مخالفة الشيخ يوسف القرضاوِى للعقيدة الإسلامية (٢)[١]

قبساتٌ من فوائد الشيخ سيد إرشاد البنغالِىّ الحنفِىّ
حفظه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد فإن الشيخ يوسف القرضاوِىّ نال شهرة واسعة بسبب القنوات التلفزيونية الفضائية وإرادة بعض الجهات أن يشتهر اسمه ويشيع ذكره ولكنه فى خلال ما نشر من كتب وذكر من مقالات حصل منه مخالفات كثيرة للشرع فى أصول العقائد فأردتُ أن أبيّن بعض هذه المخالفات قيامًا بالنصيحة وتحذيرًا للغافل.

المقالة السادسة من عجائب القرضاوِىّ تسميتُهُ الله تعالى قوة وعقلًا مدبرًا وعلةً وذلك فى كتابه المسمى الإيمان والحياة من الطبعة التاسعة عشرة فى الصحيفة العشرين وكذا الحادية والعشرين.

قلت هذا المتعالم جَهِلَ أن القوة صفةٌ لله فلا يجوز تسميةُ الله قوةً كما لا يجوز تسميته علمًا أو وحدانية أو حياةً وإنما يقال عليم حِىّ أى متصفٌ بالعلم متصفٌ بالوحدانية متصفٌ بالحياة وهكذا فالله تعالى قوِىٌّ متصفٌ بالقدرة كما قال (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) وللكوثرِىّ رحمه الله مقالة ممتعة فى مقالاته فى منع تسمية الله بالقوة.

وأما العقل فهو من صفات البشر بإجماع علماء اللغة والشرع، والعلةُ معناها السببُ وكلاهما مخلوقٌ فكيف يستجيزُ هذا المُدَّعِى تسمية الله بذلك؟! وقد نصّ الإمام ركن الإسلام علِى السغدِىُّ الحنفِىُّ على تكفير مَنْ سَمَّى اللهَ تعالى سببًا أو علةً وقال الإمام الطحاوِىُّ السلفِىُّ (ومن وصف الله بمعنى من معانِى البشر فقد كفر) اهـ

والقرضاوِىّ تبع فى هذه المقالة فلاسفة اليونان وسيد قطب لا علماء الإسلام من سلف وخلف فإما أن يتدارك نفسه بالتوبة قبل الموت وإما أن يحشر مع من اتبعهم واتخذهم قدوة والله يهدِى من يشاء.

المقالة السابعة يزعم القرضاوِىّ (أنَّ الله ما شاء إلا ما فيه الخير والحكمة) اهـ قاله فى الصحيفة التاسعة والأربعين من كتابه المسمى غير المسلمين فى المجتمع الإسلامِى ثم أكد كلامه هذا فى كتابه المسمى الإيمان والحياة فقال فى الصحيفة الحادية عشرة بعد المائة (إن ما يظنه الناس شرًا فى الوجود ليس هو شرًا فى الحقيقة) اهـ

قلتُ لا شك أن الكفر والضلال والفسوق والعصيان والقتل ظلمًا والسباب كل ذلك لا يحبه الله ولا يأمر به لكنه يحدث بمشيئة الله وعلمه وتخليقه كما قال الله تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منِى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وكما قال (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا) وكما قال جل وعز (ولو شاء الله ما اقتتلوا) وقوله تعالى (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التى تدل على أن كل ما يحصل فى هذا الوجود من خير وشر هو بتقدير الله. فعلى مقتضَى كلام القرضاوِىِّ يكون الكفر والضلال والشرك والقتل والكذب والسباب والزنى والسرقة والغصب والفسوق والعصيان خيرًا محضًا ومن يَدَّعِى هذا فهو مجنونٌ.  وهل فِعْل هذه الموبقات هو ما يقصده القرضاوِىّ عندما يحض الناس على الخير ؟! الله أعلم.

هذا مع العلم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صرح تصريحًا بأنَّ فِى المخلوقات خيرًا وفيها شرًا ففِى حديث جبريل المشهور الذى يتعلمه المبتدئون والمذكور فى الأربعين النووية المشهورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره) وفى رواية (من الله) فالمراد بالقدر هنا هو المقدور أى المخلوق وفيه التصريح بأن منه خيرًا ومنه شرًا وأن كل ذلك يحصل بقضاء الله وقدره فبعد هذا لا يُقام لكلام القرضاوِىِّ وزنٌ بل يُرْمَى به فى كل سهلٍ وحَزَن.

المقالة الثامنة القرضاوِىّ كما قلنا يجمع ضلالات الفرق المختلفة ليثبتها فى كتبه فهو لذلك بتبع منكرِى الشفاعة فيقول فى الصحيفة العشرين من كتابه المسمى الإيمان والحياة إن الإيمان بالشفاعات أفسد صفاء الإيمان ونص عبارته (كل ما فعله الإسلام هو أنه نقى هذه العقيدة من الشوائب الدخيلة وصفاها من الأجسام الغريبة التِى أدخلتها العصور عليها فكدرت صفاءها وأفسدت توحيدها بالتثليث والشفاعات) اهـ إلخ.

قلتُ القرضاوِىّ يطلق ذم الشفاعات ولم يخص بذمه شفاعات المشركين من أوثانهم ففِى إطلاقه نفىٌ لكل شفاعة كما لا يخفى لكنَّ القرءان يثبت الشفاعة ويثبتها الرسولُ صلى الله عليه وسلم له وللأنبياء والملائكة والصالحين والشهداء وأمرها متواتر فى الدين وثبوتها قطعِىٌّ وهو اعتقاد أهل السنة قاطبة وإنما خالفهم فى ذلك المعتزلة فمن أراد أن يكون معهم فسيرى بعد الموت ما يؤول إليه.

المقالة التاسعة  يأخذ القرضاوِىّ من الوهابية بعض عقائدهم فها هو يقول فى نفس الكتاب السابق فى الصحيفة الثامنة والثلاثين بعد المائتين (إنَّ مَنْ يخشَى غير الله فهو مشرك به وجاعل غَيْرَهُ أهلًا للخوف والطاعة وهذا ما لا يجتمع مع التوحيد أبدًا) اهـ

أقول فهل يعتقد القرضاوِىّ أنَّ الناس الذين يعيشون فى البلد الذى هو يعيش فيه وفى غيره من بلاد المسلمين ويطيعون الحكومات هناك فى أمور قانونية تخالف شرع الله خوفًا من القانون أقول هل يكفرهم جميعًا ويشمل بذلك رجال الشرطة والجيش وموظفِى الدولة ودافعِى الضرائب وغيرهم أم يتراجع عن مقالته الخبيثة؟! وعلى كل لا يستبعد عن مثله تكفيرهم وهو المتخرج من مدرسة سيد قطب الذى يكفّر الحاكم الذى لا يحكم بالشريعة ولو فى قضية واحدة والمحكوم الذى لا يثور على هذا الحاكم وقلَّد بذلك فرقة من الخوارج المارقين تسمى البيهسية حتى قال سيد قطب (لقد ارتدت البشرية بجملتها اليوم عن لا إله إلا الله) اهـ وقال (إن الإسلام اليوم متوقف عن الوجود مجرد الوجود) إهـ قال ذلك فى كتابه المسمى فى ظلال القرءان فليراجعه من أراد.

وإذا كان القرضاوِىُّ يعتبر أن كل من يخاف غير الله فهو مشرك فماذا يقول فى نبِىّ الله موسى حيث قال (لما خفتكم) وحيث قال الله تعالى فيه (وأوجس فى نفسه خيفةً) وماذا يعتبر نفسه حيث يخاف من الرجوع إلى وطنه فهل يكفّر نفسه أو يستثنيها.

المقالة العاشرة وكما يأخذ القرضاوِىُّ من شواذ الوهابية والخوارج والمعتزلة فهو يبتدع هو أيضًا أنواعًا من الشذوذ كما يصرح فى الصحيفة التاسعة والستين والصحيفة الحادية والسبعين من كتابه المُسَمَّى مشكلة الفقر بعدم صحة دخول الشخص فى الإسلام إذا نطق بالشهادتين حتى يصلِى ويدفع الزكاة!! وقال (فلا يتحقق لكافر الدخول فى جماعة المسلمين وتثبت له أُخُوَّتَهَمُ الدينية التِى تجعله فردًا منهم له ما لهم وعليه ما عليهم وتربطه بهم رباطًا لا ينفصم عراه إلا بالتوبة عن الشرك وتوابعه وإقامة الصلاة التى هى الرابطة الدينية الاجتماعية بين المسلمين وإيتاء الزكاة التى هى الرابطة المالية الاجتماعية بينهم) اهـ إلى أن قال (وبدون الزكاة لا يفارق المشركين الذين وصفهم القرءان بقوله (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون) اهـ

قلت فى كلام القرضاوِىّ هذا يظهر تأثره كما فى مواضع أخرى بالخوارج الذين وصفهم عبد الله بن عمر رضى الله عنهما بأنهم عمدوا إلى ءايات نزلت فى الكفار فجعلوها فى المسلمين كما رواه البخارِىُّ رحمه الله.

وليت شِعرِى ماذا يفعلُ القرضاوِىُّ بالفقراء الذين لا يستطيعون دفع الزكاة وبمَ يحكم عليهم!؟

وماذا يفعل بحديث الرجل الذى دخل فى الإسلام ثم قاتل ثم قُتِلَ من غير أن يصلِى ركعة واحدة لله تعالى فقال خير الخلق صلى الله عليه وسلم عنه (عمل قليلًا وأجر كثيرً) والحديث معروف فى كتب السنة.

وماذا يفعل بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريحة فى أن الكافر يكفِى نطقه بالشهادتين ليحكم بإسلامه كما فى الحديث المتواتر (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإذا قالوها عصموا منِى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) اهـ ولم يقل رسول الله حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويصلوا ويزكوا فالقرضاوِىّ استدرك على الله تعالى وعلى رسوله الكريم وكفَى بذلك خزيًا يَسْوَدُّ به وجهه يوم القيامة إن لم يتدارك نفسه بالتوبة والله الموفق.

المقالة الحادية عشرة قال القرضاوِىّ فى كتابه المسمى الإيمان والحياة ما نصه إن إيمان المقلد لا يُقْبَلُ اهـ ذكر ذلك فى الصحيفة التاسعة والثلاثين ونسبه إلى علماء الأمة.

قلتُ أما الأشاعرة فلا ينفون الإيمانَ عن المقلد كما أوضح ذلك وبسط القول الحافظ ابن عساكر فى كتابه تبين كذب المفترِى.  وأما المعتزلة فإنهم يقولون ذلك ومِثْلُ القرضاوىّ لا يُستبعد عنه أنه يتبعَ المعتزلةَ الضالين فى هذا الأمر يزعم أنهم هم علماء الأمة!!!!

يتبع فى المقالة التالية.



[١] المرجع كتاب تنبيه المسلمين من ضلالات يوسف القرضاوِىّ للشيخ سيد إرشاد البنغالِىّ.