تفنيد دعوَى بعض المؤلفين بطلانَ أحاديثَ فى ذمِّ بنِى أمية[١]

قبساتٌ من فوائد شيخ علماء مكة محمد العربِى بن التبانِىّ المالِكِىّ
المتوفى سنة ١٣٩٠ هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وسلم وبعد فقد أقحم هذا المؤلف نفسه فيما لا يحسنه فإطلاقه فى قوله (أحاديث وضعوها للتنفير من بنِى أمية) باطلٌ بستة أوجه

الأول ما أخرجه الإمامان أحمد بن حنبل فى مسنده والبخارِىُّ فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاك أمتِى على يدَىْ أغيلمة من قريش اهـ قال ابن بطال جاء المُرادُ بالهلاك مبينًا بحديثٍ ءَاخَرَ لأبى هريرة أخرجه ابن أبى شيبة من وجهٍ ءَاخَرَ عنه (أعوذ بالله من إمارة الصبيان) قالوا وما إمارة الصبيان قال إن أطعتموهم هلكتم أى فى أخراكم وإن عصيتموهم أهلكوكم أى فى دنياكم اهـ ويقول فى رواية ابن أبى شيبة أيضًا اللهم لا تدركنِى سنة ستين ولا إمارة الصبيان اهـ وفى روايةٍ عنه فى الصحيح اللهم إنِى أعوذ بك من رأس الستين وإمارة الصبيان اهـ وقد تُوُفِّى رضى الله تعالى عنه سنة سبع وخمسين وفى سنة ستين توفِىَ معاوية وتولى ابنُهُ يزيدُ.

وأخرج أبو يعلَى فى مسنده بسند فيه انقطاع كما قال ابن كثير وضعيف كما قال السيوطِىُّ والهيثمِى عن أبى عبيدة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال أمر أمتِى قائمًا بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من أمية يقال له يزيد اهـ وأخرج الرويانِىُّ فى مسنده عن أبى الدرداء رضى الله تعالى عنه قال سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول أول من يبدل سنتِى رجل من بنى أمية يقال له يزيد اهـ ويتقوَى هذان الحديثان بحديث أبى هريرة المتقدم هلاك أمتِى إلخ وبدعاء أبى هريرة على نفسه بالموت قبل ادراك سنة الستين له. فيزيدُ أولُ الغلمةِ المُهْلِكِينَ الأمةَ وإهلاكُهُ الأخيار من الصحابة كالحسن السبط رضى الله تعالى عنه بالسم دسَّ إلى أمرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس مائة ألف وواعدها التزوج بها بعد الحسن كما أهلك به بواسطة ابن أثال الطبيبِ النصرانِىّ عبدَ الرحمن بن خالد بن الوليد لاشتهاره عند أهل الشام شهرةً فاق بها أباه معاوية ومكانة أبيه فى الإسلام، وإهلاكه الحسين وأهل بيته وشهداء الحرة وإباحته مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحبيشه الأجلاف الغلاظ الجفاة ثلاثة أيام ورميه الكعبة بالمنجنيق وشربه الخمر وتركه الصلاة فى التاريخ أشهرُ من الغزالة.

الثانِى قال الحافظ ابن حجر فى فتحه فى كتاب الفتن فى شرح قوله صلى الله عليه وسلم (هلاك أمتِى على يَدَىْ غلمة سفهاء) ما نصه وقد وردت أحاديث فى لعن الحكم والد مروان وما ولد أخرجها الطبرانِىُّ وغيره غالبها فيه مقال وبعضها جيدٌ انتهى.

الثالث قوله (قام رجل إلى الحسن بن علِىّ بعدما بايع معاوية فقال سودت وجوه المؤمنين أو يا مسود وجوه المؤمنين فقال لا تؤنبنِى رحمك الله فإن النبِى صلى الله عليه وسلم أُرِىَ بنِى أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت {إنا أعطيناك الكوثر} يعنِى نهرًا فِى الجنة ونزلت {إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر} يملكها بنو أمية يا محمد) حديثٌ أخرجه الترمذِىُّ وغيره عزاه إليه القاضِى أبو بكر بن العربِى فى أحكامه فى تفسير سورة القدر.

الرابع قوله (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بني الحكم بن أبي العاص إلى قوله فما استجمع ضاحكًا حتى مات) حديثٌ أخرجه الحاكم وصححه وأقره الذهبِى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال إنِى رأيت فى منامِى كأن بنِى الحكم بن أبىِ العاص ينزون على منبرِى كما تنزو القردة قال فما رُؤِىَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم مستجمعًا ضاحكًا حتى توفِىَ اهـ

الخامس أخرج مسلم فى صحيحه من طريقين عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبِىَ صلى الله عليه وسلم أنه قال يهلك أمتِى هذا الحِى من قريش قالوا فما تأمرنا قال لو أن الناس اعتزلوهم اهـ

السادس أخرج الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبِىُّ عن أبِى ذَرّ الغفارِىّ رضى الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلًا اتخذوا مال الله دولًا وعباد الله خولًا ودين الله دغلًا اهـ وأخرجه أيضًا عن أبى سعيد الخدرِىّ رضى الله عنه عنه عليه الصلاة والسلام إذا بلغ بنى أبى ثلاثين رجلًا اختذوا دين الله دغلا وعباد الله خولا مال الله دولا اهـ وقال الذهبِىُّ فى ميزان الاعتدال فى مروان بن الحكم له أعمال موبقة اهـ وقال ابن كثير فى بدايته فى ترجمته ومن تحت رأسه جرت قضية الدار وبسببه حصر عثمان فيها اهـ وقال فى موضع ءَاخَرَ ومروان كان من أكبر الأسباب فى حصار عثمان لأنه زَوَّرَ على لسانه كتابًا إلى مصر بقتل أولئك الوفد انتهى. وقال الحافظ ابن حجر فى إصابته ثم كان من أساب قتل عثمان انتهى.

ومن أعماله الموبقة غير هذه قتله الصحابِى الجليل طلحة بن عبيد الله رضى الله تعالى عنه يوم الجمل ومنها دلالته مع ابنه عبد الملك جيش الشام على عورة أهل المدينة فكانا السبب الأعظم فى قتل أهل الحرة. ومنها خروجُهُ وبَغْيُهُ على ابن الزبير بعد مبايعة الأقطار الإسلامية وجُلِّ أهلِ الشامِ له. قال الأئمة مالكٌ وغيره ابن الزبير أحق بالخلافة من مروان وابنه اهـ ومنها لعنه حيدرة كرم الله تعالى وجهه على المنبر فى الجمع والأعياد ومخالفته سنة النبى صلى الله عليه وسلم بتقديمه خطبة العيد على الصلاة لأجل لعنه.

ومن موبقات ابنه إطلاقه عنان الظلم لعامله الحجاج فأفنى خلقًا من سادات المسلمين منهم ابن الزبير وقد ردَّ الخليفةُ العادلُ ابنُ أخيه عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه مظالمه ومظالم أولاده التى انتزعوها من الأمة إلى أهلها فأراد بنو عمه أن يسطوا به فلم يستطيعوا فعدلوا إلى كيده فَسَمُّوهُ فَمَضَى إلى الآخرة حميدًا شهيدًا مُبْكِيًّا عليه من جميع الأمة كما أبطل لعن علِىّ كرم الله وجهه على المنابر وأبدل ذلك بقوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والاحسان إلى ءاخرها) فلما مات رضى الله تعالى عنه رجع الكتان كما كان. وقد وضع أولاد مروان الجزية على ملوك السند والترك المسلمين فتسبب عن ذلك رجوعهم إلى الكفر وهذا كله مسطر فى تاريخ الإسلام.

القول فى معاوية

قوله فى معاوية (ارتضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتابة الوحِى) غير صحيح قال الحافظ ابن حجر فى الإصابة فى ترجمة عبد الله بن الأرقم الزهرِىّ استكتبه النبىُّ صلى الله عليه وسلم وكان يجيب عنه الملوك وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب ويختم ولا يقرؤه لأمانته عنده واستكتب أيضًا زيد بن ثابت وكان يكتب الوَحْىَ وكان إذا غاب ابن الأرقم وزيد ابن ثابت واحتاج إلى أحدٍ أمر مَنْ حضر أن يكتب فمن هؤلاء عمر وعلِىّ وخالد بن سعيد والمغيرة ومعاوية اهـ وبه يُعْلَمُ ما فى كلام المؤلف.

 

         وقوله (ورضيه الخلفاء الراشدون الثلاثة لإمارة الشام) غير صحيح أيضًا فإنَّ الصديق رَضِىَ الله تعالى عنه لم يوله أمارة الشام أصلًا فضلًا عن كونه ارتضاها له وإنما ولَّى أخاه يزيد بن أبى سفيان قائدًا على أحد الجيوش التى بعثها إلى الشام والفاروق لم يولِّه ابتداءً وإنما أَقَرَّهُ على عمل أخيه يزيد لما استخلفه هذا حين مرض وذو النورين أَقَرَّهُ على عمل أخيه وضمَّ إليه جميع أرض الشام.

وقوله (فيبعد كلَّ البعد أن يأمر أى معاوية المغيرةَ بن شعبة بسبّ علِىّ) غيرُ صحيح أيضًا فقد نقله التاريخ وعلى فرض عدم صحته فما هو جوابه عما تواتر من لعن عمَّاله لحيدرة على المنابر أيعقل أن يقع ذلك منهم بدون إذنه ورضاه وما جوابه أيضًا عما تواتر من قتل معاوية لحُجْرِ الخير وأصحابه وما قُتِلُوا إلا على إنكارهم على زياد بن أبيه الثرثرة فِى لعن من لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وعلى امتناعهم من لعنه والبراءة منه بمرج عذراء.

         وقد كان الجوابُ السديد للمستشرقين أن يقولَ لهم إن معاوية وغيره من الصحابة ليسوا بمعصومين عن الذنوب عندنا، وهذه المسألة لا تقدح فى إيمانه وفضله، ولا يُدْفَعُ التاريخُ المتواتر فيها بإثبات عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لمعاوية، وما بناه الدينُ لا تهدمه الدنيا فما بناه الدينُ لحيدرة كرم الله وجهه من الشرف المؤبد لا يستطيع أهلُ الأرض جميعًا هَدْمَهُ. قال الأئمة أحمد بن حنبل والنسائِىّ والقاضى إسماعيل وأبو علِى النيسابورِى لم يُنْقَلْ لأحدٍ من الصحابة كما نُقِلَ لعلِىّ من المناقب ولم يَرِدْ فِى حق أحد منهم بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء فى علِىّ وتتبع الإمام النسائِىّ ما خُصَّ به دون الصحابة فجمع منه شيئًا كثيرًا بأسانيد أكثرُها جيادٌ وسماه خصائص أمير المؤمنين علِىّ ابن أبى طالب اهـ ذكره الحافظ ابن حجر فى فتحه فى كتاب المناقب. قلتُ وخصائص أمير المؤمنين علِىّ للحافظ النسائِىّ مطبوع والمُقَدِّسُون لِبَنِى أميةَ خصوصًا يزيد بن معاوية والطاعنون فِى حيدرَة كرم الله وجهه فِى هذا العصر كثيرون منهم الخضرِى صحابُ المحاضرات ومحبُّ الدين الخطيب فى تعليقه على ما طُبع من العواصم والقواصم للقاضِى أبى بكر بن العربِى وقُدْوَتُهُمْ فِى التقديس والطعن الناصبِىُّ الملبِّس الشيخُ الحرانِىُّ يعنِى ابن تيمية فمن لم يُصَدّقنِى فليتجردْ عن العاطفة وليتحلَّ بالإنصاف ثم ليطالع منهاج سنته فإنه يجده قد طعن فى خلافة حيدة وفى مناقبه وفى مناقب أهل البيت بالبهتان والأساليب الملتوية وجعل رأىَ الخوارج فى حيدة كرم الله تعالى وجهه حجةً على الروافض وقَدَّسَ يزيدَ بن معاوية فِى جميع أعماله ومَدَحَهُ.

القول الحق فى المتوكل والمأمون

قوله (فى المتوكل حتى قيل إلخ) هذا القول من هذا القائل غلوٌّ وإسرافٌ ومعاذ الله تعالى أن يُقْرَنَ منادمً الأوباش علِىّ بن الجهم وعَبَّادة المخنَّث وأضرابِهِما المُتَفَكِّهُ فى مجالسه بثلبِ مَنْ لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق حيدرةَ كرم الله وجهه ورضى عنه بالصديق الأكبر أى أبى بكر والأشج أى عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنهما وطهر شرفهما من إلحاق شارب النبيذ بهما.

قوله فى المأمون (وكان متضلعًا من العلوم العقلية والنقلية) غير صحيح فلو كان متضلعًا من العلوم النقلية ما أرهق علماء المسلمين بالقتل والسجن وأكرههم على اعتناق عقيدته العوجاء الهوجاء عامله الله بما يستحقه.

قوله فى المأمون أيضًا (كان إلخ) لا اعتبار لتجريحه أى لتخريج المأمون لأئمة الحديث والسنة ومن هو حتى يُعتبر ترجيحه لهم وليس هو منهم حتى يُعتبر قوله فيهم وكان متأثر بالمعتزلة والمعتزلة من أبعد المبتدعة عن سنته صلى الله عليه وسلم وأشدهم عداوة لها ولحملتها والدليلُ على هذا نَبْزُهُمْ لحملتها بالحشوية وطعنهم فيها إذا لم توافق هواهم أو تأويلها بالتآويل الفاسدة وهذا أوضحُ عند أهل العلم من الغزالة[٢] والله أعلم.


[١] المرجع كتاب النقد المحكم الموزون لكتاب الحديث والمحدثون للشيخ محمد العربِى التبانِى رحمه الله تعالى.

[٢] الغزالة هِى الشمس.