الموقف الإسلامِى والرأى الشرعِى من مبدأ الإعدام وإلغائه[١]

قبسات من فوائد عالم فاس
الشيخ الفقية الأصولِىّ محمد بن محمد التاويل
المتوفى سنة ١٤٣٦هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. الإعدام عقوبةٌ شديدة وقاسية ولذلك لم يفرضها الإسلام ولم يشرعها إلا فِى الجرائم الكبرَى التِى تهدد مقاصد الشريعة الإسلامية أو ما يُسمَى بالضروريات الخمس أو الكليات الخمس الدين والنفس والعقل والنسب والعرض والمال.

وهكذا فرضه فِى الردة والزندقة والبدع الضالة المضلة حماية لأصل الدين ومحافظةً على سلامته من التغيير والتحريف والتشويه. وفَرضَه فِى القتل العمد العدوان حماية لأرواح الناس وحياتهم، وفرضه فِى الحرابة حماية لأموال الناس وأعراضهم من المحاربين وقطاع الطريق، وفرضه فِى البغِىِ حرصًا على استقرار الحكم ووقاية للأمة من الفتن الداخلية وسدًّا مانعًا فِى وجوه الطامعين المتعطشين للحكم ولو على حساب أرواح الناس وتدميرِ البلاد وهلاك العباد، وفرضه فِى التجسس صيانة لأمن الدولة الخارجِىّ وفِى اللواط والزنا حفاظًا على بقاء النسل ومنعًا من اختلاط الأنساب فإنَّ اللواط يؤدِى إلى قطع النسل وانقراضه وفناء البشرية والزنا مظنَّة لاختلاط الأنساب.

والحكم بالإعدام وتنفيذه عند تحقق أسبابه الشرعية وثبوتها ثبوتًا شرعيًا وتوفر شروطه وانتفاء موانعه يُعَدُّ فِى المنظور الإسلامِىّ من أشرف العبادات التِى يعبد بها الله تعالى وأقرب القربات التِى يُتقرب بها إليه ومن أوجب الواجبات الدينية وءاكدها التِى يثاب فاعلها على فعلها ويعاقب تاركها على تركها.

 وهو أيضًا من أشرف الحدود التِى تَوَعَّدَ الله ورسوله على تعطيلها فِى قوله تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) وقوله (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وقوله صلى الله عليه وسلم (من حالت شفاعته دون حدٍّ من حدود الله فقد ضادَّ الله فِى ملكه)[٢].

وهو من جهة أخرَى من أهم وأخطر المهمات الملقاة على أُولِى الأمر المنوطِ بهم السهر على حمايتها ورعايتها وإقامتها على الوجه الشرعِىّ وخاصة فى حالة القتل العمد العدوان فإن الإعدام فيه من الثوابت القطعية المعلومة من الدين بالضرورة دل على ذلك الكتاب والسنة فِى ءايات عدة وأحاديث كثيرة منها

قوله تعالى فِى سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) وقوله فِى سورة الإسراء (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) و قوله فِى سورة المائدة (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وشرعُ مَن قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ.

وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزانِى والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة[٣]) وقولُهُ فِى حديث ءَاخر (العمدُ قود إلا أن يعفو الولِىّ)[٤] وقوله صلى الله عليه وسلم (من قتل عامدًا فهو قَوَدٌ ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقبل منه صرف ولا عدل)[٥] وقوله (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل أو يفدِى)[٦] وغيرُ ذلك من الأحاديث الصحيحة كلها تؤكد وجوب الإعدام قصاصًا فِى القتل العمد العدوان.

وقد ذهب الفقهُ المالكِىُّ بعيدًا فِى هذا الباب فاعتبر كلَّ فعلٍ مقصود به إذايةٌ وإضرارٌ بشخص بعينه من القتل العمد العدوان إذا ترتبَ عليه موت ولو كان الفعل فِى حد ذاته ليس من شأنه أن يقتل مثل الوكزة والضرب بالقضيب والحجر الصغير حتى لا تمتد يد أحد إلى غيره بأذى خوفًا بأن يموت فيقتل به وبذلك تختفِى جرائم العنف والقتل من المجتمع وينعم الجميع بالأمن والأمان على نفسه وعلى أهله.

الحكمة من مشروعيته

شرعه الله جل وعلا لحكمٍ بالغةٍ ومصالح عامَّةٍ تعود على الفرد والمجتمع كما قال صلى الله عليه وسلم (إقامة حدٍ بأرض خيرٌ لأهلها من مطر أربعين صباحًا)[٧] ودرءًا للمفاسد.

ومن أهم هذه الحكم

١- حماية أرواح الناس والحفاظ عليها وضمان حقهم فِى الحياة التِى ضمنها الإسلام لكل حِىٍّ قبل غيره من المواثيق الدولية حين قال فِى أكثر من ءاية (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وذلك أن من يهمّ بقتل غيره إذا علم أنه سيقتل به لا محالة ولا نجاة له إن لم يعف عنه ولِى الدم فإنه سيفكر ويحسب ألف حساب قبل تنفيذ جريمته ويتراجع عنها حرصًا على حياته هو ويِحْيَى من هَمَّ بقتله، أما إذا علم أنه لن يُقتل فإنه لن يتردد فِى تنفيذ جريمته، وقد يجر ذلك إلى تبادل القتل بينه وبين أهل القتيل وتعم الفتنة، وكم من حرب وفتن كان سببها قتل شخص دون حق فينتقم أهله ويردون على أهل القاتل بالمثل، ولذلك كان القصاص مانعًا من هذه الفتن التِى تترتب على عدم تطبيقه.

٢- محاربة الجرائم التِى يعاقب عليها بالإعدام وتطهير المجتمع منها ومن ءاثارها السلبية التِى تنعكس على الفرد والمجتمع مِن انتشار الخوف والرعب فِى نفوس الناس وانعدامِ الأمن والأمان وتبذيرِ الطاقات البشرية الأمنية والقضائية فِى تتبع المجرمين ومحاكمتهم واكتظاظ السجون بهم.

٣-إنصاف القتيل المظلوم من قاتله تحقيقًا لمبدإ العدالة الإلهية ومبدإ المعاملة بالمثل فِى الخير والشر الذِى أكد عليه القرءان الكريم فِى أكثر من ءاية منها قوله تعالى فِى سورة الشورى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)  وقوله فِى سورة الحج  (وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ) وقولُهُ فِى سورة النحل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) وقوله فِى سورة البقرة (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) وقوله فِى سورة المائدة (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وقوله (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) وقولُهُ (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) وقولُهُ (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) وقولُهُ  (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً).

وهو مبدأٌ عرفه الناس قديمًا وعبروا عنه فِى مَثَلِهِمُ الشائع الشر بالشر والبادِى أظلم. وهو مبدأٌ لا تزال دول العالم تتعامل على أساسه وتحتكم إليه فِى علاقاتها الدولية باعتماد السفراء واستدعائهم أو طردهم أو طرد دبلوماسيين عددًا بعدد وقطع العلاقات أو تبادل الزيارات دون أىّ اعتراض على أحد أو استنكار أو استغراب، فلماذا ترتفع أصوات تَستنكر معاملة القاتل المجرم بمثل ما فعل وتعمل جاهدةً على حمايته من العقاب الشرعِىّ متجاهلةً أو متحديةً قولَه صلى الله عليه وسلم (لعن الله من ءاوى محدثًا)[٨] وهذا نوع من الإيواء والحماية للمجرمين، وقولَه فِى الحديث السابق (من قتل عامدًا فهو قود ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ).

 4- شرعه الله تعالى رحمة بالقاتل نفسه وتطهيرًا له من جريمته وخطيئته واستنقاذًا له وتخليصًا من عذاب الله تعالى وغضبه الوارد فِى القتل العمد فِى قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من أصاب ذنبًا فعوقب به فِى الدنيا فهو له كفارةٌ)[٩].

وهذا ما جعل كثيرًا من الناس إذا ارتكبوا الجرائم فِى حالة ضعف أو غضب أو شهوة عابرة لا يراهم بها إلا اللهُ جلَّ وعلا يبادرون إلى الاعتراف بما اقترفوا ويَعرضون أنفسهم على النبِىّ صلى الله عليه وسلم لتطهيرهم وإقامة الحد عليهم كما ورد فِى حديث ماعز والغامدية وءاخرين كثيرين يعترفون بذنوبهم ويطلبون تطهيرهم منها رجمًا أو قصاصًا.

ءاثار ومضار إلغـاء عقوبة الإعـدام

وإلغاء الإعدام أو عدم تنفيذه واعتباره جريمة وعقوبة لا إنسانية كما يقال يُعَدُّ فِى المنظور الإسلامِىّ

١- انحرافًا خطيرًا عن الإسلام وتعاليمه وانزلاقًا نحو هاوية الإلحاد والردة دينيًّا وهو يعنِى فيما يعنيه.

٢- إنكار حدّ من حدود الله تعالى وحكم من أحكامه المعلومة من الدين بالضرورة يَجْرِى عليه حكم من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة ويشمله قوله صلى الله عليه وسلم (من قتل عامدًا فهو قود ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) اهـ

٣- محاربةُ الله ورسوله واعتراض عليهما واتهام لهما بالقسوة على الإنسانية والجهل بمصالح العباد يدخل في عموم قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وفِى ءاية أخرى (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ)، وقوله صلى الله عليه وسلم (من حالت شفاعته دون حدٍّ من حدود الله فقد ضادَّ الله فِى ملكه) اهـ وإلغاء الإعدام نوعٌ من الحيلولة دون حدّ من حدود الله والشفاعة فِى إلغائه.

٤-فتح أبواب الإجرام على مصاريعها وتشجيع المجرمين على ارتكاب جرائمهم يقتلون ويغتصبون ويحرقون جثث ضحاياهم أو يقطعونها أو يلقونها فِى مكان ساحق كما تتحدث وسائل الإعلام وهم ءامنون على أنفسهم مطمئنون على حياتهم وأرواحهم غير خائفين على ذلك متأكدين أن أقصى ما ينالهم ويعاقبون به سجن مؤقت أو حبس مؤبد قابل للمراجعة أو التحول إلى أقصر مدة قد يكون دم القتيل لا يزال طريا لم يجف بعد.

٥-تقديم ضمانة قانونية للقتلة المجرمين ألا يتعرضوا للإعدام والمعاملة بالمثل مهما قتلوا وأجرموا.

٦-تنكر فاضح لمبدأ العدالة والإنصاف وانحيازٌ سافرٌ للمجرمين وحمايةٌ لهم على حساب ضحاياهم الذي يعد من أبشع الظلم وأقبحه، يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من ءاوى مُحدثًا) وإلغاء الحكم بالإعدام نوع من الإيواء والحماية للمجرمين من العقوبة الإلهية التِى يستحقونها جزاء ما كسبت أيديهم.

٧-تنكر واستخفاف بأرواح القتلى التِى سالت دماؤهم ظلمًا وعدوانًا وتجاهل فاضح لمشاعر وآلام أهل الضحايا ومآسيهم ومشاكلهم المختلفة التِى يعانونها من جراء قتل قريبهم وما يعانيه يتامَى القتيل من فقدان أبيهم وحرمانهم من حنان والدهم ورعايته لهم.

٨- حرمان أولياء القتيل وورثته من حقهم فِى قتل القاتل أو أخذ ديته الذِى ضمنه الإسلام لأهل القتيل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فِى قوله (من قتل متعمدًا دفع إلى ولِى المقتول فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا أخذوا الدية وهِى ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وما صالحوا عليه فهو لهم وذلك شديد العقل)[١٠].

والعقل معناه الدية وهِى عند الشافعية والحنابلة مائة ناقة أو قيمتها عند عدمها بالغةً ما بلغت، وعند المالكية تقدر بألف دينار ذهبا على أهل المغرب ما يساوِى أربعة كيلو ومائتي غرام من الذهب الخالص يمكن أن ترتفع إلى أكثر من ذلك إذا لم يقبل الورثة أو تنخفض إلى أقل فِى حالة التصالح، وهو مبلغ لا يُستهان به فرضه الإسلام على القاتل في ماله نقدًا معجلًا غير مؤجل كزاجر ورادع له ولغيره عن القتل عوضٍ وبدلِ الإعدام ليجد القاتل نفسه بين خيارين إما ذهاب روحه أو ذهاب ماله و لا يخرج بعد جريمته معافى في نفسه وماله!!

وفَرَضه من جهة أخرى كتعويض مادِىّ ومواساةٍ لأهل القتيل وورثته عن فقدان قريبهم عسى ذلك أن يخفف من أحزانهم ومآسيهم وعدم أخذ الثأر من قاتله.

والاكتفاءُ بسجنه طال أو قصر يشكل بالنسبة إليهم مصائبَ عدةً مصيبة قتل قريبهم، ومصيبة حرمانهم من الأخذ بثأره ومصيبة الحرمان من الدية التِى ضمنها لهم الإسلام ومصيبة بقاء القاتل حيا يرزق معافى فِى ماله وروحه يعيش فِى سجن قد يكون في بعض الأحيان أحسن من داره بالنسبة لبعض المجرمين.

وهكذا يتبين من خلال ما سبق ما يحققه الإعدام من مصالح عامة وقواعد عدة تعود على الأمة بالخير الكثير والنفع العميم كما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فِى قوله (إقامة حدٍ من حدود الله بأرضٍ خيرٌ لأهلها من مطر أربعين صباحًا).

ومن أجل ذلك أجمعت الأمة الإسلامية على تطبيق حكم الإعدام وتنفيذه عند تحقق أسبابه وتوفر شروطه وانتفاء موانعه منذ نزول أول ءاية فِى القصاص إلى الآن حرصًا منها على جلب المصالح التي يحققها حكم الإعدام ودرء المفاسد التي تترتب على إلغائه.

وما تزال كثير من الدول المتقدمة ماديًا تطبق حكم الإعدام دون معارضة ولا احتجاج من شعوبها وساساتها وفِى جرائم اقتصادية وسياسية هِى أقل شأنا بكثير من جريمة قتل النفس الذي قال الله تعالى فيه (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) وقال فيه صلى الله عليه وسلم (لَزَوَالُ الدنيا جميعًا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق) مما يؤكد فعاليته وحاجة البشرية إليه لخلق لمجتمعٍ مهذب آمن خال من الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، ولتطهيره من المجرمين الفاسدين المفسدين. كما تحتاج الحقول إلى تنقيتها من النباتات الطفيلية، والحدائق والأشجار إلى تقليمها وتنقيحها، والمرضى إلى بتر بعض أعضائهم حرصا على سلامة الباقِى.

شـبـهـات وردود

كل المبررات التِى تقال والشعارات التِى ترفع للمطالبة بإلغائه مبررات باطلة وشعارات مضللة لا قيمة لها أمام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على مشروعيته وتنفيذه ولا تساوِى شيئًا أمام المفاسد المترتبة على إلغائه والمصالح التي تترتب على بقائه وتنفيذه.

وإذا كانت بعض الدول أو أكثرها كما يقال أَلْغَتْ الحكم بالإعدام أو تنفيذه فإن ذلك لا يدعو إلى الحذو حذوها واقتفاء أثرها

أولًا لأن الحق والباطل والصواب والخطأ لا يقاسان بالكثرة والقلة العددية كما يُظن، بل يقاسان ويعرفان بما في الفعل من مصالح ومفاسد ومنافع ومضار، وصدق الله إذ يقول (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) وإذ يقول (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ءايةٌ تكررت فِى القرءان مرات عديدة لتؤكد جهالة أكثر الناس بما ينفعهم ويضرهم، ولتحذّر من الاغترار بالأكثرية الضالة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا) اهـ

ثانيًا لأن تلك الدول لها هويتها وحضارتها ومجتمعاتها ومرجعيتها وهِى تختلف تمامًا عن هويتنا وحضارتنا ومرجعيتنا فلا ينبغِى ولا يجوز التنكر لهويتنا ومرجعيتنا والانجرار خلف مرجعيتهم لا سيما وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك فِى قوله (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموه، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن)[١١] كما حذر اللهُ نبيَّهُ من ذلك فِى قوله (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) بل اعتبرَ القرءان طاعتهم فِى بعض الأمر ارتدادًا كما جاء فِى قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ).

تم المقال والله أعلم.


[١] المرجع جريدة المحجة عدد ٤١٦ بتاريخ ١٥ جمادى الأولى ١٤٣٥هـ الموافق ١٧ مارس ٢٠١٤ م.

[٢] رواه أبو داود في كتاب الأقضية باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها .

[٣]  متفق عليه.

[٤] رواه الدارقطنِىّ فِى كتاب الديات وغيرُهُ وابن أبِى شيبة فِى مصنفه باب من قال العمد قود.

[٥] رواه ابن ماجه وللاستنزادة ينظر المغنِى ٩/٣٣٤.

[٦] رواه أبو داود فى كتاب الديات باب ولِى العمد يأخذ الدية.  والنسائِىّ وابن ماجه وغيرهم.

[٧] رواه البخارِىّ ومسلم وغيرهما.

[٨] رواه البخارِىّ فى الأدب المفرد وغيره.

[٩] رواه أحمد من حديث خزيمة بن ثابت ٥/٢١٤ وغيره.

[١٠] رواه بهذا اللفظ الإمام الدارقطنِى فى سننه كتاب الحدود والديات ٣/١٧٧ وغيره.

[١١] رواه البخارِى فى كتاب الأنبياء باب ما ذكر