مخالفة الشيخ يوسف القرضاوِى للعقيدة الإسلامية (٣)[١]

قبساتٌ من فوائد الشيخ سيد إرشاد البنغالِىّ الحنفِىّ
حفظه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد فإن الشيخ يوسف القرضاوِىّ نال شهرة واسعة بسبب القنوات التلفزيونية الفضائية وإرادة بعض الجهات أن يشتهر اسمه ويشيع ذكره ولكنه فى خلال ما نشر من كتب وذكر من مقالات حصل منه مخالفات كثيرة للشرع فى أصول العقائد فأردتُ أن أبيّن بعض هذه المخالفات قيامًا بالنصيحة وتحذيرًا للغافل.

المقالة الثانية عشرة القرضاوِىّ مُعجبٌ بالكفار يُورِدُ أقوالَ فلاسفتهم فى ثنايا كتبه مستشهدًا بها ومعظمًا لها وهو يعتقد أنَّ موادَّتَهُمْ جائزة ومولاتهم لا بأس بها!! بل هو يصرح بلا مواربة ولاكناية أن محبتهم شىءٌ حسنٌ ممدوح فى الشرع!! فقد قال فى العدد السابع والستين بعد المائتين من مجلة الأمان فى باب الأمان الفقهِىّ (ومحادة الله ورسوله ليست مجرد الكفر بهما) اهـ قاله فى تفسير قول الله تعالى (لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) ثم زاد مقصده وضوحًا فقال (فالآية تُعَلّلُ تحريم الموالاة أو الإلقاء بالمودة إلى المشركين ليس بمجرد كفرهم بالإسلام بل بأمرين مجتمعين كفرهم بالإسلام وإخراجهم للرسول والمؤمنين من ديارهم بغير حق) اهـ

فعلى زعمه لا يحرم موادة الكفار ولا موالاتهم إلا الذين أخرجوا الرسول والمؤمنين من ديارهم.

قلتُ جزى الله من يقول هذا بما يستحق فإن الله عز وجل يقول (قل أطيعوا الله والرسول فإنْ تَوَلَّوْا فإن الله لا يحب الكافرين) ومن لا يحبه الله نحن لا نحبه أيضًا وكيف نُوَادُّ مَنْ نَقَّصَ اللهَ وسَبَّهُ وازدرى النبىَّ وكذبه وكرهَ ديننا واحتقرَهُ وناقضَ كتابنا وخالفه، بل من شأن المؤمن أن يكره من يكرهه الله وأن يحب من يحبه الله قال ربنا جلا وعلا (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عَدُوِّى وعَدُوَّكُم أولياءَ تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم) فهذه الآية فيها النَّهْىُ الصريح عن موادتهم.

وقوله (يخرجون الرسول وإياكم) ليس علة التحريم وإنما هو ذكر قبيح أفعالهم ومن مارس الأصول يعرف من الآية أن العلة هِى الكفر لأن قوله تعالى (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) نصٌّ على  أن العلة هى كفرهم فألغى القرضاوِىّ هذه العلة المصرح بها وجعل علةً غيرها لم يُسْبَقْ إليها فقال يجوز موالاة الكفار إن لم يخرجوكم من دياركم بينما ربنا عز وجل يقول (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) أفنترك كتاب ربنا وءاياته لقول "قارض" يُجرِى الكلام على عواهنه ويضرب الآيات بعضها ببعض ويحرف معانيها بلا علم ولا سلطان مبين حاشا وكلا.

وها هو القرضاوِىّ يزيد حبّه للكفار الذين يعادون الله ويكرهون رسوله بيانًا فيقول فى كتابه المسمى الإيمان والحياة وفى الصحيفة الحادية والخمسين منه (وأحَبَّ المؤمنُ الناسَ جميعًا لأنهم إخوته فى الآدمية وشركاؤه فى العبودية لله جمع بينه وبينهم رحمٌ ونسبٌ كما جمع بينهم هدفٌ مشترك وعدوٌّ مشتركٌ) اهـ

أقول إن كان بين القرضاوِىّ وبين أتباع الشيطان هدفٌ مشتركٌ فلا هدف مشترك يجمع بيني وبين عباد الصنم ولله الحمد وليس عَدُوِّى وعَدُوُّ عابدِ الشيطانِ مشتركًا ولا يجمع قلبِى بين حب الله عز وجل وحب أعدائه. كيف وقد نهانا الله عن محبتهم وزجرنا رسول الله عن ذلك زجرًا بليغًا ويكفِى فى بيان هذا حديثُ ابن حبان وأحمد وغيرهما (لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا فى الجاهلية فوالذِى نفس محمد بيده إن ما يدهده الجُعَل بأنفه خير من هؤلاء المشركين) فإذا كان هذا حال الآباء المشركين بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان الكفار أخسَّ من أقذار الناس التى يجمعها الجُعل بأنفه فهل تصدر دعوى محبتهم وموادتهم وموالاتهم إلا عن شخص غرق فى قاذوراتهم فلم يعد أنفه يميّز بين طِيبِ ريحِ المسك وخبث نَتْنِ الجِيَفِ!؟ وعلى كلّ فإن من أحبهم وسوّغ محبتهم ينطبق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب) اهـ

وأما تمسكه بحديث أحمد عن زيد بن أرقم أنا أشهد أن العباد إخوة اهـ فلا وجه له لأن الحديثَ ضعيفٌ و"الدكتور" رغم ادعائه الاجتهاد لا خبرة له فى الحديث وفى تمييز صحيحه من ضعيفه ولذلك تراه يتمسك بما لا يصح ولا يثبت وأما نحن فنتمسك بقول الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) وهو بحمد الله مُتَمَسَّكٌ راسخ الثبوت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ثم استمع إلى "الدكتور" فى الصحيفة التاسعة والأربعين من كتابه المسمى غير المسلمين فى المجتمع الإسلامِى يقول (اعتقاد كل مسلم بكرامة الإنسان أيًّا كان دينه أو جنسه أو لونه قال تعالى (ولقد كرمنا بنِى ءادم) وهذه الكرامة المقررة توجب لكل إنسان حق الاحترام والرعاية) اهـ

أقول استَمِعْ إلى كلامه هذا وقارنه بقول الله تعالى (إنما المشركون نجس) وبقوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا) الآية ثم سل نفسك أىُّ احترامٍ هذا هو الذى يتكلم عنه القرضاوِىّ !!

وأما قوله تعالى (ولقد كرمنا بنِى ءادم) فهو بالنسبة لأصلهم فقد جعل الله أصلهم وهو المنِىّ طاهرًا وإلا فهل يعتقد مؤمنٌ أنَّ أبا لهبٍ مكرم عند الله أو أن أبا جهل كان يستحق الاحترام من المسلمين أو أن عابد البقر أو الشيطان أو الفأر أو الخشب يستحق ويستوجب الاحترام على المسلمين بحيث إنّ مَنْ لم يحترمه ويعظمه يكون ءاثمًا عاصيًا؟! حاشا بل هذه من تخيلات القرضاوِىّ المبنية على المداهنة فى الدين والله حسيبه

وانظر إلى نفس الصحيفة السابقة من نفس الكتاب يقول فيها (ليس المسلم مكلفًا أن يحاسب الكافرين على كفرهم أو يعاقب الضالين على ضلالهم فهذا ليس إليه وليس موعده هذه الدنيا) اهـ

قلتُ فلمَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من بدَّل دينه فاقتلوه) رواه البخارِىّ ولم قال تعالى (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) ولم قال الرسول (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) ولمَ غزا المسلمون السند والهند والأندلس؟! ولمَ قال الرسول صلى الله عليه وسلم (عجب الله من قوم يدخلون الجنة فى السلاسل) رواه البخارِىّ. أم يظن القرضاوِىّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم بإحسان كانوا مثلَهُ مداهنين للمشركين موادّين للكفار لا يمتنعون من محبة من حادَّ اللهَ ورسولَهُ هِمَمُهُمُ الجاهُ والدينارُ والدرهمُ؟!! خاب وخسر وتعس وانتكس وما انتقش بل كان همهم مرضاة الله يحبون فى الله من أطاع الله يبغضون ويعادون فى الله من عادى الله ولو كانوا أولِى قربَى.

ثم إن "الدكتور" القرضاوِىّ ألغى ءايات القتال الواردة فى سورة براءة وغيرها إذ يقصر الجهاد على حالة دفع المسلمين للجهوم ويمنع القتال الذى هو للهجوم تحت ستار ما يسميه حريةَ العقيدة التى زعم أن الإسلام يكفلها لكل الناس بلا استثناء قال فى الصحيفة السابعة عشرة من كتابه المسمى غير المسلمين فى المجتمع الإسلامِىّ (أول هذه الحريات حرية الاعتقاد والتعبد فلكل ذِى دين دينه ومذهبه لا يُجبر على تركه إلى غيره ولا يضغط عليه أىّ ضغط ليتحول منه إلى الإسلام) اهـ

أقول الصحابة وصلوا إلى أطراف الصين كما إلى مراكش فى ظرف خمس وعشرين سنة وفتحوا بلاد الروم والفرس والسند والترك والبربر من غير أن يكون أىُّ من هؤلاء بادئين بالهجوم على المسلمين ولم يفعلوا ذلك لمغانم ولا لشهوة حكم بل لم يفعلوه إلا لنشر دين الله تعالى تنفيذًا لقوله عز وجل (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وتنفيذًا لقول الله عز وجل (تقاتلونهم أو يسلمون) ولقوله تعالى (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) ولقوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) وقوله تعالى (يا أيها النبِىّ جهاد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) وقوله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين) فهذه الآيات صريحة فى وجوب قتال الكفار هاجمونا أم لم يهاجمونا منعونا من نشر ديننا أم لم يمنعونا إلا إن أسلموا أو دفعوا الجزية إن كانوا من أهل الكتاب ولذلك قال الأصوليون (الجهاد ماض حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم) اهـ وهذا شىءٌ اتفقوا عليه كما نقله إمام الحرمين وأقره النووِىُّ.

وأما قوله تعالى (لا إكراه فى الدين) فقد قال الإمام أبو منصور الماتريدِىُّ إنها منسوخة بآيات القتال وقال ءاخرون من المفسرين إنها فى المُعَاهَدِين فإنهم لا يقاتلون حتى تمضِى المدة أو ينقضوا العهد ولم يقل مفسرٌ مُعْتَبَرٌ لا من السلف ولا من الخلف إن هذه الآية تدل على أنه لا يجوز قتال الناس لإدخالهم فى الإسلام بل قال الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرها فرضٌ غَزْوُ الكفار فى بلادهم كل سنة مرة على الأقل عند الاستطاعة اهـ

ثم إن حديث رسول الله يفسر ما جاء فى القرءان بما لا يترك مجالًا لرأى القرضاوِىّ وأمثاله فإن سيدنا عليًا لما وجهه رسول الله للقتال قال بعدما مشَى خطوة يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فأقره رسول الله على قوله ولم ينكر عليه ورسولُ الله أعلم بمعانِى كتاب الله من مِلءِ الأرض من أمثال القرضاوِىّ والحديث رواه مسلم.

وما زعمه القرضاوِىّ هو ضد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه البخارِىّ (من بدّل دينه فاقتلوه) وقد سبق وهو ضد أفعال الصحابة أيضًأ فإنهم بعد موت رسول الله ذهبوا إلى عقر ديار المرتدين من بنِى حنيفة فقاتلوهم ثم غَزَوُا الروم والفرس والسند والبربر مع بُعْدِ ديارهم عنهم فوصلوا إلى أطراف الصين وإلى مرَّاكش فى ظرف خمس وعشرين سنة. وهذا غيلان الدمشقِىّ القدرِىُّ المعتزلىُّ بلغ الخليفة هشام بن عبدالملك أنه يُكَذِّبُ بالقدر فاستدعاه فسأله عن ذلك فقال له ادعُ من يناظرنى فدعا هشامٌ الأوزاعِىَّ فناظره فكسره الأوزاعِىُّ وألقمه الحجر ثم قال رَضِىَ الله عنه لهشام كافرٌ وربِّ الكعبة يا أمير المؤمنين وأفتاه بقتله فأخذه هشام فقطع لسانه ويديه ورجليه ثم قطع رأسه وصلبه على باب دمشق. ومثله فعل كثيرٌ من خلفاء الإسلام بفتاوى الأئمة والعلماء. فأين أنت يا قرضاوِىُّ من القرءان ومن الحديث ومن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وخلفاء المسلمين وعلمائهم فإنك لم توافق أيًّا منهم وسيكونون خصومك يوم العرض إن لم تتداركْ نفسك بالتوبة ولا ينفعك يومذاك اقتداؤك بسيد قطب ولا اتخاذُهُ وأَمْثَالَهُ لك إمامًا بل كلامك هذا تكذيب للنصوص والله المستعان على أمثالك وإليه المشتكى.

يتبع فى المقالة التالية.


[١] المرجع كتاب تنبيه المسلمين من ضلالات يوسف القرضاوِىّ للشيخ سيد إرشاد البنغالِىّ.