الإنجاب[١] الاصطناعىّ فى ميزان الشرع[٢]

قبسات من فوائد عالم فاس
الشيخ الفقية الأصولِىّ محمد بن محمد التاويل
المتوفى سنة ١٤٣٦هـ رحمه الله تعالى

قال الشيخ محمد تاويل

الأستاذ الدكتور أمل العلمِى السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد

فقد تأملت أسئلتكم المتعلقة بالإنجاب الاصطناعى التى طلبتم منى إبداء رأيى المتواضع فيها وفق الشريعة الإسلامية والذى ألخصه لكم فى أربعة مجاراة لسؤالكم

  • المحور الأول فى الأجنة والتصرف فيها وتجميدها.
  • المحور الثانى فى أبناك النطف والبويضات والتبرع بها.
  • المحور الثالث فى اللقاح فى الزجاجة.
  • المحور الرابع فى الأرحام المضيفة.

وقد تناولتُ فِى كل محور من هذه المحاور جانبين من جوانبها

  1. الأول حكم الإقدام على هذه العمليات ابتداء.
  2. الثانى حكم الأولاد الناشئين عن هذه العمليات

وقد بذلتُ جهدِى للوصول إلى موقف يتفق مع الشريعة الإسلامية ولا يتعارض مع مبدإٍ من مبادئها فإن أصبت فالحمد لله وإن أخطأت فالله يغفر لى وهو الغفور الرحيم.

المحور الأول الأجنة. التبرعُ بها والتصرف فيها وتجميدها.

بالنسبة لموضوع التبرع بالأجنة وإجراء التجارب عليها واستعمالها فى الفحوصات الطبية فإن ذلك كُلَّهُ مخالف للشريعة الإسلامية التى تحرم كشف العورات والنظر إليها ومسها وتحرم الاستمناء وبذل البويضات النسوية وانتهاك الحرمات وإفساد النطف وإتلاف العلقة وتسد الذرائع إلى الحرام وتمنع العلاجات المحرمة وبالوسائل المحرمة وهذه العمليات لا تخلو من هذه المحرمات كلها أو بعضها والُمؤَدِّى إلى الحرام حرام.

ويبقى حكم تجميد الأجنة الملقحة من نطفة الزوج وبويضة زوجته والاحتفاظ بها بقصد استعمالها عند الحاجة إليها مستقبلا إذا رغب الزوجان فى الإنجاب مرة أخرى خلال حياتها الزوجية وخافا طروء العقم لهما أو لأحدهما.

هذه العملية قد يقول البعض إنها مشروعة لما تحققه من مصلحة الزوجين فى الإنجاب ومسايرتها لمقاصد الشريعة فى التناسل والتوالد قد يرى البعض هذا ويقول بجواز ذلك إلا أنى أراها بعكس ذلك فهى عملية محفوفة بكثير من المحظورات من بينها

أ-كشف العورات أمام الأجانب لغير ضرورة شرعية.

ب-تمكينهم من النظر إليها ومسها بطريقة منافية للأخلاق

ج-الاستمناء

د-بذل البويضات النسائية

ويضاف إلى ذلك

١. احتمال اختلاط تلك الأجنة بأجنة أخرى لغير الزوجين خاصَّةً وأن مدة الحفظ قد تدوم سنوات والمشرفون على ذلك غير أمناء ولا عدول فى أكثر الحالات إن لم يكن فى كلها فلا يقبل قولهم.

٢. احتمال استعمالها أو استعمال الزائد على الحاجة فى توليد الأجنبيات بها فى حال استغناء الزوجين عنها ولا تُتلف.

٣. احتمال الإصابة بسرطان المبيض والثدى بوتيرة أكبر كما تقول بعض الدراسات فى الموضوع

٤. هزالة النتائج المحصل عليها حيث تبلغ نسبة الفشل تسعين فى المائة مقابل عشرة فى المائة التى هى نسبة النجاح.

٥. ارتفاع التكاليف الباهظة المقدرة بالملايين.

كل هذه الاعتبارات تحمل على الاعتقاد بأن هذه العملية غير مشروعة وترجّح منعها انطلاقًا من القواعد الأصولية والفقهية التالية:

- قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

- قاعدة الحظر مقدم على الإباحة.

- قاعدة المصالح المرجوحة لا يُعتد بها ولا يعلل بها.

- قاعدة الغاية لا تبرر الوسيلة .

- قاعدة تحريم العلاج بالحرام.

-قاعدة لا ضرر ولا ضرار .

- قاعدة لا يجوز ارتكاب محرم لفعل مندوب أو مباح .                                

هذا عن الإقدام على العملية ويبقى نَسَبُ الولد الناشئ عن هذه العملية فقد يرى البعض أيضا أنه يلحق الزوجين لأنه من خليتيهما وولد على فراشها أخذًا بحديث الولد للفراش.

لكن المنصوص عليه للشافعية أن الزوجة إذا استدخلت مَنِىَّ زوجها غير المحترم لا يترتب عليه أثرٌ ولا يُلْحَقُ به الولد المتخلق منه ولا يثبت نسبه له وذكروا لذلك صورتين من بينهما إذا أنزل من زنا فاستدخلت زوجته وإذا استمنى بيد مَنْ يَرَى حرمته واستدخلته زوجته[٣].

ولا شك أن تجميدَ المنّىِ وزَرْعَهُ يمران عبر الاستمناء وبذل البويضات أولًا ثم التجميد ثانيًا ثم الزرع ثالثًا وكلها أعمال محرمة والحرام لا يترتب عليه أثره.

والخلاصة أن الإقدام على هذا العمل لا يجوز ابتداء والولد لا يلحق بالزوج لفساد النطفة فإن الإسلام كما حرم الزنا حرم الاستمناء فلا يلحق الولد المتخلق من الاستمناء بصاحب المنى كما لا يلحق المتخلق من ماء الزنا بالزانى بنص الحديث (وللعاهر الحجر) اهـ

المحور الثانى فى أَبْنَاِك النُّطَفِ والبويضات والتبرع بها

بالنسبة لما يعرف بالتبرع بالمنىّ والتبرع بالبويضات والتبرع بالأجنة كل ذلك حرام مخالف للشريعة الإسلامية التى تحرم الزنا والمساحقة والاستمناء واستخراج البويضات النسائية واستدخال منىّ الأجنبىّ فى فرج أجنبية أو بويضة أجنبية فِى الرحم.

وتحتم الشريعة على أُولِى الأمر التدخل لمنع ذلك وحماية المسلمين من مفاسده ومعاقبة الممارسين له من الرجال والنساء والأزواج والساهرين على ذلك والعاملين فيه والمتجرين بذلك والمبشرين له والداعين له وخاصَّةً الذين يحاولون تضليل العامة وتلبيس الأمر عليهم وترويجهم للدعاية القائلة بأن التبرع بذلك عملٌ إنسانىٌّ مثل التبرع بالدم بينما هو عمل شيطانىٌّ يختلف تمامًا عن التبرع بالدم لأن التبرع بالدم لا يُؤَدِّى إلى اختلاط الأنساب ويساهم فى إنفاذ حياة موجودة ويمكن الحصول عليه بدون ارتكاب المحرمات بينما التبرع بهذه الأشياء يمر بسلسلة من المحرمات التى سبقت الإشارة إليها ويُؤَدِّى إلى اختلاط الأنساب ولا يتوقف عليه إنفاذ نفس فاستحلالُ ذلك ردة أو قريب منها[٤] يستحق القائل بذلك أشد العقوبات.

هذا حكم الإقدام على هذه الفواحش ويبقى حكم الأولاد المتخلقين من ذلك نتناوله فى ثلاث نقط:

أولًا الأولاد المتخلقون من المنىّ المتبرع وهؤلاء يلحقون بأمهم التى حملت بهم ولا يلحقون بصاحب النطفة كان معلومًا أو مجهولًا لعموم حديث (وللعاهر الحجر) وهذا نوعٌ من العهارة ولكن هل يُلحقون بزوج مَنْ حملتهم إذا كان لها زوج هناك احتمالان

فيحتمل أن يقال بلحوقهم به ويؤيد هذا الاحتمال

١. عموم حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وهذا قد ولد على فراش الزوج من زوجته فيلحق به.

٢. القياس على الزوجة الزانية إذا حملت من ذلك الزنا فإن الولد يلحق بزوجها إلا أن ينفيه بلعان وأقصى ما يمكن ان يقال فى هذه الحالة أن استدخال المنى الأجنبى فى فرج أجنبية يشبه الزنا وإذا كان الزنا الصريح لا أثر له فِى نَفْىِ الولد عن الزوج فكذلك ما هنا.

٣. ما قاله المالكية من أن اتفاق الزوجين على أن الولد من غير الزوج لا ينفيه ولا يُصَدَّقانِ فِى ذلك وقد قضى بذلك عثمان رضوان الله عليه فى امرأة اعترفت هى وزوجها بأن الولد من الزنا فَحَدَّهُما وألحق بهما الولد وكذلك فعل عمر رضى الله عنه وهو الموافق لقول الحنفية بلحوق الولد بالزوج بمجرد العقد وإن استحال وطؤه لزوجته كما أنه الموافق لقول الشافعية فى العقيم أنه لا يعتمد على علمه بعقمه فى نَفْىِ الولد إلا أن يخبره معصوم بعقمه فيعتمد على خبره وهو ظاهر إطلاقات المالكية.

وقد نصوا فيمن جلست على منى أجنبى فحملت منه على أن الولد يلحق بالزوج إن كان لها زوج وربما يقول قائل لا فرق بين ما جلست عليه وما أدخلته بفعلها أو فعل غيرها برضاها. هذا عن احتمال لحوقهم بالزوج.

وأما احتمال نفيهم عنه واعتبارهم أبناء زنى فيدل له:

١. القياس على ما نص عليه المالكية فى الخَصِىّ والمجبوب من أنه يُرجع لأهل المعرفة بشأن الولادة فإن قالوا لا يولد لمثله لا يلحق به الولد ولا يصح استلحاقه له لأن العادة تكذبه وإن قالوا يولد لمثله أو شكوا فى ذلك لحق به الولد ولا ينتفى عنه إلا بلعان فالجارى على هذا أنه يرجع لقول الأطباء الموثوق بعلمهم وأمانتهم فإن قالوا لا يولد لهذا الرجل لعقمه المقطوع به قبل الحمل لا يلحق به هذا الولد ولا يصح استلحاقه له وإن شكوا فى ذلك أو تناقضوا لحق به الولد لوجود الفراش واحتمال الحمل منه.

٢. قياس استحالة الحمل من العقيم على استحالة الوطء فى من تزوج وطلق فى المجلس قبل افتراقها وفى مسألة المشرقىّ يتزوج المغربية ويقيم كلٌّ منهما ببلد فإذا حملت لم يلحق به الولد لاستحالة الوطء وتعذره فكذلك يقال هنا لا يلحق به لاستحالة الحمل منه قياسًا على استحالة الوطء لاشتراكهما فى انتفاء سبب الحمل.

٣. القاعدة الأصولية والفقهية القائلة بوجوب المعاملة بنقيض المقصود الفاسد فالزوج يريد الحصول على الولد بطريق غير شرعى فيعاقب بحرمانه منه كما يحرم القاتل عمدًا من الميراث والوصية.

ولعل هذا هو الأولى والأنسب للحد من هذه الظاهرة الفاسدة المفسدة للأخلاق والأنساب التى جاءت الشريعة لحمايتها والمحافظة عليها.

ومن الممكن التوفيق بين الأدلة المختلفة بحمل الأحاديث السابقة على الزوج الذى يمكن الحمل منه عادة فهو الذى يُلْحَقُ به الولد لاحتمال كونه منه مع وجود الفراش بخلاف الزوج المقطوع بعقمه فلا تتناوله تلك الأحاديث ويستثنى منها بطريق القياس ولا مانع من تخصيص النص بالقياس.

ثانيًا الأولاد المتخلقون من البويضة المتبرع بها على المرأة العقيم لتلقح بمنى زوجها ثم تزرع فى رحم الزوجة بعد ذلك.

الأظهر فى هؤلاء الأطفال أنهم لا يلحقون بزوجِ مَنْ ولدتهم رغم ولادتهم من منيه وعلى فراشه لسبب واضح وهو أن نطفة الزوج لقحت ببويضة أجنبية قبل استقرارها فى رحم زوجته وذلك بمنزلة الحمل من الزنا لا يُلحق بصاحب المنى وهو المتعين.

ويؤيد هذا ما سبق عن الشافعية فيمن استمنى وأدخلت زوجته منيه فى فرجها فإنَّ الولد لا يلحقه وهذا نوع منه أو أشده لأنه استمنى وخلط منه ببويضة أجنبية فإذا لم يلحقوا بالزوج فى صورة الاستمناء وحده لم يلحقوا فى هذه بالأحرى.

فنلخص أن التبرع بالمنىّ والبويضة لا يجوز وأن الأولاد المتخلقين من ذلك أبناءُ زنا لا يُلْحَقُونَ بالزوج وكذلك الأبناء المتخلقون من الجنين المتبرع به لا يلحق بصاحب المنىّ ولا بزوج المتبرع عليها بالجنين.

المحور الثالث اللقاح فى الزجاجة

اللقاح فى الزجاجة لا يختلف حكمه عن حكم تجميد الأجنة المشار إليه سابقًا وهو المنع ابتداءً للأسباب السابقة، لكن هناك من أفتىى بجواز ذلك للضرورة والمصلحة وهِى فتوى تبدو لى متسرعة قابلة للمناقشة تجاهلت ما يكتنف هذه العملية من محظورات وما ينشأ عنها من مضاعفات وما يواكبها من إخفاقات وما تكلفه من نفقات فهى تمر عبر سلسلة من المحرمات كشف العورة والنظر إليها وتمكين الأجنبى من مسها والاستمناء واستخراج بويضات المرأة والتخدير وهى محرمات بالنص ونسبة النجاح فيها لا تتجاوز ٩% واحتمال الإصابة ببعض أنواع السرطان قوىٌّ جدًا بالإضافة إلى أن تأثيرات العلاجات المستعملة فى ذلك غير معروفة ولا مضمونة وتكاليف العملية الناجحة تقدر بملايين خيالية.

أما الاعتماد على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات وقاعدة مراعاة المصالح لتجويز ذلك فإنه لا يخلو من ضعف فالضرورة بمفهومها الشرعىّ وشروطها المعتبرة فيها غير متوفرة هنا لأن اللقاح فى الزجاجة غير ضرورىّ ولا يتوقف عليه حفظ نفس ولا دين ولا غيرها من الضروريات الخمس.

كما أن المصلحة المنتظرة منه غير عامة وموهومةٌ بسبب ارتفاع نسبة الفشل إلى ٩١% كما هى مُعَارَضَةٌ بالمفاسد التى تلازمها والتى سبقت الإشارة إليها فلا يصح الاعتماد عليها فى تبرير ذلك مع مخالفتها للقواعد الأصولية والفقهية التى سبق التنبيه عليها فى الحديث عن تجميد الأجنة.

هذا عن حكم الإقدام على اللقاح ابتداءً ويبقى حكم الأطفال المتخلقين من اللقاح الذى يتم بين منىّ الزوج وبويضة زوجته ثم يُعاد زرعه فى رحمها فالذين أجازوا هذه العملية ألحقوا الأولاد بالزوجين لولادتهم على فراشهما ومن خلاياهما لكن ما سبق نقله عن الشافعية فيمن استمنى وأدخلت زوجته منيه فى فرجها وحملت منه يَقْتَضِى خلاف ذلك وأن الأولاد لا يلحقون بالزوج لأنهم متخلقون من منى غير محترم فلا يلحقون به كأبناء الزنا.

قال ابن العربى النسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى على وجه الشرع فإن كان بمعصية كان خلقًا مُطلقًا وليس نسبًا محققًا ولا شك أن التلقيح فِى الزجاجة تسبقه عملية استمناء واستخراج البويضات يعقبها التلقيح والزوع فالولد متكون من منى غير محترم فلا يلحق بصاحبه.

وهو قول ينبغِى اعتماده وعدم تجاوزه لمقاومة هذه الظاهرة والحد من انتشارها ووضع حد لهذه التجارب المكلفة وغير الأخلاقية فى الوقت الذِى يُسمح فيه بالإجهاض ويُشَجَّعُ على استعمال وسائل منع الحمل، إنها مفارقة غريبة يقوم بها أناس فِى هذا العالم يقتلون الموجود ويبحثون عن وجود المفقود.

المحور الرابع الأرحام المضيفة

بالنسبة لهذا الأسلوب هناك طريقتان

الأولى تقوم على تبرع امرأة أجنبية ببويضتها ورحمها لفائدة امرأة عقيم فتسمح بتلقيح بويضتها بمنىّ زوج المرأة العقيم ثم يُعاد إلى رحم المانحة للبويضة فتحمل به إلى أن تضعه فتسلمه إلى الزوجين ليكونَ ابنًا لهما.

وهى عملية لا يجوز الإقدام عليها ابتداء لما فيها من تلقيح بويضة امرأة أجنبية بمنىّ رجل أجنبى عنها وإدخاله فى فرجها وهو شبيه الزنا بالإضافة إلى مرور العملية بسلسلة من المحرمات المشار إليها سابقا من كشف العورة والنظر إليها ومسها والاستمناء والاستباضة أى انتزاع البويضات لمصلحة موهومة وغير محققة لكثرة الفشل فيها.

وإذا تمت العملية ونجحت ونتج عنها ولدٌ فلمن يكون؟ لا شك أن الزوجة العقيم لا صلة لها به فهى لم تحمل به ولم يلقح من بويضتها ولذلك لا يلحق بها قطعًا. وأما زوجها فإنه وإن كان تخلق من منيه فإنه لا يلحق به لأنه بمنزلة الزنا وفى الحديث (وللعاهر الحجر) اهـ

وهكذا يتبين أن هذين الزوجين الراغِبَيْنِ فى الولد لم يستفيدا من هذه العملية إلا الحرمان وتبذير المال وارتكام الآثام واستحقاق التعزير لهما ولمن ساعدهما على ذلك من مضيفة وتقنيين لأنهم جميعًا تعاونوا على الإثم والمعصية.

ويبقى البحث فى لحوقه بالمضيفة وزوجها إن كان لها زوج.

أما لحوقه بالمضيفة صاحبة البويضة وأمه الطبيعية فيبدو أنه طبيعىٌّ لأنه من مائها وهى التى حملت به فهى أمه طبعًا وشرعًا.

لكن إذا راعينا ما قاله الشافعية فى الولد المتخلق من الاستمناء أنه لا يلحق بالزوج يمكن أن يقال أيضا فى هذا الولد الذِى استُخْرِجَتْ بويضة أمه بطريق محرم ثم أُعيدت لها بعد تلقيحها أنه ولد لا يلحق بصاحبة البويضة فلا يكون لهذا الولد أمٌّ أصلًا وهو أمرٌ غيرُ معهود فى الشريعة الإسلامية ويُؤَدِّى إلى ضياعه فالمناسبُ إلحاقه بها مراعاة للظاهر.

وأما زوج المضيفة فإنه يُلْحَقُ به إلا أن ينفيه بلعان لأنه ولد على فراشه و(الولد للفراش وللعاهر الحجر).

وقد نص المالكية كما سبق على لحوق الولد بزوجِ مَنْ جلستْ على منىِّ أجنبىٍّ وحملت منه ولا فرق بين دخوله بغير فعلها ودخوله بفعلها أو فعل غيرها برضاها فهى فى كل الحالات حملت من منىِّ رجل غير زوج لها إلا أنه فى هذه الحالة يجب على زوج المضيفة نَفْىُ هذا الولد عنه إذا توفرت شروط اللعان ولا يحل له السكوت على ذلك لئلا يلحق بنسبه من ليس منه. وإذا كانت المضيفة لا زوج لها فهو ابن زنا.

والخلاصة أن العملية محرمة وأن والولد لا يُلحق بالزوجين الراغبين فى الولد وأنه يُلحق بالمضيفة وزوجها إن كان لها زوج إلا أن ينفيه بلعان وإن لم يكن لها زوج فهو ابن زنا لا يلحق بأحد ولا يستلحقه أحد لأنه مقطوع النسب.

الحالة الثانية من حالتى الضيافة.

تعتمد هذه العملية على تلقيح منىّ الزوج وبويضة زوجته الشرعية ثم يزرع اللقاح فى رحم امرأة تتبرع برحمها أو تؤجره للزوجين فإذا وضعت الولد سلمته لأبويه الطبيعين بصفته ابنًا لهما.

وهى عملية مثلُ الأولى لا يجوز الإقدام عليها ابتداءً لنفس الأسباب والعلل السابقة.

ويبقى البحث أيضًا فِى الولد بمن يلحق بأبويه الطبيعيين أو بالمضيفة وزوجها لقد أفتى بعض الفقهاء بلحوقه بالزوجين صَاحِبَىِ المَنِّىِ والبويضة لأنهما أبواه الطبيعيان واعتبر المرأة المضيفة كالمرضعة وقاسها عليها فى الجواز والنتيجة لكنها فتوًى مدخولةٌ

أولًا هى مخالفة لعموم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وهذا الولد وُلِدَ على فراش زوج المضيفة فالقياسُ إلحاقه به مبدئيًا لظاهر الحديث إلا أنه يجب عليه نفيه بلعانٍ لئلا يلحق بنسبه من ليس منه.

وثانيًا هى مخالفة لما سبق عن الشافعية فيمن استمنى فأدخلت زوجته مَنِيَّهُ فِى فرجها أن الولد لا يلحق بالزوج لأنه تخلق من مَنِىٍّ غير محترم عند خروجه.

وإذا لم يلحق الولد بصاحب المنىِّ غير المحترم إذا استدخلته زوجتُهُ فكيف يُلحق إذا لقح واستدخلته أجنبية فى رحمها فإنَّ هذا أولى بالنَّفْىِ لأنه شبيه بالزنا وقريب منه وإن لم يسم باسمه لأن العبرة بالمعانى لا بالألفاظ والأسماء.

وثالثًا هى مخالفة لظاهر قوله تعالى (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِى وَلَدْنَهُمْ) فإن ظاهر هذه الآية يقتضى لحوق هذا الولد بالمضيفة لأنها التِى ولدتْهُ وفِى رحمها تربى وإن كانت البويضة لغيرها لأن وجودها فى رحم المضيفة غيرُ شرعىٍّ فلا يُعتد به كما لا يُعْتَدُّ بنطفة الزانى إذا وضعها فى رحم المَزْنِىِّ بها ولا يلحقه الولد المتخلق من مائه، والبويضةُ من المرأة مثلُ المنىِّ من الرجل لا ينبغِى الاعتداد بها إذا وُضعت فى غير موضعها الشرعىِّ والإسلام كما حرم الزنا حرم المساحقة فكما لا يلحق ولد الزنا بالزانى لا يلحق ولد البويضة بصاحبتها.

والخلاصة أن هذه العملية لا يجوز الإقدام عليها ولا يُلحق الولد منها بأبويه الطبيعيين ويجب على زوج المضيفة نفيه عنه باللعان ولا يجوز له السكوت عنه وإن لم يكن لها زوج فهو ابن زنا يلحق بالمضيفة.

وخلاصة هذه المسألة

أولًا أن التبرع بالمنى والبويضة لا يجوز وأن الأولاد المتخلفين من ذلك أبناء غير شرعيين.

ثانيًا أن اللقاح فِى الزجاجة لا يجوز وينبغِى أن لا يلحق الأولاد بالزوجين على الصواب.

ثالثًا أن تجميد الأجنة لاستعمالها مستقبلًا لا يجوز والولد لا يُلحق بالزوج.

التبرع بالرحم عمل غير مشروع والولد لا يُلحق بالزوجين المُتَبَرَّعِ لهما بالرحم والبويضة ويُلْحَقُ بالمضيفة صاحبة البويضة وبزوجها مبدئيا ولكنه يجب عليه نفيه بلعان لأنه ليس منه وإن ولد على فراشه.

خامسًا فى حالة التبرع بالرحم وحده لاستقبال لقاح زوجين لا يلحق الولد بالزوجين الأبوين الطبيعيين له ويجب على زوج المضيفة إن كان لها زوج أن ينفيه بلعان.

فالعمليات الخمسُ أو الستُّ كلُّها لا يجوز الإقدام عليها ولا يُلحق الأولاد فيها بأحد إمّا ابتداءً فى بعضها أو بعد اللعانِ الواجب فى البقية.

والله تعالى أعلم.

 


[١] قوله (الإنجاب) كان الأولى لغةً أن يقال الاستيلاد لأن الإنجاب هو ولادة الولد النجيب بالخصوص لا أىَّ ولد. المنتصر بالله.

[٢]المرجع كتاب شذرات الذهب فى ما جد فى قضايا النكاح والطلاق والنسب للشيخ الفقيه الأصولِىّ محمد التاويل رحمه الله تعالى.

[٣] فعند الشافعية إذا استمنى بيد الحليلة فاستدخلته ترتب عليه الأثر ونسب الولد إليه.

[٤] قوله (أو قريب منها) يريد رحمه الله فى حال كان القائل بذلك قريب عهد بإسلام جاهلًا أو نحوه. المنتصر بالله.