تحريم ءالات اللهو[١]

قبسات من فوائد الشيخ طيب مُلا عبد الله البَحركِىّ

حفظه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد أرى من المناى أن أنقل لهم بعض الأحاديث النبوية وبعض الآثار من الصحابة والتابعين الكرام وبعض عبارات الفقهاء والمحدثين الشرفاء حول استماع واستعمال ءالات اللهو من المعازف والمزامير وغيرها المنتشرة فِى الناس بحيث صارت استعمالها عادة سائدة فلا يتجنبها إلا قلة قليلة وهم أهل الورع والتقوى جعلنا الله فى زمرتهم وغفر لنا ببركاتهم ءامين فأقول وبالله التوفيق

فلنزين صدر حديثنا بآيتين كريمتين وإن لم يكونا نصين فى ما نحن بصدد إثباته لكنهما تفيدان ظنًا بذلك وإننا لا نقتصر عليهما بل نؤكد مدلولهما بأحاديث عدة كما تعلم

الأولى قوله تعالى فى سورة الإسراء يخاطب البارِى عز وجل إبليس اللعين بها (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) فكتب الإمام الشاطبِىّ فى شرح هذه الآية ما ملخصه (السادسة فِى الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو، لقوله (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم) على قول مجاهد وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يتحسنه فواجب التنزه عنه. وروى نافع عن ابن عمر أنه سمع صوت زمارة فوضع أصبعيه فِى أذنيه، وعدل راحته عن الطريق وهو يقول يا نافع أتسمع فأقول نعم فمضى حتى قلت له لا فوضع يديه وأعاد راحلته إلى الطريق وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت زمارة راع فصنع مثل هذا)[٢] وقال الآلوسِىّ (وأخرج ابن المنذر وابن جرير وغيرهما عن مجاهد تفسيره أى تفسير صوت الشيطان فِى قوله تعالى (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) بالغناء والمزامير واللهو والباطل)[٣] فصوت الشيطان على تفسير مجاهد والضحاك وبعض ءاخر هو هذه المزامير والمعازف وأنواع الموسيقى التِى ينفخ فيها أو يدق عليها بأجهزة وبدونها.

الآية الثانية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) قال الشيخ ابن حجر الهيتمِىّ وروى البيهقِىّ عن ابن عباس أنه فسر لهو الحديث وأشباهه بالملاهِى قال وروينا عن إبراهيم النخعِىّ ومجاهد وعكرمة وزاد غيره روايته عن الحسن البصرِىّ وسعيد بن المسيب وقتادة[٤] وقال القرطبِىّ فِى شرح هذه الآية ما مخلصه قال مجاهد لَهْوُ الحديث الغناء والمزامير وقال الحسن المعازف والغناء وروَى الترمذِىّ وغيره من حديث أنس وغيره عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال (صوتان ملعونان فاجران أنهَى عنهما صوت مزمار ورنة شيطان عند نعمة ومَرَح ورنة عند مصيبة ولطم خدود وشق جيوب)[٥]. وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عن علِىّ عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بُعِثتُ بكسر المزامير) خرجه أبو طالب الغيلانِىّ. وروى الترمذِىّ من حديث علِىّ رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا فعلَتْ أُمتِى خمس عشرة خصلة حلَّ بها البلاء فقيل وما هنَّ يا رسول الله قال وذكر منها واتخِذَت القينات والمعازف) اهـ وفِى حديث أبِى هريرة (وظهرت القينات والمعازف) اهـ وروَى ابن المبارك عن مالك ابن أنس عن محمد المنكدر عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من جلس إلى قينة يسمع منها صُبَّ فِى أذنه الآنك يوم القيامة) اهـ وروى أسد بن موسى عن عبد العزيز بن أبِى سلمة عن محمد بن المنكدر قال بلغنا أن الله تعالى يقول يوم القيامة (أين عبادِى الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان أحِلّوهم رياض المسك وأخبروهم أنِى قد أحللت عليهم رضوانِى) انتهى.

وإليك أيها القارِئ الكريم باقة عطرة من رياض أحاديث خير البشر محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم الواردة حول تحريم استعمال واستماع آلات اللهو

١- روى الإمام البخارِىّ فِى صحيحه بسنده عن أبِى مالك الأشعرِىّ أنه سمع النبِىّ صلى الله عليه وسلم يقول (ليكوننَّ من أُمتِى أقوام يستحلون الحِرَّ والحرير والخمر والمعازف) إلى ءاخر الحديث فالمعازف ءالات اللهو[٦].

٢- روى الإمام أحمد فِى مسنده عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع أصبعيه فِى أُذنيه وعدل راحلته عن الطريق الحديثَ وفيه وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع صوت زمارة راع فصنع مثل هذا[٧].

٣- روى الإمام أحمد فِى مسنده (إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة)[٨] اهـ

٤- روى الإمام أحمد بن حنبل فِى مسنده بسنده عن أبِى أُمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعثنِى رحمة للعالمين وهدًى للعالمين وأمرنِى ربِى عز وجل بمحق المعازف والمزامير والأوثان والصلب اهـ

٥- قال الشيخ جلال الدين عبد الرحمن السيوطِىّ فِى كتابه الجامع الصغير                                                                                                  أخرج ابن أبِى الدنيا فِى ذم الملاهِى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليكوننَّ فِى هذه الأمة خسفٌ ومسحٌ وقذفٌ وذلك إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ) اهـ قال المناوِىّ فِى شرح هذا الحديث وفى هذا الحديث أن ءالة اللهو حرام ولو كانت حلالًا لما ذمهم على استحلالها.

وفِى الباب عن ابن عباس وأبِى أمامة وغيرهما عند أحمد والطبرانِىّ وغيرهما ويكفِى فِى الدلالة على حرمة استعمال ءالات اللهو عدها فِى عداد الخمر والقينات فِى هذه الأحاديث وغيرها.

٦- روى البيهقِىّ بسنده عن جابر بن عبد الله قال قال النبِىّ صلى الله عليه وسلم (إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة)[٩] اهـ

٧- جاء فِى كتاب كف الرعاع للشيخ ابن حجر الهيتمِىّ روى أحمد بن منيع وأحمد بن حنبل والحرث بن أبِى أسامة بلفظ إن الله عز وجل بعثنِى رحمة وهدًى للعالمين وأمرنِى أن أمحق المزامير والمعازف والخمور والأوثان) اهـ

٨- فِى كفِّ الرعاع أيضًا ومنه أىْ من أدلة حرمة ءالات اللهو عن ابن عباس رضى الله عنه قال الكوبة حرام والدن حرام والمعازف حرام والمزامير حرام رواه مسدد والبيهقِىّ فِى سننه الكبرى ورواه البزار مرفوعًا.

٩- فِى كف الرعاع أيضًا عن أبِى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يمسخ قوم من أمتِى فِى ءاخر الزماة قردة وخنازير قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسلمون هم قال نعم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنِى رسول الله ويصومون قالوا فما بالهم يا رسول الله قال اتخذوا المعازف والقينات) اهـ رواه مسدد وابن حبان.

١٠- فِى كف الرعاع أيضًا عن ابن مسعود رضى الله عنه أن النبِىّ صلى الله عليه وسلم قال إيّاكم وسماع المعازف رواه ابن الصرصرِىّ فِى أماليه.

فيحرم فى المشهور من المذاهب الأربعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) استعمال الآلات التى تطرب كالعود والطنبور والمعزفة والمزمار والرباب وغيرها من ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها (٤). فمن أدام استماعها، ردت شهادته، لقوله صلّى الله عليه وسلم ليكونن من أمتى أقوام يستحلون الخمر والخنازير والخز والمعازف اهـ رواه البخارِىّ وفى لفظ ليشربن ناس من أمتى الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات إلى ءاخر الحديث رواه ابن ماجه[١٠] وروى الترمذِىّ إذا فعلت أمتِى خمس عشرة خصلة حلَّ بها البلاء ... وفيه واتخذت القينات والمعازف[١١] اهـ

وفيما يأتِى أيها العزيز ننقل لك ولمن يصغِى إليه من المسلمين بعض النصوص من الفقهاء الكرام فى الكتب المعتمدة ونقول

قال الشيخ ابن قدامة المقدسِىّ الحنبلِىّ (فصل فِى الملاهِى: وهِى على ثلاثة أضرب محرم وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها فمن أدام استماعها ردت شهادته لأنه يروى عن علىّ رضى الله عنه - عن النبِىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا ظهرت فى أمتى خمس عشرة خصلة، حل بهم البلاء. فذكر منها إظهار المعازف والملاهي. وقال سعيد ثنا فرج بن فضالة عن على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعثنى رحمة للعالمين وأمرنى بمحق المعازف والمزامير لا يحل بيعهن ولا شراؤهن ولا تعليمهن ولا التجارة فيهن وثمنهن حرام[١٢].

ثم ساق صاحب المغنِى بعض الأدلة الأخرى منها الأثر والحديث المروِى عن ابن عمر رضِى الله عنه فِى حكاية سد الأذن من صوت الزمارة وقال ابن القيم الجوزية ومنها أى من هديه صلى الله عليه وسلم جواز إنشاد الشعر ما لم يكن معه لهو من محرم كمزمار وشبابة وعود[١٣].

وقال الشيخ ابن حجر الهيتمِى (يحرم ضرب واستماع كل مطرب كطنبور وعود ورباب وجنك وكمنجة ودريج وصنج ومزمار عراقى وغير ذلك من الأوتار والمعازف اهـ وقال أيضًا والمزامير تشمل الصرناى وهِى قصبة ضيقة الرأس متسعة الآخر يزمر بها فِى المواكب وتشمل الكوجة وهِى مثل الصرناى إلا أنه يجعل فِى أسفل القصبة قطعة نحاس يزمر بها فِى أعراس البوادِى وتشمل الناى وتشمل المقرونة وهِى قصبتان ملتقيتان[١٤]).

ونص الإمام النووِىّ فِى كتابه روضة الطالبين على حرمة أن يغنى ببعض آلات الغناء مما هو من شعار شاربى الخمر وهو مطرب كالطنبور والعود والصنج وسائر المعازف والأوتار يحرم استعماله واستماعه اهـ وعبارة المنهاج مع شرحه (وتحرم استعمال آلة من شعار الشربة كطنبور وعود وصنج ومزمار وسائر أنواع الأوتار والمزامير لأنه يطرب ولقوله صلى الله عليه وسلم ليكونن من أمتِى أقوام يستحلون الحر والحرير والمعازف[١٥]) اهـ

قال الرملِىّ (ولأن اللذة الحاصلة منها تدعو إلى فساد كشرب الخمر ولأنها شعار الفسقة والتشبه بهم حرام[١٦]) ومثلها عبارة تحفة المحتاج للشيخ ابن حجر الهيتمِىّ وقال أبو حامد الغزالِىّ وأما النرد وسماع الأوتار والمعازف والمزمار العراقِى كل ذلك حرام[١٧]) اهـ

فيا أيها القارِئ الكريم علك بما حررنا لك من هذه الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين الكرام وءاراء الفقهاء والمحدثين الأعلام وصلت إلى القناعة التامة بأن جميع آلات الملاهِى محرمة شرعًا استعمالًا واستماعًا وبيعًا وشراءً وإجارة واستئجارًا وغيرها ومن المعلوم أن كل شىء يحل خارجًا يحل فِى الأجهزة الإعلامية وغيرها وكل ما يحرم خارجًا يحرم فِى تلك الأجهزة أيضًا فآلات اللهو كما يحرم ميدانيًا يحرم أيضًا فِى الراديوات والتلفاز والقنوات وغيرها لأن علة الحرمة مشتركة بينها حيث إن الشارع حرمها حرمة بتة لم يدع مجالًا للاجتهاد فيها كما علمت قبلًا من الأحاديث الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فإذًا أرجوك رجاء المؤمن لأخيه المؤمن أن لا تغتر بقول بعض الجهلة حول استحلال هذه المحرمات بدون دليل (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

انتهى والله أعلم.

 


[١] المرجع كتاب حُجج المتقين فِى بعض المسائل من فور الدين للشيخ طيب ملا عبد الله البحركِىّ.

[٢] الجامع لأحكام القرءان ١٠/ ٢٩٠.

[٣] روح المعانِى ١٥، ١١١.

[٤] كف الرعاع.

[٥] شعب الإيمان للبيهقِى.

[٦] فتح البارِى.

[٧] الفتح الربانِىّ.

[٨] الفتح الربانِىّ.

[٩] نقله صاحب تحفة الأحوذى.

[١٠] للحدثين انظر نيل الأوطار.

[١١] الفقه الإسلامِى وأدلته.

[١٢] المغنِى لابن قدامه .

[١٣] زاد المعاد.

[١٤] الزواجر عن اقتراف الكبائر.

[١٥] مغنِى المحتاج شرح المنهاج.

[١٦] نهاية الرملِى.

[١٧] الوجيز.