محق التقول فى مسألة التوسل (٣)[١]
(الاستغاثة والاستعانة)

 قبساتٌ من فوائد وكيل مشيخة الإسلام محمد زاهد الكوثرِى
المتوفى سنة ١٣٧١هـ رحمه الله تعالى


الفصل الثالث

الحمد لله وصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين أما بعد فلا بأس أن نزيد كلمة فى الاستغاثة والاستعانة والكل من وادٍ واحدٍ ففِى حديث الشفاعة عند البخارِىّ (بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم) وهذا يدل على جواز استعمال الاستغاثة فى صدد التوسل.  وأما حديث (لا يستغاث بِى) عند الطبرانِىّ ففِى سنده ابن لهيعة وقد شرحنا حاله فِى الإشفاق فلا يناهض الحديثَ الصحيح.

وأما حديث (وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله) فمعناه عند استعانتك بأىّ مستعان فاستعن بالله على لينٍ فى طرقها كلها حملًا على الحقيقة فالمسلم لا ينسَى مسبب الأسباب عندما يستعين بسببٍ من الأسباب وها هو عمر رضِى الله عنه حينما استسقَى بالعباس رضِى الله عنه لم ينس أن يقول ءان الاستسقاء (اللهم فاسقنا) وهذا هو الأدبُ الإسلامِىُّ.

ولو لم نحمل الحديث على هذا المعنى لتكلفنا المجاز ولعارضته عدةُ ءَاياتٍ وأحاديثَ فِى سردها طولٌ. على أنَّ لفظ (إذا) فى الحديث بعيد عن إفادة معنى (كلما) بل هو مِن صِيَغِ الإهمال عند المناطقة فلا يكون للخصم مجال أن يتمسك به أصلًا. وزِدْ على ذلك إفرادَ الضمير والخاصةُ ومنهم ابن عباس رضِى الله عنهما يحسن بهم أن تكون استعانتهم بمسبب الأسباب.

وأما قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ففِى العبادة والهداية بقرينة السياق، والسياقُ كما هو الجدير بحال المناجاة فلا يكون فيه تعطيل الأسباب العادية الدنيوية.

وقد أحسن صديقنا العلامة صاحب المؤلفات الممتعة الأستاذ الكبير الشيخ محمد حسنين العدوِىّ المالكِىّ حيث ألف عدة كتب فى دفعِ شُبَهٍ يصطنعها التيميون حول التوسل فأزاح ظلماتهم ببيانه العذب وتحقيقه الرائع، ومقامُهُ فى العلم فوق منازل شيوخ مشايخ هؤلاء بدرجات اتفاقًا بين أهل العلم.

وأما سماع أصحاب القبور وإدراكهم فمن أوسع مَنْ سَرَدَ أدلة ذلك المحدث عبد الحِىّ اللكنوِىّ فى تذكرة الراشد وأما قوله تعالى (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ففِى حَقِّ المشركين عند المحققين وهناك تحقيقُ ذلك فلا تلتفت إلى مغالطات المغالطين.


خاتمة

وبالآيات وبالأحاديث التِى تقدمت والآثار يظهر أن من ينكر التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين أحياء وأمواتًا ليس عنده أدنى حجة وأنَّ رَمْىَ المسلمين بالإشراك بسبب التوسل ما هو إلا تهورٌ يرجع ضرره إلى الرامِى نسأل الله العافية.

وأما إن كان بين العامة مَنْ يُخطئ فى مراعاة أدب الزيارة والتوسل فمن واجبِ أهل العلم إرشادهم إلى الصواب برفق. وقد جرَى عمل الأمة على التوسل والزيارة إلى أن ابتدع إنكار ذلك ابن تيمية الحرانِىُّ فردَّ أهلُ العلم كيده فى نحره ودامت فتنته عند جاهلِى بلاياه.  وقد غلط الآلوسِىُّ وابنُهُ المتصرفُ فى تفسيره بعضَ غلطٍ تَرُدُّهُ عليهما تلك الأدلةُ وكانا مضطربين في مسائل مِن عدوَى جيرانهما وبعض شيوخهما وليس هذا بموضع بسط لذكر ذلك.

ومن أراد ان يعرف عملَ الأمة في التوسل بخير الخلق فليراجعُ مصباح الظلام فى المستغيثين بخير الأنام للإمام القدوة أبِى عبد الله النعمان بن محمد موسى التلمسانِىّ المالكِىّ المتوفَى سنة ٦٨٣هـ وهو من محفوظات الدار المصرية وفى ذلك كفاية لغير المتعنتين ومن الله الهداية والتوفيق.

انتهى والله أعلم.


[١] المرجع كتاب محق التقول فِى مسألة التوسل لوكيل مشيخة الإسلام محمد زاهد الكوثرِى رحمه الله.