مختاراتٌ من كتاب لَحْنِ العامةِ والخاصةِ فِى المعتقدات (٢) [١]

قبسات من فوائد الشيخ أبِى علِىّ السكونِىّ
المتوفى سنة ٧١٧هـ رحمه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين وصلَى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى ءاله الطيبين الطاهرين وصحابته الأكرمين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.  أما بعد فلْيُحْتَرَزْ من مواضع فى كتاب الإحياء لأبى حامد الغزالِىّ ومن مواضع فى كتاب النفخ والتسوية له أيضًا ومن مواضع فى تآليفه أيضًا دُست فى تآليفه أو رجع عنها كما ذكره فى كتابه المسمَّى بالمنقذ من الضلال.

وَلْيُحَتَرَزْ أيضًا من مواضع فى كتاب قوت القلوب لمكِىّ ومن مواضع نقلت فى كتاب الهداية لمكِىّ فى التفسير تقتضِى التشبيه ولم ينبه على تأويلها فلا يُعَوَّلُ على ظاهرها مع أنَّها لم تكن منقولةً بطرقٍ قطعيةٍ.

وَلْيُتَحَرَزْ أيضًا من مواضع فى كتاب منذر بن سعيد البلوطِىّ فإنَّه دخل المشرق فى زمان هيجان فتنة المعتزلة فرجع إلى الأندلس وقد اعتل كلامه بالاعتزال وخالطه فاسد ءَارَائِهِمْ فلذلك نبهنا على التحرز من كلامه فى المعتقد.        وليحترز من مواضع فى خطبه وأنَّه تبع فيها المعتزلة ومن مواضع من كلام ابن برجان.

وأما تفسير الزمخشرِىّ فأكثره اعتزالٌ وفيه مواضعُ انتهَى فيها إلى الكفر والعياذ بالله وقد صَنَّفْنَا فِى الرد عليه كتابًا سميناه بالتمييز بما أودعه الزمخشرِىّ من الاعتزال فِى الكتاب العزيز كان قد ابتدأه والدِى رحمه الله ثم مَنَّ الله فى تكميله على يدَىَّ والحمد لله على ذلك.

وَلْيُحْتَرَزْ أيضًا من كتاب رسائل إخوان الصفا فإنَّ مؤلفيها من رءوس الملحدين والمدلسين للدين والمجانبين لطريق الإسلام والمسلمين ومن كتب الفلاسفة الملحدين، ومن كلام الجاحظ وإبراهيم بن سيار النظام وابن الراوندِى والناشئ ومعمر بن المثنى وتركنا ذكر قومٍ يقل وقوع كلامهم بين أيدِى الناس.

وَلْيُحْتَرَزْ أيضًا من كتاب خلق النعلين لابن قَسِّىّ لمواضع فيه يجب التحرز منها. وَلْيُحْتَرَزْ من كلام ابن حزم إذا تكلم فيما يتعلق بأصول الدين وقواعد العقائد ومما يتعلق بالمعانِى والحقائق لأن هذا الرجل لم يكن من أهل هذا العلم فلما تكلم فيما ليس يعلمه لم يُحسن.

وَلْيُحْتَرَزْ من كلام ابن رشد الحفيد لأنَّ كلامه فى المعتقد فاسدٌ، وجَدُّهُ من علماء أهل السنة وهو صاحب البيان والتحصيل والمقدمات تكلم فى صدر المقدمات كلامًا حسنًا دل على إمامته وفضله.

وَلْيُحْتَرَزْ من كلام ابن عربِى الطائِى ومن مواضع كثيرة فى قصائده وقصائد ابن الفارض الشاعر التِى أشبعنا فى بيانها وتقريرها فى كتاب أصول الدين وإن كان الأمر فى ذلك أبينُ من أن يحتاج إلى بيان لأن المُوجِدَ القديمَ من المعلوم ضرورةً وبديهةً استحالةُ أن يكون هو عينَ الحادثِ المتغير فوجبَ افتراقُ القديمِ مِن الحادث والعزيزِ من الذليل والغنِىِّ الكبير من الفقير الحقير. وكلُّ كلام وإطلاق من قبل المؤلفين يوهم الباطل فهو بالإجماع على ما تقدم التنبيه عليه فأحرَى وأولى بطلانه إذا كان صريحًا فى ذلك.  فإن قال من قدمناه لم نقصد بكلامنا الاتحاد وإنّما قصدنا أمرًا ءاخر قلنا لهم الله أعلم بالمقاصد وإنَّما اعترضنا نحن على الألفاظ التِى تظهر منها الإشارة إلى الاتحاد ووجهٍ من وُجُوهِ الإلحاد.

وَلْيُحْتَرَزْ أيضًا من كلام ابن أعلى الرومِىّ ومن كلام ابن سينا أنصف الله منه الإسلام والمسلمين على ما أحدثه فى الدين ومن كلام الملحدين الظالمين القائلين بالاتحاد أو بالحلول أو بالتشبيه أو بالتجسيم تعالى الله عن أقوالهم رب العالمين.

وليعول على الاقتداء بخاتم النبيين وسيد المرسلين وخيرة المخلوقين المصطفى صلى الله عليه وسلم وبما أُنزل عليه من الكتاب الحكيم وما وردت به سنته ودينه القويم وصراطه المستقيم كما قال تعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) ثم الاقتداءِ بأئمة المؤمنين من الصحابة والتابعين لَهُم مِن أهل السنة ومن أئمة المتكلمين الدالين على الدين والداعين إلى المنهج الحقِّ المبين والحبل المتين كالشيخ أبِى الحسن الأشعرِىّ رحمه الله صاحب كتاب المتحرِى فى تفسير القرءان الكريم فى أربعمائة سِفْر وقد بلغت تآليفه ثلاثمائة وثمانين تأليفًا وأزيد على ما ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر محدث الشام رحمه الله ونضَّر وجهه ولقد أطنب فى مدح الشيخ أبِى الحسن رحمه الله ومَدْحِ أئمة مذهبه مذهب أهل السنة والجماعة بما يَليق بدينه وأمانته وكلُّ ذلك مشبعٌ الكلامُ عليه فى الكتاب الكبير المعروف بتاريخ بغداد للشيخ أبِى الحسن رحمهم الله جميعًا وكالقاضِى أبى بكر ابن الطيب صاحب الهداية والدقائق وكالأستاذ أبِى إسحاق الأسفرايني رحمه الله صاحب الجامعين وكالأستاذ أبِى بكر بن فورك رحمه الله صاحب المشكلين وكالإمام أبِى المعالِى رحمه الله صاحب الإرشاد والشامل ومَن سلك طريقَهُمْ ونهجَ مَنْهَجَهُمْ فَهُمُ الذين أقامهم الله أعلامًا لنصرة دينه والقرب عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فى قوله وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين قرقة كلها فى النار إلا واحدة قالوا من الواحدة يا رسول الله قال من كان على ما أنا عليه وأصحابِى اهـ

وما كان من كلام من قدمنا التحرزَ من كلامهم موافقًا للحق عُوّل عليه لا لأنّه قاله بل لموافقته للحقّ وما خالف الحقّ من ذلك فلا يُلتفت إليه ولا يعول عليه، وليس المخالفُ للحق فى الاعتقادات والإطلاقات مما ينضبط بحصرٍ ولكن ذكرنا من الإطلاقات الممنوعات أمثلةً يُعتبر بها ما لا يجوز إطلاقه مما يخالف الحقّ، وبمعرفة الحقّ يُعْرَفُ الردُّ على ما يخالفه.

والله سبحانه ينفع بالقصد فى ذلك إنّه ولِىُّ كريمٌ ونسأله تعالى أن يجعلنا من الناصرين لدينه الناصحين لأمة رسوله والحمد لله ربّ العالمين وصلواته وسلامه على خاتم النبيين والمرسلين وإمام المتقين محمد أفضل العالمين وعلى ءاله الطاهرين وصحابته الأكرمين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب لحن العامة والخاصة فى المعتقدات للشيخ أبى علِىّ السكونِىّ رحمه الله تعالى.