بيان حكم الضرب على الدف وأنه جائز[١]

قبسات من فوائد خادم علم الحديث
الشيخ عبد الله بن محمد الهررِى
المتوفى سنة ١٤٢٩ هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد فقد روَى البخارِىّ فى صحيحه عن عائشة أنها زفّت امرأةً إلى رجلٍ من الأنصار فقال نبِىُّ الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ما كان معكم لهوٌ فإن الأنصار يعجبهم اللهو[٢] اهـ قال الحافظ ابن حجر العسقلانِىُّ فِى شرحه فى رواية شريك فقال فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدّف وتُغَنِى قلتُ تقول ماذا قال تقول

أتيـــــــــناكم أتينـــــــــــــاكم           فحيّانــــــــــــا وحيّـــــاكـــــــــــم
ولولا الذهب الأحمر          مـــــا حلّـــــــــــت بواديكــم
ولولا الحنطة الـــسمرا           ءُ ما سمنت عذاريكم

وروَى أبو داود فِى سننه أن امرأة أتت النبِىّ صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنِى نذرت أن أضرب على رأسك بالدّف قال أَوفِى بنذرك قالت إنِى نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا مكانٌ كان يذبح فيه أهل الجاهلية قال لصنم قالت لا قال لوثن قالت لا قال أوفِى بنذرك اهـ

وروَى الترمذِىّ وابن حبّان أنَّ النبِىّ صلى الله عليه وسلم لما رجع المدينة من بعض مغازيه جاءته جارية سوداء فقالت يا رسول الله إنِىّ نذرت إن ردَّك الله سالمًا أن أضرب بين يديك بالدُّف فقال لها إنْ كنتِ نذرت فأوفِى بنذرك اهـ

والقول بأن جوازه خاصٌّ بالنساء مردود لأنَّ إباحته عامة للرجال والنساء ولا يشهد للتخصيص بالنساء العرف ولا الشرع فأهل اليمن مثلًا مشهور عندهم أن الرجال يضربون به وكذلك أهل برِّ الشام الصوفيّة وأهل الذكر منهم ذلك دأبُهم.

قال الحافظ المجتهد تقِىّ الدين السبكِىّ فِى ردِّ ذلك ما نصه الجواب الحمد لله قد روى مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث أبِى معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضِى الله عنها فِى حديثها الطويل الذِى قالت فيه دخل علِىَّ أبو بكر وعندِى جاريتان من جوارِى الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بُعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أبمزمار الشيطان فِى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك فِى يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إنَّ لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا اهـ وفِى حديث أبِى معاوية عن هشام بهذا الإسناد جاريتان تلعبان بدف. ورواه النسائِىّ من حديث الزهرِىّ عن عروة وفيه جاريتان تضربان بالدُّف وتغنيان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجًّى بثوبه فكشف عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر إنها أيام عيد اهـ هِى أيامُ مِنًى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بالمدينة، فضربَتِ الجاريتان بالدف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسمع اهـ وقوله صلى الله عليه وسلم دعهما يا أبا بكر من أقوَى دليل على حل الضرب بالدف ولهذا نحن نوافق من صحح حلّه مطلقًا فِى العرس والختان وغيرهما. والجمهور لم يفرقوا بين الرجال والنساء وفرق الحليمِىّ ضعيف لأن الأدلة لا تقتضيه اهـ

أما حل ضرب النساء له فمحقق وكذا سماع الرجال كذلك كما صح فِى هذه الأحاديث. وأما ضرب الرجال فالأصل اشتراك الذكور والإناث فِى الأحكام إلا ما ورد الشرع فيه بالفرق ولم يرد هنا فِى ذلك شىء وليس ذلك مما يختص بالنساء حتى يقال إنه يحرم على الرجال التشبيه بهن فبقِىَ على العموم.

وقد رُوِىَ أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف فلو صحَّ لكان فيه حجة لأنَّ اضربوا خطاب للذكور لكن الحديث ضعيف ومذهب أحمد الفرق فِى الاستحباب لا فِى الجواز على المشهور عندهم اهـ

تنبيهٌ. ليعلم أن الجارية فِى اللغة الفتاةُ حرّة كانت أو أمة وما يظنه بعض الناس من أنَّه خاص بالإِماء أو بالبنات اللاتِى هُنَّ طفلات توهمٌ فاسد وجهل باللغة.

قال الغزالِىّ فى إحياء علوم الدين ما نصّه العارض الثانِى فِى الآلة بأن تكون من شعائر أهل الشرب أو المخنثين وهِى المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة وما عدا ذلك يبقَى على أصل الإِباحة كالدُّفِّ وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين اهـ وسكت الحافظ محمد مرتضَى الزبيدِىّ فِى شرحه على الإحياء على ذلك.

 

وفِى كتاب كفِّ الرعاع عن محرمات اللهو والسماع لابن حجر الهيتمِىّ ما نصّه (قال الشيخان أى الرافعِىّ والنووِىّ رحمهما الله حيث أبحنا الدّفّ فهو فيما إذا لم يكن فيه جلاجل فإن كانت فيه فالأصح حلُّهُ أيضًا اهـ وفِى الفتاوَى الكبرَى لابن حجر الهيتمِىّ ما نصّه وقد رقص الحبشة فِى المسجد وهو صلى الله عليه وسلم ينظرهم ويقرّهم على ذلك اهـ وفِى الترمذِىّ وسنن ابن ماجه عن عائشة رضِىَ الله تعالى عنها أنَّ النبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال أعلنوا هذا النكاح وافعلوه فِى المساجد واضربوا عليه بالدّف اهـ وفيه إيماءٌ إلى جواز ضرب الدّفّ فِى المساجد لأجل ذلك فعلى تسليمه يقاس به غيره) انتهى كلام ابن حجر. وقال فِى كتاب فتح الجواد بشرح الإِرشاد ما نصّه ويباحُ الدّف وإن كان فيه نحو جلاجل لرجل وامرأةٍ ولو بلا سبَب اهـ

والله تعالى أعلم.

 


[١] المرجع كتاب صريح البيان فى الرد على من خالف القرءان للشيخ عبد الله الهررِىّ رحمه الله تعالى.

[٢] قوله (اللهو) أى اللهو الذى هو مثل الغناء الذى لا حرمة فيه وليس اللهو المحرم بلا شك.