بيان جواز تقبيل يد الرجل الصالح والقيام للداخل المسلم[١]

قبسات من فوائد خادم علم الحديث
الشيخ عبد الله بن محمد الهررِى
المتوفى سنة ١٤٢٩ هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعدُ فاعلم أنَّ تقبيلَ يد الصالح والحاكم التقِىِّ والغنِىِّ الصالح أمرٌ مستَحَب يحبّه الله، ويدل على ذلك أحاديث وءاثارٌ وردت عن النبِىّ والصحابة.

أما الحديث فما رواه الترمذِىّ وغيره أنَّ رجلين من اليهود قالا فيما بينهماتعالَ بنا إلى هذا النبِىّ صلى الله عليه وسلم لنسأله عن تسع ءاياتٍ التِى أنزلها الله على موسى وكان قصدُهما تعجيزه لأنّه أمِىّ فلمّا بيّن لهما دُهشا وقَبَّلا يديه ورجليه اهـوهذا الحديث قال فيه الترمذِىّحديث حسن صحيح اهـ

وروَى أبو الشيخ وابن مردويه عن كعب بن مالك رضِى الله تبارك وتعالى عنه قاللمّا نزلت توبتِى أتيت النبِىّ صلى الله عليه وسلم فقبّلت يديه وركبتيه اهـ وروَى البخارِىُّ فِى كتاب الأدب المفرد أنَّ علِىَّ بن أبِى طالب رضِى الله عنه قَبَّلَ يدَ العبَّاس ورجليه مع أنّ عليًّا أفضل منه درجة لكن من أجل أنّه عَمُّهُ وأنَّه صالحٌ قَبَّلَ له يدَه ورجليه.

كذلك عبد الله بن عبّاس رضِى الله عنه وكان من صغار الصحابة لمّا تُوفِّى الرسول صلى الله عليه وسلم صار يذهب إلى الصحابة ليتعلّم منهم وكان يذهبُ إلى زيد بن ثابت الذي كان أكثر الصحابة كتابةً للوَحْىِ ولمّا خرج من بيته ذات يوم أمسك عبد الله بن عباس له ركاب الدابة أى المحل الذِى يضع فيه راكبُ الدابّةِ رِجلَه فقبَّل زيدُ بنُ ثابت يد عبد الله بن عبّاس لأنَّه من ءالِ بيت النبِىّ صلى الله عليه وسلم وقال هكذا نفعل بأهلِ بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ مع أنّه أكبر سنًّا من عبد الله بن عبّاس. رواهُ الحافظ أبو بكر بن المقري في جزء تقبيل اليد.

وروَى ابن سعد فِى طبقاتهبإسناده عن عبد الرحمن بن زيد العراقِىّ قالأتينا سلمة بن الأكوع بالربذة فأخرج إلينا يده ضخمة كأنها خف البعير قالبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدِى هذه فأخذنا يده فقبلناهااهـوصحَّ أنَّ مُسلمًا كان يُقبّل يد البخارِىّ ويقول له ولو أذنت لِى لقبّلتُ رجلك اهـ

وفي كتاب التلخيص الحبير للعسقلانِىّما نصّه وفِى تقبيل اليد أحاديثُ جمعها أبو بكر بن المقرِى فِى جزء جمعناهُ منها حديثُ ابن عمرَ فِى قصةٍ قالفدنونا من النبِىّ صلى الله عليه وسلم فقبّلنا يده ورجله اهـ رواهُ أبو داود. ومنها حديث صفوان بن عَسّال قال قال يهودِىٌّ لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبِىّالحديثَ وفيهفقبّلا يده ورجله وقالانشهد أنَّك نبِىّ رواهُ أصحابُ السنن بإسناد قوِىّ.ومنها حديث الزارع أنّه كان فِى وفد عبد القيس قالفجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبّل يدَ النبِىّ صلى الله عليه وسلمالحديثَ رواه أبو داود. وفِى حديث الإفك عن عائشة قالتقال لِى أبو بكرقومِى فقبّلِى رأسه. وفِى السنن الثلاثةعن عائشة قالتما رأيتُ أحدًا كان أشبه سمتًا وهديًا ودَلًّا برسول الله من فاطمة وكان إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها فِى مجلسه وكانت إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبّلته وأجلسته فِى مجلسها. انتهى كلام الحافظ ابن حجر العسقلانِىّ.

وفِى هذا أيضًا إثبات جواز القيام للداخل إذا كان على وجه الإِكرام لا على وجه التعاظم.

وأمّا حديث أحمد والترمذِىّعن أنسأنهم كانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهيته لذلكفليس فيه دليل الكراهية لأنه مُتَأَوَّلٌ على أنه عليه السلام كان يخاف أن يفرض عليهم فكانت كراهيته لذلك شفقةً عليهم لأنَّه كان يحب التخفيف على أمّته، وقد صحّ أنه عليه الصلاة والسلام كان يحب العمل بالشَّىْءِ ويتركه للتخفيف على أمّته.

وأمّا ما رواهُ أبو داود والترمذِىّأنه عليه الصلاة والسلام قالمن أحبّ أن يتمثل له الرّجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار اهـ فهو القيام الذي كان يقومه الروم والفرس لملوكهم، كانوا إذا دخل ملوكهم المجلس يقومون فيتمثلون أي فيظلون قائمين إلى أن يخرج الملك من المجلس، وذلك معنى التَّمَثُّلِ لغةً.

أمّا ما يذكره محمّد عمر الداعوق اللبنانِىُّ فِى كتابه ندوات الأسر من أنَّ النبِىَّ صلى الله عليه وسلم اجتذب يده من يد رجل أرادَ أن يقبّله، فهو عند أهل الحديث شديد الضعفأورده في كتابه هذا مقبّحًا لتقبيل اليد على الإِطلاق، فما باله ترك الأحاديث الصحيحة واعتمد هذا الحديث الذي ليس له أصل من الصحّة، وهكذا يفعل الجهل بأهله.

والله تعالى أعلم.


[١]المرجع كتاب صريح البيان فى الردّ على من خالف القرءان للشيخ عبد الله بن محمد الهررِىّ رحمه الله تعالى.