لا عبرة بقول الحاسب والمنجم لتحديد ابتداء رمضان وانتهائه[١] (١)


قبسات من فوائد الشيخ مُلا علِىٌّ القارِى الحنفِىّ
المتوفى سنة ١٠١٤ ه رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم وبعد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارِىُّ فإن غُمَّ عليكم فاقدُروا له اهـ أى قدروا له لأجل تحقيق هلال رمضان عدد أيام شهر شعبان حتى تكملوا ثلاثين يومًا فَحَاصِل مَعْنَاه أَتموا شهر شعْبَان ثَلَاثِينَ، فيوافق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فأكملوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ) فِى الْمَعْنَى. وَقيل مَعْنَاهُ قَدِّروا لَهُ منَازِل الْقَمَر فَإِنَّهُ يدُلكم على أَن الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ أَو ثَلَاثُونَ. قَالَ ابْن سُرَيْج هَذَا خطابٌ لمن خصّه الله تَعَالَى بِهَذَا الْعلم وَقَوله (فأكملوا الْعدة) خطاب للعامة الَّتِى لم تُعنَ بِهِ كَذَا فِى النِّهَايَة وَنَقله عَنهُ مُحَشٍ.

أَقُول قَولُ ابْنِ سُرَيْج وَمن سبقه وَتَبعهُ باطلٌ لمخَالفَة الْإِجْمَاع على عدم الِاعْتِمَاد بقول المنجمين وَلَو اتَّفقُوا على أَنه يُرَى لقَوْله تَعَالَى مُخَاطبًا لخير أمة أخرجت للنَّاس خطابًا عَامًا (فَمن شَهِدَ مِنْكُم الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ) وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْخِطَابِ الْعَام (صُومُوا لِرُؤْيَتِه وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِه) وَلما فِى نفس هَذَا الحَدِيث (لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهلَال وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْه) وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنّا أُمةٌ أُميّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ) اهـ قَالَ الطبيِىُّ دلَّ على أَن معرفَة الشَّهْر لَيست إِلَى الكُتّاب والحُسّاب كَمَا يزعمه أهل النُّجُوم. انْتهى.

وَأَقُول لَو صَامَ المنجمُ عَن رَمَضَان قَبْلَ رُؤْيَتِهِ بِنَاءً على مَعْرفَته يكون عَاصِيًا وَلَا يُحسب عَن صَوْمه وَلَو جَعل عيدَ الْفطر بِنَاء على زَعْمِهِ يكون فَاسِقًا وَتجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة فِي فعله وَإِنْ عَدَّ الْإِفْطَار حَلَالًا فضلًا عَن عدَّه وَاجِبًا صَار كَافِرًا ومِنَ الْغَرِيب أَنه جعل المنجم من الْخَواص والبقية عَامَّةٌ لم تُعْنَ بِهِ!  وَأغْرب مِنْهُ نقل صَاحب النِّهَايَة قولَه وسكوتُهُ عَلَيْهِ الموهم مِنْهُ قبولَهُ فَإِنَّهُ لَا يحل لأحدٍ نقل كَلَامه إِلَّا بنية الرَّد عَلَيْهِ.

وَالله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب شرح نخبة الفكر فى مصطلح أهل الأثر للشيخ مُلا علِىّ القارِى رحمه الله تعالى.