبِىّ رضى الله عنه اهــ[٢]

وقد تبنَّى الأزهر الشريف بعد ذلك منهجه وطريقته فى إقالة العثرات ودفع الشبهات ومثاله ووسطيته التِى نرَى من خلالها نور الإسلام وجلال الإيمان، والإمام أبو الحسن الأشعرِىّ هو الإمام الذِى يندر وجوده فى عصور متعددة عصرًا وراء عصر وحاجتنا إلى أمثاله اليوم كحاجتنا إلى أمثاله بالأمس.

ويؤكد لنا هذا المعنَى الإمام تاج الدين السبكِىّ رحمه الله فى كتابه القيِّم طبقات الشافعية وهو يتكلم عن الإمام الأشعرِىّ فيقول الشيخ أبو الحسن الأشعرِىّ البصرِىّ شيخ طريقة أهل السنة والجماعة وإمام المتكلمين وناصر سنة سيدة المرسلين والذابّ عن الدين والساعِى فى حفظ عقائد المسلمين سعيًا يبقَى أثره إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين، إمام حبر، وتقِىّ برّ، حمَى جناب الشرع من الحديث المُفترَى وقام فى نصره ملة الإسلام فنصرها نصرًا مؤزرًا.

بهمة فى الثريا إثْر أخمصها           وعزمة ليس من عاداتها السام

وما برح يدلج ويسير وينهض بساعد التشمير حتى نقَّى الصدور من الشبه كما ينقَّى الثوب الأبيض من الدنس ووقَى بأنوار اليقين من الوقوع فى ورطات ما التبس وقال فلم يترك مقالًا لقائل وأزاح الأباطيل والحقُّ يدفع ترهات الباطل.  ويقول فى موضع ءاخر من نفس الكتاب واعلم أنا لو أردنا استيعاب مناقب الشيخ لضاقت بنا الأوراق وكلَّت الأقلام ومن أراد معرفة قدره وأن يمتلئ قلبه من حبه فعليه بكتاب تبين كذب المفترِىّ فيما نُسب إلى الإمام أبى الحسن الأشعرِىّ الذِى صنفه الحافظ ابن عساكر وهو من أجل الكتب وأعظمها فائدة وأحسنها فيقال كل سُنِى لا يكون عنده كتاب التبيين لابن عساكر فليس من أمر نفسه على بصيرة اهـ

ومن أنفس ما قيل فى هذا المعنى ما قاله الإمام العلامة محمد زاهد الكوثرِىّ فى مقدمته المضيئة لكتاب التبيين لابن عساكر قال رحمه الله

وأحسن من قام بترجمة الإمام الأشعرِىّ وتاريخ حياته العلمية وبيان سيرته فى الدفاع عن السنة وردَّ ما اختلقه خصومه عليه مع ذكر تراجم مشاهير الأشاعرة الذين طبق ذكرهم الأرض من قرون متطاولة على طبقاتهم هو الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر الدمشقِىّ فى كتابه تبيين كذب المفترِىّ فيما نسب إلى الإمام أبى الحسن الأشعرِىّ فله على الأشاعرة أكبر منَّة بذلك ولا يزال العلماء من سالف الدهر يشكرون له هذا العمل وشهرة كتابه تُغْنِى عن كل وصف اهـ

ذلكم هو الإمام أبو الحسن الأشعرِىّ الذِى قيضه الله سبحانه وتعالى للدفاع عن الإسلام والإسلام الذِى هو عقيدة وسلوك أحوج ما يكون إلى من يذودون عن حياضه ويردون عنه قالة السوء.

أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يُقيض للإسلام اليوم من يَحمون حماه ويردون عنه أذَى كل مَنْ ءَاذاه، والإسلام وإن كان هو الحق الذِى لا ريب فيه ولا اختلاف عليه أحوج ما يكون أن تجد الذين رضوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا يذبون عن حياضه بالحكمة والموعظة الحسنة، كما أسأله للأزهر الشريف بقاء ونموًا وارتفاعًا وسدادًا ما دامت السماوات والأرض اللهم توفنِى مسلمًا وألحقنِى بالصالحين.

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع مجلة الأزهر الشريف شوال ١٤٣٨هـ الجزء ١٠ السنة ٩٠.

[٢] الوسائل فى مسامة الأوائل للحافظ جلال الدين السيوطِىّ.