قبساتٌ من فوائد الإمام الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقِى[١]

المتوفى سنة رحمه الله تعالى ٨٠٦ هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الحافظ العراقى رحمه الله

كثير من الناس يغتر بالمنامات وإنما قال النبِىُّ صلى الله عليه وسلم لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرَى له اهـ رواه البخارِىُّ ومسلمٌ من حديث أبِى هريرة. فإذا كانت الرؤيا مخالفة لما أتى به أو نهَى عنه أو لما كان معهودًا فِى زمانه استدللنا على أن الرؤيا فيها اختلال أو تخيل. قال الإمام أبو عبد الله المازِرِىّ إنه لو رءاه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيَّلَة لا المرئية انتهى

وأيضًا فلا بد من كون الرائِى له من أهل الدين والعدالة ليُمَيَّزَ الحقُّ من الباطل فلو كان غيرَ ثقة أو مجهولَ الحال لم نثق بقوله فإنه لو رَوَى حديثًا فِى اليقظة من غير نوم لم يُقْبَل قوله فى هذه الحالة فكيف يقبل مع عدم الثقة به وانضم الى ذلك أنه ليس من أهل التكليف حال نومه فلا يجب عليه حينئذٍ ما ادَّعى أنّه أمره به ولا يحرم عليه ما أحلَّ له لكن إذا وافق ذلك شريعته المقرَّرَة فيستحبُّ له الإتيان بما أمره به والانتهاء عمَّا نهاه عنه إن كان منهيًّا عنه فِى شريعته، والاعتمادُ على كونه مشروعًا.

ويتأكد ذلك بالرؤيا إن كانت[٢] من أهل الصدق والأمانة والتقوى والخوف من الله، وإلا فقد كذب جماعة عليه فِى أحاديث موضوعة واعترف بعضُهم بوضعها وهو أشد من الكذب عليه فِى المنام لأن الكذب عليه فِى اليقظة مُخْتَلَفٌ فِى الكفر به [٣] فذهب الشيخ أبو محمد الجوينِىُّ والدُ إمام الحرمين إلى التكفير به لقوله صلى الله عليه وسلم إن كذِبًا علىَّ ليس ككذب على أحد فمن كذب على متعمدًا فلْيَتَبَوَّأْ مقعدَه من النار اتفق على إخراجه البخارِىُّ ومسلم ولو قال قائل بعموم الحديث فِى الكذب عليه ولو فِى المنام لم يكن بعيدًا. وربَّما ظنَّ الذِى يزعم أنه رأى ذلك فيه تقوية لاعتقاد المريدين فيستحسنه فيكون مستحلًّا له فيقع فى الكفر.

وقد تعرَّض لذلك الإمام أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسىُّ فِى تفسيره المسمَّى بالبحر المحيط فِى سورة الأعراف فقال وقد ظهر فِى هذا الزمان العجيب ناس يُسَمَّون بالمشايخ ويَلْبسون ثياب شهرة عند العامَّة بالصلاح ويتركون الاكتساب ويُرَتبون لهم أذكارًا لم تَرِد فى الشريعة يجهرون فِى المساجد ويجمعون لهم خدامًا يجلبون الناس إليهم لاستخدامهم لهم ونتش أموالهم وُيِذيعون عنهم كرامات ويرون لهم منامات ويدوّنُونها فِى أسفار ويحضُّون على ترك العلم والاشتغال بالسنة ويرون أن الوصول إلى الله تعالى بأمور يقدرونها من خلوات وأذكار لم يَأْتِ بها كتاب منزل ولا نبىٌّ مرسل ويتعاظمون على الناس بالانفراد على سجادة ونصب أيديهم للتقبيل وقلَّةِ الكلام وإطراق الرأس وتعيين خادم يقول الشيخ مشغول فى الخلوة رَسَمَ الشيخُ قَال الشيخُ رأى الشيخُ الشيخُ نَظَرَ إليك الشيخُ كان البارحةَ يذكرك إلى نحوِ هذا اللفظ الذِى يغشون به العامة ويجلبون به عقول الجهلة هذا إن سَلِمَ الشيخُ وخدَّامُه من الاعتقاد الذِى غلب الآن على المتصوّفة هذا الزمان من القول بالحلول أو القول بالوحدة فإن ذاك يكون منسلخًا عن شريعة الإسلام بالكلية قال والعجب لمثل هؤلاء الذين حين ترتَّبُ لهم الرواتب وتُبْنَى لهم الرُّبُط وتُوقَفُ عليهم الأوقاف ويخدمُهُم الناس مع عروّهم عن سائر الفضائل ولكنَّ الناسَ أقرب إلى أشباههم منهم إلى غير أشباههم اهـ

قلت وأنا المنتصر بالله انتهى كلام العراقي منقولًا من الباعث على الخلاص من حوادث القصاص وصلى الله على سيدنا محمد القائل من تحلَّم بحُلم لم يره كُلّفَ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل رواه البخارِىّ، ورحم الله الإمام الجنيد البغدادِىّ القائل طريقنا مقيد بالكتاب والسنة كل طريقة خالفت الشريعة فهِى زندقة اهـ والله أعلم.

 


[١] المرجع كتاب الباعث على الخلاص من حوادث القصاص للعراقِىّ.

[٢] إن كانت أى إن حصلت. المنتصر بالله.

[٣] الراجح والمعتمد أنَّ مجرد الكذب على النبى صلى الله عليه وسلم ليس كفرًا ولكنه كبيرة من الكبائر إلا إن تضمن تكذيبًا لله أو للرسول أو للشرع فإنّه يكون كفرًا عند ذلك. المنتصر بالله.