فضل العلم[١]

قَبَساتٌ من فوائد عالم مكة وشيخها
السيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ
المتوفى سنة ١٣٩١هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين أما بعد فإن خير ما يكسبه المسلم في حياته هو العلم النافع، بِهِ يسعد المؤمن وينال مكانته العالية، أفضلُ الناس هو العالم العامل. وقد رفع الله مكانة العلماء وليس هناك دين من الأديان رفع مكانة العلماء وأعلى درجتهم وحثَّ على تعلم العلم واستعمال النظر كالدِّينِ الإسلامِىِّ وناهيك بدينٍ يحتضن العلم الصحيح في عصور أظلمت بالجهل غَيَّرَ فيها الأحبار والرهبان نصوص الحق وبدلوا محَيَّا خصائصه وكتموا أسراره فجاء الدين الإسلامِىّ يكشف الحجاب عن حقائق العلم (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) فيأمر القرءان الكريم وينادي نبِى الإسلام بطلب الاستزادة من العلم بقوله جل ذكره (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا).

جاء القرءان ينادي برفعة شأن العلماء حيث يقول الله تعالى فيه (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءآمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)،جاء القرءان الكريم مُنكرًا المساواة بين الجاهل والعالم حيث يقول الله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، جاء القرءان الكريم يستحث الناس على طلب العلم النافع حيث يقول الله تعالى فيه (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

 بين القرءان العظيم أن العلماء هم المنتفعون بالآيات الربانية الكونية حيث يقول الله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ). بين القرءانُ فضل العلماء وأنهم أخوف الناس من الله لأنهم أعرف المخلوقات بجلاله فقال تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) كما حثّ على النظر وطلب الاعتبار حيث يقول تعالى فيه (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وقال تعالى (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) وقال جل ذكره (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وقال (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ).

كما أوردت السنة النبوية الطاهرة فِى فضلِ العلم والعلماء والحثِّ على تعلم العلم شيئًا كثيرًا، من ذلك قولُ النبِىِّ صلى الله عليه وسلم (ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب، وإن العالم يستغفر له من في السموات ومن فِى الأرض حتى الحيتان في البحر وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، والعلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر). وقد جعل الشارعُ الحكيمُ أجرَ العلمِ باقيًا بعد الموت غير مقطوع فقد روى الإمام مسلم عن النبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

بهذا ظهر لنا أن الدين الإسلامِىّ دين يُمَجِّدُ العِلْمَ والعلماء في كل المجالات النافعة للدنيا والآخرة ولا يتنافَى مع العلم بل يسانده ولا يقاومه بل يظاهره فكيف يصح لإنسان أن يتهم الدين الإسلامِىّ بمعاداةِ العلم.  بل هذا من التهم الباطلة التِى يلصقها بالإسلام المفسدون.

إن العلم يُعَرِّفُكَ كيف تُؤَدِّى حقَّ الله وحقَّ الناس ويرشدك إلى طريق الاستقامة ويُشَوِّقُكَ إلى الفضائل، فهلموا يا عباد الله إلى مجالس العلم الشرعِىّ النافع لِتَصُولُوا به على أعداء الحقّ وأولياء الشيطان ولِتُعِزُّوا دين الله وتنصروا كلمته ولترفعوا مقامه ولتدفعوا عن المستضعفين دفاع من لا يخشَى في الحقّ لومةَ لائم ولتأخذوا حَظَّكُم من معرفة عمل الدنيا للاستغناء عن الخلق. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

نسأل الله عز وجل أن يرزقنا علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا وقلبًا خاشعًا والحمدُ للهِ ربِّ العالمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وعلى ءاله وأصحابه أجمعين.


[١]المرجع كتاب نفحات الإسلام من محاضرات البلد الحرام للسيد علوِىّ بن عباس المالكِىّ رحمه الله تعالى.