الألبانِىّ شذوذه وأخطاؤه[١]
الردّ على تضعيفه قول ابن عمر يا رسول الله بعد موته صلى الله عليه وسلم

قبسات من فوائد ومحدث الديار الهندية الشيخ حبيب الرحمن الأعظمِى المتوفى سنة ١٤١٢هـ
ومحدث الديار الشامية الشيخ عبد الله بن محمد الهررِىّ المتوفى سنة ١٤٢٩هـ
رحمهما الله تعالى

قال الإمام محمد بن إسماعيل البخارِىّ فى كتابه الأدب المفرد حدثنا أبو نُعيم حدثنا سفيان عن أبِى إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال خدرة رجل ابن عمر فقال له رجل اذكر أحبَّ الناس إليك فقال يا محمد اهـ وروَى الإمام إبراهيم الحربِىّ فِى كتابه غريب الحديث قال حدثنا عفان حدثنا شعبة عن إبِى إسحاق السبيعِىّ عمن سمع ابن عمر قال خدرت رجله فقيل له اذكر أحَبَّ الناس قال يا محمد اهـ وقال الإمام إبراهيم الحربِىُّ أيضًا حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زُهير عن أبِى إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد جئتُ ابن عمر فخدرت رِجْلُهُ فقلت ما لِرِجْلِك قال اجتمع عصبُها قلتُ ادعُ أحبَّ الناس إليك قال يا محمد فبسطها.

قال الشيخ حبيب الرحمن رحمه الله من شواهد جَنَف الألبانِىّ وجوره عن العدل والحقّ وتعاميه عنه أنه لما حاول أن يُضعِّف حديث الهيثم بن حَنَش فى قول ابن عمر يا محمد حين خَدِرَتْ رجله حكَى عن الخطيب البغدادِىّ أنه قال الهيثم هذا مجهول واقتصر على هذه الحكاية فموَّه بذلك أن الهيثم لم يذكره إلا الخطيب ولا يُعلم عنه شىء سوَى هذا.

والواقع أن الهيثم ذكره البخارىّ فى تاريخه وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وكلاهما صرَّح أن سلمة بن كُهيل أيضًا رَوَى عنه فزالت جهالة الهيثم وتحقَّق جهل الخطيب بذلك وكلا المرجعين بمرأى من الألبانِىّ لأنه لم يعرف ما قاله الخطيب إلا بدلالة الشيخ المُعلِّمِى الذِى نقل قول الخطيب فى تعليقه على تاريخ البخارِىّ.  فلم يَقُم هذا الكفور بواجب شكره لأنه لو فعل هذا لظهر ما هو بصدد إخفائه من ذكر البخارىّ الهيثم وارتفاع جهالته فإن كان هذا الصنيع هو الذِى يدعو إليه الألبانِىّ من اتباع السنة الصحيحة فعلى هذا الاتِّباع السلام.

ومن جنفه أو جهله أيضًا أنه أعلَّ هذا الحديث بدعوَى اختلاط أبى اسحاق السَّبيعِى ولم يدر أو درَى فكتم أن الحديث رواه سفيان الثورِىّ أيضًا وهو من الذين حملوا عن أبِى اسحاق قبل الاختلاط كما صرَّح به ابن حجر فى المقدمة.

وأما دعوَى الاضطراب فمردودة لأنَّه لا يستبعَدُ أن يكون أبو اسحاق سَمِعَه من الهيثم وأبى شعبة وعبد الرحمن جميعًا فيرَوِى تارة عن الأول وتارة عن الثانِى وتارة عن الثالث وقد صحح الألبانِىّ عدة أحاديث بمثل هذا.

وقال الشيخ عبد الله الهررِىّ رحمه الله إنَّ ورود الحديث من طرق مختلفة يزيده ثبوته قوة وبالنظر فيها يندفع انتقاد بعض الدُخلاء على علم الحديث  وتتضح صحته بلا شكّ فأبو إسحاقَ عمرو بن عبد الله السَبِيعِىُّ الهَمْدانِىّ تابعِىٌّ ثقةٌ حافِظٌ مُكثر روَى عن ثمانية وثلاثين من أصحاب النبِىّ صلى الله عليه وسلم وروَى عنه الستة وغيرهم وكان الأعمش يتعجب من حفظه نُسب إلى الاختلاط فِى ءاخر عمره وردَّ الحافظ الذهبِىّ هذه الدعوَى فى أكثر من كتاب من كتبه وردَّها الحافظ العلائِىُّ وقال إنَّ الأئمة احتجوا بأبِى إسحاق مطلقًا ولم يعتبر أحدٌ منهم ما حكِى من اختلاطه، ولو فرض ثبوت اختلاطه فإنَّ هذا الحديث من رواية الثورِىّ وشُعبة عنه وكلاهما قد أخذ عنه قديمًا قبل الاختلاط المنسوب إليه. 

وكذلك نُسِبَ أبو إسحاق إلى التدليس ولكِنَّ روايةَ شُعبة عنه تنفِيه هنا لأنَّ شُعبة كان لا يروِى عن المدلس إلا ما علِمَ أنَّه سمعه ممن يروِى عنه كما هو مقرر عند علماء الفنِّ.

هذا وللحديث روايتان أُخرَيان فى كتاب عمل اليوم والليلة لابن السُنِىّ اهـ فتبيِّنَ أن دعوَى عدم ثبوت الحديث مجازفةٌ من الألبانِىّ تشبه غيرَها من مُجازفاته التِى جانب فيها الحقَّ ولم يُصبْه.

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب البراهين على صدق حادثة مدّ اليمين وكتاب الألبانى شذوذه وأخطاؤه.