التحذير من المدارس الأجنبية[١]

قَبَساتٌ من أنوار عالم مكة وشيخها
السيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ
المتوفى سنة ١٣٩١هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه. أيها السادة لقد شاع في البلاد الإسلامية الآن التساهل في أمر عظيم أدى إلى فتنة كبرى وعاقبة وخيمة تلك هي إدخال بعض المسلمين أولادهم في مدارس الأجانب ممن عرفوا بالعدواة لدين الإسلام وتربص الدوائر بأهله.

أليس الإسلام في  هذه المدارس دارس والتبشير فيها بما يكذبه منتشر يَسْرِى في الأولاد سريان النار في الهشيم أو سريان سُمِّ الأفاعِى في جسم السليم فيصبح الولد متأثرًا بما يُلْقَى إليه من عقائد الكفر بعيدًا عن هدِى الإسلام متهيئًا لقبول ما يلقى إليه فلا يقبل إذا نشأ أى نصيحة أو توجيه بل يكون زنديقًا ملحدًا وعدوًا للدين مفسدًا، وأولياء الأمور مسئولون بين يدِى الله تعالى عن أطفالهم أفلاذ أكبادهم وثمرات قلوبهم، وهم صغار في أجسامهم وعقولـِهِمْ وأمانات تحت رعاية الآباء قد ولدوا على الفطرة، فليَتَّقِ اللهَ هؤلاء الأولياء وليحذروا سخط الله بإلقاء أولادهم في أحضان أعدائهم.

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)

نظرة واحدة إلى برامج الدراسة في هذه المدارس الأجنبية تكفِى العاقل للبعد عن هذا الخطر الداهم والتيار الجارف، إن الطبع سَرَّاق، وكل قرين بالمقارن يقتدِى، فكيف بهذا الناشِئ الصغير يعيش بين قوم كافرين أو فاسقين، يحضر حفلاتهم، ومجامع لهوهم وأعيادهم، فتبَّصر أيُّها الوالد أرشدك الله كيف يتلقَى الولد توجيهات أساتذته وأقرانه مما ينافِى تعاليم الإسلام، حتى يصير إباحيًا، تاركًا للصلاة، محبًا للضَّلال، مستهزئًا بأبويه وعشيرته وعاداتهم، وما الدين إلا الحب والبغض[٢] (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).

أيها الوالد المتبصر لا تغتر بالبنايات الفخمة، والأزياء الجميلة والأنظمة البراقة، والدعايات الواسعة، فإنها وسيلة لإبعاد ولدك عن مستوَى دينك الحنيف وأخلاقك العربية النبوية فعليك بتربية ولدك أولًا تربية صالحة حقة، وإذا ما قويت عقيدته، وصفت سريرته، فلا تخف بعد ذلك عليه من كيد الغاشين، وإغراء المفسدين، فبعد القوة والاستعداد لا يُخشَى عليه الفساد.

أجل إن فساد أبناء المسلمين باسم الثقاقة الغربية هو أكبر سلاح ماضٍ هدامٍ في يد أعدائنا لينشأ النشئُ الجديد من أبنائنا اللاجئين إليهم وقد فقد عزته وقوميته وعروبته وعَادَى دينه وسيرة الآباء والأمجاد من السلف الصالح، كل ذلك جاء من طريق الثقاقة وباسم التعليم في مدارسهم، والأولياء غافلون عما يحاك لهم ولأبنائهم في معترك الظلام، مغترون بالدعاية والنظام ودعوى التربية وانسجام الهندام، فما أشأم تلك الشهادة التي يحملها الولد إذا رجع لوطنه وأهله يحتقر كل شىء فيه وفيهم ويعادِى كل وضع إسلامِىٍ لأنه ألف طريقًا جديدًا لا فرق فيه بين ذكر وأنثى ولا بين مسلم وكافر، والذنب في هذا ذنب الأب الغِّر المسكين، الذي ألقَى ولده في أحضان أعدائه الذين غَذَّوهُ بلِبانِ تضليلاتهم وتركه ليعودوه دينهم وسيرتهم والأمر كما قال  الشاعر

ويَنشَأُ ناشِئُ الفتيانِ مِنَّا             على ما كان عَودَّهُ أبوه

قل لِى أيها العاقل بربك هل يكون الطفل الذِى نشأ بين جُدران هذه المدارس إلا جنديًا من جنود الفساد. فما أجهل من يضيع مستقبل ولده ويهدم دينه بيده.

أيرجو الأب من ولده هذا أن يكون غنيًا عظيم الجاه رفيع المكانة، لقد نسِىَ أو تناسَى أنه قد صار بعيدًا عن الدِّين أفقر ما يكون خلقًا ودينًا وعملًا، فمن يتق اللهَ يرزقه من حيثُ لا يحتسب وما عندكم ينفد وما عند الله باق، هذا كله مع تقدير الحاجة إلى المدارس الأجنبية، فكيف والحمد لله وفي بلاد المسلمين مدارس دينية عالية ثقافتها راقية يعلم فيها أساتذة أشرق عليهم نور الإيمان والخوف من الله عز وجل وعلماء أكفاءٌ مبرزون في العلوم[٣].

أيها المسلمون إذا بقينا على هذه الحال نخشَى أن ينزل بنا عذاب أليم ويحل بنا سخط من الله رب العالمين (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

وأعداؤنا يريدون لنا المصائب ويخدعوننا باسم التعليم لبَثِّ روح المروق من الإسلام في أبنائنا، وصدق الله حيث يقول (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ).

أسأل الله تعالى أن يصلح فساد قلوبنا وأن يحفظ أبناءنا ويوفقنا لحراسة ديننا وحفظ عقائدنا، وصلى الله على سيدنا محمد وءاله وصحبه وسلم.


[١] المرجع كتاب نفحات الإسلام من محاضرات البلد الحرام للسيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ رحمه الله تعالى.

[٢] يعنِى رحمه الله تعالى أن الدّين هو محبة الله تعالى المحبة اللائقة به ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم على وجه الكمال بما يقتضِيه ذلك من اتباع ما أمر به الله ورسوله وبعض من عادَى الله ورسوله ونبذ ما خالف أوامرهما.

[٣] هذه المدارس وإن قلت في أيامنا فإنه كلما زاد الإقبال عليها كلما قويت وانتشرت.  ولا يَعنِى الشيخ رحمه الله المدارس التي تُسمى إسلامية بينما هي تتبَع مناهج فاسدة ويعلم فيها كل من يحمل شهادة بَرًّا كان أو فاجرًا.