الصحابة والتأويل[١]

قبساتٌ من فوائد الفقيه الشيخ العالم محمد العمراوِىّ المالكِىّ
حفظه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وسلم.  سئل حفظه الله من الأكثر فِى الصحابة المؤولون أم المفوضون.

فأجاب لم يكن الصحابة رضى الله عنهم قبل ظهور البدع يخوضون فِى هذه الأمور على طريقة الجدل فقد كانوا مشتغلين بفتح القلوب والبلدان بالقرءان الكريم وتعاليم الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم وكان دأبهم ترك الحديث فيما ليس تحته عملٌ بل كانوا يسدّون الذرائع المؤدية إلى الخلاف والجدل اقتداءً منهم بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فِى إغلاق باب الحديث فِى شأن القدر.

فعن أبِى هريرة رضِى الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع فِى القدر فغضب حتى احمّر وجهه كأنما فُقِئَ فِى وجنتيه الرمان فقال أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلتُ إليكم إنما هكل من كان قبلكم حين تنازعوا فِى هذا الأمر عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه[٢] اهـ

وهكذا عمل الفاروق مع صَبيغ عندما جاء إلى المدينة يسأل عن بعض متشابه القرءان فأرسل إليه عمر وقد أعدّ له عراجين النخل فقال من أنت قال أنا عبد الله صبيغ فأخذ عمر عرجونًا من تلك العراجين وقال وأنا عبد الله عمر فجعل له ضربًا حتى دَمِىَ رأسه فقال يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذِى كنت أجد فِى رأسِى.  وعن نافع مولى عبد الله أن صَبيغًا العراقِىّ جعل يسأل عن أشياء من القرءان فِى أجناد المسلمين حتى قدم مصر فبعث به عمرو ابن العاص إلى عمر بن الخطاب فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه فقال أين الرجل فقال فِى الرحل قال عمر أبصرْ أن يكون ذهب فتصيبك منِى به العقوبة الموجعة فأتاه به فقال عمر تسأل محدثة فأرسل إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره وبرة ثم تركه حتى برأ ثم عاد له ثم تركه حتى برأ ثم فدعا به ليعود له قال فقال صبيغ إن كنت تريد قتلِى فاقتلنِى قتلًا جميلًا وإنت كنت تريد أن تداويَنِى فقد والله بَرِئْتُ فَأَذِنَ له إلى أرضه وكتب إلى أبى موسى الأشعرِىّ أن لا يجالسه أحد من المسلمين فاشتد ذلك على الرجل فكتب أبو موسى إلى عمر أنْ قد حسنت توبته فكتب عمر أن يأذن للناس بمجالسته[٣].

وكانوا متفقين وهم العلماء بالله تعالى وأصحاب اللسان الذِى نزل به القرءان على تنزيه الله عما لا يليق به مثبتين له ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسول صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال ونعوت الجلال مفوضين معنى ما أشكل عليهم إلى عالمه.  كان ذلك دأبهم رضِى الله عنهم لا يختلف فِى ذلك العلماء لكن لما ظهرت البدع ومدت الشبهات أعناقها اضْطُرَّ بقية الصحابة رضِى الله عنهم إلى الرد على المبتدعة ومحاججتهم كما فعل ابن عمر مع القدرية فقد أخرج الإمام مسلم فِى صحيحه بالسند المتصل إلى يحيى بن يعمر قال كان أول من قال فِى القدر بالبصرة معبد الجهنِىّ فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميرِى حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء فِى القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلًا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبِى أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبِى سيكل الكلام إلى فقلت أبا عبد الرحمن إن قد ظهر قبلنا ناس يقرأون القرءان ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أُنُف قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أنِى برىء منهم وأنهم برءاء منِى والذى يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر اهـ

وكما فعل ابن عباس مع الخوارج فقد أخرج ابن سعد عن عكرمة قال سمعت ابن عباس يحدث عن الخوارج الذين أنكروا الحكومة فاعتزلوا علِى بن أبى طالب قال فاعتزل منهم اثنا عشر ألفًا فدعانِى علِىٌّ فقال اذهب إليهم فخاصمهم وادعهم إلى الكتاب والسنة ولا تحاجهم بالقرءان فإنه ذوو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة اهـ وأخرج ابن سعد عن عمران بن مناح قال فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم فِى بيوتنا نزل فقال صدقتَ ولكن القرءان حمّال ذو وجوه يقول ويقولون ولكن حاججهم بالسنن فإنهم لن يجدوا عنها محيصًا فخرج ابن عباس إليهم فحاججهم بالسنن فلم يبق بأيديهم حجة اهـ

وتبعهم فِى ذلك التابعون لهم بإحسان أخرج الإمام مالك فِى الموطأ عن عمه أبِى سهيل بن مالك أنه قال كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز فقال ما رأيك فِى هؤلاء القدرية فقلت رأيِى أن تستتيبهم فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف فقال عمر بن عبد العزيز وذلك رأيِى قال مالك وذلك رأيِى اهـ

وخلال تلك المحاورات والمحاججات كانوا يؤولون ما يسوغ تأويله وقد رويت عنهم فِى ذلك ءاثار تنوء بحملها الأسفار ... تنظر فِى كتب التفسير والآثار ولا سيما ما اهتم منها بشرح مشكل الأخبار. وفِى كتاب الأسماء والصفات للبيهقِى من ذلك جملة صالحة وفِى تفسير الإمام الطبِرىّ من ذلك شىء كثير.

وهذا وليُعلم أن التأويل ليس مذمومًا بإطلاق وإنما يذم منه ما كان مبنيًا على الهوى المضل أو الجهل المخل لما ورد من طرق كثيرة عن النبِىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) أما إذا كان من العالمين فليس يضر يدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس رضى الله عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفِى أو على منكبِى شك سعيد ثم قال اللهم فقهه فِى الدين وعلمه التأويل اهـ و أخرج البزار فِى مسنده عن سيدنا عمر بن الخطاب رضِى الله عنه أنه قال وإنما أتخوّف عليكم أحد رجلين رجل تأول القرءان على غير تأويله فيقاتل عليه ورجل يرى أنه أحق بالملك من صاحبه فيقاتل عليه اهـ

هذا وقد نظرت فى كتاب الله تعالى فلم أجد فيه ذم التأويل صريحًا إلا فِى قوله عز وجل (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) وقد قال العلامة ابن عاشور وقد ذكر علة الاتباع هو طلب الفتنة وطلب أن يؤولوه وليس طلب تأويله فِى ذاته بمذمّة بدليل قوله (والراسخون) كما سنبينه وإنما محل الذم أنهم يطلبون تأويلًا ليسوا أهلًا له فيؤولونه بما يوافق أهواءهم وهذا ديدن الملاحدة وأهل الأهواء اهـ أما فِى غير هذا الموضع فقد ورد مدح التأويل كما فِى قوله تعالى (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) وكل ما ورد فِى سورة يوسف فهو من هذا القبيل وقد كان علم التأويل من أسباب مشيخة العبد الصالح لموسى عليهما السلام كما فى قوله (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) بل إن القرءان الكريم شدد النكير على الذين يسارعون فِى الإنكار والتكذيب قبل أن يعرفوا تأويل ما أُلقِىَ إليهم من الخطاب كما فى قوله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) ومن هنا قال الراغب الأصبهانِىّ التأويل مِنَ الأَوْل أى الرجوع إلى الأصل ومنه المَوْئل للموضع الذِى يرجع إليه وذلك هو رد الشىء إلى الغاية المرادة منه علمًا كان أو فعلًا وقال فِى قوله (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أحسن معنى وترجمة وقيل أحسن ثوابًا فى الآخرة اهـ  وقال القاضِى أبو بكر بن العربِى ومن الناس من وقف دون المتشابه فلم يتكلم فيه، وسلم الأمر لله بيد أنه آمن بأنه من عنده وأنه مقصر عنه، فلو وقف هاهنا كما وقف عن الخوض فيه لكان منصفًا ولكنه قال أنا لا أتكلم فيه ولا يتكلم فيه غيري، والخبر أن مالكاً والأوزاعي تكلما فيه تارة وزجرا عنه أخرى بحسب حال المتكلم وهو الحق الذي لا يدان الله إلا به اهـ

فقد بان بما ذكر أن التأويل بشرطه مقبول عند الجميع وأن التفويض بشرطه مقبول عند الجميع وأنه لا خلاف بين الأمرين إلا عند من يصر على حمل تلك الآيات والأحاديث على الظاهر المتبادر أو الحيد فِى التأويل عن محكم القرءان وسنن اللسان. قال الفخر الرازِىّ

المقدمة فِى بيان أن جميع فرق الإسلام مقرون بأنه لا بد من التأويل في بعض ظواهر القرءان والأخبار.

أما في القرءان فبيانه في وجوه

الأول هو أنه ورد في القرآن ذكر الوجه وذكر العين وذكر الجنب الواحد وذكر الأيدِى وذكر الساق الواحدة فلو أخذنا بالظاهر يلزمنا إثبات شخص له وجه واحد وعلى ذلك الوجه أعين كثيرة وله جنبٌ واحد وعليه أيدٍ كثيرة وله ساق واحدة ولا نرى فِى الدنيا شخصًا أقبح صورة من هذه الصورة المتخيلة، ولا أعتقد أن عاقلًا يرضى بأن يصف ربه بهذه الصفة.

الثانِى إنه ورد فِى القرءان أنه (نور السموات والأرض) وأن كل عاقل يعلم بالبديهية أن إله العالم ليس هو هذا الشىء المنبسط على الجدران والحيطان وليس هو هذا النور الفائض من جرم الشمس والقمر والنار، فلا بد لكل واحد منا من أن يفسر قوله تعالى (الله نور السموات والأرض) بأنه منوِّر السموات والأرض أو بأنه هادٍ لأهل السموات والأرض أو بأنه مصلح السموات والأرض. وكل ذلك تأويل.

الثالث قال الله تعالى (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) ومعلوم أن الحديد ما نزل جِرْمُهُ من السماء إلى الأرض وقال (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) ومعلوم أن الأنعام ما نزلت من السماء إلى الأرض.

الرابع قوله تعالى (وهو معكم أينما كنتم) وقوله تعالى (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقوله تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) وكل عاقل يعلم أن المراد منه القرب بالعلم والقدرة الإلهية.

الخامس قوله تعالى (واسجد واقترب) فإن هذا القرب ليس إلا بالطاعة والعبودية ز فأما القرب بالجهة فمعلوم بالضرورة أنه لا يحصل بسبب السجود.

السادس قوله تعالى (فأينما تولوا ن فثم وجه الله) وقال تعالى (ونحن أقرب إليه منكم . ولكن لا تبصرون).

السابع قال تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا) ولا شك أنه لا بد من التأويل.

الثامن قوله تعالى (فأتى الله بنيانهم من القواعد) ولا بد فيه من التأويل.

التاسع قال تعالى لموسى وهارون (إنني معكما أسمع وأرى) وهذه المعية ليست إلا بالحفظ والعلم والرحمة. فهذه وأمثالها من الأمور التِى لا بد لكل عاقل من الاعتراف بحملها على التأويل (وبالله التوفيق)

أما الأخبار فهذا النوع فيه كثرة.

فالأول قوله عليه السلام حكاية عن الله سبحانه وتعالى (مرضتُ فلم تَعُدْنِى استطعمتُكَ فما أطعمتَنِى استسقيتُكَ فما سقيتَنِى) ولا يشك عاقل أن المراد منه التمثيل فقط.

الثانِى قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه (من أتانِى يَمْشِى أتيته هرولة) ولا يشك عاقل فِى أن المراد منه التمثيل والتصوير.

الثالث نقل الشيخ الغزالِىّ رحمه الله عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه أقر بالتأويل فِى ثلاثة أحاديث

أحدها قوله عليه السلام (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) وثانيها قوله عليه السلام (إنِى لأجد نفس الرحمن من جهة اليمن) وثالثها قوله عليه السلام حكاية عن الله عز وجل (أنا جليس من ذكرنِى) اهـ

الرابع حُكِىَ أن المعتزلة تمسكوا فِى خلق القرءان بما رُوِىَ عنه عليه السلام أنه تأتى سورة البقرة وءال عمران كذا وكذا (يوم القيامة) كأنهما غمامتان.  فأجاب أحمد بن حنبل رحمه الله وقال يعنِى ثواب قارئيهما وهذا تصريح منه بالتأويل.

الخامس قوله عليه السلام (إن الرحم يتعلق بحقوتِى الرحمن فيقول سبحانه وتعالى أصل من وصلك) وهذا لا بد له من التأويل.

السادس قال عليه السلام (إن المسجد لينزوِى من النخامة كما تنزوِى الجِلْدة من النار) ولا بد فيه من التأويل.

السابع قال عليه السلام (قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) وهذا لا بد فيه من التأويل لأنا نعلم بالضرورة أنه ليس في صدورنا إصبعان بينهما قلوبنا.

الثامن قوله عليه السلام حكاية عن الله تعالى (أنا عند المنكسرة قلوبهم) ليست هذه العندية إلا بالرحمة. وأيضًا قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى فِى صفة الأولياء فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ومن المعلوم بالضرورة أن القوة الباصرة التي بها يرى الأشياء ليست هِى الله سبحانه وتعالى .

التاسع قال عليه السلام حكاية عن الله سبحانه وتعالى (الكبرياء ردائِى والعظمة إزارِى) والعاقل لا يثبت لله تعالى إزارًا ورداء أى حقيقيين.

العاشر قال عليه السلام لأبِىّ بن كعب (يا أبا المنذر أية آية في كتاب الله تعالى أعظم فتردد فيه مرتين ثم قال فِى الثالثة ءاية الكرسِىّ فضرب يده عليه السلام على صدره وقال أصبتَ والذِى نفسِى بيده إنَّ لَهَا لسانًا يقدس الله تعالى عند العرش) اهـ ولا بد فيه من التأويل.

فثبت بكل ما ذكرنا أن المصير إلى التأويل أمر لا بد منه لكل عاقل. وعند هذا قال المتكلمون لما ثبت بالدليل أنه سبحانه وتعالى منزه عن الجهة والجسمية وجب علينا أن نضع لهذه الألفاظ الواردة في القرءان والأخبار محملًا صحيحًا لئلا يصير ذلك سببًا للطعن فيها.   فهذا تمام القول في المقدمة وبالله التوفيق[٤]. انتهى كلام الرازِىّ رحمه الله.

وقال العلامة الكوثرِىّ فمن أوَّل في كل موقع فهو قُرْمُطِىٌّ كافر ومن أبى التأويل فِى كل ءاية وحديث فهو حَجَرِىٌّ زائغ كابن الفاعوس الحنبلِىّ الذِى لُقِّب بالحَجَرِىّ لأنه كان يقول إن الحجر الأسود يمين الله حقيقة ... وقد قال ابن عقيل الحنبلِىّ هلك الإسلام بين طائفتين الباطنية والظاهرية والحق بين المنزلتين وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع وقال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد إن كان التأويل من المجاز البَيِّن الشائع فالحقُّ سلوكه من غير توقُّف أو مِنَ المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه وإن استوى الأمران فالاختلاف فِى جوازه وعدم جوازه مسألة فقهية اجتهادية والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين[٥] اهـ

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب الأجوبة المحررة على الأسئلة العشرة للشيخ محمد العمراوِىّ.

[٢] أخرجه الترمذِى فِى سننه.

[٣] وقد علل الشاطبِى فعل سيدنا عمر بصبيغ بسد ذريعة الابتداع فى الدين فقال رحمه الله وقصة صبيغ العراقي ظاهرة في هذا المعنى فحكى ابن وهب قال حدثنا مالك بن أنس قال : جعل صبيغ يطوف بكتاب الله معه ويقول من يتفقه يفقهه الله من يتعلم يعلمه الله فأخذه عمر بن الخطاب رضِى الله عنه فضربه بالجريد الرطب ثم سجنه حتى إذا خف الذي به أخرجه فضربه فقال : يا أمير المؤمنين إن كنت تريد قتلي فأجهز علِىّ وإلا فقد شفيتنِى شفاك الله فخلاه عمر.  قال ابن وهب قال مالك وقد ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيغًا حين بلغه ما يسأل عنه من القرآن وغير ذلك وهذا الضرب إنما كان لسؤاله عن أمور من القرآن لا ينبنِى عليها عمل وربما نُقل عنه أنه كان يسأل عن السابحات سبحًا والمرسلات عرفًا وأشباه ذلك والضرب إنما يكون لجناية أربت على كراهية التنزيه إذ لا يستباح دم امرئ مسلم ولا عرضه بمكروه كراهية تنزيه وإنما كان ضربه إياه خوف الابتداع فِى الدين وأن يشتغل منه بما لا ينبنِى عليه عمل، وأن يكون ذلك ذريعة ليبحث عن المتشابهات القرآنية اهـ انظر الاعتصام.

[٤] انظر أساس التقديس.

[٥] انظر السيف الصقيل.