خلاصة فِى أحكام التصوير[١] 

قَبَساتٌ من فوائد عالم مكة وشيخها
السيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ
المتوفى سنة ١٣٩١هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد المبعوث لتبيين شرائع الدين وعلى ءاله وصحبه أجمعين

أما بعد فهذا جواب عما سألت عنه أيها المستفيد موضحًا طبق المراد إن شاء الله تعالى وذلك أنك سألتنِى عن أحكام التصوير.

هذه الأحكام قد قتلها العلماء بحثًا وتقريرًا فى المذاهب الأربعة قديمًا وحديثًا حتى سئل عن ذلك الشيخ العلامة الفا هاشم الفوتِى الفلاتِى المقيم بالمدينة المنورة على صحابها أفضل الصلاة والتسليم فأجاب بجواب طويل على المذاهب الأربعة جمعه تلميذه الشيخ حسين حسن الطمائِى فى رسالة سماها إفادة أهل التنوير بما قيل من التفضيل فى التصوير على المذاهب الأربعة وطبعت هذه الرسالة بحمد الله تعالى.

وحاصل ما أجاب به هو

١- أن تصوير الصورة إن كانت حيوانية كاملة لها ظل لغير لعب البنات الصغار محرم بإجماع الأئمة الكبار ولا يؤخذ لها ثمن ولا أجرة كما صرح به أهل الاعتبار ولا تدخل ملائكة الرحمة فى محلها وفاعلها ملعون مستحق العذاب فى جهنم مكلف بنفخ الروح فيها وليس بنافخ عافانا الله من ذلك بفضله.

٢- وإن كانت الصورة حيوانية لها ظل لكنها ناقصة نقصًا يمنع الحياة بقطع الرأس أو النصف أو الصدر أو خرق البطن أو أىّ عضو لا حياة بعده أو تغيب ذلك بصبغ مغيّر أو تفريق الأجزاء كان اتخاذها مباحًا فى المذاهب الأربعة.

٣- وإن كانت الصورة حيوانية كاملة لكن لا ظل لها فهنا تفصيل وهو أنها إن كانت فى محل ممتهن كبساط وحصير ووسادة وفراش ونحوها كانت مباحة أيضًا فى المذاهب الأربعة إلا أن المالكية قالوا فعل هذا خلاف الأولى وليس مكروهًا.

٤- وإن كانت هذه الصورة الحيوانية الكاملة التى لا ظل لها فى محل غير ممتهن كحائط وقبة ومنارة وستر معلق وورق وسقف منعت عند الحنفية والشافعية والحنابلة وكرهت بلا تحريم عند المالكية.

٥- وإن كانت الصورة حيوانية كاملة لها ظل لكنها للعب البنات الصغار وتدريبهن على تربية الأولاد كانت مباحة فى المذاهب.

٦- وإن كانت الصورة لغير ذى روح كانت مباحة فى المذاهب الأربعة.

فعلم أن المجمع على تحريم اتخاذه من تصوير الأكوان ما اجتمع فيه خمسة قيود

١- أولها كون الصورة للإنسان أو للحيوان عامة.

٢- ثانيها كونها كاملة لم يعمل فيها ما يمنع الحياة من النقصان كقطع رأس أو نصف أو بطن أو صدر أو خرق بطن أو تفريق أجزاء لجسمين.

٣- ثالثها كونها فى محل يُعظّم لا فى محل يسام بالوطء والامتهان.

٤- رابعها وجود ظل لها فى العيان.

٥- خامسها أن لا تكون لصغار البنات من النسوان.

فإن انتفى قيد من هذه الخمسة كانت مما فيه اختلاف العلماء الأعيان فتركها حينئذ أورع وأحوط للأديان ولا ينكر على فاعلها إنكار زجر كفاعل ما أجمع على تحريمه من أمور العصيان لأن اختلاف علماء الأمة رحمة من الرحمن بل بالنصح والإرشاد إلى الخروج من خلاف العلماء كما عليه أهل الكمال وسد ذرائع الفساد فى الزمان، وعند تكامل القيود يجب تركها على الإنسان وينكر عليه بالزجر لخرقه إجماع أهل العلم وهو سبب لاستحقاق النيران لازلنا فى عافية من المنان.

ذكر الأدلة للعلماء الأجلة

أما إباحة الجمهور (المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة) الصورة الحيوانية التى لا ظل إذا نقصت نقصًا يمنع الحياة كقطع الرأس أو النصف أو الصدر أو خرق البطن أو تفريق الأجزاء أو تغييب ذلك بصبغ مغير فدليلها استعماله صلى الله عليه وسلم ما فيه تصاوير بعد القطع والتغيير ففى شرح ابن حجر والقسطلانِىّ على صحيح البخارِىّ أنه لما قطع الستر وقع القطع فى وسط الصور فخرجت عن هيئتها فلذا صار يرتفق بها.

روى الإمام أبو حنيفة فى مسنده والإمام أحمد فى مسنده وأبو داود والترمذِىّ والنسائِىّ وابن حبان والطحاوِىّ وغيرهم الحديث الدال على ذلك.

وأما إباحة الجمهور من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم الصورة الحيوانية الكاملة التى لا ظل لها إذا كانت فى محل ممتهن أو إذا انقطعت إلا أن المالكية جعلوها خلاف الأولى بلا كراهة فدليلها مع ملاحظة ما سبق أن عائشة رضى الله عنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت فى وجهه الكراهية فقالت يا رسول الله أتوب إلى الله تعالى وإلى رسوله ماذا أذنبت فقال ما بال هذه النمرقة قالت اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ثم قال إن البيت الذى فيه الصورة لا تدخله الملائكة رواه الإمام مالك وأحمد والبخارِىّ ومسلم وزاد فى رواية أن عائشة رضى الله عنها قالت فأخذته فجعلته مرفقتين فكان صلى الله عليه وسلم يرتفق بها فى البيت.

وأما منع الصورة الحيوانية الكاملة التى لا ظل لها إن كانت فى غير ممتهن عند الحنفية والشافعية والحنابلة وكراهتها بلا تحريم عند المالكية فدليله حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قدم النبىّ صلى الله عليه وسلم من سفره وفى البيت ستر فيه صورة فأمرنِى أن أنزعه فنزعته رواه الشيخان وفى رواية لها أنها استترت بقرام فيه صورة فتلون وجهه صلى الله عليه وسلم فهتكه ثم قال إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله تعالى.

وأما إباحة بعض السلف رضى الله عنه الصورة الحيواينة الكاملة التى لا ظل لها مطلقًا ولو كانت فى محل غير ممتهن فدليلها أن زيد بن خالد حدث عن أبى طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة ثم اشتكى زيد فعاده بسر بن سعيد وعبيد الله بن الأسود فإذا على بابه بستر فيه صورة فقال بسر لعبيد الله ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول فقال عبيد الله ألم تسمعه حين قال إلا رقمًا فى ثوب رواه الشيخان وأبو داود والنسائى والطحاوِىّ.

وأما إباحة الجمهور من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم الصورة الحيوانية التى لها ظل للبنات الصغار فدليلها حديث عائشة رضى الله عنها أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فكانت تأتينى صواحبِى فكن ينقمعن منه صلى الله عليه وسلم فكان يُسربهن إلىَّ رواه مسلم وابن وهب المالكِى. قال القاضى عياض فيه جواز اللعب بهن وهن مخصوصات من الصورة المنهِى عنها لهذا الحديث ولما فيه من تدريب النساء فى صغرهن لأمر أنفسهن وبيوتهن وأولادهن وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن ذكره النووىّ.

وأما إباحة الجمهور المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم من الأعيان تصوير ما ليس من الحيوان فدليله أن رجلًا قال يا ابن عباس إنما معيشتِى من صنعة يدِى وإنى أصنع هذه التصاوير فأجابه بحديث من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدًا فربا الرجل[٢] ربوة شديدة واصفرَّ وجهه فقال له ابن عباس ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر وكل شىء ليس فيه روح رواه البخارِىّ.

إذا ما علمت ما حررناه وفهمت ما سطرناه من أحكام التصوير فاعلم أنه لا فرق بين فعله بماشرة اليد وبين تحصيله بسبب تحريك اليد أو أىّ عضو لآلة التصوير فإن ما يحصل بآلة الخياطة المسماة المكينة وآلة الطحن والحرث والسقِى وطبع الكتب والتحريق وأحبولة الصيد وما ينشأ عن حفر بئر وأمثال ذلك ينسبه إلى من هو السبب فيه قال تعالى فى النفس (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) وقال فى اليد (ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدِى الناس) فاليد أو العضو الآخذة لآلة التصوير يكون عليها ما تنشأ عن ذلك لأجل النسب فى حصول التأثير فهى تؤدى ذلك يوم النشور فلا فرق إذن بين التصوير الشمسِى الفتوتوغرافى والرسم باليد النصفِى والكامل والتماثيل النصفية والكاملة لما علمت أن الفعل يجرِى مجراه التسبب فى كثير من الأحكام كما هو مقرر عند الفقهاء ولا التفات إلى كلام من حاول إخراج التصوير الشمسى من وعيد التصوير ويخيل فيه تخيلات فاسدة وأوهاما كاسدة فاعلم ذلك والله ولى التوفيق هذا حاصل ما فى الرسالة للشيخ الفا هاشم الفوتِى رحمه الله تعالى.

قال السائل تصوير أو اتخاذ النصف الأعلى من الحيوان أو الرأس أو الوجه حرام أم لا.

أقول الجواب أن تصوير الحيوان حرام مطلقًا عند الشافعية على المعتمد وأما اتخاذ الصورة ففيه تفصيل عندهم إن كانت صورة كاملة حيوانية وهى فى محل غير ممتهن فتحرم وتحرم الأجرة عليها وإن كانت فى ممتهن فيباح اتخاذها والنظر إليها وإن كانت الصورة الحيوانية على هيئة لا تعيش بها بأن قطع رأسها أو وسطها أو نصفها الأسفل أو خرق بطنها أو صورت بلا رأس فتباح اهـ

والله تعالى أعلم.

 


[١] المرجع كتاب مجموع فتاى ورسائل السيد علوِى المالكِى الحسينِى رحمه الله تعالى.

[٢] قوله (فربا الرجل) أى انتفخ قال الخليل ربا الرجل أصابه نفس فِى جوفه وهو الربو والربوة وقيل معناه ذعر وامتلأ خوفا اهـ قاله الحافظ فى الفتح.