فرعون هالك فى الآخرة [١]

قبسات من فوائد الشيخ محمد بن يوسف الكافى المغربِىّ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم وبعد فإن فرعون حكمه كحكم غيره ممن ادّعى الألوهية استمرار العذاب اللائق بافترائه على منصب الألوهية ومن قال بأنه ناج عند الله افترى كذبًا ويكفر لتكذيبه الله تعالى فِى خبره (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملائه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأُتْبعوا فى هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) قال حبر هذه الأمة فى تفسير قوله تعالى (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) التسع (وسلطان مبين) حجة بيّنة والآيات هى حجة بينة (إلى فرعون وملائه) رؤسائه (فاتبعوا أمر فرعون) وتركوا قول موسى (وما أمر فرعون برشيد) بصواب (يقدم قومه) يتقدم ويقود قومه (يوم القيامة فأوردهم النار) فأدخلهم النار (وبئس الورد المورود) بئس المدخل فرعون وبئس المُدْخِلُ قومه ويقال بئس الداخلُ فرعون وبئس المدخل قومه ويقال بئس الداخل فرعون وقومه وبئس المدخل النار (وأتبعوا فى هذه لعنة) أهلكوا فى هذه الدنيا بالغرق (ويوم القيامة) لهم لعنة أخرى وهى النار (بئس الرفد المرفود) يقال بئس الغرق ورفده النار ويقال بئس العون وبئس المعان وفى خبره تعالى أيضًا (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلِّى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده فى الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليمّ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبحون).

أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما قال فرعون (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى) قال جبريل عليه السلام يا رب طغا عبدك فأذن لى فى هلكه قال يا جبريل هو عبدى ولن يسبقنى له أجل قد أجلته حتى يجىء ذلك الأجل فلما قال (أنا ربكم الأعلى) قال يا جبريل قد سكنت روعتك بغى عبدى وقد جاء أوان هلاكه.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان قالهما فرعون (ما علمت لكم من إله غيرى) وقوله (أنا ربكم الأعلى) قال كان بينهما أربعون سنة (فأخذه الله نكال الآخرة والأولى).

 

فإن قيل ألم يؤمن فرعون بقوله (آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) نعم آمن حيث لا ينفع الإيمان وندم على ما فعل حيث لا ينفع الندم وتاب حيث لا تنفع التوبة ورجع إلى إلهه وإله بنى إسرائيل وإله الخلق أجمعين فى زمن لا ينجع فيه الرجوع وذلك عند تحققه بالغرق ومشاهدته بأس الله تعالى قال الله تعالى (وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيًا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت) الآية وجرت سنة الله فى الكافرين إذا ءامنوا عند مشاهدة ما به هلاكهم لا ينفعهم إيمانهم إلا ما استثناه الله تعالى حسبما يأتى التصريح به فى الآية الآتية إن شاء الله تعالى قال الله تعالى فى حق الكافرين (فلما رأوا بأسنا قالوا ءَامَنَّا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التى قد خلت فى عباده وخسر هنالك الكافرون) وقال تعالى (إن الذين حَقَّتْ عليهم كلماتُ ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحيواة الدنيا ومتعناهم إلى حين).

أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضى الله عنهما لما دعا يونس على قومه أوحى الله إليه أن العذاب مصبحهم فقالوا ما كذب يونس وليصبحنا العذاب فتعالوا حتى نخرج سخال كل شىء فنجعلها مع أولادنا فلعل الله أن يرحمهم فأخرجوا النساء معهن الولدان وأخرجوا الإبل معها فصلانها وأخرجوا البقر معها عجاجيلها وأخرجوا الغنم معها سخالها فجعلوها أمامهم وأقبل العذاب فلما أن رأوه جأروا إلى الله[٢] ودعوا وبكى النساء والولدان ورغت الإبل وفصلانها وخارت البقر وعجاجيلها وثغت الغنم وسخالها فرحمهم الله فصرف عنهم العذاب إلى جبال ءامد اهـ

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب المسائل الكافية فى بيان وجوب صدق خبر رب البرية للشيخ محمد بن يوسف الكافىّ.

[٢] قوله (جأروا إلى الله ) قالى فى تاج العروس جَأَرَ الدّاعِى كمَنَعَ يَجْأَرُ جَأْرًا وجُؤَاراً بالضمّ رَفَعَ صوتَه بالدُّعاءِ. وَفِي التَّنْزِيل إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ قَالَ ثَعْلَب هُوَ رَفْعُ الصَّوتِ إِليه بالدُّعاءِ. وجَأرَ الرجلُ إِلى الله تَضَرَّعَ بالدُّعاءِ وَضَجَّ واستغاثَ. اهـ المنتصر بالله.