الحكمة الإلهية فى تفضيل الذكر على الأنثى[١]

قبساتٌ من فوائد عالم فاس
الشيخ الفقية الأصولِىّ محمد بن محمد التاويل
المتوفى سنة ١٤٣٦هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله وسلم على النبِىّ الأمِىّ وعلى ءَالِهِ وصحبه أما بعد فإنَّ نظام الإرث فى الإسلام تشريعٌ ربانِىٌّ إلهِىٌّ وبما أنّه فَضَّلَ بعض القرابة على بعض وورث بعضهم دون بعض فإن ذلك قد يثير بعض التساؤلات عن السر والحكمة فى ذلك وحذرًا من انزلاق بعض الناس عن الصراط السوِىّ وأن يظنوا بالله ظنّ السَوء نَبَّهَ اللهُ تعالى فى ءَايَاتِ المواريث على وَصْفِ نفسه بالحكمة والعلم المحيط بكل شىء فى الحاضر والمستقبل وأكد ذلك أكثر من مرة فقال تعالى (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) وقال (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) وفى قراءة (عليم حكيم) وقال فى ءاية الكلالة (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وقال (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) كلُّ هذا التكرار وهذا التأكيد والتذكير بحكمته تعالى وعلمه ليعلم الجميع أن هذا التفاوتَ فى الإرث وتفضيلَ البعض على البعض هو العدلُ كلُّ العدلِ لا ظلمَ فيه ولا حيفَ وهو الحقُّ الواضحُ المبين لا خطأَ فيه ولا غلطَ ولا ضلالَ ولا باطلَ.

أولًا لأنه تفضيلٌ من الله العليم بمصالح العباد ومنافعهم الحكيم فى تصرفاته وأفعاله وأحكامه التِى من بينها تفضيل الذكر على الأنثى فى الإرث.

وثانيًا لأنه توزيعٌ من المالك الحقيقِىّ للتركة وهو اللهُ الذِى له ملك السموات والأرض وما بينهما المالُ مالُهُ يُعْطِى من يشاء ويحرمُ من يشاء أو يُؤْثِرُ البعضَ على البعض يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يُسْأَلُ عما يفعل وهم يسألون وعلى الجميع أن يقولوا سمعنا وأطعنا كما أمرهم الله ولا يقولوا سمعنا وعصينا كما قالت اليهود.

ولكن هذا لا يمنع من البحث عن سر هذا التفاوت وهذا التفضيل للذكر على الأنثى لإسكات خُصُوم الإسلام وقَطْعِ ألسنتهم وإقناعِ المشككين بعدالة هذا التمييز وحِكَمِهِ التِى يَتَجَلَّى بعضُها فيما يلِى

إنَّ الذكر أو الرجل فى النظام الإسلامِىّ مُطَوَّقٌ بلائحة طويلة من التكاليف المالية الثقيلة المستمرة والمتجددة فهو الذى يدفع الصداق عند الزواج كما قال تعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) وهو الذِى يتحمل مصاريف العرس وتكاليف وَلِيمَتِهِ كما قال لعبد الرحمن بن عوف (أَوْلِمْ ولو بشاة) وهو المسؤول عن نفقة نفسه وتوفير السكن والنفقة لزوجته وأبنائه منها ومن غيرها فى الضيق والسعة كما قال تعالى (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) وهو المُطَالَبُ بمتعة الطلاق عند طلاقه فى قوله تعالى (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) وهو المأمورُ بالجهاد بنفسه وماله فى قوله تعالى (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وهو المخاطَبُ بالمساهمة فى دية الخطإ التِى تجب على العاقلة إلى غير ذلك من التكاليف المالية الطارئة مثل إكرام الضيف والأضاحِى وزكاة الفطر بينما المرأة معفاةٌ من تلك التكاليف كلها فهِى لا تدفع صداقًا ولا تكلف الانفاق على نفسها ولا زوجِها ولا أولادِها ولا تتحملُ شيئًا من الدية مع العاقلة ولا جهادَ عليها وأضحيتُها وزكاة فطرها على زوجها.

ولم يكتفِ الإسلامُ بإعفاء المرأة من تلك التكاليف المالية وإلقائها على الرجل بل ذهب إلى أبعدَ مِنْ ذلك حين اعتبر بعضَ تلك التكاليف من الواجبات الدينية غير القابلة للتنازل والإسقاط فإذا تزوج رجل امرأة بشرط أن لا صداق لها أو لا نفقة أو لا سكنى لها ولا كسوة أو شرط عليها الإنفاق على الزوج أو أبنائه فُسِخَ النكاحُ قبل الدخول وجوبًا ومُنِعَ الزوجُ من البناء بزوجته وإذا دخل بها وفاتَ الفوتُ فإن الشرطَ يبطلُ وتُعْطَى صداق أمثالها وتستحق كل حقوقها التِى تنازلتْ عنها عند زواجها بمحض إرادتها.

وهكذا يتبين أن ما تأخذه المرأة من الميراث لا تحتاج إليه إلا فى حالة نادرة عندما تكون يتيمة أو تصبح أرملة لا زوج لها ولا أبناء يتحملون نفقتها. ومن الحكمة إعطاء المال لمن يحتاجه وينفقه أو على الأقلِّ إيثارُهُ أو تفضيلُهُ على من لا يحتاج إليه وإنما يأخذه ليكنزه ويدخره أو يصرفه فى سفاسف الأشياء وتوافهها.

على أن الفارق الحقيقِى بين الذكر والأنثى والنقص الذِى يلحقها فى نصيبها ليس شيئًا كبيرًا بل لا يتجاوز السدس فإذا فَرَضْنا تركةً من ستة إذا قُسِمَتْ بالتساوِى بين الابن والبنت بالتساوِى يأخذ كل واحد منهما ثلاثة وإذا قسمت بالتفاضل يأخذ الابن أربعة وتأخذ البنت اثنين فالذِى خسرته البنت هو السدس فقط وقد عوضها الإسلام عنه بما فرضه لها من الصداق والنفقة على زوجها وبالمتعة عند الطلاق وبإعفائها من التكاليف المالية السابقة التى لو أُعْطِيَتْ ذلك الفارق لعجز عن سدادها ولاحتاجتْ إلى التكسب الذِى أعفاها الاسلام منه وألقاه على الرجل وحده حرصًا على صحة المرأة وراحتها وصونًا لها عن الابتذال فى طلب المال وإشفاقًا عليها من مشاكل تَكَسُّبِهِ والمرأة أعلم من غيرها بالثمن المطلوب منها كلما طرقت بابا من أبواب الشغل أو وجدت نفسها فى ورش من أوراش العمل أو فى مكتب من المكاتب تحت سلطة مُشَغِّلٍ أو رئيس عديم الضمير والأخلاق.

وأما الولد الذكر فإن ذلك الفارق الصورِىَّ بينه وبين أخته فى الميراث فإنه قد لا يكفيه لمواجهة تلك التكاليف الملقاة على عاتقه نَحْوَ المرأةِ زوجةً وبنتًا وأُمًّا وغيرَهُنَّ ولكنه راضٍ بحكم الله وقضائه صابرٌ محتسب لا يشكو لأحد ولا يطالب بإعفائه من تلك التكاليف ولا بالمساواة بينه وبين المرأة فى تحملها لإيمانه التام ويقينه الصادق وعِلْمِهِ بحكمةِ رب العالمين وعدل أحكم الحاكمين الذي حرَّم الظلم على نفسه وقال فى كتابه المبين (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وكل ما يرجوه الرجلُ من المرأة هو أنْ تَتَقَبَّلَ هذا التفاوتَ فى الإرث بروح إيمانية ونفس راضية مطمئنة كما تَقَبَّلَ هو تلك التكاليف وتكفَّ عن الصياح والصراخ فى وجه الإسلام واتهامه بالتحيز للذَّكر ضدّ الأنثى وأن تعلم أن الأم اليهودية محرومة من الإرث فى ولدها وابنتها بصفة دائمة وليست معدودة من الورثة أصلًا وأن البنت اليهودية لا حق لها فى الميراث إذا تزوجتْ فى حياة أبيها وأنها إذا أرادت الميراث فعليها أن تضحِى بشبابها وتعيش حياة العنوسة بكل مشاكلها حتى يموت الأب لتأخذ حقها فى الميراث أو تموت قبل موته فتخسر كل شىء. وأن الأخت اليهودية لا ترث فى أخيها شيئًا إذا كان معها أخ أو أبناء أخ.  وأن الابن البكر يُعْطَى ضِعْفَى الابن الثانى والثالث فإذا كانوا ثلاثة أبناء يأخذ الابن البكر النصف ويأخذ الابن الثانى والثالث الربع لكل واحد منهما. ومع هذا التفاوت الواضح والتمييز الصارخ بين البنات المتزوجات وغير المتزوجات وبين الإخوة الذكور والأخوات الإناث والأب والأم فى أصل الميراث وتوريث بعضهم دون بعض رغم اتحاد الجنس والقرابة وتفضيل الابن البكر على من يولد بعده فإنهم ساكنون لا يشكون ولا يحتجون على ذلك ولا نسمع أحدًا فى الشرق ولا فى الغرب من يثير قَضِيَّتَهُمْ أو يهاجمُ نظامَهُمُ الإرثِىَّ مِن دعاة المساواة بين الجنسين وأدعياء حقوق الإنسان والمهوسين بالدفاع بزعمهم عن حق المرأة المسلمة فِى المساواة فى الإرث.  الأمرُ الذِى يدعو إلى التساؤل عن سر هذا التعاطف مع المرأة المسلمة فى المطالبة بالمساواة فى الارث وتحريضها على التمرد على دينها وشريعتها بكل الوسائل مع السكوت المطلق والصمت المريب عن قضية المرأة اليهودية ومعاناتها.  هل لأنَّ نظام الإرث اليهودِىّ أعدل وأنصف للمرأة من نظام الإرث الإسلامِىّ فلذلك يُهَاجَمُ النظامُ الإسلامِىُّ ويسالَمُ النظام اليهودِىّ،  أم أن المسؤولين فى الدولة اليهودية يقفون بالمرصاد لكل مَنْ تُسَوِّلُ له نفسه المَسَّ بما يقدسونه فِى دينهم ولا يسمحون لأحد بانتقاده وإثارة الفتن بين أهله بينما كثير من المسؤولين فى الدول الاسلامية لا يحترمون مقدساتهم ويغضون الطرف عن العابثين بها والطاعنين فيها باسم حرية الرأي مما شجع خصوم الإسلام فى الداخل والخارج على الكيل بمكيالين كما يُقال والنظر إلى الأمور بنظارتين، أم أن الهدف الأساسِىّ من هذه الدعوة وهذه الضجة هو النَّيْلُ من الإسلام وشريعته وإثارة الفتن بين أفراد مجتمعاته.

وكيفما كان الجوابُ فإن المرأة المسلمة مُدْعُوَّةٌ إلى أن تُبَرْهِنَ على وَعْيِها وعَقْلِها ودينِها وأن تفكر كثيرًا فى هذه المقارنة بين وضعها ووضع غيرها من جهة وبين هجوم أعداء الإسلام وخصومه على نظام الإرث الإسلامِىّ رغم ما يحققه من توازن للذكر والأنثى بين الحقوق والواجبات والغُنْم والغُرم والمداخل والمصارف حتى لا يصاب أحد منهما باختلال فى ميزانيته.

ثم إنّ الكلَّ يعلم أن نظام الإرث فى الإسلام يقسم الورثة إلى عصبة وأصحاب فروض والمتتبع لأحوال الوارثين يلاحظ أن أكثر النساء من أصحاب الفروض دائمًا أو فى بعض الحالات الأم والزوجة والبنت وبنت الابن والأخوات الشقائق أو لأب أو لأم والجدتان ولا يرث من النساء بالتعصيب فقط إلا مولاةُ النعمة، كما أنَّ أكثر الوارثين من الرجال يرثون بالتعصيب ولا يرث بالفرض منهم إلا الزوج والأخ للأم والأب والجد فى بعض الحالات.

وهذا يعنِى أولًا ضمانَ توريث النساء الوارثات بصفتهن أصحابَ فروضٍ لا خوفَ عليهن ولو استغرقت الفروضُ المسألةَ، وثانيًا اعطاؤهن الأسبقية فِى قسم التركات وتقديمهن على الرجال العصبة كما قال صلى الله عليه وسلم (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى رجل ذكر)، ويعنِى ثالثًا أنَّ المرأة قد ترث هِى ولا يرث الذكر إن كان فى مكانها ولم تكن معه أنثى فى درجته لأنها ذات فرض وهو مجردُ عاصبٍ يَرِثُ ما فضل عن أصحاب الفروض.

وكمثال على ذلك زوجٌ وأمٌّ وجَدَّةٌ وأختٌ شقيقةٌ أو لأب فإنَّ الأختَ هنا ترث ويُفرض لها النصف وتَعُولُ المسألةُ إلى تسعة ولو كان مكانها أخٌ شقيقٌ أو لأبٍ لَحُرِمَ من الميراث لاستغراق الفروض المسألة.

ومثالٌ ثانٍ زوجٌ وأمٌّ وأب وبنت وابن ابن فإن ابن الابن لا يرث شيئًا لِحَجْبِهِ بالفرض المستغرق ولو كانت مكانه بنت ابن لَفُرِضَ لها السدسُ تكملةُ الثلثين وتعول المسألة إلى ثلاثة عشر.

ومثالٌ ثالثٌ زوجٌ وأختٌ شقيقة وأختٌ لأب فإن الأخت للأب ترث السدس وتعول المسألة إلى سبعة ولو كان مكانها أخٌ لأبٍ لَمَا ورثَ شيئًا لسقوطه بالفرض المستغرق.

كما يَعْنِى أنَّ المرأة قد ترث فى بعض الفرائض أكثرَ مما يرثه الرجل

وكمثال على ذلك زوج وأب وبنت فإن البنت ترث النصف والأب والزوج إنما يرثان الربع لكل واحد منهما.

ومثالٌ ثانٍ زوجة وأخ لأب وأختان شقيقتان فإن الزوجة ترث الربع والبنتان ترثان الثلثين لكل واحدة منهما الثلث ويرث الأخ ما بقي وهو نصف السدس. و

نظائر هذه المسائل فى الفقه الإسلامِىّ كثيرةٌ وهذا إن دلَّ على شَىْء فإنه يدل على بطلان ما يروجه خصوم الإسلام وأعداؤه من تهميش المرأة وهضم حقوقها فى الإرث.

وإذا رَاعَيْنَا أنَّ الورثةَ الذين لا يُحْجَبُونَ عن الميراث أبدًا هم ثلاثة من الذكور وثلاثة من الإناث فالأب والزوج والابن والزوجة والبنت والأم كلهم لا يُحْرَمُونَ من الميراث أبدًا فالأعضاء الدائمون فى الميراث يتساوَى فيهم الذكور والإناث بينما احتمالُ توريثِ النساءِ أكثرُ من احتمال توريث الذكور لأنَّ النساء يرثن بالفرض والذكور يرثون بالتعصيب كما هو الشأنُ فى الأخوات وبنات الابن من جهة والإخوة وأبناء الابن من جهة أخرى. فهل بعد هذا المركزِ الذِى تحتله المرأة فى نظام الإرث الإسلامِىّ يصحُّ لأحدٍ الادعاءُ بأنها مُهَمَّشَةٌ أو مهضومةُ الحقوق.

وأيضًافالكل يعلم أن نظام الإرث فى الإسلام وخاصةً تفضيلُ الذكر على الأنثى هو نظامٌ إلهِىٌّ وتشريع ربانِىّ لا دَخَلَ فيه لأحد من دون الله كما قال صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى لم يكل قسمة مواريثكم لنبِىّ مرسل ولا ملك مقرب ولكِنْ تولى قسمتها بنفسه) وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل أحيانًا عن المواريث فلا يتسرع إلى الجواب وينتظر نزول الوحِىّ وربما قال للسائل (يقضِى الله فى ذلك) أو قال (انصرفْ حتى أنظر ما يُحْدِثُ اللهُ لِى فيهن) وربما نزل القرءان بالإجابة عما سئل عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كما تشير لذلك ءاية (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ).

كلُّ ذلك يدلُّ على خطورة الخوض فى المواريث وخطورة الخطإ فيها ويدل على وجوب التثبت والتقيد بالنصّ فيها وعدم تجاوزه أو التساهل والتهاون فى تطبيق أحكامه التِى جعلها الله تعالى حدودًا من حدوده حيث قال مُعقبًا على أحكام الإرث (تلك حدود الله) فأضاف ذلك إلى نفسه تعالى ولم يقل تلك حدود الدين أو تلك حدود الإسلام والكلُّ يعلم ما تعنيه هذه الجملة وهذه الكلمة (تلك حدود الله) والكلُّ يعلم أن دول العالم كلها تحمِى حدودها وتدافع عنها بكل قواها ولا تتردد فى اعتقال أو إطلاق النار على كل من ينتهك حدودها ويخترقها عنوة ويرفض احترامها والوقوف عندها.

ولذلك كانت كل دعوة للمساواة فى الإرث بين الذكر والأنثى فى الحالات التِى فضل الله فيها الذكر على الأنثى تعتبر اختراقًا لحدود الله واعتراضًا على فتواه وردًا لوصيته وتغييرًا لشريعته وإعلانًا عن محادته يستحق صاحبها أقسَى العقوبات فى الدنيا والآخرة حتى لا تكونَ حدودُ اللهِ أهونَ من حدود البشر يستطيع كل أحد أن يخترقها ويسرح ويمرح فيها غير ءَابِهٍ بمعالمها ولا خائفٍ من حُمَاتِهَا وحُرَّاسِهَا.

ولذلك ختم الله أحكام الميراث بقوله (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) ونحن نعلم أنه لا يُخَلَّدُ فى النار إلا كافر وقد فَسَّرَ العلماءُ تَعَدِىَ الحدودِ فى هذه الآية بتغيير أحكام الإرث وعدم التسليم بحقيقتها وهذا إنما يصدر من عدم الرضا بما قسم الله وحكم به ولهذا يجازيه بالإهانة فى العذاب الأليم المقيم.

وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى ءاله وصحبه وءاخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب دعوَى المساواة فى الإرث للفقيه محمد بن محمد التاويل رحمه الله تعالى.