كتابة الحديث فى عصر التابعين وتابعيهم[١]

قَبَساتٌ من فوائدِ مُحَدِّثِ الديارِ الهِنْدِيَّة
الشيخ حبيبُ الرحمن بن محمد صابر الأعظمِىّ
المتوفَى سنة ١٤١٢هـ رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وعلى ءاله وصحبه أما بعد فإن كتابة الحديث كانت كثيرة منتشرة فى من التابعين إمّا هم كتبوا أو كتب من سمع منهم وإليك أمثلةّ عن ذلك

١- قبل لإبراهيم النخعِىّ ما لسالم بن أبى الجعد أتمُّ حديثًا منك قال لأنه كان يكتب.[٢] توفِى سالم سنة ١٠١ للهجرة وقد سمع من بعض الصحابة.

٢- قال أبو الزناد كنا نطوف مع الزهرِىّ على العلماء ومعه الألواح والصحف يكتب كل ما سمع[٣]. توفِى الزهرِىّ سنة ١٢٤هـ

٣- وعن صالح بن كيسان قال اجتمعت أنا والزهرِىّ ونحن نطلب العلم فقال لِى تعالَ حتى نكتب السنن فكتبنا ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم[٤].

٤- وقال هشام بن الغاز كان يُسأل عطاء بن أبى رباح ويُكتب ما يُجيب فيه بين يديه[٥] توفِى عطاء بن أبى رباح سنة ١١٤هـ

٥- قال رجاء بن حَيْوة كتب هشام بن عبد الملك إلى عامله أن يسألونِى عن حديث قال رجاء فكنت قد نسيته لولا أنه كان عندِى مكتوبًا[٦].

٦- وعن سليمان بن موسى أنه رأى نافعًا مولى ابن عمر يملِى عمله ويُكتب بين يديه.[٧] توفِى نافع سنة ١١٧ هـ

٧- وقال رجل للحسن البصرِىّ عندِى بعض حديثك أرويه عنك قال نعم.[٨]

٨- وفى التهذيب أن حميدًا الطويل أخذ كتب الحسن فنسخها فم ردّها إليه.

٩- وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله أن اكتبوا إلىَّ ما كان عندكم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع أبو بكر ابن حزم وجهز عدة دواوين وتوفِى عمر بن عبد العزيز قبل أن ينفذها إليه[٩].

١٠- وابن شهاب الزهرِىّ أيضًا جمع الحديث بأمر من عمر بن عبد العزيز.

١١- وعن معمر أن دواوين حديث الزهرِىّ حملت على عدة رواحل[١٠] ولقد توفِى عمر بن عبد العزيز سنة ١٠١ هـ

فقد قدمت إليكم هذه المقتطفات من أخبار عصر التابعين بطريق عابر وذكرت إثْرَ كل أَثَرٍ وخَبَرٍ السنةَ التى تُوُفِّى فيها صاحبه وإنكم تستطيعون أن تستدلوا بهذه السنين على أن تلك الوقائع قد وقعت حوالِى سنة مائة من وفاة النبِىّ صلى الله عليه وسلم بل وأكثرها قد وقع قبل انقراض مائة عام.

الكتابة فى عصر تابعِى التابعين

ولنمض قريبًا فلنضع عصر تابعِى التابعين نصب أعيننا لنرى من أخبار كتابة الحديث أكثر مما وجدناه من قبل ونرى دواوين كثيرة للحديث حتى إن بعضها قد بقِى على مرّ العصور وكرّ الدهور فوصل إلى أيدينا.

كانت عادة الكتابة عن سماع الشيخ المحدث قد استمرت فيقول محمد بن بشير كان عند مسعر المتوفى سنة ١٥٥ هـ نحو ألف حديث فكتبتُها سوى عشرة[١١] اهـ

وقال عبد الرزاق كتبت عن معمر المتوفى سنة ١٥٣هـ عشرة ءالاف حديث[١٢] اهـ

وقال أبو داود لم يكن لحماد بن سلمة كتاب إلا كتاب قيس بن سعد[١٣] اهـ

وقال إبراهيم بن موسى قدم الثورِىّ اليمن فقال اطلبوا لِى كتابًا سريع الخط فارتادونِى وكنت أكتب[١٤] اهـ

وقال أبو نعيم كتبت عن أزيد من مائة شيخ اهـ

وكتب شعيب بن أبى حمزة للخليفة هشام شيئًا كثيرًا بإملاء الزهرِىّ عليه اهـ

وقال أبو زرعة الدمشقِى سمعت أحمد بن حنبل يقول رأيت كتب شعيب بن أبى حمزة فرأيت كتبًا مضبوطة مقيَّدة اهـ ولقد توفِى شعيب سنة ١٦٣ هـ.

وكان أبو عوانة الوضاح يقرأ ولا يكتب فكان يستعين بمن يكتب له وتوفِى أبو عوانة سنة ١٦٣هـ.

وكان عند ابن لهيعة أيضًا كتبٌ فقال عثمان بن صالح كتبت كتاب عُمارة بن غَزِية من أصله ولقد توفِى ابن لهيعة سنة ١٧٤ هـ.

وكان لسلميان بن بلال المتوفى سنة ١٧٣هـ أيضًا كتب فلما حضرته الوفاة أوصى بها إلى عبد العزيز بن أبِى حازم.

وقال أبو حاتم الرازِىّ إن أبا نعيم كتب عن عبد السلام بن حرم ألوفًا من الحديث ولقد توفِى ابن حرب سنة ١٨٧ هـ.

وكان فى كتب ابن المبارك التِى حدّث بها نحوٌ من عشرين ألف حديث.

وكان عند غندر أيضًا كتب فقال يحيى بن معين كان غندر أصح الناس كتابًا. وقال عبد الرحمن بن مهدِىّ كنا نستفيد من كتب غندر فى حياة شعبة وتوفِى غندر سنة ١٩٣ هـ.

وقد بدأ فى هذا العصر نشاطات التأليف الفنِىّ والتدوين المنظّم إلى جانب الكتابة التى لم تزل عادة متبعة لديهم فقام بمكة انن جريج المتوفى سنة ١٥٠ هـ وباليمن معمر بن راشد المتوفى سنة ١٥٣ هـ وبالبصرة سعيد بن أبى عَروبة المتوفى سنة ١٥٦ هـ والربيع بن صَبيح المتوفى سنة ١٤١ هـ بعمل التآليف. وفى نفس هذا العصر صنف موسى بن عقبة المتوفى سنة ١٤١ هـ وابن إسحاق المتوفى سنة ١٥١هـ فى المغازِى والسير.

وتلاهم بالشام الإمام الأوزاعِىّ المتوفى سنة ١٥٧هـ وفى خرسان الإمام ابن المبارك المتوفى سنة ١٨١ هـ وفى البصرة حماد بن سلمة المتوفى سنة ١٦٧ هـ وفى الكوفة سفيان الثورِىّ المتوفى سنة ١٦١ هـ فقاموا بتأليف كتب الحديث.

وفى هذا العصر نفسه قام الإمام مالك بتأليف كتابه الموطأ الذى طار صيته فى الآفاق وكانت وفاة الإمام مالك رحمه الله سنة ١٧٩ هـ

وفى هذا العصر ألف أبو معشر السندِىّ كتابًا فى المغازِى ومات أبو معشر سنة ١٧٠هـ.

وتلا هذا الجيل إبراهيمُ بن محمد الأسلمِىّ أستاذ الإمام الشافعِىّ فعمل موطأً على منوال موطأ مالك فقال فيه ابن عدِى موطؤه أضعاف موطأ مالك وتوفى إبراهيم سنة ١٨٤هـ.

وكان يحيى بن زكريا بن أبى زائدة الكوفِىّ صاحب أبى حنيفة إمامًا صاحب تصانيف ومات يحيى سنة ١٨٣ هـ.

وصنف المعافَى بن عمران الموصلِىّ المتوفى سنة ١٨٥ هـ فى السنن والزهد والأدب والفتن وغير ذلك.

وكان عند عبد الرحيم بن سليمان الكنانِىّ أيضًا مصنفات.

وقد صنف الإمام أبو يوسف المتوفى سنة ١٨٣ هـ كتاب الآثار وكتاب الخراج وغيرهما.

وصنف الإمام محمد المتوفى سنة ١٨٩ هـ الموطأ وكتاب الآثار وكتاب الحجة وغير ذلك.

وصنف الوليد بن مسلم المتوفى سنة ١٩٥ هـ سبعين كتابًا على شتى أبواب الحديث وموضوعاته.

وكان وكيع أيضًا صاحب مصنفات فى علم الحديث وتوفِى وكيع سنة ١٩٧ هـ.

وقام ابن وهب المتوفى سنة ١٩٧هـ بتأليف أهوال القيامة والجامع وغيرهما ومن مصنفاته أيضًا موطأ كبير ضخيم.

وخلَّف محمد بن فضيل المتوفى سنة ١٩٥ هـ كتاب الزهد وكتاب الدعاء.

ومن مصنفات هذا العصر ما وصل إلى أيامنا مثل الجامع لسفيان وكتاب الزهد والرقاق لابن المبارك والموطأ للإمام مالك وكتاب الآثار وكتاب الخراج لأبى يوسف والموطأ وكتاب الآثار وكتاب الحجة للإمام محمد والله تعالى أعلم.

 


[١] المرجع كتاب نصرة الحديث للشيخ حبيب الرحمن الأعظمِىّ رحمه الله تعالى.

[٢] سنن الترمذِىّ ٢، ٢٣٦ وسنن الدارمِىّ.

[٣] تذكرة الحفاظ ١، ١٠٣.

[٤] كنز العمال ١، ٢٩٠.

[٥] سنن الدارمِى ص ٦٩.

[٦] سنن الدارمِى ص ٦٩.

[٧] المصدر السابق.

[٨] سنن الترمذِىّ ٢، ٢٣٧.

[٩] صحيح البخارِىّ ١، ٢٠.

[١٠] تذكرة الحفاظ ١، ١٠٦.

[١١] تذكرة الحفاظ ١، ١٧٧.

[١٢] تذكرة الحفاظ ١، ١٧٩.

[١٣] تذكرة الحفاظ ١، ١٩٠.

[١٤] تذكرة الحافظ ١، ٣١٦.