سيدنا سليمان وعرض الخيل[١]

قبساتٌ من فوائد الشيخ محمد هشام المجذوب
الرفاعِى الحسنِى المتوفى سنة ١٤٣٧ هـ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد فاعلم يا أخِى وفقنا الله تعالى جميعًا أنه إذا ذكر مقدمةٌ وعنوان فيه مدح لإنسان وذكرت بعده قصة فالواجب أن تكون هذه القصة تأييدًا لهذا العنوان. على هذه القاعدة تفسر قصة سيدنا سيلمان عليه السلام وغيره من الرسل.

قال سبحانه { وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } فهذا عنوان بمدح وحمد سّيدنا سليمان فهو نعم العبد وهو أوّاب أى رجاعٌ فى كل أموره إلى الله تعالى.

فالقصّة بعد ذلك تأكيد لهذا العنوان {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِى الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّى حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} أى عُرض على سليمان بالمساء بعد الظهر الخيلُ الصّافنات أى التى تقف على ثلاث قوائم وتستند على طرف القائمة الرابعة للاستراحة وهذا من عادة الخيل الأصيلة عُرِضَتْ عليه إعدادًا للجهاد فى سبيل الله حتى غابت الشمس اهتمامًا منه بالجهاد فقال إنّى أحببت حبّ الخير أى الخيل حبًّا صادرًا عن أمر ربّى الله لا عن رغبة نفسى {رُدُّوهَا عَلَىّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} أى بدأ يمسح ساقها وعنقها تشجيعًا لها ومباركة لأنها أجادت فى العرض وجادت وفازت كما يهنئ الرجل ولده إذا كان مجتهدًا فيمسح على رأسه تنشيطًا له.

وأما قول بعض المفسرين (إنه انشغل بالخيل عن ذكر الله والصلاة فبدأ يقطع رؤوسها وقوائمها) فهذا من الإسرائيليّات المكذوبة على سليمان وهى تنافى قوله تعالى {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} اهـ

سيدنا سليمان وعدم استثناء المشيئة

عن النبى صلى الله عليه وسلم قال قال سليمان بن داود (لأطوفنّ الليلة على مئة امرأة كلّهنّ تأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله) فقال له صاحبه قلْ (إن شاء الله) فلم يقل (إن شاء الله) أى نسى أن يقول، فطاف عليهن فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشقّ إنسان والذى نفس محمد بيده لو قال (إن شاء الله) لم يحنَث وكان دركًا لحاجته اهـ

وهذا الشِقّ هو المقصود بقول الله تعالى {وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} فكلمة (إن شاء الله) سنّةٌ وتَرَكَها سليمان ناسيًا فاعتبر ذلك تقصيرًا عن الأحسن والأفضل فتاب إلى الله منه وهذا يدل على فضله لأن الإنسان لا يؤاخذ بالنسيان {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكًا لَا يَنْبَغِى لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِى الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}. وهذه خاتمة تنبهنا و تدلنا على فضل سليمان و المقدمة السابقة كذلك {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.

وقوله تعالى {فَتَنَّا} أى امتحناه وقوله {لَزُلْفَى} أى منزلة قُربى عند الله تعالى {وَحُسْنَ مَآبٍ} أى فى الآخرة والجنة.

ذكر فى بعض التفاسير أن مُلْكَ سليمان كان فى خاتمه فأخذه جنى اسمه صخر وأخذ المُلك من سليمان عشرات الأيام حتى وقع الخاتم فى البحر وابتلعته سمكة و أخذ سليمان الخاتم من السمكة و عاد له ملكه، فهذا من الإسرائيليات ومن وضع اليهود لعنهم الله تعالى وهى مخالفة للآيات القرآنية والفضل والشرف فى سليمان لا فى خاتمه.

 


[١] المرجع كتاب القول الفصل لحسم مسائل الخلاف للشيخ محمد هاشم المجذوب رحمه الله تعالى.